التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 138,642
عدد  مرات الظهور : 162,997,970

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > الجمهوريات العامة > هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية)
هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية) هيئة المثقفين العرب والأخبار الثقافية + صالون أدبي ومساحة إضافية للحوارات والنقاشات الأدبية تعتمد على المواضيع الأدبية والثقافية لا على الضيوف - مساحة نناقش فيها كل ما يتعلق بالأدب والثقافة.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15 / 09 / 2009, 34 : 01 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد عبد الفتاح عليوة
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد عبد الفتاح عليوة
 





محمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا ( 1 - 5 )

بعد نشر المقال الذي كتبته بعنوان "أيها العلمانيون افرحوا: سيد القمنى يصوم رمضان ويصلى التروايح"، كانت لي فرصة الحوار مع الكاتبة العلمانية رشا ممتاز عن طريق البريد الالكتروني، والحقيقة أنها سيدة تتميز بعقل رصين، وتفكير منطقي، وإيمان عميق بقضيتها التي تدافع عنها " العلمانية "، ولم يمنع اختلاف الرؤى والمنطلقات الفكرية بيننا من أن يكون هناك حوار جاد متميز، يتصف بالعقلانية والهدوء، ولقد قادني هذا الحوار إلى قراءة كتابات الأستاذة رشا، خاصة ما نشر منها في موقع الحوار المتمدن، ومن خلالها بدأت تتضح لي معالم الفكر العلماني في بلاد العرب، فكانت فكرة هذا المقال..
فالعلمانيون في بلادنا يقعون في إشكال كبير عندما يكتبون عن الإسلام، فيصدرون في كتاباتهم عن الرؤية والثقافة الغربية التي غذوا وتشبعوا بها منذ نعومة أظفارهم.
ولا شك أن تلك الرؤية الغربية للإسلام تحرص على تشويهه، وتشويه تاريخه، من خلال إحياء الآراء الشاذة والتنقيب عن الروايات الموضوعة من قبل أعداء الإسلام عبر عصور التاريخ الإسلامي .
ومن خلال حركة الاستشراق، التي هدفت إلى تطويق المد الإسلامي، والعمل على انحساره، ووقف نموه، بعد أن أعيتهم الحروب الصليبية عن الوصول إلى أهدافهم، عن طريق دراسة معالم الفكر الاسلامى وحضارته، وثقافة الشرق وعلومه، وإن كانت أعمالهم تبدو في معظم أحوالها في ثوب علمي أكاديمي، فإن ذلك ينبغي ألا يحجب عن أعيننا نواياهم الخفية، التي صرح بها معظمهم في المؤلفات والمؤتمرات العلمية التي كانت تعقد بين الحين والحين لهذا الغرض .
فالهدف الديني كان واضحا في ظاهرة الاستشراق، ولقد سلك المستشرقون وسائل شتى لتحقيق هذا الهدف، كان أخطرها بلا شك التركيز على إثارة القضايا الخلافية في الفكر الإسلامي، والعمل على إحياء الآراء الشاذة للفرق المغالية؛ ليشغل المسلمون أنفسهم بها عن التفكير في عظائم الأمور؛ فعمدوا إلى إثارة الخلافات المذهبية، وإحياء الخصومات التاريخية بين المعتزلة والأشاعرة، أو بين المعتزلة والسلف.
وهذا الهدف قد أعلنه المستشرقون أنفسهم قديما وحديثا، ولم يجدوا غضاضة في التصريح به، فها هو المستشرق الفرنسي "هانوتو" يكتب مقالا بعنوان "لقد أصبحنا اليوم إزاء الإسلام والمسالة الإسلامية " إبان احتلال فرنسا للجزائر، وقد نشر مترجما إلى العربية في جريدة المؤيد، ومما جاء فيه "إنه لا يوجد مكان على ظهر الأرض إلا واجتاز الإسلام فيه حدوده منتشرا في الآفاق، فهو الدين الوحيد الذي أمكن انتحال الناس له زمرا وأفواجا، وهو الدين الوحيد الذي تفوق شدة الميل إليه والتدين به كل ميل إلى اعتناق سواه .. إن هذا الدين قائم الدعائم، ثابت الأركان في أوروبا عينها ..لقد صارت فرنسا في كل مكان في صلة مع الإسلام، بل صارت في صدر الإسلام وكبده..ليس الإسلام في داخلنا فقط، بل هو خارج عنا أيضا، قريب منا في مراكش..قريب منا في طرابلس الغرب..قريب منا في مصر..وهو شائع ومنتشر في آسيا..ولا يزال الهلال الاسلامى ينتهي طرفاه من جهة بمدينة القسطنطينية، ومن جهة أخرى ببلدة فاس في المغرب الأقصى، معانقا بذلك الغرب كله..

ثم يعلن هانوتو في صراحة أنه لابد من العمل على تفكيك تلك الرابطة التي تجمع بين المسلمين شرقا وغربا على سطح المعمورة فتجعل منهم أمة واحدة، وهى رابطة الدين، لابد من العمل على إضعاف هذه الروح السائدة التي تحرك المسلمين من سباتهم..إنهم متى اقتربوا من الكعبة، من البيت الحرام..من ماء زمزم المقدس، من الحجر الأسود..وحققوا بأنفسهم أمنيتهم العزيزة التي استحثتهم على ترك بلادهم في أقصى مدن العالم للفوز بجوار الخالق في بيته الحرام، اشتعلت جذوة الحمية الدينية في قلوبهم..إن رابطة الإخاء الجامعة بين أفراد المسلمين كفيلة بأن تجعل المسلم في شرق الأرض يهب لنصرة المسلم في غربها، فهي عامل مؤرق لفرنسا في المستعمرات التي تخضع لها".

ومن هنا فإن العمل على إضعاف هذه الرابطة بين المسلمين، كانت ولا زالت تمثل غاية وهدفا لنشاط المستشرقين..
ثم إن أول من اشتغل بعلوم الشرق بحثا ودراسة كان راهبا وقسيسا ثم بابا لروما فيما بعد، وهو الراهب الفرنسي " جرير دي أولياك 938- 1003م"، ثم جاء من بعده "قسطنطين الأفريقي 1107م" و "بطرس المحترم 1092-1156" و"أرجو دي سانتلا 1107م" ثم "جيراد كريمون 1114- 1187م" ثم تتابعوا، وتكاثرت أعدادهم، واختلفت جنسياتهم، بحيث شملت معظم دول أوربا وأمريكا في العصر الحديث، ومعظمهم من رجال الكهنوت المسيحي واليهودي، ولا يمكن أن نتصور هؤلاء مجردين من عواطفهم الدينية.

هذه الحركة الاستشراقية في ظاهرها، التبشيرية في باطنها، خلفت وراءها كما هائلا من الدراسات المختلفة عن الإسلام والفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي، برزت فيها القضايا الخلافية بشكل واضح، وظهرت فيها الحروب الدموية والخلافات المذهبية والثورات الشعوبية ضد الدولة الإسلامية بشكل أكبر من المنجزات الحضارية التي قدمها المسلمون للعالم أجمع، وكانت الأساس الذي ارتكزت عليها النهضة الأوربية الحديثة، بشهادة المنصفين من المستشرقين أنفسهم، كما سنرى بعد ذلك..
فالعلمانيون في بلادنا أول ما يقعون فيه من خطأ، هو أنهم يصدرون في نظرتهم للإسلام وأحكام الإسلام وتاريخ الإسلام والفكر الإسلامي بشكل عام عن تلك الدراسات الاستشراقية التي سبقت الإشارة إليها، والتي غذوا بها في دراساتهم الجامعية، أو من خلال قراءاتهم لرواد الفكر العلماني الأوروبي القائم على تلك الدراسات، ومن هنا تأتى أغاليطهم وأوهامهم، التي تنضح بها كتاباتهم ومؤلفاتهم عن الإسلام والفكر الإسلامي.
والعجيب أنهم يقعون في تناقض واضح، عندما يدعون إلى تحرر العقل والفكر من الظلامية الإسلامية – كما يدعون-، ويأبون أخذ الإسلام من التراث الإسلامي المعتمد المنقح بواسطة علماء مسلمين، أهلتهم دراساتهم العربية والإسلامية والتاريخية للقيام بهذه المهمة، ويقولون نريد أن نفهم الإسلام بعيدا عن تفسير العلماء، فلنا عقول كما لهم عقول، ثم هم يقعون بعد ذلك في براثن الاستشراق، ينهلون منه كل قبيح عن الإسلام والمسلمين، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فلا تعجب إذا أن تجد أن نفس القضايا التي أثارها المستشرقون قديما وحديثا حول الفكر الإسلامي، هي نفس القضايا التي يثيرها العلمانيون في كتاباتهم ومؤلفاتهم، كأنها خرجت من مشكاة واحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة...
فمثلا أثار المستشرقون فتنة كبيرة حول ما أسموه قضايا المرأة في الإسلام، مثل قضية الطلاق، وتعدد الزوجات، والعصمة، وتعدد زوجات النبي ....
وكذلك الحديث عن التقدمية، والنهضوية، والتنوير، وقضايا مثل وجوب التخلص من الغيبيات والعقائد الدينية، والاعتماد كليا على العقل، وقضية فصل الإسلام عن نظم الحكم، والترويج لقضية أن الإسلام دين لا دولة، عقيدة لا شريعة، وحى لا دستور، وليس في الإسلام نظام لسياسة الدولة، وقضية مثل التشكيك في نصوص القرآن الكريم، وإخضاع تلك النصوص للنقد طبقا لمنهج ديكارت في الشك، كما عملوا كذلك عدة محاولات لإحلال العاميات محل اللغة العربية الفصحى، في مصر وغيرها؛ بدعوى أن الفصحى ليست قادرة على مسايرة الكشوف العلمية المتطورة، ومحاولات أخرى لحث المسلمين على التخلي عن دينهم، بدعوى أن التمسك بالإسلام هو سبب تخلفهم، حيث يقولون: أن سبب تأخر الشرق الإسلامي ماديا وعلميا يرجع إلى تمسكهم بالدين الإسلامي وتعاليمه، ولا مناص للشعوب الإسلامية إذا أرادوا أن يتغلبوا على هذا التخلف الحضاري إلا أن يتخلصوا من تعاليم دينهم أولا، وأن ينحوا الإسلام بعيدا عن شئون حياتهم اليومية، ليكون قضية شخصية، يمارس الإنسان طقوسه وشعائره إذا أراد ذلك في بيته، أو في المسجد، وكفى .
وهل تعدى ما ينادى به العلمانيون في بلادنا اليوم هذه القضايا، بداية من سلامة موسى، وقاسم أمين، وطه حسين، وعلى عبد الرازق، حتى يومنا هذا؟
وتلك هي الإشكالية الجوهرية عند العلمانيين في بلاد العرب، أخذهم عن الاستشراق، وصدورهم في أحكامهم، بل حتى في مصطلحاتهم التي يستخدمونها للتعبير عن تلك الأحكام عن الثقافة الغربية، فكل ما تلوكه ألسنتهم، أو يجرى به مداد أقلامهم، إنما يصدر عن تلك الثقافة، كوصفهم للدولة الإسلامية بالدولة الثيوقراطية، ووصفهم لعلماء الإسلام برجال الدين أو الكهنوت الإسلامي، فيقع بذلك الخلط الواضح، واللبس المشين.

وهذا ما سنتعرف عليه في مقالة لاحقة بإذن الله
يتبع

محمد عبد الفتاح عليوة

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
محمد عبد الفتاح عليوة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19 / 09 / 2009, 24 : 03 PM   رقم المشاركة : [2]
محمد عبد الفتاح عليوة
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد عبد الفتاح عليوة
 





محمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (2)

ما زلنا حول الإشكاليات التي يقع فيها العلمانيون في بلاد العرب، والتي تنبثق كلها من إشكالية واحدة هي الأصل كما أسلفنا قبل ذلك، ألا وهى أن مصدر التلقي هو الفكر الاستشراقى والثقافة الغربية..
والإشكالية الجديدة والتي تنضح بها كتاباتهم، بل ويعتبرونها سبة في الدين الإسلامي والفكر الإسلامي يرمونه بها كل حين، قولهم إن الدين الاسلامى يناقض العقل، ويحارب الإبداع، ويدعو إلى التخلف والجمود، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن كتب فقال: إن العلوم كانت مزدهرة قبل الإسلام، وأن الإسلام لم يسهم في ازدهار الحركة الفكرية والعلمية، بل كان سببا في توقفها وانحطاطها، وبالتالي كانت الدعوات المتكررة إلى نبذ الدين إذا أراد المسلمون أن يلحقوا بركب الحضارة، ومواكبة التقدم والتطور.
والحقيقة أن هذه الشبهة ساذجة ومضحكة في آن واحد، ولا تحتاج في الرد عليها أكثر من أن نذهب إلى الدراسات الاستشراقية التي لبست ثوب الموضوعية إلى حد ما، والتي لا تخلو منها الدراسات الاستشراقية، فإن فكرة السيطرة على العالم الإسلامي، والتي تمثل الهدف والغاية من نشأة الاستشراق، لم تمنع يوما أن يتجاوز الاستشراق هذا الهدف في مسيرته التاريخية إلى أهداف أخرى علمية، أو حضارية، أو ثقافية .
واستشهادنا بأقوال المستشرقين أنفسهم لا يعنى خلو مبادىء الإسلام والفكر الإسلامي ومسيرته العلمية عبر التاريخ من الأدلة الدامغة لدحض هذه الشبهة- كلا- ولكن من باب قولهم: والفضل ما شهدت به الأعداء، ولأن العلمانيين في بلادنا لا يطربهم إلا أقوال أساتذتهم وأولياء نعمتهم وأرباب فكرهم.
يقول جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب":
"إن العرب أول من علم العالم كيف تتحقق حرية الفكر مع استقامة الدين."
وقال المستشرق "سبانسر فاميري":
"لا يستطيع عالم واحد أن يتأمل القبة الزرقاء دون أن يلفظ اسما عربيا، ولا يستطيع عالم طبيعي أن يحلل ورقة من الشجر، أو يفحص صخرة من الصخور، دون أن يذكر درسا عربيا، ولا يقدر أي قاض أن يبت اليوم في خلاف، دون أن يستدعي مبدأ أنلته العرب، ولا يسع أي طبيب أن يتأمل دائرة أحد الأمراض المعروفة منذ القدم، إلا أن يهمس بآراء طبيب عربي، ولا يستطيع رحالة أن يدلف إلى أبعد زوايا آسيا وإفريقيا، دون أن يعمد عن اللغة العربية"

وفى كتاب عندما تغير العالم The Day The Universe Changed
تأليف جيمس بيرك James Burke
يقول الكاتب ص48: (( و لكن من حسن المصادفات أن جاءت لحظة تاريخية مذهلة أعيد فيها اكتشاف المعرفة، ففي عام 1085 سقطت قلعة توليدو العربية في أسبانيا، لتجد القوات المسيحية المنتصرة بين أيديها كنزا أدبيا، كان أبعد ما يكون عن كل أحلامهم، فمنذ ما يزيد على مائة عام، لم تكن أوروبا تعرف شيئًا عن العرب الأسبان إلا القليل .... و منذ ذلك الوقت انتشر الحديث في أوروبا عن الحضارة القائمة خلف جبال البرانس ))

و يقول ص50: (( و قد تميز موقف هذا المجتمع الثري الحضاري ذي الثقافة الرفيعة بالتسامح مع العقائد الأخرى، حيث عاش في ظل حكم الخلفاء المسلمين آلاف اليهود و المسيحيين في سلام و انسجام كامل، و استخدمت عوائد الأرض لتطوير مستوى الحياة، و الأهم من ذلك كله، أن الدين و الثقافة تعايشا معًا في تواؤم، فحيثما وجد الإسلام، وجد معه التعطش إلى المعرفة و تطبيقاتها على شتى مناحي الحياة ))

و يقول ص54: (( استمر تدفق طلاب العلم على أسبانيا في طوفان منتظم فاستقر بعضهم هناك، و تفرغ آخرون لترجمة النصوص التي كانوا يبحثون عنها، ثم عادوا مرة أخرى إلى بلادهم في الشمال، غير أن الجميع أصابه الذهول من تلك الحضارة التي وجدوها في الأندلس. . لقد كان العرب ينظرون إلى الأوروبيين الشماليين على أنهم لا يزيدون في مستواهم الفكري والثقافي على مستوى الصوماليين... أما المثقفون الشماليون فقد وجدوا في أسبانيا، مجتمعا ثقافيا على درجة عالية جدا من التفوق، بالمقارنة مع مستوى المجتمع الثقافي في بلادهم؛ مما ترك لديهم إحساسا بالغيرة من الثقافة العربية التي ظلت تؤثر في الفكر الغربي مئات السنين ))

وفى الثاني من يوليو 1951م عقدت شعبة الحقوق الشرقية من " المجمع الدولي للحقوق المقارنة" مؤتمرا في كلية الحقوق جامعة باريس للبحث في الفقه الإسلامي تحت اسم "أسبوع الفقه الإسلامي" برئاسة المسيو (ميو Montet) أستاذ التشريع الإسلامي في كلية الحقوق بجامعة باريس، دعت إليه عددا كبيرا من أساتذة كليات الحقوق العربية وغير العربية وكليات الأزهر، ومن المحامين الفرنسيين والعرب وغيرهما، وعددا من المستشرقين كذلك..
وفي خلال بعض المناقشات وقف أحد الأعضاء وهو نقيب محاماة سابق في باريس، فقال:
" أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلوحه أساسا تشريعيا يفي بحاجيات المجتمع العصري المتطور، وبين ما نسمعه الآن في المحاضرات ومناقشتها مما يثبت خلاف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادئ؟."

وفي ختام المؤتمر وضع المؤتمرون بالإجماع التقرير التالي :
1- إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة (حقوقية تشريعية ) لا يمارى فيها.
2- وإن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية، هي مناط الإعجاب، وبها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، والتوفيق بين حاجاتها."

لقد أثمرت الحركة الفكرية والنهضة العلمية الإسلامية حضارة عريقة أذهلت الأوربيين أنفسهم، فتوافدوا أفرادا وجماعات ينهلون منها، ويعبون من فيضها، ما أنار لهم حياتهم بعد ظلمة، وعلمهم بعد جهل.
وهذا ما سنتعرف عليه في مقالة لاحقة بإذن الله
يتبع

محمد عبد الفتاح عليوة
( تم حذف البريد لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى )
محمد عبد الفتاح عليوة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20 / 09 / 2009, 26 : 05 PM   رقم المشاركة : [3]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (2)

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
أحييك أخي محمد عبد الفتاح و أهنئك بحلول عيد الفطر المبارك ، وكل عام و أنت بخير ..و أشكرك جزيل الشكر على هذا المقال القيم الذي استمتعت به أيما استمتاع ..
والحقيقة أن المشكل الأساسي عند من يسمون بالعلمانيين أو الحداثيين يتمثل في ثلاثة أشياء ..
الحقد الأعمى على تراثهم الذي كان الأولى بهم الدفاع عنه .
التقليد الأعمى و الساذج لكل ما هو شرقي و غربي ..
افتقارهم للمطالعة المتأنية و العميقة و الغوص في حقائق الفقه الإسلامي و كذا الإلمام بكل ما أتى به الشرع الحنيف ..
ومما يثير السخرية هو أن المستشرقين وكذا من يتربص بالإسلام و تعاليمه قد درسوا القرآن و علومه و اللغة العربية و علومها قبل أن ينبروا لإبداء نتائج بحوثهم .. في حين نرى أن هؤلاء العلمانيين يرفعون راية العصيان على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ، محررين لمقالات تثير الشفقة و السخرية في آن واحد .. فيسيئون لعلماء أجلاء شهد لهم التاريخ بالتمكن من علومهم و خدمتهم الجليلة لأمتهم ..فيبينون عن جهل تام و حقد لا مبرر له .. في الوقت الذي نجد فيه مستشرقين يعترفون على مضض بفضل الإسلام على العالم ، وذلك وفاء منهم لقول الحقيقة .
وربما كان موقف هؤلاء الأذناب العدائي هذا نابعا من تهافتهم على الشهرة و نيل رضا أسيادهم من الشرق و الغرب ..
دمت بكل الحب و المودة .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25 / 09 / 2009, 22 : 11 PM   رقم المشاركة : [4]
محمد عبد الفتاح عليوة
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد عبد الفتاح عليوة
 





محمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (3)

قلنا أن الحركة الفكرية والنهضة العلمية الإسلامية أثمرت حضارة عريقة أذهلت الأوربيين أنفسهم، فتوافدوا أفرادا وجماعات ينهلون منها، ويعبون من فيضها، ما أنار لهم حياتهم بعد ظلمة، وعلمهم بعد جهل.
ولنقرأ وصف الأوربيين أنفسهم لمظاهر تلك الحضارة:
يقول المؤرخ الأمريكي فكتور روبنسون صاحب قصة الطب:
"كانت أوربا في ظلام حالك بعد غروب الشمس، بينما كانت قرطبة تضيئها المصابيح العامة، كانت أوربا تغطيها الهوام، بينما أهل قرطبة مثال النظافة، كانت أوربا غارقة في الوحل، بينما كانت قرطبة مرصوفة الشوارع، كانت سقوف أوربا مملوءة بثقوب المداخن، بينما قصور قرطبة تزينها الزخرفة العربية العجيبة، وكان أشراف أوربا لا يستطيعون توقيع أسمائهم، بينما كان أطفال قرطبة العربية يذهبون إلى المدارس، وكان رهبان أوربا يلجئون إلى تلاوة سفر الكنيسة، بينما كان معلمو قرطبة قد أسسوا مكتبة تضارع في ضخامتها مكتبة الإسكندرية العظيمة".

ويقول السير انتوني ناتنج Sir Antony Nating في كتابه "العرب: تاريخ وحضارة" وهو يتحدث عن حضارة الأندلس من خلال الحديث عن الواقع في قرطبة العاصمة الأموية آنذاك:
"..وكان تعداد سكان قرطبة يناهز 800 ألف نسمة، وارتفع عدد المساجد إلى 700، وكان في المدينة 300 من الحمامات العمومية في وقت كانت فيه الشعوب الأوربية لا تزال تعتبر الاستحمام عادة وثنية، وكانت الشوارع ممهدة ومضاءة وطولها 10 أميال
وهو تقدم كان مقدرا ألا تنعم به لندن وباريس قبل 700 عام تالية، كان المواطنون أثناءها يتحسسون طريقهم ليلا في الظلام الحالك يتخبطون في وحول تغوص فيها الأقدام حتى الكعبين، وكانت المدينة تضم 70 مكتبة عامة، وفي عهد الحكم بن عبد الرحمن، الذي كان شغوفا بالكتب جمعت مجموعة من 400 ألف كتاب من المكتبات العامة والخاصة في الإسكندرية ودمشق وبغداد، في حين لم يكن يوجد في أي مكان في العالم أكثر من عشرة آلاف كتاب باللغة الإنجليزية، وكان حكام ليون ونافار وبرشلونة يرسلون إلى قرطبة إذا احتاجوا إلى طبيب أو مهندس معماري، لا إلى فرنسا ولا إلى ألمانيا، وكانت قرطبة تجتذب الطلاب من أوربا وإفريقيا وآسيا.
وكانت معرفة القراءة والكتابة عامة، حتى أكد المؤرخ "راينهارت دوزي" أن كل فرد تقريبا كان يقرأ ويكتب، في حين أن معرفة القراءة والكتابة في أوربا كانت لا تزال ميزة لرجال الدين وقلة من الكتبة المحترفين . "

قصة لها دلالتها:
في القرن التاسع الميلادي (حوالي سنة 807 م) أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد، هدية عجيبة إلى شارلمان ملك الفرنجة "وكانت الهدية عبارة عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بواسطة قوة مائية، وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنية بعضها في أثر بعض بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيسمع لها رنين موسيقى يسمع دويه في أنحاء القصر ...
وفي نفس الوقت يفتح باب من الأبواب الإثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة، ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ئم يعود إلى حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسا مرة واحدة، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم، كان هذا هو الوصف الذي جاء في المراجع الأجنبية والعربية عن تلك الساعة التي كانت تعد وقتئذ أعجوبة الفن، وأثارت دهشة الملك وحاشيته... ولكن رهبان القصر اعتقدوا أن في داخل الساعة شيطانا يحركها.. فتربصوا بها ليلا، وأحضروا البلط، وانهالوا عليها تحطيما إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا"

ولقد استلبت مظاهر الحضارة الإسلامية تلك عقول وقلوب الأوربيين، فكان الذهاب إلى بلاد المسلمين والنهل من معارفهم حلما يراود الأوربيين، الحكام منهم والمحكومين على السواء.
فهذا جون دوانبورت يروى في كتابه "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطي" هذين الرسالتين من جورج الثاني ملك انجلترا إلى الخليفة الأندلسي هشام الثالث، والجواب عليها.
رسالة الملك الإنجليزي جورج الثاني :
من جورج الثاني ملك إنكلترا والغال والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام:
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أربعة أركانها. وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة "دوبانت" على رأس بعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج. م . أ

جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد:
إلى ملك إنكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجلّ
اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي، أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا، والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس
هشام
لقد حزن الأوربيون حزنا شديدا على توقف المد الحضاري الإسلامي بسبب هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء عام 732م اتضح ذلك الحزن في رواياتهم الأدبية وكتاباتهم التاريخية العلمية
قال أناتول فرانس في روايته "الحياء المزهرة" على لسان البطل دوبوا قائلا لسيدة أندرياس:
"ما هو أشأم يوم عرفته فرنسا يا سيدتي؟؟
قالت: هو اليوم الذي انهزم المسلمون فيه في معركة Poitier (بلاط الشهداء سنة 732)، ضد الفرنسيين !!!"

ومما يؤكد ما ذكره أناتول فرانس، ما قاله كلود فرير أستاذ اللغات الشرقية في "الكليج دو فرانس"
"..حلت بالإنسانية في القرن الثامن الميلادي كارثة لعلها أسوأ ما شهدته القرون الوسطي، تخبط من جرائها العالم الغربي سبعة قرون أو ثمانية في الهمجية قبل ظهور النهضة.
وما تلك الكارثة إلا ذلك النصر الهائل الذي أحرزته الجماعات الجرمانية بقيادة " شارل مارتل" على فرق العرب والبربر؛ ففي مثل ذلك اليوم المشئوم تقهقرت الحضارة ثمانمائة عام.
وحسب المرء أن يذكر ما كان يمكن أن تصل إليه فرنسا لو أن الإسلام النشيط الحكيم الحاذق الرصين المتسامح استطاع أن ينتزع وطننا فرنسا من فظائع لا نجد لها اسما"

لقد اعترف المنصفون من المستشرقين بفضل الحضارة العربية الإسلامية على العالم الغربي وعلى نهضته الحديثة مالم يعترف به علمانيو بلادنا
تقول زيجريد هونكه الألمانية في كتابها "شمس الله تشرق على الغرب ":
" إن أوربا مدينة للعرب وللحضارة العربية، وإن الدين الذي في عنق أوربا وسائر القارات للعرب كبير جدا. وكان يتعين على أوربا أن تعترف بهذا الفضل منذ زمن بعيد، لكن التعصب واختلاف العقيدة أعميا عيوننا وتركا عليها غشاوة، حتى إننا لنقرأ ثمانية وتسعين كتابا ومائة، وفلا نجد فيها إشارة إلى فضل العرب وما أسدوه إلينا من علم ومعرفة، اللهم إلا تلك الإشارة العابرة إلى أن دور العرب لا يتخطى دور ساعي البريد الذي نقل إلينا الثرات الإغريقي"
وقالت في نفس الكتاب: "وفي مراكز العلم الأوربية لم يكن هناك عالم واحد إلا ومد يده إلى الكنوز العربية يغترف منها، وينهل كما ينهل الظامئ من الماء العذب..ولم يكن هناك ثمة كتاب واحد من بين الكتب التي ظهرت في أوربا في ذلك الوقت، إلا وقد ارتوت صفحاته بوفرة من نبع الحضارة العربية"

فهل يعقل هذا العلمانيون في بلادنا؟ أم أنهم مازالوا على غيهم واتهامهم للإسلام بأنه يقف حجر عثرة في سبيل الإبداع والرقى الفكري؟ وهذا يقودنا إلى إشكالية أخرى من اشكالياتهم، وهى اتهامهم للإسلام بالحجر على الفكر، وتجميد العقل، والخلط بين الثابت والمتغير في إعمال العقل.
وهذا ما سنتعرف عليه في مقالة لاحقة بإذن الله
يتبع
محمد عبد الفتاح عليوة
محمد عبد الفتاح عليوة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25 / 09 / 2009, 25 : 11 PM   رقم المشاركة : [5]
محمد عبد الفتاح عليوة
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد عبد الفتاح عليوة
 





محمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (4)

حول إشكالية جديدة من إشكاليات العلمانيين في بلادنا وتتمثل في إشكالية إعمال العقل فقد بالغ العلمانيون في تقديس العقل حتى أعملوه في ثوابت الإسلام كما يعمل الطبيب مبضعه في جسد المريض فأخرجوا بذلك لنا فهما سقيما للإسلام وإنكارا للمعلوم من الدين بالضرورة محتجين بأنه لابد من تحرير العقل من الخرافة والخزعبلات ( يقصدون طبعا أحكام الإسلام ) ومدعين بأن هناك تناقض أزلي بين العقل والنقل ولابد من إزاحة أحدهما لحساب الآخر مؤثرين إزاحة النقل لحساب العقل
وشبهة التعارض بين النقل والعقل شبهة قديمة حديثة، ابتدعها المستشرقون قديما، ويرددها العلمانيون حديثا، وإذا أردنا أن نفض هذا الاشتباك بين العقل والنقل- والذي لا يوجد إلا في عقول العلمانيين- لابد أن نقر أولا أن المقصود بالنقل هنا هو نصوص الإسلام لا عداه، ونقول إن الإسلام لم يحجر يوما على العقل بل لا نبالغ إذا قلنا انه لا يوجد دين ولا شريعة ولا مذهب أولى العقل عناية خاصة واهتم به اهتماما عظيما كما فعل الإسلام والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: العقل مناط التكليف في الإسلام، ومحور الثواب والعقاب، فلا تكليف في الإسلام إلا لمن كان كامل الإدراك عاقلا مدركا الصواب من الخطأ والحلال من الحرام كما ليس هناك محاسبة ولا مؤاخذة على الأفعال التي تصدر عن الإنسان إما بالثواب أو العقاب إلا إذا كان الإنسان مدركا لما يقول ويفعل فقد رفع عن الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه كما رفع القلم عن المجنون والنائم والسكران لأن هذه حالات يغيب فيها العقل عن الإدراك

ثانيا: إن العقل أساس النقل، بل أساس الإيمان، فأعظم قضيتين من قضايا العقائد، قضية وجود الله، و قضية نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم- أثبتناهما بالعقل، فقضية وجود الله أثبتت بالعقل عن طريق ربط المعلول بالعلة والسبب بالمسبب وكل حادث لابد له من محدث قال تعالى في سورة الطور" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ " وقضية نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم- أثبتت بالعقل فقد جاءنا بقرآن، وتحدى به المعاندين، وقال هاتوا عشر سور مثله أو سورة مثله، فلم يستطع أحد أن يأتي بحرف واحد.

ثالثا: والقرآن يطالب كل ذي دعوى بإقامة البرهان على دعواه، وإلا طرحت ورفضت، ولهذا قال في محاورة المشركين: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (النمل: 64)، "أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ" (الأنبياء: 24).
وقال في محاجة أهل الكتاب: "وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة: 111).
فالعقائد لا بد أن تؤسس على البراهين اليقينية، لا على الظنون والأوهام. ولهذا عاب الله المشركين بقوله: "وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ" (الجاثية: 32)، "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ" (الجاثية: 24).
ليس في الإسلام إذن ما عرف في بعض الأديان الأخرى من اعتبار الإيمان شيئا خارج منطقة العقل ودائرة التفكير، وإنما يؤخذ بالتسليم المطلق، وإن لم يرتضه العقل، أو يسانده البرهان، حتى شاع عندهم مثل هذا القول: " اعتقد وأنت أعمى " أو " أغمض عينيك ثم اتبعني ".

رابعا: قرر المحققون من علماء الإسلام: أن إيمان المقلد المطلق غير مقبول، لأنه لم يؤسس على برهان، ولم يقم على حجة بينة، بل على تقليد محض، فلا بد أن يؤمن عن دليل ولو كان دليلا إجماليا. فالإسلام لا يقبل التقليد الأعمى، والقرآن حمل حملة شعواء على الذين يعطلون عقولهم لأنهم يتبعون آباءهم "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ" (البقرة:170)، والذين يقلدون السادة والكبراء "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً" (الأحزاب: 67، 68)، وكذلك أتباع العوام، ففي الحديث عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "لا تكونوا إِمعة تقولون إِن أَحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا". ( حسن غريب)

خامسا: ويحرم على المسلم أن يتبع الظنون والأوهام، معطلا الأدوات التي وهبه الله إياها لتحصيل المعرفة الصحيحة، وهي: السمع والبصر والفؤاد، قال تعالى: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً" (الإسراء: 36) قال العلماء في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، وفي الصحيحين: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" (متفق عليه عن أبي هريرة)
إن تعطيل السمع والبصر والفؤاد ينزل بالإنسان من أفق الإنسانية العاقلة إلى حضيض البهيمية الغافلة، بل يجعل الإنسان أضل سبيلا من الأنعام؛ لأنها لم تؤت ما أوتى من قوى التمييز والإدراك، فكان جديرًا أن يكون من حطب جهنم: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" (الأعراف: 179).
لقد عاب القرآن على المشركين اتباعهم للظن في تكوين العقائد التي لا يغني فيها إلا اليقين القائم على البصيرة والبرهان، فيخاطبهم في شأن آلهتهم، فيقول: "إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ" (النجم: 23)، ويقول في هذا السياق نفسه: "وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا" (النجم: 28).
وعاب على أهل الكتاب في قضية قتل المسيح ما عابه على الوثنيين فقال: "مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ" (النساء: 157 - 158).

سادسا: إن للعقل المسلم دورا كبيرا في تنقيح النقل من الشوائب، وفي تصنيف النقل، وفي فهمه، وفي تحديد مقاصده، وتحديد درجة ثبوته، ودرجة دلالته .. فقولنا أن هذا الحديث مثلا: (صحيح الثبوت) و(صريح الدلالة) هو حكم عقلي صدر عن العقل بعد تفكر وتدبر في حيثيات هذا النص أو هذا الحديث، وكذلك وصفنا لهذا النص أو ذاك بأنه (قطعي) الثبوت، أو (ظني) الثبوت، أو قطعي، أو ظني الدلالة، فهي أحكام عقلية يوجبها العقل بالإستناد إلى عدة معطيات وأدلة وعلامات في هذه النصوص .. بل إن(علم أصول الفقه) وهو علم يتعلق بمبادئ وقواعد فهم دلالات النصوص والاستنباط منها، أو ما يطلق عليه البعض بـعلم الدراية، وكذلك (علم مصطلح الحديث) وهو علم يتعلق بتصنيف ودرجات ثبوت الروايات، أو ما يطلق عليه البعض بـعلم الرواية، هما في حقيقتهما علمان إسلاميان جاءا نتيجة لإعمال العقل، ولاجتهاد العقل المفكر المستقرئ المستنبط والمحقق والمدقق في النصوص.
فهل يمكن القول بعد هذه الأدلة أن العقل والنقل لا يجتمعان؟ أو أنهما ضدان متنافران؟ وإذا كان النقل يرفض العقل ويطرده فعلى أي أساس قامت الحضارة الإسلامية العريقة، والنهضة العلمية الكبيرة، التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء؟ كما قدمنا قبل ذلك.
فالله هو الذي خلق لنا العقول، وأنزل على الرسل الوحي (النقل)، ولا يمكن أن تتعارض آثار الله تبارك وتعالى، الوحي من الله، والعقل من الله، فلا يمكن أن يكذب الوحي الثابت العقل القاطع، ولكن الظنون هي التي تختلف، وإذا وجدنا أن العقل لا يوافق النقل، لا بد أن يكون ما ظنناه عقلا ليس عقلا صريحا، أو ما ظنناه نقلا ليس نقلا صحيحا، أما صحيح المنقول وصريح المعقول فلا يتعارضان.
وتحرير العقل لا يعنى انفلاته من كل قيد، بل جولانه ضمن الحدود الطبيعية، له حتى لا يجمح به الخيال؛ فيرى الباطل حقيقة، والخطأ صوابا
وهذا ما سنوضحه في مقالة لاحقة بإذن الله
يتبع

محمد عبد الفتاح عليوة
محمد عبد الفتاح عليوة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01 / 10 / 2009, 25 : 01 PM   رقم المشاركة : [6]
محمد عبد الفتاح عليوة
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد عبد الفتاح عليوة
 





محمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond reputeمحمد عبد الفتاح عليوة has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (5)

وتحرير العقل لا يعنى انفلاته من كل قيد، بل جولانه ضمن الحدود الطبيعية، له حتى لا يجمح به الخيال؛ فيرى الباطل حقيقة، والخطأ صوابا
فالعقل له دائرة يعمل بها، وهى دائرة النظر العقلي، وهو ما يُتوصل إليه عن طريق البحث والملاحظة والتجربة والاستقراء والاستنباط والتحليل في مسائل الكون والحياة والعلوم المختلفة... وغيرها من المسائل الدينية والدنيوية، كما يدخل العقل في بعض مسائل النظر الشرعي، وهي مجالات قطعية لا مجال فيها للتأويل والتردد مثل : الإيمان بالله تعالي واليوم الآخر والرسل والكتب وفضل شرع الله على ما سواه. فهذه مسائل قد تحدث عنها كتاب الله وسنة رسوله ، وشهد بها العقل بالملاحظة والمشاهدة والأدلة السليمة، كما يدخل العقل في استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، طبقا للقواعد المرعية في ذلك (علم أصول الفقه)، وفى إثبات تواتر النصوص، وفى ترجيح أحد المعنيين على الآخر في النصوص المحتملة لأكثر من معنى.
لكن هناك دائرة للشرع لا يجوز للعقل التدخل فيها، ويختص بها الشرع دون العقل؛ لأنها ليست من اختصاصه، وليس له القدرة على الخوض فيها، ولن يصل فيها إلى شيء، ولا طائل من إعمال العقل فيها، وليس هناك ثمرة مرجوة من هذا، كالغيبيات ( الجنة والنار ، والملائكة ..) والتحليل والتحريم، حقيقة الحياة، حقيقة الروح، فهذه مجالات لا يفتي فيها العقل ويؤسسها، إنما يفهمها ويفسرها، ولهذا جاء الإسلام يعني بالإيمان بالغيب؛ حتى لا يبدد الناس طاقاتهم العقلية في ما لا طائل تحته، ولقد أتعب علماء الكلام من المسلمين أنفسهم قديما عندما شغلوا عقولهم بهذه القضايا، فلم يصلوا إلى شيء، ورجعوا بنفوس كليلة، وقالوا في آخر حياتهم كما قال الفخر الرازي: "لقد تأملت الطرق الفلسفية، والمناهج الكلامية، فلم أجدها تشفي عليلا، أو تروي غليلا، ووجدت خير الطرق طرق القرآن، أقرأ في النفي قوله تعالى "..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.."(الشورى:11) وفي الإثبات قوله "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"(طه:5) ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي".

فهل يمكن بعد هذا أن تتصادم نصوص الإسلام مع حقائق العلم ؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد من توضيح بعض المصطلحات:
هناك فرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية ، فالحقيقة العلمية هي التي يتوافر لها شيئان: إقامة دليل دامغ على صحتها، مع إقامة دليل آخر على استحالة غيرها، أما النظرية العلمية فلا تتوافر لها تلك الأدلة، بل تبقى مجرد رأى لا يرقى لدرجة الحقيقة.
وهذه الحقيقة العلمية بهذه الشروط لا يمكن أن تتصادم مع حكم ديني قاطع، والحكم الديني القاطع هو الذي يتوافر فيه أمران: أن يكون السند متواترا(قطعي الثبوت) ، وأن يكون المتن نصا أي لا يحتمل إلا معنى واحدا ( قطعي الدلالة)

وبالمثال يتضح الكلام:
1ـ حقيقة شرعية وحقيقة علمية : مراحل خلق الإنسان في بطن أمه . قال تعالى : "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ " (حقيقة شرعية) ونفس الحقائق القرآنية هي ما توصل إليه علماء الأجنة (حقيقة علمية).

2- حقيقة شرعية ونظرية علمية : خلق آدم ونظرية دارون . قال تعالى " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ، وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ" (حقيقة شرعية) وهناك بعض النظريات السقيمة الزائفة في خلق الإنسان تزعم أن الإنسان متطور عن سلالة من الحيوانات، وهذه النظرية تتعارض مع الحقيقة الشرعية ، فواجب على المسلم أن يأخذ بالحقيقة الشرعية، ويضرب بالنظرية العلمية الظنية عرض الحائط.

3ـ حقيقة علمية وشرعي ظني : كروية الأرض، فقد أثبتت التجارب العلمية بالبراهين القاطعة أن الأرض كروية، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الأرض ممدودة منبسطة وإلى أنها كروية، فقال تعالى "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"، "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" وفي مثل هذه الحالة نحمل الظني الشرعي على الحقيقة العلمية، كما تجدر الإشارة إلى أن انبساط الأرض وامتدادها لا يتعارض مع كرويتها، وذلك لأن التعبير يوضح حالتها وصورتها التي يراها الناس، وهي ولا شك تُرى مبسوطة ممدودة، أما شكلها فهي كالدحية ( كروية بيضاوية ).

وإن كانت النصوص الشرعية ظنية، والقضايا العلمية ظنية، وقفنا في صف النصوص الشرعية؛ لأنها تنزيل العزيز الحميد، حتى تستقر القضايا العلمية على حال، إما الثبوت، أو الانهيار .

يأتي بعد ذلك العلمانيون ويتركون مجال عمل العقل - مسائل الكون والحياة والعلوم المختلفة..- ويعملونه فيما لا طائل تحته، والغرض المعلن هو تحرر العقل وانطلاقه في آفاق التفكير الرحبة، وأما الغرض المبطن فهو التحلل من العقائد وتبعاتها من عبادات وأخلاق، ثم هم لم يقدموا بعد ذلك كشفا علميا أو ابتكارا حياتيا ينفعون به المجتمعات، ولم يملكوا أدوات النظر الشرعي الصحيح، فضلوا بذلك وأضلوا..

ثم يقولون لك كيف تحرمون علينا الاجتهاد في الدين وتغيير الأحكام ولو كانت قطعية الثبوت والدلالة، وقد فعلها قبل ذلك عمر، عندما عطل حد الردة في عام المجاعة، وألغى سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة رغم وضوح النص الصريح الذي يدل على ذلك، وفى الرد على هذا كلام جميل للشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في كتابه " دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين" يحسن نقله كما هو ففيه الغناء يقول: " جرت على الألسنة عبارة غامضة، أن عمر بن الخطاب ألغى بعض النصوص، أو أوقف العمل بها على نحو ما؛ لأنه رأى المصلحة في ذلك، وهذا كلام خطير معناه: أن النص السماوي قد يخالف المصلحة العامة، وأن البشر لهم – والحالة هذه- أن يخرجوا عليه ويعدموه، وكلا المعنيين كاذب مرفوض، فلا يوجد نص إلهي ضد المصلحة، ولا يوجد بشر يملك إلغاء النص ..
وللنظر إلى ما نسب لعمر في هذا الشأن.. قالوا: منع سهم الزكاة أن يصرف للمؤلفة قلوبهم، بحجة أن الإسلام استغنى عن تألفهم، وفهم صنيع عمر على أنه تعطيل للنص خطأ بالغ، فعمر حرم قوما من الزكاة؛ لأن النص لا يتناولهم، لا لأن النص انتهى أمده..
هب أن اعتمادا ماليا في إحدى الجامعات خصص للطلبة المتفوقين، فتخلف في المضمار بعض من كانوا يصرفون بالأمس مكافآتهم، فهل يعد حرمانهم إلغاء للاعتماد؟ إنه باق يصرف منه من استكملوا شروط الصرف..
وقد رفض عمر إعطاء بعض شيوخ البدو ما كانوا ينالونه من قبل تالفا لقلوبهم أو تجنبا لشرورهم، بعدما استطاع الإسلام أن يهزم الدولتين الكبريين في العالم، فهل يظل على قلقه من أولئك البدو أمثال عباس بن مرداس والأقرع بن حابس؟
أبعد هزيمة كسرى وقيصر يبقى الإسلام يتألف حفنة من رجال القبائل؟
ليذهبوا إلى الجحيم إن رفضوا الحياة كغيرهم من سائر المسلمين..
إن مصرف المؤلفة قلوبهم باق إلى قيام الساعة، يأخذ منه من يحتاج الإسلام إلى تألفهم، ويزاد عنه من لا حاجة للإسلام في..
وقالوا: إن عمر عطل حد السرقة عام المجاعة، ونقول: إن الجائع الذي يسرق ليأكل أو ليأكل أولاده لا قطع عليه عند جميع الفقهاء، فما الذي عطله عمر؟
إن قطع السارق المعتدى الظلوم هو حكم الله إلى آخر الدهر، ولا يقدر عمر ولا غير عمر على وقف حكم الله، ولإقامة الحد شروط مقررة، فمن سرق دون نصاب أو سرق من غير حرز لم تقطع يده، ولا يقال: عطل الحد، بل يقال: لم يجب الحد..
والذي حدث أيام عمر أن المدينة وما حولها تعرضت لقحط عام، وفى عصرنا هذا نسمع بمجاعات في آسيا وأفريقيا يهلك فيها الألوف، وليس بمستغرب أن يخرج الناس من بيوتهم يطلبون القوت من أي وجه، وقد يحملهم ذلك على الخطف أو السرقة، فهل تعالج تلك الأحوال بالسيف؟ إن عمر درأ الحد بالشبهة – كما أمرت السنة الشريفة – ولا يعاب إذا توسع في هذا الدرء، وقدر آلام الجياع في تلك المحن المجتاحة...."
تلك هي الحقائق يا أولى الألباب فهل وعيتم؟

محمد عبد الفتاح عليوة
محمد عبد الفتاح عليوة غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدين ، العلمانية ، الاسلام السياسى, الدين، العلمانية، الاسلام السياسى, العلمانية، الدين، الاسلام السياسى


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (11) محمد عبد الفتاح عليوة هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية) 0 05 / 10 / 2009 45 : 05 PM
إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (10) محمد عبد الفتاح عليوة هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية) 0 03 / 10 / 2009 12 : 08 AM
إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (9) محمد عبد الفتاح عليوة هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية) 0 03 / 10 / 2009 11 : 08 AM
إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (8) محمد عبد الفتاح عليوة هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية) 0 03 / 10 / 2009 09 : 08 AM
إشكاليات العلمانيين ..رشا ممتاز نموذجا (7) محمد عبد الفتاح عليوة هيئة المثقفين العرب (للنقاشات الأدبية والأخبار الثقافية) 0 03 / 10 / 2009 08 : 08 AM


الساعة الآن 13 : 08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|