الموسوعة الفلسطينية (المجلد الأول )
الأدب الفلسطيني
الأدب الفلسطيني من أشد الآداب التصاقا بشخصية شعبه ,وأصدقها في التعبير , عن هموم الشعب الفلسطيني تعبيراً حياً , وعن العطاء الذي قدمه الفلسطينيون لوطنهم وقدرتهم على الصمود والمقاومة والبذل والتضحية . وقد أصبحت أركان هذا الأدب من شعر ورواية وقصة قصيرة ومقالة ونقد وبحث ودراسة , في مستوى لا يقل عما بلغته الآداب العربية المتقدمة .
وثمة أنواع تدخل في نطاق الأدب وفروعه كالخطابة والمسرحية , والأدب الشعبي , والنشاط اللغوي , والترجمة , والرسائل , والمذكرات , والأدب الصحفي , والتأليف في التاريخ , والجغرافيا والفلسفة , والقضايا العلمية , والسياسة , والسيرة , وأدب الرحلات , وأدب الأطفال , والأدب الإذاعي , وتحقيق التراث , وغيرها . ولم يفت هذا الأدب فرصة التعبير عما في نفس بعض أصحابه بلغات أجنبية ولهذا كان الأدب الفلسطيني أدباً واسع الآفاق متنوع التيارات . وسيقتصر هنا البحث على النقد الأدبي , والأدب الإذاعي , وأدب الأطفال , وأدب الرحلات .
#النقد الأدبي :
من يتتبع حركة النقد الأدبي الفلسطيني الحديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يكاد لا يظفر بشيء ذي بال , فقد كانت هذه المرحلة مرحلة تقاريظ ساذجة , ومن أمثلة ذلك ما عمد إليه عباس الخماش من نابلس من تقريظ مجلة الجنان للمعلم بطرس البستاني , وما فعله أبو السعود أحد علماء القدس الشريف بكتاب ( سر الليال ) لأحمد فارس الشدياق , وما فعله ياسين النابلسي بصحيفة الشدياق ( الجوائب ) وما فعله يوسف أسعد نجل مفتي السادات بالقدس الشريف ( بالجوائب ) , وما فعله كذلك يوسف النبهاني ( بالجوائب ) ,( وسر الليال ) .
وينقضي النصف الثاني من القرن التاسع عشر , ويجيء القرن العشرون , فيحدث ما يشبه القفزة في حركة النقد الأدبي في فلسطين , وذلك بظهور كتاب روحي الخالدي المقدسي ( تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفيكتور هوجو )طبع هذا الكتاب ما بين سنة 1902 و1904 جاء كتاب الخالدي يحمل الأفكار الأدبية المتبلورة .
أما حركة النقد الأدبي الفلسطيني في الرقعة الزمنية التي امتدت قرابة أربعة عقود انتهت بنكبة فلسطين 1948فتركت أبرز السمات في شخصية فلسطين الثقافية والسياسية والإجتماعية .
فقد برز نشاط الأستاذ خليل بيدس في مجلته ( النفائس العصرية ) منذ سنة 1908 , وقد ظهرت بوادر النقد الأدبي الفلسطيني في هذه المرحلة في الصحف أكثر من ظهورها في كتب نقدية . وكان للمآسي التي عاناها المجتمع العربي الفلسطيني من جرّاء تألب الإستعمار العالمي والصهيوني على فلسطين أثناء هذه المرحلة أن تجنب النقد الأدبي الإعلاء من ظاهرة المدرسة الرمزية التي تستعمل الإيعاز والتلميح في التعبير عن الحالات النفسية بدلاً من الأسلوب التقريري المباشر , وتحل الخيال محل الواقع والحقيقة , وناهض هذا النقد الفكرة الجمالية ( الفن للفن ) وربما كان لهذا كله أثر في توجيه حركة النقد الأدبي الفلسطيني في هذه المرحلة الزمنية نحو تيارين بارزين , هما تيار المدرسة الرومانسية الذي غلبت فيه الإتجاهات الإيجابية , وقلت السلبية , وتيار المدرسة الواقعية الجديدة . وقد ظهرت وجوه كثيرة في مضمار النقد الأدبي فكتب في النقد الذي يمكن أن ينضوي تحت لواء المدرسة الرومانسية كوكبة , منهم : خليل بيدس , وتوفيق زيبق , ومحمد إسعاف النشاشيبي , وخليل السكاكيني , وأحمد شاكر الكرمي , واسحاق موسى الحسيني , وعادل جبر , وداود حمدان , ويوسف سلوم , وعلي كمال , وعبد الكريم الكرمي , ومحمد العدناني , ورائدة جار الله , وإبراهيم بعد الستار , وجبرا إبراهيم جبرا , وخيري حماد وغيرهم .
وكتب في النقد الذي يمكن أن ينضوي تحت لواء المدرسة الواقعية الجديدة , أو ما يقرب منها قرباً إيجابياً , مغلّباً عوامل الجماعة على العوامل الفردية كوكبة , منهم : عبدالله مخلص , ونجاتي صدقي , وعارف العزوني , ورجا الحوراني , وعبدالله بندك , ومخلص عمرو , ومحمود سيف الدين الإيراني , ويوسف خوري .
وقد تناولت المدرسة الرومانسية قضايا أدبية هامة أبرزها : أهمية الروايات ( أي القصص الروائي ) في بناء الحضارة , والثقافة . وحين يبين خليل بيدس العلاقة بين الكتاب ومجتمعه يقول الروائي يكتب للعامة , وهم السواد الأعظم من كل أمة , يكتب للنفوس الحائرة , والقلوب المتألمة , يكتب للنفوس الجائعة والقلوب الظمآى ولخليل بيدس آراء فطنة في الرواية وعلاقتها بالناس , وبالشرق والغرب , وآراء في الروائي العبقري .
أما حركة النقد الأدبي في فلسطين المحتلة بعد نكبة سنة 1948 فقد التصقت التصاقاً حميما بالشعر والأدب في فلسطين المحتلة وتظهر سمات المدرسة الواقعية الجديدة في النقد الأدبي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة بعد نكبة 1948 وخاصة عند الشعراء النقاد الثلاثة البارزين : محمود درويش , وسميح القاسم , وتوفيق زيّاد , وكان نقداً ذات مذاق خاص , بالإضافة إلى نضجه وعمقه وسعة آفاقه , له أيضاً مذاق النقد التطبيقي الذي يتحسس ما يقوله الواحد منهم في شعره هو نفسه , ويتحسسه في شعر الآخرين وأدبهم . وهناك أيضاً الشعراء الذين عالجوا قضايا آخرى مثل دور شعر الأرض المحتلة في الشعر العربي المعاصر الثوري .
وإذا انصب الحديث على حركة النقد الأدبي في داخل فلسطين فإن هذا لا يعني أن النقد لم تمتد حركته الفلسطينية خارج فلسطين , فقد ظهر نقاد فلسطينيون في البلاد العربية وغير العربية ومنهم : إحسان عباس , وجبرا إبراهيم جبرا , وتوفيق الصايغ , ومحمد يوسف نجم , ومحمود السمرة , وعبد الرحمن ياغي , وهاشم ياغي , وإسحاق موسى الحسيني وغيرهم .
# الأدب الإذاعي :
كان عاملاً من عوامل النهضة الأدبية في فلسطين , وقد جاء متأخراً عن العوامل الأخرى , ولكن الذين أشرفوا عليه يدركون أهميته منذ وجدت الإذاعة ,وقد أدركت حكومة الإنتداب البريطانية في فلسطين من قبل أهمية هذا العامل , فسعت منذ مرحلة مبكرة إلى تأسيس محطة إذاعة . ومن الغريب أن اختيارها وقع على الشاعر إبراهيم طوقان لإدارة البرامج العربية ولكن الصدام وقع بين هذا الشاعر الوطني , والسلطات, وتضاربت الغايتان , وثارت الصهيونية على وجوده هناك , وشددت السلطات الرقابة على كل ما يذيعه . وانتهى الأمر بإقصائه عن الإذاعة .واستطاع إبراهيم طوقان خلال فترة عمله أن يُغني الأدب بالأحاديث والمحاضرات , وأبرزها سلسلة موضوعها (( شخصيات فلسطينية بارزة )) كما كان لها دورها في التراث العربي . كذلك كان لعالم فلسطين قدري طوقان أثر كبير في هذا الميدان الإذاعي .
وعمدت الإذاعة الفلسطينية إلى دعوة الكتّاب والباحثين والمحاضرين من فلسطين ومن البلاد العربية ليلقوا أحاديثهم وليعرضوا نتاج أدبهم من خلالها
وهكذا أسهم هؤلاء الأعلام الكبار في حركة الأدب الفلسطيني الحديث إسهاماً جيداً , وحين قامت محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في فلسطين مقام الإذاعة الفلسطينية -إذاعة حكومة الإنتداب - دعا القائمون عليها علماء وصحفيين ومحاضرين من البلاد العربية المجاورة .
ولم يقتصر نشاط الفلسطينيين الإذاعي الثقافي على هاتين الإذاعتين بل امتد بعد النكبة 1948 إلى غيرهما من إذاعات البلاد العربية , وقد أنشئت في معظم البلدان العربية إذاعات فلسطينية لخدمة النضال الفلسطيني بعد حرب 1967 , وحين نشأ التلفزيون في البلاد العربية أسهم الكتاب والمثقفون الفلسطينيون بجانب من النشاط الثقافي فيه .
أدب الأطفال :
في أدب الأطفال الفلسطيني سمات أدب الأطفال في الأدب العربي الحديث عامة , وهي التي جعلت أدب الأطفال يتأخر في حضور شخصيته إلى وقت قريب , ويتأخر في ظهوره بالمعنى العلمي الحديث , حتى يصح القول إنه إلى الآن لم يظهر الأدب الفلسطيني المتخصص في كتابة الأطفال بعناصره الاساسية , وإن بعض المربين الفلسطينيين أسهموا في وقت مبكر من حياة الثقافة الفلسطينية الحديثة بالإهتمام بالأطفال والكتابة لهم , وخاصة في مجال الكتب المدرسية , ولعل كتاب خليل السكاكيني ( الجديد ) من خير المؤلفات المدرسية في الوطن العربي الحديث عامة , وفي الثقافة الفلسطينية الحديثة خاصة , وقد اسهم محمد إسعاف النشاشيبي بنصيب في هذا الحقل بكتابه ( البستان ) , وقد توجه عدد من الكتاب لكتابة كتب موجهة للأطفال و لكنها اتسمت ببعض السمات السلبية التي أصابت كتباً عربية أخرى , مثل تحديد مراحل العمر عند الأطفال الذين تصلح الكتب لهم فتثير اهتمامهم وفضولهم , ومثل غياب الربط بين واقع الأطفال ومضمون الكتب في بعض الأحيان , وكذلك الربط بين لغة الكتب والجو النفسي لمراحل الطفولة الموجهة هذه الكتب إليها , ولكن هذه السلبية لا تقلل , من الناحية التاريخية , من مسيرة التأليف الأدبي للأطفال لدى المؤلفين الفلسطينيين .
ولما أخذت البلاد العربية المتقدمة نسبياً في نهضتها الثقافية تعنى بالأطفال , وخاصة من بدايات الثلث الأخير من هذا القرن , أخذت أقلام جديدة فلسطينية تتجه إلى كتابة أدب الأطفال .
ومن الذين اسهموا بكتابة الشعر الفلسطيني للأطفال : علي الخليلي , ومحمود الشلبي , ومحمد القيسي , وأبو الصادق , عبد الكريم الكرمي ( أبي سلمى ) , معين بسيسو . ومن الكاتبات الفلسطينيات : باسمة حلاوة , روضة الهدهد .
أدب الرحلات الفلسطيني :
عرف الفلسطينيون هذا النوع من الأدب لأنهم ترجموا ثمرة اتصال فلسطين بكثير من بلدان العالم , وثمرة اتصالهم هم أنفسهم بتلك البلدان , وقد أولع الشيخ خليل الخالدي بالرحلات الطويلة الشاقة إلى حد أنه استطاب شد الرحال إلى العالمين العربي والإسلامي شرقاً وغرباً , وطاف في دور الكتب القائمة في العواصم الإسلامية والعواصم العربية ووقف على تلك الخزانات وما احتوته من كتب مخطوطة وآثار محفوظة ونسخ شاردة ,واجتمع له من هذا كله أن أصبح ثقة العالم الإسلامي في التراث العلمي الإسلامي الممثل في الكتب والمدونات والسجلات والمكتبات والكراريس والمخطوطات , وقد أولع بالأندلس فألف كتابه ( رحلتي إلى بلاد المغرب والأندلس ) وهناك عدد كبير من الفلسطينيين اهتموا بأدب الرحلات , ومن الفلسطينيين الذين لهم نشاط في ميدان الرحلات وأدبها : القس أسعد منصور , المطران نقولا عبد الله , درويش المقدادي , نقولا زيادة , أكرم زعيتر , علي الدجاني , محمود العابدي , عارف العارف , عزمي النشاشيبي .
المراجع :
هاشم ياغي : حركة النقد الادبي الحديث في فلسطين
عبد الرحمن ياغي : حياة الأدب الفلسطيني الحديث
ناصر الدين الأسد : الخالدي و خليل بيدس رائد القصة العربية الحديثة في فلسطين
يعقوب العودات : من أعلام الفكر والأدب في فلسطين
نزيه أبو نضال : جدل الشعر والثورة
هيفاء خليل شرايحة : أدب الأطفال ومكتباتهم