الحقيقة التائهة
قصة قصيرة :
….. الرؤيا المستحيلة ……
كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءا، اشتد البرد و زادت معه السماء غضبا فجادت بما أسمته الحروف بالطوفان، انتابتني حينها أحاسيس طفت على فكري الجريح فجأة و دون سابق إنذار ألم قاتل ذلك الذي عانقني و بقوة ، في لحظات غبية قمت و انا في قمة النشوة المزعومة كنت أضحك و أضحك و كأني أساوم ذاتي على ساعات و ساعات قد أدمت فؤادي .... فجأة استرجعت وعي الذي غادرني طيلة أسبوع كامل و كأني قد صفعت من المجهول وقت قد محي من حياتي ......... أكاد لا أعرف نفسي وكأن السويعات الماضية قد فجرت ضعفا بل قهرا بداخلي ..استلقيت لأجد بعضا من الراحة التي كنت أحسها دائما أو أني كنت أعايش الوهم ..... بدأ الظلام يشتد و بدأت نفسي ترتعب و كأني أفر من شبح ما استشعره مميز أي تاريخ اليوم أبدا لا يوافق عيد ميلادي و لا عيد ميلاد أحد من الكون كوني .........ما جادت به ذاكرتي ذلك الحين فقط ليلة جديدة من لياليا المعتادة و كأن النهار قد محي من حياتي ... الوقت يمر و أنا جالسة كان الموعد حوالي الحادية عشر ليلا و أنا جالسة انتفضت فجأة و كأن ذلك الجسد الميت قد أفاق بقدوم الليل ... ليل جد موحش أعيشه هذه الليلة غريب تماما عن نفسي قمت و كأني استرجعت شيئا من أنوثتي الزائفة التي زعمتها لسنوات أشعر أني سأجن لما تعابيري قد تغيرت بعد أن شابها المجون و الدلال قمت لأضع حدا لتلك الأشباح التي تسكنني و لأزيح عني ذلك الحزن الذي دمر شكلي كامرأة ذلك الجسد الذي جن لأجله آلاف الرجال كما أحسست نفسي ذلك الحين تماما ..... قمت و الدمع يفر من عيناي قهرا و ظلما لم أألفه في حياتي، الغرفة مظلمة تلك التي حوت آلاف الأجساد الآدمية طويلا آلاف زجاجات الخمر .... آلاف الضحكات المستهترة و آلاف ...... لأول مرة أخجل من واقعي ... قمت لأني جرحا ما قد أغار بصدري ....... قمت لأني أردت أن أقوم و كفى .. بخطوات جد متثاقلة غزوت غرفة النوم تلك المليئة بألوان المجون و الصور الخليعة و المرايا و الأضواء الحمراء و حتى أهزم ذلك الذي أسميته بالضمير فتحت الخزانة .. كانت وجهتي معروفة أفخر ثوب ذلك الذي ترك جسدي حرا ألوان صارخة عانقت وجهي كنت شبيهة بإحدى راقصات الملاهي الليلية ابتسمت لأني أكثرها سوءا .. كنت جد فاتنة حتى أني لم أرد مبارحة المرآة .. الوقت يمر .. و الخوف يشتد بداخلي بحتث في مذكرتي عن اسم ذلك الطيف الذي سيقاسمني السهر أسماء و أسماء قد آنستني ... لكن شيء ما قد تغير و لم استوعب و كأني كنت ثملة رغم أني لم أفتتح سهرتي بعد ... خطوات و خطوات أحسها تقترب و المسافة بعيدة .... وقع الخطى يؤلمني و كأن الذي يسير ..... إذا هو مصدر خوفي ( رجل ) و كأني أحس معنى هذه الكلمة لأول مرة و إن كانت قد ملأت حياتي بل صارت هي حياتي كلها اشتد الظلام و اشتدت الأمطار و اشتد خوفي الخطوات تتسارع كنت نائمة ذلك الحين بعد أن شعرت بدوار شديد فتهالكت على الأريكة المتواجدة خارج غرفة النوم و كأني أفر منها قمت مفزوعة فتزامن قيامي مع .... الباب يدق و أنا متسمرة و كأن رجلاي قد شلتا سرت ببطء و كأن ساعات تفصل بيني و بين الباب توقف الجرس وكأن الذي يدق قد استشعر ضعفي، الطيف الذي تفصلني لحظات منه ساكن سكون الليل و أنا نفسي غائبة بالكاد أحس بوقع خطى قلبي الذي بدأ يدق و كأنه سينفجر .... دنوت من الباب امتدت يدي ... فتح الباب للحظات توقفت أنفاسي و كأن رئتاي لم تعد تحوي هواء و صدري قد ضاق و ضاق و كأني قد دفنت قد فارقت روحي جسدي الذي آن فجأة و دون سابق إنذار تراجعت بضع خطوات إلى الخلف وبحركة لا إرادية بينما الشبح قد تجاوز الباب في حركة متباطئة و قد جادت ملامحه بابتسامة ساخرة و كأنه قد شعر بضعفي و بانتصاره على امرأة غرور سبق و قد ألفته في ملامحه و إن كنت لم أألف رأيته كونه قد سكن روحي فاستسلمت و أقررت بالحقيقة التي أخفيتها منذ بداية سهرتي هاته ....... كما تجاوز الباب تجاوزني و دون أن يسكن عطري غروره دون أن يزلزله جمالي نزع المعطف و كأنه بحركاته تلك قد محا آلاف اللقطات الكاذبة التي عشتها قبل أن يدون القدر بأعماقي معنى آخر .............. وجلس بينما أنا قد هدني الصمت فسقطت و كأني قد استنفذت كل طاقتي للصمود و لو لبضع ثواني ..... جلس و أشعل سيجارته فأطفأت أنوثتي لحظات طويلة أحسستها مرت لست أعي كم من الوقت مر و الطيف الجالس أمامي لا يزال ساكنا و كأنه بسيجارته قد رحل بعيدا ... وكما رفض النظر إلي رفضت غروره و بالمقابل لم أقوى على الحراك و كأن يدي قد كبلت بحثت في نفسي عن شخصي عن الأنوثة التي فجرتها طويلا بمجرد أن تصور الأرض ظل رجل بشقتي و بضحكاتي المستهترة التي غدت الأغنية المفضلة لدا رواد العمارة بحثت عن خفتي ... عن ..... أشياء كثيرة قد طافت ذلك الحين بمخيلتي لكن سرعان ما تختفي ... فجأة قمت و كأني قد شعرت بالخجل لما صورت لي عيناي جسدي بصورة مشينة، غادرت غرفة الاستقبال و عدت بعد ثواني و الشبح الجالس تحت النافذة لا زال صامتا يراقب السماء البعيدة و النسمة التي كانت تداعب شعري يوما ما . سكنت العاصفة التي كانت منذ قليل بالشارع و ساد مكانها جو هادئ جد حنون جو عاطفي و إن كنت لا أستوعب الكلمات التي تنطق بها شفتاي عالم غريب عني ....... نظرت بالمرآة و إذ بي أرى شبحا آخر يقاسمنا الغرفة طيف لفتاة محتشمة قد زالت عنها كل تلك الأصباغ التي ملأت وجهي وجه ملائكي كانت تبكي بحرقة و كأنها قد فارقت حبيبا و كنت أنا ....... أحقا صورت المرآة الحقيقة أم أنها تمازحني ساعات مرت بل ثواني بل دقائق حتى الوقت لم أتبينه ؟ ....... جلست و قد اشتد كربي و همي و كأن العالم كله قد صب سخطه علي حينها فقط استشعرت ولأول مرة نظراته الحانية و إن كنت لم أرفع بصري إليه رغم ضعفي كنت قوية و قد أحس هو بذلك عالم الغرور قد استقر بيننا و إن كانت الغرفة تحوي جسدين لرجل و امرأة فأين الخلل ......... ظل هو ينفث الدخان في السماء فيحرق ما أبقاه الزمن من تماسكي و ظللت أنا أفكر .... فيما أفكر ؟ ........... ابتسمت لأول مرة منذ بداية ليليتي المشئومة تلك حين فاجأتني عدة خواطر ..... كانت الحقيقة التي حاول هو الفرار منها حين دخن و دخن أكثر من علبة سجائر و كأنه يحاول أن يهزم ضعفه كرجل أمامي الضعف الذي علمني أن الرجولة أبدا ما كان لها هذا المعنى الذي أعطاها إياه ذوو النفوس الضعيفة و كأنه بضعفه هذا الذي استشعره هو و لوحده قد رسخه بأعماقي بل فجر قنبلة أخرى كادت تقتلني لو أن الأجل حال دون ذلك رغبة قد أطفأت شخصي لسنوات و لتوقظ شمعتي لوقت لا أتبينه كون الليل لم ينقضي بعد و كما أرعبني تجاهله أرعبتني نظراته التي أحسستها كوني لم أقوى على مواجهة عيناه الساحرتان و كأني بضعفي هذا قد هزمت قوته التي ادعاها منذ أن وطأت رجلاه عتبة الشقة و قد توصلت لمرادي الزائف الذي أقنعه هو ودون أن يقنعني أو يرضي غروري ظل ساكنا سكون الموتى و كأن عيناه رفضتا فراقي و ظللت أنا ساكنة بينما أعماقي ملتهبة عاصفة قد دمرتني قد اقتلعت جذوري قد بعثت جسدي القذر للمشرحة ........ أدرت وجهي لأخفي تلك العبرات التي غزت وجنتاي فجأة و كم كنت بحاجة للبكاء انشغلت بسكب النبيذ في كأسينا بحركات جدا متثاقلة اقتربت منه أخذ الكأس من يدي و وضعه على الطاولة و كما فعل فعلت و إن لم أره و كأن فكرنا تلك الثواني قد اتفقا كنت ثملة رغم أني لم أقرب النبيذ ليلتها ... ثملة من الأفكار التي أضنت منامي لليالي قبل أن أدون هذه الكلمات بل حولت حياتي إلى كابوس متواصل فيلم مطول صاحبني لبلا نهارا لأني عانيت لأيام من الحمى ....... ليالي و ساعات طويلة قضيتها و حيدة و إن كنت لسنوات أرفض الوحدة أين الأجساد التي كانت تداعبني بأرق الكلمات بل أبغض الكلمات .......... رفضت احتساء ما يحويه الكأس لأول مرة و إن كنت بأمس الحاجة لتجرعه خفت .... مما لا أعلم خفت من الأحاسيس التي صورها فكري المتعب خفت أن أموت شبحا ما حام حولي اعتقدت لوهلة أنه ملك الموت ....... بكيت حينها و بكيت و لم أخفي بكائي و كأن الأمر قد هاله قد جرفه بعيدا عن غروره حلمت بلحظة لو أنه ضمني إليه لأشعر بالدفء الذي حرمت منه طويلا يوم أعلنت سخطي على العالم كله و رضيت بالانحراف ..... يوم تبرأ الكون مني .... يوم طعنت عائلتي ......... حنان غريب ذلك الذي أحسه قوة غريبة تدفعني إلى الصراخ ظل هو يرمقني بنظراته النارية و قد بدأت قوته تنسحب ...... قام من مكانه و اقترب ... اقترب و لم يجلس و بالمقابل قمت فتلاقت عيوننا لأول مرة تحجر الدم بعروقي و ارتفعت حرارة جسدي لكن لم أحرك ساكنا( رجل جد مغرور ) و كنت مغرورة نظرات استهزاء و نظرات لا مبالاة و إن كان الواقع عكس ذلك ابتسم لي و كأن في ابتسامته ألاف الكلمات التي لم يسعفني الحظ في ترجمتها لكن يبقى رجل ... رجل قد زلزل أشياء بأعماقي ... قد شل حركتي و أيقظ العفاف الذي بداخلي .... ارتدى معطفه و أشعل آخر سيجارة كانت تحويها علبته و انصرف في سكون ... سكون مدمر قد خلف وراءه الدخان الذي ظل ينفثه بالغرفة خلف ظله الذي رفض فراقي و هاجسه و عطره الذي لم أشمه إلا لحظات مغادرته ........ خلف كلمات و كلمات قد دونت بأعماقي و بأحرف من نار تحرقني كلما اشتقت إليه كلما شعرت بالحنين للحظات الصمت الطويل التي قضيتها و أنا معه .... كلما شعرت بلمساته الوهمية لأنه و ببساطة لم يحاول....... رحل يوم رحلت روحي معه و كأني أعيش بجسدي فقط يوما اعترفت أني قد أحببته بكل جوارحي و إن لم يكن من حقي أن أحب رحل قبل أن أعترف له بقوتي الحقيقية و التي علمني هو معناها ... رحل قبل أن يعلم معنى كل دمعة ذرفتها عيناي تلك الليلة لأن دموعي كلها كانت تحوي قصة حياتي القذرة ....... رحل دون أن يتلمس حناني الذي فجرته لحظات الصمت القاسية التي غيرت مسار حياتي من عذاب إلى عذاب أقوى منه ... رحل بعد أن خلف جثة إنسانة قد توفيت ليلتها لتولد و من الأنقاض طفلة أخرى لا زالت في سن الطفولة .... لا زالت تلاعب الدمى ...... رحل و دون أن يعترف بجريمته ليقيد الحادث ضد مجهول و إن كنت أعلمه أنا و فقط ... رحل و تركني تائهة أصارع آلاف الظنون الكاذبة التي حولت حياتي إلى جحيم لا يطاق رحل و كم كنت أريد وصاله ... رحل دون أن يفسر لي سر زيارته تلك .... و يشرح لي المعاني المبهمة و الكلمات الطائشة التي قرأتها عبر نظراته الغريبة رحل و إن كان لا يزال يسكن روحي بل يطاردني طيفه ....... رحل و عنوانه مجهول ..... يوما اعترفت أن جسدي لن يكون لأي رجل و اكتفيت بطيفه حينها قررت التوبة ...... لأن مشاعري أنبل من أن تكون لعب أطفال ........
( للأسف حب قد غزى سمائي و كانت الرؤيا مستحيلة )
حياة ( 12/2007)
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|