رد: روعة التعبير في القرآن : دعوة للتدبر والتأمل
قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}.
وقال عز وجل في سورة الحديد: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُوتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}.
ومن رأى الآيتين قد يرى تشابها كبيرا بينهما لكن المتأمل سيلحظ فرقا بينهما:
ففي الآية الأولى جاء قول الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا}، أما في الثانية فقد قال: {سَابِقُوا}.
وهنا نلاحظ أن الآية الأولى تدعو إلى السرعة بمعنى أنه يمكن أن يكون بين هؤلاء المدعويين إلى السرعة سباق ولكن الآن هناك حث على الإسراع، أما في الثانية فهي مجرد دعوة للسباق لا إلى السرعة ، أي أن السرعة تأتي بعد مرتبة السباق
وفي الآية الأولى قال الله سبحانه: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ}، أما في الثانية فقال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}. أي أن الذين تمت دعوتهم للسرعة سيصلون إلى جنة عرضها هو نفسه عرض السماوات والأرض ولكن المدعويين للسباق الجنة التي سيتسابقون للوصول إليها عرضها يشبه عرض السماوات والأرض، إذ نلاحظ كيف جاءت كاف التشبيه بالآية الكريمة
ثم جاء في الآية الأولى قول الله سبحانه وتعالى : {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، وفي الثانية قوله عز وجل :{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ}.
وآخر الآيتين يثبت لن سبب الفرق بين " سابقوا " و " سارعوا " وبين " جنة عرضها السماوات والأرض" و " جنة عرضها كعرض السماوات والأرض" ، إذن فإن هذا هو السياق الذي اقتضى الفرق بين الآيتين، فالآية الأولى متعلقة بالمتقين، أما الثانية فبالمومنين، وبما ان التقوى هي رتبة عالية من مراتب الإيمان فقد لزم التفرقة بين المتقين والمومنين الذين لم يصلوا بعد درجة التقوى، وتتمثل هذه التفرقة في الآيتين بموضعين اثنين : الأول في الخطاب، والثاني في الثواب.
أمّا الخطاب، فقد خاطب الله تعالى المتّقين بدعوتهم إلى المسارعة (وسارعوا)، بينما خاطب المؤمنين بدعوتهم إلى المسابقة (وسابقوا). والفرق بينهما هو: أن المتّقين في تنافس وسباق، لذلك لم يحثّهم عليه حتى يحصل منهم، بل حثّهم على المزيد منه كأنه يحضّهم على الأحسن منه، ويشجع المتسابقين في الخلف على السرعة حتى ينالوا خير الجزاء أيضا فحسن هنا أن يخاطبهم بالسرعة لا بالمسابقة
أمّا الثواب، فقد اختلف باختلاف الرتب. ففي الآية الأولى حينما خاطب الله سبحانه المتّقين قال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ}، وفي الآية الثانية حينما خاطب المؤمنين عامة قال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}. والفرق بينهما يكمن في كون الآية الأولى المتعلّقة بالمتّقين لم ترد بصيغة التشبيه للدلالة على أنّ هذا الثواب الموعود لا يضاهى ولا يماثل ولا يشابه. علاوة على هذا ففي الآية الأولى (عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ) فهو ثبات وتأكيد ، أما في الثانية (عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ) وهذا يتضمّن الفرق بين الجنّتين من حيث السعة. كما أن الأولى جاءت كلمة السماء جمعا فليس العرض عرض سماء واحدة بل السماوات اما الثانية فإضافة إلى التشبيه، نجد أيضا أن لفظة السماء جاءت دالة على المفرد، وقد يدل هذا على عظمة الثواب للمتقين الذين تجاوزوا درجة إيمانهم إلى درجة التقوى..
والله تعالى أعلم..
|