التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 138,662
عدد  مرات الظهور : 163,111,410

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15 / 01 / 2012, 51 : 11 AM   رقم المشاركة : [1]
جميل ابراهيم صالح
كاتب نور أدبي
 





جميل ابراهيم صالح is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: العراق

البئر المسحور

البئر المسحور

دعك عينية بقوة واقفل الباب الخشبي خلفه فبانت تباشير الصبح على البيوت الطينية القليلة والمترامية على أطراف القرية وهي تغفو بأمان في الصباحات الندية ، دلف صوب الطريق المؤدية إلى الحقول فلاحت له الدروب المتربة موحشة خالية من سالكيها ، تخيل يوم كانت القرية تعج بالفلاحين المغادرين إلى الحقول والملوحين بأيديهم بالتحية كل صباح مهللة وجوهم بالبشر ينشرون الفرح حولهم فتزدان الأرض بالخضرة والنماء تحت أيديهم ، قبل الذي حدث قبل أعوام مرت واشغلته ودكت مضجعه ومذ ذاك وحال القرية يسير من سيئ إلى أسوء ، دخل مرج الذرة فبدت الاكواز ذابلة تنحني صوب الأرض الذي داهمتها الشيخوخة فحفر الجفاف والجدب شقوقه بين أديمها ، فبانت ارتال النمل طويلة بين أخاديد الشقوق ، في هذه اللحظة حن لوالده وتذكر كيف كان شابا يذهب إلى لحرث وسقي الحقول من الفجر حتى المساء ، وفي بعض الأحيان كان لا يراه لانشغاله الدائم ، أيقن أن موت أبيه أبدا لم يكن حادثا عابرا على أهل القرية أو حتى عليه فمذاك وحال القرية لا يسر ، جدب وقحط وجفاف وسماء أمسكت مطرها وهجرة لأغلب القاطنين ، فالفلاحون ينسلون منها واحدا اثر أخر بعد أن كانت القرية تنعم في خضرة دائمة ، حدث نفسه كيف كان يلح على أعمامة بالسؤال اثر السؤال عن سبب موت أبيه وكيف سقط في أعماق البئر فجأة رغم إن أخوته جميعا كانوا على مقربة منه ، كانت إجاباتهم ضبابية وغير مفهومة بالنسبة لطفل صغير ، كبر وكبر معه هذا السؤال وأصبح ينام معه ويحدث نفسه مرارا فيه ، أدرك إن للبئر سطوته على تلك الحادثة ، فالجميع يعرف إن حال القرية تكدر بعد الذي حدث ، جز بيديه الأعشاب الضارة من بين سيقان الذرة وأمعن النظر من بعيد حيث أعمدة البئر الخشبية ، حيث بدت له من بعيد متهالكة ، أدار وجهه حيث التلال الترابية الصغيرة حيث تعلوها البيوتات الطينية وقد انبعث منها دخان التنانير ، فالصباح في القرية له طقوسه الخاصة ،هم بالعودة ولكنه رجع ببصره صوب الأرض الظمأى وتأمل البئر البعيدة واسترد بعض ما تجمع في ثنايا دماغه مذ كان طفلا يجالس عجائز القرية :
- الجميع يؤكد إن الأخوة استدرجوا أخيهم إلى البئر العميقة ودفعوا به إلى الأعماق فقتلوه ، فأشاعوا انهه سقط فجأة بينما كان يشد حبال القرب التي يدلى بها الماء ،مسكين ذلك الشاب كان كفلقة قمر وابتلي بإخوة شياطين .
- كيف يغور ماء البئر في الأعماق إلا بسبب غدر الإخوة بأخيهم ، فأصابت البئر لعنة الغريق فأغتال البئر نفسه فغار ماؤه ففجعت الأرض باليباب ، وهجر الناس القرية .
- البئر ليس له ذنب ، فالذنب ذنب ابنة الحطاب ، كيف دفنت سحرها في البئر لتسحر الأمير فيخطفها من القرية ، ألا تذكرن كيف حدث لها ذلك ، ألا ترين إن ماء البئر تغير طعمه بل حتى لونه تكدر وكيف تخرج أفاعي صغيرة من القرب لحظة دلو الماء .
كل تلك الأصوات تنثال في رأسه فتحيله إلى صراع يجتاح كيانه ، تأبط فاسه ومجرفته وإسفينا حديديا صدئا واتجه صوب البئر ، اجتاز مقبرة القرية ، ووصل عند التل الذي يقع أسفله البئر ، اقترب منه وامسك بأحد المحامل الخشبية التي تعلوه وقد غطتها ذرق الطيور فتغير لونه ، اطل من فوهة البئر ليتأمل جدرانه وأعماقه الغائرة ، فقد ألف تلك الجدران منذ كان طفلا يتيما ، فالأقدار وحدها التي قادته ليعرف كل صغيرة وكبيرة عن بئر معطل عاقر لا تنبض قيعانه بالماء ، فالقحط يجتاح القرية والجميع يحاول الفرار من الجوع والظمأ ، وحده حمل فأسه ونزل البئر يحول قدميه بين أعشاش صغار البوم وعشرات الأعشاش المتهدلة على الجدران ومغاور الخفافيش والحشرات التي عشعشت لسنين في بئر مهجور ، ينزل بحذر بالغ بين الشقوق المحفورة منذ إنشائه فتأخذ قدميه ويديه بالارتعاش ويكسوه عرق غزير يصبح طينا لزجا عند نهايات أطرافه التي تتكسر تحتها أجساد حشرات متفسخة ، شيء يمور في صدره لسنين يجعله يحث خطاه القليلة صوب قاع البئر الرطب ، في القيعان بدا وجه الماء متكدرا لولا صفحة الضياء المنبعثة من الأعالي ، وجه الماء كدرا تغطيه حشرات ميتة متفسخة وريش الطيور، خاض في الماء خطواته الأولى فأحس بقيعانه طينية آسنة تزكم الروائح والعطن انفه ، انزل مجرفته الصغيرة واخذ يجوس الرضية الرخوة ، فترجع ببقايا طين آسن عطل رئتيه ، يجوس قاع البئر ويتنهد فيتردد صدى تنهده في فضاء البئر ، فجأة أحس بشيء يرتطم بقدميه تحسسه وغسله بالماء فكان خنجرا صدئا ذو مقبض خشبي عليه شعار عرفه بالحال بل ينتمي إليه ، شعر بقلبه ينبض بسرعة ويكاد يخرج من قفصه الصدري ،وصاح ( ربما هذا خنجر أبي ..!!) ، ورددت جدران البئر صدى صوته ، فوضعه عند حزام خصره الجلدي ، وأكمل الحفر بعينين دامعتين ونفس يتردد بشدة ، عند أسفل البئر ارتطمت المجرفة بحجر ، مد يديه ليحمله فبدا ثقيلا وقد زاد من ثقله انه مربوط بحبل متين ، انزل الحجر وتتبع الحبل ليصل إلى نهايته وقد ربط بطرفه حجر آخر وبدا الحبل مجذولا بعناية ، فك طرف الحبل من الحجرين وتأمل الحبل العريض فلاحظ إن الحبل قد جف بسرعة من الماء ، الضوء الضئيل المنساب من فتحة البئر مكنه من تأمل الحبل فقرر أن يفكك الحبل المتكون من عدة ضفائر تتوسطها خصلة شعر نسائية طويلة ، اخرج خصلة الشعر وتأملها فكانت تبدو مع الحبل كتعويذة ألقاها احدهم في قاع البئر ، شعر ببرودة الماء فجأة بين قدميه وارتفع مستواه إلى يديه انزل جسده وتحسس مكان مصدر الماء المتدفق فلم يجد شيئا فصعد مستوى الماء البكر نابضا ليغسل الجدران الصدئة من ذرق الطيور والخفافيش وليغسل أدران القرية من جديد ، أنعش الماء البارد صدره وتهلل وجه وخارت قواه وتمنى لو يمتلك جناحين فينشر البشرى على وجوه من تبقى من أهل القرية ويفرحهم بولادة البئر من جديد ، ما زال مستوى الماء يرتفع ويكاد يغمر جسده فيأخذ نفس قويا ويغطس من جديد جاسا يديه بين جدران البئر باحثا عن مصدر الماء المتدفق ويكاد يختنق في الأعماق فيخرج جسده بقوة عابا بكل ما اوتي من قوة الهواء الى رئتيه ، وردد في هذه الاثناء في نفسه (( هل ستفطن القرية لغيابي ويتذكرني احدهم ؟؟ )).

* جميل ابراهيم صالح

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
جميل ابراهيم صالح غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المسحور, البئر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
على ضفة البئر ... ما بعد الأسطورة إبراهيم بشوات الشعر العمودي 7 05 / 06 / 2012 16 : 03 PM
((( ... وقالت .. البئر ... ))) عادل سلطاني شعر التفعيلة 6 08 / 11 / 2010 54 : 03 PM
(( .... إلى .. البئر .... )) عادل سلطاني الشعر العمودي 4 14 / 08 / 2010 04 : 02 PM


الساعة الآن 27 : 12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|