اللثام
[frame="10 98"]
[align=justify]
إلى أين؟؟ جاءها الصوت وكأنه قادم من آخر الدنيا.. رسمت ابتسامة على شفتيها وقالت دون أن تلتفت: "إلى المدرسة يا وعد".. اقتربت وعد منها وقالت: "أي مدرسة يا شيطانة.. أنت تعرفين أن المدرسة مغلقة منذ زمن حتى في الشتاء.. فكيف في الصيف" وضعت يدها على كتف وعد وقالت: "لي مدرستي الخاصة يا وعد.. أتذهبين؟؟" نظرت وعد إلى عينيها.. أبعدت يدها عن كتفها.. وقفت.. ثم واجهتها قائلة: "أنت غريبة الأطوار يا عائشة.. ماذا تقصدين؟؟" هزت عائشة كتفيها.. ضحكت.. ثم تابعت طريقها.. نادتها وعد فلم تجب..
منذ أول يوم في الانتفاضة تشهت عائشة أن تكون استثنائية في هذا الزمن الاستثنائي.. هكذا كانت تفكر.. وكثيراً ما رسمت العالم بالشكل الذي تريد.. تكتب الشعارات الوطنية على الجدران.. تقود المقاومين وترسم لهم الخطط.. تشعل الدنيا مقاومة في وجه الاحتلال.. وفي كل الأحوال، لم يخرج الأمر عن كونه صورة خيالية تبعثها ريشتها الحالمة..
كان أحمد واحداً من هؤلاء الذين لمعت أسماؤهم في المخيم كله.. وكانت عائشة- لا تدري ماذا تسمي ذلك ـ تشعر بميل غريب نحوه.. ترى في عينيه أروع الصور عن وطن يطلع مطرزاً بشمس الحرية.. كم مرة حاولت أن تقترب منه لتحدثه عن بطولاتها ـ التي تخيلتها بطبيعة الحال ـ ولكنه كان في شغل شاغل عنها.. ابتسامته بعرض المخيم، ونظراته تشمل الوطن كله.. لكن أيبقى الأمر هكذا.. لماذا لا تخرج من قوقعتها وتذهب إليه معلنة أنها واحدة من هذا الوطن، ومن حقها أن تقاتل إلى جانبه..
عائشة هي عائشة.. هكذا قالت وعد التي تعرف أنها لن تضيف جديداً مادامت حبيسة أحلامها.. وكانت تعرف. ولم تبح بذلك. أن عائشة عاشقة فاشلة.. كما كانت تعرف أن مدرستها التي تتحدث عنها كثيراً ما هي إلا محض خيال.. وها هي تعيد الحديث ذاته.. والقصة ذاتها.. عائشة أيضاً كانت تعرف أن هذه الفتاة ذات الصوت الناعم الرقيق، تستطيع أن تقلب الدنيا بلحظات.. المخيم كله يعرف ـ كما تعرف ـ قدرة وعد على إشعال المقاومة في أي مكان تكون فيه.. لذلك كان جنود الاحتلال يراقبونها ويترصدون خطواتها.. أحبها المخيم.. وكرهتها.. تمنت دائماً أن تكون هي.. أن تفعل كما تفعل.. لكن كيف؟؟ الكل يعرف أن عائشة هي عائشة.. وأن وعداً هي وعد.. صعب أن تتغير الصور والأفعال هكذا دون مقدمات.. لكنها في أعماقها كانت مصرة على أن تفعل شيئاً كبيراً..
[FONT='Times New Roman','serif']عندما نادتها وعد ولم تجب.. سارت كل واحدة منهما باتجاه.. فكرت كل واحدة منهما بالأخرى.. لحظات.. دقائق.. وانفجر الشارع بالمقاومة.. ولأول مرة تشعر عائشة بأنها داخل ما يحدث.. لم تحاول الهرب أو الاختباء كما تفعل عادة.. من بعيد كانت وعد قادمة وهي تضع لثاماً على وجهها.. كان الجنود خلفها.. بينها وبينهم خطوات كثيرة.. عائشة تأكدت أنها وعد.. وما حدث حدث بسرعة مذهلة.. لدقائق أو لثوان التقتا في أحد المداخل.. فجأة كانت عائشة تركض والجنود خلفها.. الثياب ثياب وعد.. اللثام لثام وعد.. الخطوات خطوات وعد.. ولكنها عائشة تركض والجنود يلهثون خلفها.. وعند المدخل وقفت وعد حائرة مسكونة بالفرح الغامر.. لقد فعلتها عائشة أخيراً وكانت كما أرادت أن تكون..
[/align]
[/frame][/FONT]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|