رد: استديوهات سيناريوهات هو و هي و هما و هم وهُنَّ
حوار بعنوان مجرد امرأة من قصة بنفس العنوان:
ارتبكت مرام وهي تطلب صديقتها عالمة أنها لن تجدها بسبب خطأ ارتكبه إصبعها وهو يطلب الرقم, فرد الصوت على الطرف الآخر معتذرا: يبدو أنك طلبت رقماً خاطئاً, لكن دعيني أسألك سؤالاً, هل أنت معتادة على الاتصال بصديقتك في مثل هذا الوقت؟
أجابت : تلك هي المرة الأولى التي أطلبها ليلاً.
فقال: أتمنى أن لا يكون هناك طارئا ًما!!
أجابت: إن لم نسمي نحيب الروح طارئاً... فلا شيء إذن.
-لا أريد أن أكون فضولياً...لكن إن أردت أن تريحي نفسك بالإفضاء لي فلا مانع عندي خاصة واني أعاني من الأرق والملل ...بل ربما الاختناق.
-هل سبق أن شعرت أن أصابع الوحدة تضغط على عنق أيامك فتجعلك تشعر بغثيان الأمل.
-ياه...يبدو أنني أمام شاعرة!!
-من ...أنا؟؟ أنا لم أجتز الثانوية العامة.
بنبرة تفضح استنكاراً ودهشة:
-طالبة ثانوي؟؟!!
-كلا...لم أعبّر جيداً, لم أصلْ إلى الشهادة الثانوية, تزوجت قبلها.
-مممم..وأين هو زوجك الآن؟
-يغط في أحلام لن يراها.
-يتركك وينام؟؟
-وماذا تريد من رجل يشغل وظيفتين, ولا يكاد يدخل إلى منزله إلا وقت النوم.
-كما نعود للفندق؟؟
-باستثناء أمر واحد, أنك تعود إلى الفندق إثر تجوال سياحي يطرز روحك بألف حافة للفرح, بينما يعود وهو يجتث بقية أحلامه ليرمي أشلاءه على سرير التعب. أحياناً استغرب من تلك القدرة التي يمتلكها على العطاء, لا يفكر في نفسه أبداً, لا يشتهي شيئاً له, كل ما يبحث عنه هو متطلباتنا أنا والأولاد, فاسأل نفسي:هل هو حقاً لا يملك أي حلم صغير لاقتناء أي شيء, أم أن قائمة الاولويات التي رتبها لم تصل إلى اسمه بعد...ومتى ستصل؟؟متى سيطلب هذا الإنسان شيئاً؟؟
-ربما أزهده التعب؟؟
-على العكس, فهو راضٍ دائماً, يمطرنا في لحظات لقاءه القليلة معنا حباً يتسع للأرض بكاملها.
-و أنت؟؟؟
-أنا؟؟؟ماذا؟؟؟
-هل أنت راضية؟؟
-هل تصدق إذا قلت لك أني لا اعرف, أشعر أني أعيش حلم فتاة أخرى, أظن أننا نحلم سراً بصمت فتنطلق أحلامنا إلى سماء الأماني دون ترتيب وتختلط, فيحصل كل واحد على حلم شخص آخر لا يعرفه...ربما لأننا في الظلام لا نستطيع أن نتعرف على ملامح حلمنا... فيلتبس علينا , أكيد أن هناك من حلمت أن تعيش حياتي, لا شيء حقاً أشتكي منه, زوج يحبني بجنون, أطفال في غاية الصحة والذكاء والهدوء...ماذا أريد أكثر؟؟؟لا أدري, لكنني لست راضية, هناك خواء في الروح يكاد يبتلعني... أعتقد أني قرأت قصص سندريلا حتى اعتقدت أن أميراً ما سيبحث عني من بين كل فتيات الأرض, لكن ذلك لم يحدث...قد تكون فتاة ما في هذا العالم حصلت على حلمي...ومن يعلم...قد تكون غير راضية أيضاً.
-بدأت الآن تتكلمين كفيلسوف... يبدو أنك تقرئين كثيراً؟؟
-أنا...ربما..أحياناً..أطالع بعض الصحف التي يجلبها زوجي.
-إذن دعيني أعرفك بنفسي ، أنا الصحفي وليد الجابي من جريدة الأيام...هل قرأت زاويتي يوماً؟؟
-الحقيقة...لا أذكر...
-لا عليك...اعتقدت أنك قد قرأتها بسبب شعبيتها, إنها زاوية "يوم في حياة مواطن" .
-عرفتها...نعم قرأتها...عدة مرات ...تكتب بأسلوب ساخر عن معاناة المواطن...صحيح؟؟
-نعم..على فكرة ...لم تقولي لي اسمك حتى الآن!!
-اسمي...ما الذي سيضيفه اسمي...أنا مجرد امرأة.
-ألا تعتقدين أن الأسماء لها دلالات تنطبع على صاحبها.
-لا..بل أعتقد كما غنت فيروز (عينينا هن أسامينا).
-إذن لن أستطيع أن أعرف أسمك حتى أراك.
-ولن تعرف اسمي حتى لو رأيتني...(اسمي خبيتو بنسمة وقلتلا غيبي).
-يا ابنتي قولي اسمك ببساطة وخلصينا.
-لا أريد, لو أنني فكرت لحظة في تعريفك على نفسي لما عريت نفسي أمامك حتى هذا الحد.
-لم أشعر أنك قد عريت نفسك.
-تلك لوازم الحد الأدنى من الحشمة الأديبة, فعوراتنا النفسية لا يمكن أن تظهر بكل وقاحة أمام الآخرين.
-هل أنت متأكدة انك لم تتجاوزي الشهادة الثانوية, يبدو حديثك أعمق بكثير من أن تكوني مجردة من الشهادة الجامعية.
-وهل تؤمن أن الثقافة لا تستجلب إلا من المدارس والجامعات؟؟ استفق إذن فالحياة هي مخبر العلوم والآداب, أنت تخبر الأشياء في الحياة بحواسك كلها كما في درس عملي ثم تنتقي مفرداتك للتعبير عنها، فإن كنت متميزاً في انتقائها صرت شاعراً, وإن رسمتها بألوان خرافية صرت رساماً. وفيلسوفاً مفكراً إن نمقتها بأفكار واستنتاجات، وموسيقياً إن كانت أداة تعبيرك صوتية, وإلا فشخص عادي...لا تشغله الملاحظة؟
-هل أفترض إذن أنك تقولين الحقيقة طالما أنك لن تعرفيني عن نفسك؟
-للحقيقة وجوه كثيرة...
-هذا قول يصدر من كاذبة متمرسة.
-لا أبداً...بل يصدر من صادقة إلى أبعد الحدود..
-لما بررت بوجوهها الكثيرة التواءك عن الحق.
-لا..أنت ذهبت في اتجاه آخر...أنت تسألني عن الحقائق التي قلتها عن نفسي, ما هي الحقيقة ؟ هل ما أنا عليه فعلا ً،أم ما حلمت به وتقمصني حتى الإغراق.
-الحقيقة هي الحقيقة.
-إن كنت ترغب في أن تصبح رساماً لكنك درست الطب لظرف أو لآخر, فمن أنت من بينهما...هل أنت الرسام أو الطبيب؟ سيظل الرسام يلح على خباياك ويتسلل من فجوات ذاتك, وسيبدو اختلافك واضحاً إلا إذا وأدته...قتلته تماماً...هل تعرف؟! الكل من حولي يعتقد أنني أم وزوجة رائعة, لكنني في الحقيقة لست كذلك...أنا مجرد كذبة...لم أحلم يوماً أن أصبح أماً أو زوجة، فكيف أكون أماً وزوجة رائعة...من الأم الرائعة؟؟؟هل تعتقد أن امرأة عقيماً كانت تحلم منذ نعومة أظفارها بالأطفال ليست أماً رائعة لمجرد أنها لم ترزق بالأولاد...قد تكون هي من تستحق هذا اللقب لكنها لم تحصل على تلك الفرصة التي تسمح لها باثبات تميزها,الأشياء التي نقوم بها بحكم الواجب والفرض والعادات والتقاليد لا يمكن أن تكون حقيقتنا...الحقيقة شيء آخر...شيء تفعله بكامل حريتك دون أي ضغط، فقط لأنك تحب أن تفعله...لكننا في الحقيقة لا نملك تلك الحرية.
-أنت مدهشة.
-أنا متأملة.
-متأملة مدهشة.
-الدهشة وليدة التأمل.
-كنت أتمنى أن أقترن بمن هي في مثل ذكائك هذا...لنقل مثل تأملك...
-لا تناور...لقد حصلت على ما أردته.
-وما أدراك؟
-هي هكذا...أنت تضع في حسابك صفة ما تتمناها بشدة في شريك حياتك, فتحصل عليها ممهورة بصفة أخرى تمقتها تماماً.
-كيف ذلك؟
-لنقل أنك كنت تتمنى زوجة مسؤولة تتحمل معك ترهات الحياة ومصاعبها, وكنت تركز تماماً على هذه الصفة..
-اممممممم
-ستحصل عليها لكن في المقابل سيكون هناك صفة أخرى في شريكة حياتك تبغضها تماماً...لم تنتبه قبل الزواج إلى مدى كرهك لهذه الصفة...لنقل..الكسل مثلا...أو العزلة.
-أنت تعرفيني حتما وتعرفين كل شيء عني.
-لا أبداً!!
-ماذا إذن ...هل تمارسين علي نوعاً من أنواع الشعوذة أو قراءة الأفكار؟؟
-دعك من هذه الترهات...أنت أعقل من أن تؤمن بذلك؟
-أنت ...غريبة...مدهشة...ذكية.
-شكراً
-سأصوغ لك مقالاً غداً من حديثنا.
-بل صغْ مني مقالاً.
-مجرد تفاصيل ...
-تفصيل صغير يضاف إلى لوحة يفضح مكنونات صاحبها, وبتجريد اللوحة منها تغدو مزيجاً ساحراً من اللون والغموض.
-هل تفهمين في الرسم أيضاً؟
-أبداً...أتأمل فقط...اسمع...لقد ظهر الصباح....
-وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.
-تقصد غير المباح...المهم علي أن اذهب.
-هل تتصلي بي غداً؟
-لا أظن.
-أرجوك...سأنتظر هاتفك
-حسناً... قد أتصل.
-مع السلامة
-مع السلامة.
أغلقت السماعة, وما أن وقعت عيناها على الجهاز حتى أحست بالخيبة لوهلة, ثم انفجرت ضاحكة,فقد كانت تستعمل الجهاز المجرد من زر إعادة الاتصال.
|