-1-
كنت في حالة من الانسجام مع نفسي
شعور من يبرأ من مرضٍ عضال
لذّة من يحتسي قطرات من الماء العذب
بعد طول عطش
لذّة من يجد السرير بعد أيّامٍ من العمل والتعب
لذّة من يجد الحبيب بعد طول غياب
يأخذه في حضنه ويبكي على كتفه
بدأ الخلاف يظهر ما بين فارس وحورية
العاشقان اللذين لم يسمحا لأحدٍ أن يقترب الى
عالمهما.
لم أشأ التدخّل .. كان الصمت يخيّم على محيطهما
امتنعوا عن مشاركتنا في تناول الطعام
هربوا من سهرات الفرح والرقص في الليالي
البيضاء
وكان البرد القاتل يخيّم على وجهيهما
يا لها من أحجية .. تلك العلاقة!
كيف يمكن أن ينقلب الإنسان بهذه السرعة؟
كيف يسمح الإنسان حرق مشاعره على نارٍ هادئة
معذّباً صاحبه وحبيبه؟
لا بدّ أنّ الدافع كبير للغاية
هكذا كنت أتوقّع .. أتصوّر
إلا أنّ الحقيقة أبسط من ذلك بكثير
ربّما نسي أن يهمس في أذنها "أحبّك" ذات صباح
ربّما تذكّر أمراً في ماضيه البعيد
أمرٌ أنساه واقعه وحبيبة القلب عاتبة.
جاءني القاضي يوماً وقال:
لا بدّ من الإرساء على أحد الموانئ
أو ربّما جزيرة .. يابسة
المسافرون في أمسّ الحاجة لذلك يا قبطان
إذن لنبحث عن يابسة يا قاضينا
لنبحث عن يابسة.
-2-
وصلنا الى جزيرة خضراء مليئة بالزهور والروائح العذبة
طلبت من جميع رفاقي مغادرة المركب
سوى فارس وحورية
وقف الاثنان أمامي وكلاهما ينظر ناحيتي
كأنّه يخشى لقاء عيني حبيب يقف بالجوار
لماذا يا فارس .. لماذا يا حورية؟
عندها تدفّقت الدموع من عينيها غزيرة وهمست
إنّها ليلى .. ليلى هي السبب
لقد غافلني وذهب الى مهجعها
حين فاجأته كان يعتليها ويلهث فوقها محموماً
لم أشعر به هكذا في فراشي
روح فارس خائنة وليس جسده!
هل تظنّون بأنّ قلب المرأة الشرقية مليءٌ
بالهواء
في الوقت الذي أضحت المرأة عند الإغريق
إلهة .. إلهة
صفعته بشدّة على وجهه
طأطأ فارِس رأسه واحتدّت نظرته
خِلْتُها في تلك اللحظة سوداء!
لم يحاول مرّة واحدة الدفاع عن نفسه
لكنّه همس حزيناً
"أحياناً يصبح الرجل حيواناً..
في تلك اللحظة يا حورية .. كنت أنا
حيوان .. مجرّد حيوان
كنت على ثقة بأنّها وحيدة
وكان هو كلّ ما تملك تلك المرأة
حورية كانت في تلك اللحظة كرمة جافّة
أرملة .. ممزّقة .. كرامتها مهدورة
بستانها محروق .. ودارها مهجورة
أبقيت الأمر سرّاً بيننا
كنت قلقاً بشأن ليلى
كنت قلقاً بشأن حورية
كنت قلقاً بشأن الجميع
وكان عليّ أن أقرّر
طلبت من فارِس البقاء بعيداً عن حورية
لاحظ الجميع الجفاء والفراق الذي حلّ بين
الحبيبين
ولاحظوا رغبتي الجادّة بعدم السماح لأحد بالتدخّل
إطلاقاً
كانت مهمّتي صعبة للغاية، ولكن..
الى متى هذا العبث يا ليلى؟
قالت ليلى بكلّ هدوءٍ وجرأة
هل تظنّني عاهرة؟
بل أنت من تقولين ذلك
لم أجبر أحداً من رجالاتك على مضاجعتي
أنا زنبقة تبحث عن غذاء
تبحث عن مياه جارية تملؤها الحياة
الرجال هم طعامي يا قبطان
آخرهم كان فارس
لماذا فارس بالذات يا ليلى؟
لم يكن يشح بنظره عنّي طِوال الوقت
فارس كان يلتهمني كلّما شاهدني
أقرأ الشبق في عينيه
شاهدته مرّة يسترق السمع وأنا أئنّ لذّة تحت..
كفى أرجوك .. هذا يكفي
لا يمكنك أن تقف ضدّ التيار
كان سيفعلها سواءً مع جسد ليلى أو غيره
وما ذنب المسكينة حورية؟
لا يا قبطان .. حورية ليست مسكينة!
لا تكن ساذجاً .. كان عليها أن تقرأ روحه
هززت رأسي وقلت آسفاً
لكنّها عاشقة يا ليلى .. العاشق لا يقرأ
سوى إملاءات القلب