القلاع والأبراج في فلسطين (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول- المجلد الثالث):
لمّا بُدأ بناء المدن في فلسطين في مطلع العصر البرونزي(حول 3000ق.م.) كانت كل مدينة تؤلف حكومة مستقلة . وهذه المدن – الدول روعي في بنائها اختيار المكان الحصين وأضيفت إليها مع الوقت أسوار وقلاع . والأمثلة على هذه : أريحا , وتل النصبة (على مقربة من القدس) , والتل(وهي عاي القديمة ) على مقربة من رام الله , وتل الدوير في جنوب فلسطين , وتل بيت مرسيم (إلى جنوب غربي الخليل) , وأبو شوشة(جازر القديمة) على مقربة من الرملة . وفي الألف الثاني قبل الميلاد , ولا سيما منتصفه, كانت فلسطين تابعة للإمبراطورية المصرية. وفي هذه الفترة لم يكن من حاجة إلى قلاع كثيرة لأن الدولة الكبرى كانت تقوم بالحراسة والدفاع من الداخل . ولكن الساحل كانت فيه مدن محصنة ذات قلاع مثل عكا (عكّو) ويافا (يابو) . وتنطبق هذه الملاحظة على أيام الآشوريين والفرس القدامى وعلى العصر الأموي. ومن هنا اهتم هؤلاء جميعاً بدور الصناعة في عكا (وفي صور في لبنان) وفي قيسارية الرومانية .
وفي الفترة التي مرّت بين 1200و750 ق.م. قامت في فلسطين دولٌ مستقلة كانت تتخاصم فيما بينها فكثرت القلاع. فالفلسطيّون في الجزء الجنوبي من السهل الساحلي كانت لهم قلاع في المدن الرئيسة التي بنوها وهي غزة وعسقلان وجت وأسدود واللد . ولما اتسّع ملكهم شمالاً بنوا " دورا" وقلعتها. وكان لدولة داود وسليمان وخلفائهما قلاع في الخليل , ثم حصنت القدس لمّا احتلتها . وكانت للكنعانيين , وهم سكان البلاد الأصليون , دولة متسعة وكان لهم قلاع في أبو شوشة (جازر) في الجنوب , وعكا على الساحل , وحاصور (قرب بحيرة طبرية) وغيرها. ومن المدن التي تعود إلى هذه الفترة التي تعرف بالعصر الحديدي المبكر تل الحصن (قلعة بيسان القديمة) وبير السبع .
وفي العصر اليوناني – الروماني البيزنطي عرفت فلسطين تبدلات كثيرة . فخلفاء الإسكندر ( السلوقيون في سورية والبطالمة في مصر) اقتتلوا في فلسطين طوال القرن الثالث قبل الميلاد وكان السلوقيون بناة مدن أكثر من البطالمة. وقد حافظوا على أكثر المدن التي كانت قائمة في المنطقة . وكثير من هذه حصّنت بالأسوار والأبراج والحصون لأن الهجمات من الشرق كانت كثيرة . وقد عني هؤلاء الحكام ببيسان (وإلى الشرق منها فحل في الأردن). ومثل ذلك يقال عن خربة الكرك (فيلوبطربا قرب بحيرة طبرية ) . ولكن أهم التحصينات الداخلية التي تعود إلى هذه الفترة (القرن الثالث للميلاد) تقع في الأردن وسورية عند خط التحصين الذي يبدأ من البتراء وينتهي عند نهر الفرات . وأما على الساحل فقد كانت العناية متجهة إلى عكا وعتليت ودورا وقيسارية والداروم وغزة ويبنة . وفي جنوب البلاد أقيمت مدينتان محصنتان هما الخلصة (ألوزا ) وميسيس (ولعلها صند حنة).
كانت فلسطين بين القرن التاسع والحادي عشر الميلاديين إما جزءاً مهملاً من ولاية عباسية وإما تابعة لمصر أيام الطولونيين (868-905م) والأخشيديين (935-969م) والفاطميين (960-1100م) وإما جزءاً من أملاك السلاجقة بين 1078و1117م أو الأتابكيين الزنكيين (1127-1181م). وكان تحصين المدن فيها يتوقف على مدى تقدير الحاكم لأهمية الموقع, وعلى المدة التي كان يقضيها الحاكم المحتل فيها. فأحمد بن طولون مثلاً حصّن مدينة عكا لأنه كان يعتبرها المدخل الرئيس لشمال البلاد (مدخل مرج ابن عامر) ومرفأ لأسطوله ولكن يمكن القول إنه لم تتم في هذه الفترة إقامة تحصينات أو قلاع هامة . وحتى القلاع والحصون القائمة لم يعن القوم بها عناية وافية .
والفترة التي نشطت فيها حركة بناء القلاع أو تحصين المدن هي فترة الحروب الصليبية . ويرجع ذلك إلى أسباب منها:
1) كان على الفرنج الذين استولوا على الجزء الساحلي من البلاد (وتوسعوا قليلاً في جنوب الأردن) أن يقيموا حصوناً تصدّ عنهم الغارات المستمرة التي أخذت تشتد حتى بلغت زخمها في أيام صلاح الدين الأيوبي والسلاطين الأول من المماليك.
2) كان على العرب والمسلمين الذين رأوا حصون هؤلاء الأغراب قائمة أن يقيموا قلاعاً تدفع عنهم الأذى وتشرف على العدو (لمّا بنى الصليبيون في الأردن الكرك والشوبك بنى صلاح الدين قلعة الربض في شمال البلاد ) .
3) كان على الحكام العرب والمسلمين أن يعيدوا تحصين القلاع التي يحتلونها إذا دمّرت أثناء الحرب .
4) لمّا قامت الفرق العسكرية الدينية كفرسان الإسبتارية وفرسان الدّاوية في القرن الثاني عشر كان كل فريق يبني قلاعه للدفاع عن نفسه .
5) كان عدد الإفرنج نسبياً قليلاً, وكانوا قد تملكوا أراضي واسعة بالنسبة إلى أعدادهم . فكان كل أمير نال أو انتزع أرضاً يشعر بالحاجة إلى قلعة ولو صغيرة يأوي إليها بعيداً عن أذى السكان إذا حدّثتهم أنفسهم بالثورة أو العصيان .
ثم إن النشاط الحربي المستمر كان يحتّم على الحاكمين من أي فريق كانوا أن يتحصنوا . وكان الحكام العرب والفرنج الأجانب يتبادلون – دون أن يقصدوا- الخبرة الفنية في بناء القلاع والحصون . فقد أفاد الفرنج من البناء الأقدم عهداً (البيزنطي والعربي) الذي كان أصلح للمنطقة والمناخ من البناء العسكري المستورد من أوربا . وأخذ العرب عن القادمين بعض ما كان عندهم. وقد يبدو هذا التبادل الفني في القلاع القائمة في سورية مثل قلعة الحصن وقلعة صلاح الدين أكثر مما يبدو في القلاع الفلسطينية .
وفيما يلي ثبت بالقلاع المنفردة أو القائمة داخل المدن في فلسطين بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر الميلاديين :
في الساحل : عكا(ظاهر العمر والجزار) - حيفا - عتليت x - قيسارية - أرسوف - يافا - يبنة x- عسقلان - غزة - الداروم x
في الوسط : القرين x- جدّينx - دير حنا x- شفا عمروx - الفولةx - صانورx - قاقون x- قلنسوةx - مجدل ياباx - البرج x- تل الصافي x
في الداخل : صفد - طابورx - صفورية - كوكب الهواx - طبرية - نيسان - نابلس - خان البرجx - القدس - أريحا - الخليل - بيت جبرين x- السموع x- الوساx- ميسيس x
(1) تعني الإشارة x أن القلعة أو البرج أو الحصن كان منفرداً ليس حوله مدينة .
ومعظم هذه القلاع والأبراج , سواء ما كان منفرداً أو داخل المدن و يسيطر على الطرق الرئيسة في البلاد من الشمال إلى الجنوب , ومن الشرق إلى الغرب . وتتضح هذه الحقيقة متى وضعت هذه الأسماء على خريطة . وإذا أضيفت إليها المدن المحصنة التي تعود إلى عصور أقدم غدا الأمر أشد وضوحاً.
وإلى جانب هذه المدن المحصنة والقلاع والأبراج كانت هناك مراكز للبريد تقوم على الطرق الرئيسة . وهذه قد تكون مدناً أو قرى أو أبراجاً . وقد أتقن المماليك نظام البريد. وكانت مراكز البريد القادم من مصر إلى الشمال والشرق هي: رفح-السلقة- غزة- بيت جبرين- الخليل- القدس . ومن غزة إلى بيت داراس – يازور- اللد – العوجا- الطيرة – قاقون – أم الفحم (فحمة) – جنين – نين- حطين- صفد (إلى دمشق) , أو من نين إلى زرعين – بيسان- جسر المجامع- إربد (إلى دمشق) . وكان الحمام الزاجل يتبع الطريق التالي: القاهرة – بلبيس – الصالحية – قطيا- غزة- , ومن غزة إلى القدس أو نابلس أو اللد فصفد فدمشق .
أما المناور فهي مواضع رفع النار في الليل والدخان في النهار للإعلام بحركات الغزاة( وكانوا التتار في أيام المماليك) إذا قصدوا البلاد للإغارة . وكانت المناور تقام على رؤوس الجبال أو على أبنية عالية . وكان لاختلاف أحجام النار والدخان وأعدادها ومرّاتها مدلولات تُعرف بالعدو وحجمه وبعده . فإذا وصلت رؤية النار أو الدخان إلى الجبل المنحدر إلى بيسان (من جهة الشرق) يُرى في نابلس ثم بقرية جنين وبجبل فحمة (أم الفحم) وبشرفة قاقون ومجدل يابا ويازور وغزة . ويقول صاحب " التعريف بالمصطلح الشريف":" ثم لا منور ولا أخبار بلسان النار إلاّ على الجناح والبريد ".