أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
كلوشار
- يا لطيف! أتمنّى من الله ألا يصعد هذا الرجل إلى الحافلة بالرغم من أن أنّها شبه فارغة، لكنّ الرجل وللأسف توجّه مسرعًا نحو الباب الخلفي حيث كنت أجلس هناك، ليس بعيدًا عن المدخل. وقفت وسارعت بالهرب إلى المقاعد الأولى. قد يظنني البعض أهرب من صاحب دينٍ يطالبني به ولم تعد لديّ سوى تلك الوسيلة!
لا .. بالطبع. الموضوع مختلفٌ تمامًا يا أصحابي، فهذا الرجل ينتمي لفئة نسمّيها هنا في بلاد الواق الواق كلوشار! وأتمنى من الله إذا كُتب لأحدكم زيارة بلغاريا أو أيّ دولة أوروبية ألا يعاشر أحدهم لا من بعيد ولا من قريب. صعد الكلوشار إلى الحافلة وانطلقت الروائح القاتلة حتى زكمت أنف قائد الترام والذي يبعد عشرات الأمتار عن المدخل الأخير للحافلة. شتم قائد الحافلة وأغلق الباب على نفسه ودلق ما تيسّر من عطر لديه. بدأت قطع الحديد والخردة التي يحملها تدندن كلّما تحرّك الرجل، وكانت المحطّة التالية رئيسية وهذا يعني صعود أعداد كبيرة من الركاب. صعد شباب في عمر الورود وبدأ التأفّف وتجرّأ أحد الشبّان وصرخ في وجه الكلوشار طالبًا منه الهبوط فورًا من الترام، المعروف بأنّ هذه الفئة من البشر لا تعرف معنىً للتذكرة وتستخدم المواصلات العامّة بشكلٍ كامل بالمجان. شابٌ آخر كان أكثر جرأة انتظر حتى فتح الترام أبوابه وقذف بالرجل خارج الترام! انطلقت الحافلة الكبيرة مجدّدًا لكن الرائحة الكريهة النتنة بقيت تحاصرنا وتزكم أنوفنا حتى بعد أن قطع الترام مسافة كبيرة، ولولا أنّني كنت في عجلة من أمري لهربت من الحافلة ولبحثت عن وسيلة مواصلاتٍ أخرى.
كلوشار لا يعرف معنى الحمام إلا إذا جادت عليه السماء بما تيسّر من الماء فقط دون الصابون بالطبع. إذا كانت لدى أحدهم قطعة قديمة وقذرة من الملابس، استفرغ مريضٌ فوقها أو عقّمها جرذٌ ما، وقررت العائلة التخلّص منها فستجدها بعد يومٍ أو يومين فوق جسد الكلوشار ولن يخلعها عنه لأشهر طويلة حتى وإن وجد غيرها، تصوّروا كيف يكون الوضع خلال أيام الشتاء الباردة أو أيام الصيف الحارّة عندما يحشر الكلوشار رجلٌ كان أو امرأة جسده في هذه القمامة! الكلوشار يا زملائي يعلن امتلاكه لمجموعة من حاويات القمامة قد يقتل ويضرب إذا تجرّأ أحدٌ ما أن ينبش أو يعبث في مدّخراتها من القمامة، يأكل ما يجد هناك وعند آخر الليل يبحث عن شارع ضيّق أو مدخل مترو أو حفرة أو خلف جدار أو تحت الدرج. ينام أينما تيسّر، وخلال ساعات النهار يرافق الكلاب الضالة، حيث يكون هناك عادة مجموعة من الكلاب التي ترافقه ليتقاسم معها ما يجد من فضلات وعظام. بيد أن الكلاب على أيّة حال لا تفرز تلك الرائحة السيّئة والنتنة التي نستنشقها كلّما فاجأنا كلوشار بحضوره القويّ، لأنّها تلعق جلدها وتحاول الاغتسال بمياه المطر أو المياه الجارية، بينما يجد الكلوشار عداوة مستأصلة بينه وبين النظافة! وبعد فترة من الزمن يأخذ بالتفاخر بين أقرانه ويضرب على صدره صائحًا: لا أحد يمكنه أن يجاريني في فرز الروائح النتنة. أنا ملك القذارة!
مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
رد: كلوشار
الأخ الأستاذ خيري حمدان
أعانك الله على هذه المقابلة , شيء مقرف حقا .
لو أنني مكانك لكنت نزلت من الحافلة فورا ,
وذلك خوفا من مثل هذه الكائنات , لأن تصرفاتهم
كلها تكون غير سوية .
شكرا لك ودمت بخير .
أستاذة وباحثة جامعية - مشرفة على ملف الأدب التونسي
رد: كلوشار
مساء الخير
ذكرتني قصتك أستاذ خيري بأيام الجامعة عندما كنت أستقل القطار يوميا للتوجه إلى الكلية..
أكثر ما كان يخيفني و يقزز الركاب كان وجود بعض المختلين عقليا أثناء السفرات و ما يترافق مع وجودهم من الهرج و المرج و الألفاظ الغير سوية..
لكن كنت أحبذ وجود أحدهم..كان هادئا و كان ينفخ بطريقة ممتازة على ناي صنعه بنفسه من القصب..
كان يحملنا إلى عوالم أخرى ...و في آخر السفرة يعطيه الركاب بعض النقود ..
هنالك حكايا عديدة كنت أسمعها أثناء السفر من هاته الفئة المسكينة...و أعي سبب وصولهم إلى مرحلة العُته..
آمل أن لا أكون قد أطلت عليك أستاذ خيري
سلمت
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: كلوشار
أكثر ما يمتعني في قصصك أخي خيري هو ذاك الجو الأوروبي الصرف الذي يحمله الوصف الدقيق للجزئيات .. الترام .. الحثالة من الناس .. المدن وما تحويه من أسرار في الضواحي أو في أقبية محطات الترام ..
حتى كلمة الترام لها وقع في نفسي و أنا أتخيل نفسي تائها في شوارع مدينة ما وعزف السكسوفون يساير إيقاع الليل الهادئ ..
شكرا لك .
ولك مني كل المحبة .
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 01 / 12 / 2009 الساعة 33 : 01 PM.
أديبنا الغالي : خيري حمدان
هذا النوع من الناس موجود في جميع المجتمعات تقريبا , وقد خصته السينما باهتمام كبير .
وهناك فرق بين " الكلوشار " بالطبيعة , أو بالوراثة , وهو غالبا ما يكون من طبقة دنيا , مسحوقة إجتماعيا , لا يستطيع مجابهة واقعه المر , فيقع في الدرك الأسفل من هامش الحياة .
كما هناك " كلوشارات " مثقفون , فيهم الرسامون والفنانون و العباقرة الذين يعيشون حالة تمرد دائم , يحسبهم الناس من الحثالة , بسبب مظهرهم المقرف , ويعطف عليهم من يعرف حقيقتهم .
شكرا لك سيدي على رحلة الباص الممتعة , رغم رائحتها .
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: كلوشار
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميساء البشيتي
الله يعينك على هالمشوار استاذي خيري
المفروض أن تضع كمامة لأنه هذه الروائح يسبب استنشاقها أمراض
الحمدلله على سلامتك .. رحلاتك دائما لا تخلو من المخاطر والمفاجآت
دمت بألف خير أخي خيري ودير بالك على حالك
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/2.gif');border:5px inset green;"][cell="filter:;"][align=right]الأديبة الغالية ميساء البشيتي
والله رحلة صعبة يا عزيزتي. يبدو بأن الذاكرة تحتفظ عادة بكلّ ما يروّع الأحاسيس. هناك أشباه لهؤلاء في الغرب أيضاً وحالات معدودة في العالم العربي. وأعتقد بأن الضمان الاجتماعي قد يكون كافيًا أحيانًا لتخليصهم من هذا العبء، ولكن عدم رغبتهم التكامل مع المجتمع يجعل من هذه المهمة شبه مستحيلة
شكرا لحضورك
دمت بخير[/align][/cell][/table1][/align]
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: كلوشار
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوران شما
الأخ الأستاذ خيري حمدان
أعانك الله على هذه المقابلة , شيء مقرف حقا .
لو أنني مكانك لكنت نزلت من الحافلة فورا ,
وذلك خوفا من مثل هذه الكائنات , لأن تصرفاتهم
كلها تكون غير سوية .
شكرا لك ودمت بخير .
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/2.gif');border:5px double green;"][cell="filter:;"][align=right]السيدة الفاضلة بوران شما
حتى بعد أن نزل المذكور من الحافلة بقيت الرائحة، أما أنا فأخذت دوش ساخن ودلقت الكثير من العطر لمحو ذكرى تلك الرحلة هههه ولكن يبدو بأنّها بقيت في عمق الذاكرة ما دمت قد نقلتها معي إلى هذا المنبر الجميل وأدام الله عطركم[/align][/cell][/table1][/align]
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: كلوشار
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء بوستة
مساء الخير
ذكرتني قصتك أستاذ خيري بأيام الجامعة عندما كنت أستقل القطار يوميا للتوجه إلى الكلية..
أكثر ما كان يخيفني و يقزز الركاب كان وجود بعض المختلين عقليا أثناء السفرات و ما يترافق مع وجودهم من الهرج و المرج و الألفاظ الغير سوية..
لكن كنت أحبذ وجود أحدهم..كان هادئا و كان ينفخ بطريقة ممتازة على ناي صنعه بنفسه من القصب..
كان يحملنا إلى عوالم أخرى ...و في آخر السفرة يعطيه الركاب بعض النقود ..
هنالك حكايا عديدة كنت أسمعها أثناء السفر من هاته الفئة المسكينة...و أعي سبب وصولهم إلى مرحلة العُته..
آمل أن لا أكون قد أطلت عليك أستاذ خيري
سلمت
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/2.gif');border:5px solid green;"][cell="filter:;"][align=right]الأديبة العزيزة أسماء
ما أجمل أيام الجامعة، هي مرحلة يتعرف الإنسان على ذاته ويعرف أسرار عوالمه الداخلية وفي تلك المرحلة بالذات تولد الكثير من الحكايا والقصص، وتبقى تناجي الذاكرة لفترات طويلة من الزمن
شكرا لحضورك
دمت بمحبة[/align][/cell][/table1][/align]