أمد يدي نحوك . تركض وتمسكني بثبات . أعانقك بحرارة ، ويتكئ رأسي على كتفك .
تربت عليَّ . أحاول أن أكلمك . أشرق بالحديث . تربت علي ثانية ، وتقول بهدوء : صبرا بني ! أنت وصلت، وآن إياب حلو السنين !
أشعر بالقشعريرة . أبكي . أبكي بصدق . يعلو بكائي ، معاوداً محاولة الكلام !
مازلت متعلقاً بك ، ويزكم أنفي عطر أليف . وبصوت دامع أقول لك : لبيك رسول الله .
تضع يدك على جبهتي . أشعرها دافئة . أحاول التماسك . تضيع مني الأفكار . أبتسم أبلهاً ! أبلع ريقاً جافاً .
أنا وصلت ؟! وأراك حقاً ؟ وأكلمك ؟ وأنت معي ؟ أحقاً أنت معي ! أراك ، وأحدثك ، وأسمع صوتك العذب الجميل ؟!
قلبي يواصل حجَاً صاخباً . وأكال في عنقي ، أو ربما في لساني ! أصابعي تتخاصم بعناد ! أين الكلام ؟!
تسعفني عيناي . ادع لي ياحبيبي ، ادع لي ، فقد غفر لك ماتقدَم من ذنبك وما تأخَر !
ترفع يديك الشريفتين . أراهما جيداً . ترفعهما عالياً عالياً . أرى بياض إبطيك . تنزل عباءتك من على كتفيك .
أجثو على ركبتي ، وقلبي يردد آمين .
يارب ! أنا متعلق بأذيال ثوب صفيك ! وجهي على الأرض . جسدي كله يهتز . ثمة تيار بارد يسري فيَ .
يلتغي الزمان والمكان ! أتساء ل أين أنا ؟!
عباءتك أمسكها . ألمسها بيدي المتشجنة ، وأغمر وجهي الذاهل في تضاعيفها ! أشدُها إلى صدري الخافق !
تأخذها مني بكياسة وأنت تبتسم . تخطو إلى الوراء وأنت تبتسم ..تبتعد . تختفي ، وأنت تبتسم ! ما زلتُ - أنا- على الأرض. لون أخضر يملأ المكان . أعاود السؤال أين أنا ؟
أفرك عيني جيداً . شئ في داخلي يقول هو حقٌ حقٌ !
أعاود البكاء بصمت .
قلبي يبكي . عيني تبكي . يدي تبكي !
يارب الأكوان . أبكي وأنا أشهق !
ياخالق النبات والشجر ! الشكر لك ياواسع النعم !
يتوضح المكان أكثر . أنا في غرفتي ! أشعر بالرضا والسرور ، وأعرف يقينا ما اللذة والفرح ووهج الأشياء .
أنهض . أنادي بصوت مشرق : أم عمرو .. وداد ، أتريدين فنجان قهوة ؟!
8 / 9 / 1988 م