[align=CENTER][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/16.gif');background-color:seagreen;border:10px double green;"][cell="filter:;"][align=center]
ونحن عندما نتمزق
دعوني أنا ابنة القدس احكي الحكاية ، حكاية الطفلة التي كانت تركض بشقاوة الأطفال في حارات القدس وتجوب أبوابها السبعة ، تخرج من باب الحرم إلى ( باب الساهرة ) لتذهب إلى مدرستها وكان اسمها ( مدرسة الفتاة اللاجئة )، ثم ترجع ظهرا ً لتعبر من ( باب حُطَّة ) فتضيء شمعة في ( بيت الولي ) هكذا كان يسمى ، وتركض إلى (حارة السعدية ) ،إلى ملعب حارة السعدية لتآذار / آذار / مارس شقاوتها وطفولتها باللعب على المراجيح ، ثم تعود أدراجها إلى منزلها فتعبر في ساحات الحرم وتكمل لعبها في لواوين الحرم
كما كنا نسميها ، وأحيانا ً كانت تتسلل خفيةً لتعبر من ( باب الإبراء ) لتشاهد الشكناز يقومون بطقوس غريبة يقفون أمام الحائط الكبير ويحملون بين أيديهم كتابهم يبكون ويدقون رؤوسهم بالحائط وكان البعض منهم يعد الموائد الممتلئة بالفاكهة ـ فاكهة بلادي من برتقال وتفاح وغيره ـ وكنت أقف وأشاهد باستغراب طفلة ولم أكن أفهم ما يحدث.
كنت أجوب الحارات القديمة وأبواب القدس السبعة مرارا ً وتكرارا ً كأنني كنت أجوبها عن عمري كله ، وخرجت من بلادي ولم أرجع يوما ،وربما لن أرجع ، وأولادي كبروا في الخارج ،لم يرجعوا يوما وربما لن يرجعوا.
منذ أربعين عاما لم أتنفس هواء ً يشبه هواء بلادي ، منذ أربعين عاما لم أنم ليلة إلا وطعنات الغربة تمزقني !
احمل حقيبتي وأولادي وأجوب بلاد الله ، بلد تلفظني بعد أخرى ،
وأولاد الشكناز يجوبون حارات القدس ويعبرون من أبوابها!
لم يعد لي وطن ولم أعد أمتلك الهوية ، وهم أولاد الشكناز لهم وطني ويحملون هويتي !
واسأل نفسي هل يا ترى أولاد الشكناز سيعرفون كيف يجوبون الحارات القديمة كما كنت أجوبها أنا ؟ وهل يعرف هؤلاء كيف
يضيئون شمعة في بيوت الأولياء الصالحين كما كنت أفعل أنا ؟
أم تراهم فقط يعرفون كيف يدقون رؤوسهم بالحائط كما يدك أباؤهم الآن أساسات الأقصى .
أنا لم احترف الكتابة يوما ً، ولم احترف البكاء يوما ً، ولكني وبكل مهارة احترفت التشرد .
لهذا عندما تبكي القدس نحن نتمزق وعندما نحن نتمزق ستبكي القدس .
[/align][/cell][/table1][/align]