شقة متواضعة جدا في حي الشرابية .. القريب من مقر جامعة عين شمس .. مؤجرة بالحجرة .. حسن يشغل حجرة .. والمعلم عبده وزوجته الشابه يشغلان حجرة أخرى .. أما الحجرة الثالثة فكانت مغلقة بصفة دائمة ، وعلى بابها عدة أقفال .. احتفظ بها أصحاب الشقة .. جمعوا فيها العفش والمقتنيات كلها .. فقد انتقل رب الأسرة للعمل في محافظة أخرى .. وفضل أن يحتفظ بشقته لحين انتهاء انتدابه بعد أن تنهي الشركة التي يعمل بها مشروعها هناك .. فقام بتأجير الغرفتين الباقيتين .. أما حسن فقد كان سعيدا حين أرشده الأسطى بكر المكوجي إلى هذه الغرفة .. بعد أن يئس في العثور على سكن قريب من كلية التجارة التي التحق بها هذا العام .. كان فشله في الحصول على سكن متواضع يتناسب مع قدرات أسرته الاقتصادية يهدد استمراره في التعليم الجامعي بمدينة القاهرة .. فأبوه مزارع في إحدى قرى المنوفية .. يملك قيراطين من الأفدنة يقوم بزراعتهما .. وكان كل حلمه أن يحقق رغبة إبنه حسن في أن يصبح أفنديا مثل عبد المقصود افندي باشكاتب الجمعية .. دورات المياه في الشقة مشتركة بينه وبين المعلم عبده وزوجته .. كان المعلم عبده غيورا جدا .. حتى أن حسن لم يكن يرى زوجته إلا طيفا ، وبالصدفة البحتة .. كان خجولا بطبعه .. لم يحاول استراق النظر إليها أو التدقيق فيها .. يكفي أن يلمح زيل ثوبها ليطرق في الأرض .. أو ينظر بعيدا ، أو يختفي داخل حجرته بسرعة .. كان حسن يقضي معظم يومه في الكلية حتى فترة تناول الغذاء .. كان ينتظر حتى يحين الموعد فيتجه إلى مطعم الكلية المجمع والذي يوفر وجبات مدعومة للطلبة المغتربين من محافظات أخرى ، أو ذوي الأحوال المادية المتواضعة .. ثم يقطع المسافة إلى سكنه سيرا على الأقدام ليوفر أجرة المواصلات .. أما في الصباح فكان يعرج إلى مطعم نجف في طريقه إلى الكلية فيبتاع سندويتشات فول وطعمية .. يلتهمهما أثناء سيره .. وبعد عودته لم يكن يبرح غرفته إلا لقضاء حاجته .. لو التقى بالمعلم عبده في الصالة كان الأخير يرمقه بنظرات مفعمة بالريبة والتحفز .. فكان يقشعر بدنه دون أن يدرى سببا لذلك .. كل ما يشعر به هو حالة من الخوف والقلق تحت نظرات المعلم عبده الشرسة المتجهمة المتحفزة .. لم يكن يزور حسن في الشقة أي من زملائه في الدراسة .. لرقة حاله من جهة .. ومن جهة أخرى فهو لم يوطد علاقته بأي منهم .. كان الجو العام في الجامعة غريبا عليه ويختلف كثيرا عن الحياة التي يحياها في الريف .. زميلاته الطالبات يلبسن الأزياء الحديثة من كل صنف ولون .. منهن السافرات .. والكاشفات عن مساحات من أذرعهن وسيقانهن مما يجعله في غاية الخجل والحياء .. حتى أنه كان يسير في البهو ، أو في حدائق الكلية مطرقا لا يرفع رأسه خوفا من الاصطدام بالأذرع أو السيقان العارية .
في أحد الأيام عاد إلى المنزل بعد انتهائه من كليته لتباغت عينيه زوجة المعلم عبده تجلس في الصالة .. تحتوي طستا بين ساقيها العاريتين .. وتقوم بشطف الغسيل .. وكانت كل أجزاء بدنها المثير تهتز مع حركة ذراعيها وكفيها .. وخاصة صدرها الرجراج .. الذي كان يعلن عن أثداء عامرة ثائرة .. لم يكن الأمر يحتاج أكثر من ثانية ، أو لمحة واحدة لينطبع هذا المنظر في خيال وعقل حسن قبل أن يلوذ بنظراته إلى الأرض .. أو يغرق وجهه كله في كالون الباب يبحث عن الثقب ليفتح بالمفتاح الذي يرتعش بين أصابعه .. وبعد جهد يتمكن من الدخول إلى حجرته .. تتبعه ضحكة مكتومة من الصالة .. يغلق بابه والعرق يتفصد من جبينه ورقبته وبدنه كأنه تعرض لصفيحة ماء صبت فوقه .. يومها لم يبرح غرفته حتى صباح اليوم التالي .. وفي وقت مبكر على غير العادة خرج متلصصا بعد أن فحص الصالة بعينيه الخائفتين من بين فرجة الباب .. ثم هرع مهرولا بعد أن اطمأن لخلو الصالة تماما .. وفي لحظات كان قد جاوز السلم ومدخل المنزل الخارجي ليذوب في أحضان الطريق .. ويتنفس الصعداء ..
في عودته اطمأن حسن وهدأ باله ، وارتاحت نفسه القلقة .. حين وجد الصالة خالية .. خاصة من زوجة المعلم عبده .. التي كادت تصيبه بالرعب في اليوم السابق .. أعد لنفسه كوبا من الشاي ، وشرع في فتح إحدى كتبه .. واستغرق في المذاكرة .. يلتهم الكلمات والسطور .. فقد اقترب موعد الامتحانات .. كان يسعى للنجاح حتى يفي بوعده الذي قطعه لأبيه وأمه .. بأن ينجح بصفة مستمرة وبتفوق .. حتى يجنبهما أي مصاريف إضافية .. خاصة وأن إخوته كبروا وأصبحوا في مراحل التعليم الإعدادي والثانوي .. والأعباء قد زادت على الأسرة .
سمع طرقا خفيفا على الباب .. أخِذ ، وأصابته الدهشه ، وغمره العجب .. ولكن سمع وجيب قلبه يزداد ويعلو كضربات المطرقة .. والخوف يملأ جوفه ، ويكاد ينهش في صدره .. قام بعد تردد .. كانت زوجة المعلم عبده .. كاسية عارية كما رآها بالأمس .. طلبت منه أن يعاونها في فتح باب غرفتها .. الذي انغلق على المفتاح بالداخل أثناء قيامها بغسل الأواني في الحوض .. قالت إن زوجها في رحلة عمل مع المقاول خارج البلدة ، ولا تجد من تلجأ إليه سواه .. احتار حسن وارتبك .. لا يدري ماذا يفعل .. طلبت منه أن يحاول باستخدام مفاتيحه لعل منها ما ينجح .. راح يجرب مفتاحا تلو الآخر دون جدوى .. كاد أن ييأس .. ولكنه سمعها تقول ( الحمد لله ) فقد وجدت المفتاح في صدرها .. لم تكن تدري أنها تحتفظ به .. فتحت الباب .. ثم جذبته إلى الداخل .. تعلقت به واحتضنته .. ظل يرتجف كمن أصابه ماسا كهربيا .. لم يلمس امرأة من قبل .. لم يلفح وجهه أنفاسا حارة كتلك التي تكوي وجنتيه .. لم يشعر بمثل هذه الأذرع البضة التي تحيط برقبته .. وكفيها اللتين تعبثان بشعر رأسه .. شعر بنشوة لم يشعر بها من قبل .. كاد يستجيب لحواسه الملتهبة .. تذكر كلمات شيخ جامع القرية وهو يحكي قصة امرأة العزيز .. تذكر العيب الذي طالما حذره منه أبوه عند وداعه على محطة القطار في كل مرة .. شعر بحافة الهوة التي يكاد ينزلق فيها ويهوي في أعماقها السحيقة .. ارتعشت في ساعديه قوة جبارة .. لا يدري من أين واتته .. دفع المرأة دفعة أطاحت بها إلى الحائط المقابل .. كادت رأسها تصطدم بحافة الدولاب .. انطلق خارجا من الباب لا يلوي على شيء .. خرج من المنزل إلى الشارع .. ظل هائما على غير هدى .. قادته قدماه إلى شارع بورسعيد العامر بالمحلات والمارة .. النظرات تلاحقه من كل اتجاه .. كان يلبس البيجامة .. شعره أشعث .. حاله يرثى لها ، تدارك أمر نفسه حين تطلع فى إحدى نوافذ سيارة مغلقة .. عاد إلى حجرته وأغلق عليه الباب .. قرر ألا يستجيب لأي مطلب لهذه المرأة .. بل قرر أن يتأخر في الكلية لآخر وقت ممكن ، ثم يكمل باقي يومه في الحدائق والمتنزهات العامة يذاكر فيها دروسه .. إلى أن يعود زوجها فيقيه من براثنها .
استيقظ مبكرا حتى يبرح البيت قبل أن تنتبه زوجة المعلم عبده أو تستيقظ من نومها .. ولكنه وجد المعلم في الصالة وجها لوجه والنار تتطاير شرارا من عينيه .. ممسكا سكينا كبيرا في يده متحفزا متأهبا لأمر جلل .. ارتاع حسن وغشيه الخوف .. جاءه صوت المعلم عبده متحشرجا وهو يقول ..
ــ أترك زوجتي يومين .. فتضايقها ، وتغازلها .. يومك أسود ..
وهجم عليه .. لولا أن ألهمه الحذر فأفلت منه .. طاشت الطعنة بعيدا .. قطع حسن السلم في قفزة واحدة .. يلاحقه زئير المعلم عبده الثائر ..
ــ اليوم آخر يوم في عمرك .. يا كلب ..
لم يعد حسن للحجرة مرة أخرى .. راح يجوب الحي بحثا عن سكن أخر .. بشرط .. ألا يكون مشتركا مع أحد .