[د.حسن حميد]

[align=justify]
الآن، أشعر بفرح حقيقي يلفني، والسبب خبر أدبي أراه مهماً ليس في هذا الزمن الرخو المتهافت، وإنما في كل الأزمان، فحواه هو أن الأديبة الفلسطينية سحر خليفة رفضت تقاسم جائزة (سيمون دبوفوار) الفرنسية لعام 2009 مع كاتبة إسرائيلية تدعى (تسيفا جرين فيلد)..
خبر أدبي طازج تماماً، وبكوري تماماً مثل أي فجر، أي خلاص، خبر مثل خيط حرير متين وباد وسط أخبار السياسة، والحرب الغاشمة على غزة، والشهداء يترادفون تترى، والأمهات يحومن بأحزانهن مثل الطيور.
خبر مهم، فيه صلادة وشجاعة ومفهومية عالية، ذلك لأن جائزة (سيمون دبوفوار) الفرنسية جائزة مرموقة في فرنسا والعالم معاً، تمنحها وزارة الثقافة الفرنسية بالتعاون مع واحدة من أهم دور النشر الفرنسية (غاليمار) لأبرز الرموز النسائية المعروفة بإبداعها ونشاطها المتميزين في حقول المعرفة الإنسانية.
وقد حازت عليها من قبل أسماء نسائية هي على غاية من الأهمية من حيث الإبداع والتأثير، والعطاء في الأدب، والثقافة والفكر، وقضايا المرأة وحقوقها.
ومع أن الجائزة مهمة وكبيرة، وذات سمعة عالمية فقد رفضتها الروائية سحر خليفة لأن مانحي الجائزة أرادوا لها، وهي الفلسطينية، أن تتقاسمها لهذا العام مع كاتبة إسرائيلية مغمورة لا قيمة لها بهدف القول ها هو ذا الأنموذج الأدبي المشترك مصيرياً، أعني الفلسطيني والإسرائيلي، يتبدى في تلاقيه تطبيعاً ثقافياً جسوراً، وأن العتبات الأجدى للتطبيع هي العتبات الثقافية، وأن هذه العتبات هي التي ستقود إلى عتبات التطبيع السياسي، والاعتراف بالكيان الصهيوني... أو لكأن الفلسطيني لا يعرّف إلا بالإسرائيلي، أو لكأنه لا يصير كاملاً إلا بالمناصفة مع الإسرائيلي، غير أن سحر خليفة المعروفة بثقافتها وصلابتها الوطنية، وقوة حضورها، وإدراكها لأهمية تجربتها الإبداعية رفضت الجائزة، ورفضت المناصفة، ورفضت التعريف.. وهي بهذا الرفض ترفض الانجرار إلى مربع الشهرة الزائفة، والشرك الأدبي الخادع، ولعبة المال والمغريات (العالمية) الضليلة..
إن رفض سحر خليفة لهذه الجائزة التي تتمنى حيازتها أهم الأسماء النسائية المعروفة في العالم.. يشكل حالاً مقاومة وسط حالات التهافت، والارتماء في أحضان مؤسسات، وجهات ومنابر ودور نشر غاياتها لم تكن نظيفة في أي وقت من الأوقات، كما يشكل هذا الرفض حالاً مقاومة لكل أشكال التهميش، والتحييد والإقصاء، والإلغاء للكاتبة المقاومة من جهة، وللموضوع الفلسطيني من جهة ثانية. فمثل هذا الرفض رهان على الكاتبة الإبداعية الصافية، والمواقف الوطنية الصادقة، ورهان على المعاني السامية للحياة والشرف والتطلعات النبيلة.
وسحر خليفة ليست واحدة من أهم الكاتبات العربيات إبداعاً وموقفاً واجتهاداً.. وحسب، وإنما هي واحدة من أهم الكاتبات العربيات اللواتي جعلن من الكتابة حقل حياة، ومدرسة مبادئ، وأخلاقيات لا تعرفها إلا النفوس الكبار.. فهي، ومنذ طوالعها الأدبية، أفصحت عن موهبة واقتدار، وحذق، وانتماء وطني واضح مثل الضوء..
ومن يقرأ رواياتها يجد أنه يقرأ التراجيديا الفلسطينية معنى وتحقيباً منذ أربعة عقود من الزمن وحتى يومنا الراهن، فهي كاتبة لا تتقفى تجارب الآخرين الناجزة، ولا تمشي في دروبهم المشقوقة، وإنما توازيهم في المناجزة والاشتقاق، وتجالسهم في الرتبة والاعتبار إن لم تتقدم عليهم.
رفض سحر خليفة للجائزة.. رفض أدبي مقاوم لا تنهض به سوى نفس علوق بالأنفة والكبرياء والوطنية العزيزة، وهو رفض الذات المبدعة وقد وعت نفسها ومكانتها وانتماءها لتاريخ كنعان وعناة نسباً وحضارة سيدنا المسيح محبة ومعتقداً.
بلى، في هذه الأوقات الرائقات التي ترفض فيها غزة الأبية الانحناء أمام الهجمة الصهيونية البشعة. تنهض شقيقة النبات والأنهار سحر خليفة كي ترفض الإغراء والإغواء والمناصفة البائسة.. وكي تضيف هذه المقاومة الأدبية إلى مقاومة الأرواح الباسلة في غزة، وكي تضيف هذا الانتصار الأدبي إلى انتصار أهل غزة كملح لا غنى عنه... كي تزكو الحياة.

[/align]

[سلام الحاج]

ابدعت دكتور حسن حميد في تعليقك
تحية عظيمة للكاتبة الرائدة المقاومة سحر خليفة
رفضها للجائزة هو اعظم جائزة

اعجبني قلمك وقوة وسحر كلماتك :

اقتباس غير أن سحر خليفة المعروفة بثقافتها وصلابتها الوطنية، وقوة حضورها، وإدراكها لأهمية تجربتها الإبداعية رفضت الجائزة، ورفضت المناصفة، ورفضت التعريف.. وهي بهذا الرفض ترفض الانجرار إلى مربع الشهرة الزائفة، والشرك الأدبي الخادع، ولعبة المال والمغريات (العالمية) الضليلة.. بلى، في هذه الأوقات الرائقات التي ترفض فيها غزة الأبية الانحناء أمام الهجمة الصهيونية البشعة. تنهض شقيقة النبات والأنهار سحر خليفة كي ترفض الإغراء والإغواء والمناصفة البائسة.. وكي تضيف هذه المقاومة الأدبية إلى مقاومة الأرواح الباسلة في غزة، وكي تضيف هذا الانتصار الأدبي إلى انتصار أهل غزة كملح لا غنى عنه... كي تزكو الحياة.

الكاتبة سلام الحاج
من جنوب لبنان