الحب وحده لا يمنح الهواء
في بيت من بيوت مكناس العامرة، عاد الزوج من عمله ليغدق على زوجته فيضا من الحب و الاهتمام و الحنان الذي قد لا يخطر على بال.
كان يقول لها دوما: " انت الروح التي لو خرجت من عيني يظلم العالم من حولي. "
كانت الزوجة تبتسم بخجل، تحسب ان تلك الكلمات هي من الغزل الذي لا يمكن أن يقاوم.
كانت تحب فيه هذا الولع، هذا الاهتمام بكل صغيرة او كبيرة في حياتها، كان يمشي في حوائجنا دون أن تطلب.
كانت تحب فيه هذا التعلق، هذا الشغف، الذي يجعلها تشعر أنها كل نساء الأرض في عين رجل واحد.
لكن شيئا فشيئا، بدأت تلاحظ انقباض حاجبيه كلما خرجت لزيارة قريبة او صديقة، كلما تحدثت في الهاتف تغير وجهه، كلما جلست في مكان دونه تملكه الغضب، يغار من طفلها اذا جلس في حضنها، يغار من أخيها ، من اختها، من الحياة نفسها، يغار حتى من الضحكة التي لم يكن هو سببا فيها.
مع مرور الأيام اكتشفت ان حبه لم يكن عشقا، بل رغبة جامعة في الامتلاك. فقد حاصرها باسمه، و طوقها بقلبه، و ربط أنفاسها بخوفه و جعل من حبه سجنا لا مفاتيح له.
تقاعد الزوج و ضيق على زوجه الخناق: "ماذا تفعلين؟ فيما تفكرين؟ لا تنسي موعد الطبيب ...لا تنسي موعد الدواء...سنذهب سويا إلى هنا...سنذهب سويا إلى هناك...لنفطر معا هذا الصباح...هيا لتناول وجبة الغذاء...وجبة العشاء...لنتمشى معا...لنتنفس معا...أريدك أن تبقي بجانبي...اريد ان اشم ريحك...لا تخرجي من دوني...أخاف عليك. اقسم اني احبك و لا أستطيع العيش من دونك".
"انا احبك لكنني احتاج ان اكون مع نفسي، الحب لا يعني ان تحبسني في مربع صنعته انت. الحب هو ان تسمح لي بأن اكون حتى حيث لا تكون."
"كيف تطلبين التنفس بعيدا عني، أليس الحب ان نكون دوما معا."
لم يفهم انها تختنق من كثرة خوفه.
لم يفهم انها بحجة الحب كان يطوقها بالشوك.
كانت تحبه نعم، لكنها كانت تموت ببطء داخل قفص صنعه بنوايا حسنة اجل، لكن بجهل قاتل. لم يترك لحظة الا و يقسم لها فيها انه لا يريد اذيتها بل حمايتها وحسب.
وذات مساء غابت عن البيت اكثر من المعتاد، لم تجب على اتصالاته، لم ترسل له رسالة، تخبره فيها أين هي و مع من، طار عقله، شعر بشيء ينهار داخله، لم يكن غضبا هذه المرة، بل خوفا حقيقيا من ان تكون قد تعبت منه ، فقررت ان تهجره. حين عادت دخلت البيت في هدوء و قوة، وضعت مفاتيحها فوق الطاولة و ذهبت إلى غرفة الاولاد دون أن تنطق ببنت شفة، لكن هذه المرة و على غير عادة، لم يقابلها بالصراخ، بل دنا منها معتذرا: " سامحيني عزيزتي، لقد اكتشفت متاخرا، ان الخوف حينمايترجم إلى تحكم و غيرة زائدة، يصبح مؤذيا جدا، امنحني فرصة اخرى، فقط لاثبت لك انني تغيرت، آمنت أن الحب وحده لا يكفي، بل لا بد وان يكون معه مساحة من الثقة و المسؤولية...
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|