التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 138,664
عدد  مرات الظهور : 163,119,989

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 22 / 01 / 2010, 51 : 04 PM   رقم المشاركة : [1]
ابراهيم عوض الله الفقيه
كاتب قاص وروائي
 





ابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين

أحلام ملونة

أحـلام ملونـة
بقلم ابراهيم عوض الله الفقيه
بآهات قليلة اجتازت سن اليأس، تقبّلت عيد ميلادها الخمسين بإطفاء شمعة واحدة.. للمرة الأولى تشعر بعذاب الوحدة وتحس بقسوتها، رغم كثرة الناس وعدد الأحياء والأموات، ورغم عدد الطالبات في مدرستها التي تعمل فيها منذ ربع قرن.. أجيال عديدة تخرّجت، الكثير من طالباتها أصبحن محاميات أو طبيبات أو مدرسات، وربات بيوت، تزوجن وأنجبن بنيناً وبناتاً، هي وحدها التي لم تنجب في هذه الدنيا، فضّلت الوحدة وخدمة والديها على الرجل الذي تقدم لخطبتها قبل أكثر من ثلاثين عاماً.. لا تدري كيف تذكّرته هذه الليلة، هو نسيها، أما هي فما زالت تذكر ملامح وجهه.. قبل ثلاثة أعوام قرأت في إحدى الصحف المحلية عن حفلة زفاف ابنه.. "الأيام تمر سريعاً، ما أن يلج المرء باباً حتى يخرج من الباب الآخر".. حدّثت نفسها، وتابعت "الموت أهون من الوحدة".
عتمة الحياة سادت البيت بعد رحيل والديها منذ أعوام خلت، شعرت أنها تعاني آلاماً لا قبل لها عليها، أغمضت عينيها وراحت في سكون الليل تفترش أوجاعها.. تذكّرت أوراق الامتحانات، قامت بصعوبة وأضاءت المصباح، وانكبّت على الأوراق تصحيحاً.. إنها تحفظ أجوبة المادة التي تُدرسّها عن ظهر قلب، شعرت بصداع في رأسها، حدّثت نفسها "إنها النظارات اللعينة"، تحاملت على نفسها وألقت بجسدها المترهل على سريرها، صرّ وأخرج أنيناً فاق أوجاعها، "آه، نسيت أن آخذ حبة الضغط، لعنة الله على الشيطان".. قامت ثانية، ابتلعت الحبة وشربت خلفها جرعة ماء، ألقت بنفسها ثانية على السرير، تذكّرت حبة الدواء الخاصة بتمييع الدم، حبة الدواء الخاصة بالقلب.. تأفّفت، حوقلت، وأغمضت عينيها في السرير.
في السابعة صباحاً أغلقت خلفها الباب، وأسرعت تحث خطواتها تجاه مدرستها القريبة.. كانت الطالبات يضبطن ساعاتهن على موعد وصولها، لم تتأخر يوماً عن الدوام ولم تغب يوماً، تبدأ دروسها بنشاط وتنهي دوامها أيضاً بنفس القوة والثبات.
لا تدري لِمَ بدا لها هذا النهار مملاً، تساءلت في سريرتها "ماذا يضير الوزارة لو كرّمتها قبل تقاعدها أو قبل موتها!".. حسمت الجواب سريعاً، "لا، ما زال الوقت مبكّراً على التقاعد، أنا ما زلت قادرة على العطاء، ما زلت قادرة على أن أعطي حُباً كما أعطي دروسي، بالحب يحصل الإنسان على السعادة، السعادة أفضل تكريم في حياة الإنسان".
أحسّت بالتعب، شعرت أن نشاطها مفتعل، تحت جلدها يعيش السأم كما يعيش التجدد.. نظرت إلى السبورة السوداء، شعرت أن اللون الأسود يظلّل حياتها، يفصل النور عن عينيها، لون متأصل في أعماقها، شعرت أنه يسرق منها الحب الذي حرصت على اقتنائه دائماً في صدرها.. أحسّت بذبول المرأة في جسدها وفي خريف عمرها، ترنّحت وكادت تقع على الأرض أمام طالبات الفصل، اتكأت على المنضدة، تابعت الحصة بكلمات بسيطة ومتقطّعة:
"الأرض بعد أن تتجدد وتزهر، تجف وتصاب بالاصفرار".. صمتت لحظة، عشيت عيناها، وأضافت:
"المرأة هي الحياة بتغيّرها وتجهمّها، بتجدّدها، بانقباضها وانبساطها".
رفعت إحدى الطالبات يدها، سألت:
- ما سر العلاقة بين الأرض والمرأة؟.
- هل قلت المرأة أم الأرض!، وماذا في ذلك، سؤال مهم يستحق الإجابة، المرأة تشبه الأرض، إنها تحمل معها تضاريس الزمن والعطاء..
أحسّت أنها تتحدّث عن نفسها، توقّفت عن الشرح، طلبت من الطالبات متابعة القراءة بصمت، وتكوّرت كطفل في رحم أمه على المقعد.. تلاحقت الكلمات والصور في أعماقها "الأنثى كالزهرة، حين تجف الزهرة تسقط، والناس لا ينظرون إلى الزهرة الذابلة".
استأذنت طالبة وعلّقت:
- الأرض تعشق الجمال كالأنثى تماماً، الأرض تحب الربيع الدائم، دورة الطبيعة مستمرة، خريف وربيع، شتاء وصيف، أما المرأة فكيف تتجدّد، إنها تخشى على جمالها من الذبول، حين تكبر المرأة تصاب بالهلع.
تضاحكت بعض الطالبات، شعرت الطالبة بالإحراج، جالت بنظراتها في وجوه الطالبات تستوضح الخلل من عيونهن، وقفت المعلمة، ران الصمت على الصف، نظرت إلى الطالبات، قرع الجرس معلناً انتهاء الحصة الأخيرة، لم تتفوّه بكلمة، جمعت أوراقها، وخرجت من الفصل.
في طريقها إلى البيت سارت بتمهّل، أحسّت بالتعب لأول مرة.. وما أن أغلقت الباب على نفسها في البيت حتى واجهتها المرآة، وقفت أمامها وأخذت تتمعّن في وجهها، صدى كلمات الطالبة ما زال يرن في أذنيها "حين تكبر المرأة تصاب بالهلع"، لأول مرة تتأمل وجهها وترى التجاعيد وخطوط الزمن الذي سرق من وجهها نضارته، راحت الأفكار الأنثوية تجتاحها، تذكّرت أيام الصبا، بدا لها وجهها أجمل من الربيع في ذلك الوقت، كانت بسيطة وذكية، منبسطة كالسهل، منسابة كالنهر، هائمة كالريح.. كثيراً ما كانت تتوق للحب والإطراء.. تمعّنت في المرآة ثانية، شعرت أن جمال وجهها الذابل يفتقر إلى رقة الأنثى، حدّثت نفسها "النضارة والسحر والجمال لا تساوي شيئاً أمام حرارة المشاعر وحنان الأنثى ورقتها، إن ما يجذب الرجل الحنان والرقة والدفء، لا الجمال، الزهرة لا تساوي شيئاً إذا لم يكن لها شذا وعطر، وردة من البلاستيك، الزهرة بدون رائحة كالمرأة الجميلة بلا عواطف، كالوجه الجميل دون سر".
أقنعت نفسها بهذا المنطق، "لكي تمتلك شيئاً، فلا بد أن تفقد سواه"، تساءلت "ما الذي بقي لي، وماذا أمتلك في هذه الحياة!؟".. وهمست وكأنها تحدث نفسها "سامحك الله يا والدي".
شعرت أنها فقدت كل شيء، إنها تكذب على نفسها، ماذا حققت لنفسها في هذه الدنيا!، الناس يطلبون العظمة ويتوقون إلى الثروة والنفوذ والشهرة، وهم يظنون أن الوصول إلى العظمة يعني الوصول إلى حلاوة الدنيا دون مرارتها، لكن لا يمكن أن يقسموا الأشياء ويحصلون على الطيب بمفرده، تماماً كاستحالة النور من دون الظل.
حدّثت نفسها ثانية "ما هذا الهذيان"، أغمضت عينيها لحظة، شعرت أن قلبها ينبض بتسارع وعنف، تراخت أعصابها وأعضاؤها، أسرعت وابتلعت حبة دواء الضغط، عادت ثانية وتأملت وجهها في المرآة، سنوات طويلة وهي تنظر إلى المرآة، لا شيء تغير، القلب ما زال ينبض، السنوات تجري، جال بخاطرها أن تنـزع المرآة عن الجدار، لم تجرؤ، حدّثت نفسها من جديد "مهما ألحقت الطبيعة بالإنسان من مصائب، يبقى في صدره صوت ينادي سوف أحيا، دائماً كنت أتغلب على الصعاب، ما الذي تغيّر هذا اليوم، لا شيء، حالة إعياء وستنقضي".
قاومت رغبة الانهيار التي اجتاحت أفكارها لدقائق، دخلت المطبخ وأخذت تحضّر طعام الغداء، صنعت لنفسها فنجان قهوة، وجلست قرب النافذة تراقب المارة وتصيخ السمع للأطفال يلعبون ويتراكضون ويطاردون كرة القدم، همست وكأنها تحدّث نفسها بصوت مسموع "هذه هي الحياة، لن تتغيّر، وأنا لست المرأة الوحيدة في هذا العالم، أنا ما زلت قادرة على العطاء والحب، وحتى يحين موعد أجلي، سوف أحيا".
****

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
ابراهيم عوض الله الفقيه غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سرب لحمام المصطفى حرموش فضاءات الزاجل والنبطي والشعبي 1 19 / 06 / 2021 25 : 06 AM
"اوراق ملونة" لسليمان جبران بين السياسة والثقافة نبيل عودة نقد أدبي 0 17 / 12 / 2011 20 : 01 AM
واجهات ملونة وليد مروك الخاطـرة 13 13 / 12 / 2010 57 : 09 PM
إلى إيمان أيمن عبد الهادي الخاطـرة 3 02 / 12 / 2009 01 : 12 AM
ديوان : من ذاكرة أيامي - تـأملات أمومة للشاعر والأديب عبد المنعم إسبير ناهد شما أدباء أعرفهم 2 08 / 09 / 2008 21 : 12 AM


الساعة الآن 51 : 12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|