بدأ نجيب محفوظ نشر روايته (أولاد حارتنا ) مسلسلة في جريدة الإهرام المصرية سنة 1959 م ،فطالب الأزهر بوقف نشرها في الجريدة، لكن السلطات رفضت ذلك،فعاد الأزهر ليقف بقوة أمام نشرها في كتاب داخل مصر، فاحترم محفوظ موقف الأزهر ونشرت في بيروت سنة 1962 م.
** ** **
والرواية محاكاة مجازية لقصة الخلق( كما روتها الديانات الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية والإسلام)، وتصوِّر تطور الحياة البشرية منذ خلق تعالى الإنسان.
وموضوعها ينبني على حياة الأنبياء والرسل ، بجانب الشخصية الأولى في الرواية ،التي ترمز إلى الله عز وجل.
ومحورها يدور حول أسئلة الكون الكبرى: من أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟ وما الذي يحدث لنا فيما بين المجئ والذهاب؟ وما الدور الذي يؤديه الدين في حياتنا؟ وماذا يفعل الأنبياء معنا وبنا؟ وما القدر؟ وكيف يمارس سطوته علينا؟ وماذا تفعل بنا الدنيا؟ وماذا نفعل معها؟
ولن يجد القارئ عناء في اكتشاف نقاط التوازي بين العالم الحقيقي، كما يرويه تاريخ الأديان ،وبين العالم المتخيل كما خطط له نجيب محفوظ وصاغه بعناية فائقة.
وشخصيات الرواية هي:
1 الجبلاوي : الشخصية الوحيدة التي ظلت موجودة طوال الرواية ،وفي النهاية يموت حزناً على خادمه . ويرمز إلى الله تعالى : عاش في الحارة وحده وهي خلاء خراب. (ص 5 )،ويبدو بطوله وعرضه خلقاً فوق الآدميين ، كأنما من كوكب هبط (ص 11) وليس كمثله أحد في حارتنا ولا في الناس جميعاً(ص 176) وبقي عبر هذا التاريخ الطويل معتزلاً حياة الناس، مختفياً ،لا يراه أحد ، ولا يعلم الناس عنه شيئاً إلا من خلال ما يُروى . لا يلتقي به أحد وإنما يتصل بمن يريد من خلال خدم له.
2 أدهم : سيدنا آدم عليه السلام .
3 إدريس : إبليس عليه لعنة الله .
4 أميمة : حواء ، أم البشر:(ووقف أدهم ينظر إلى ظله الملقي على الممشى بين الورود ،فإذا بظل جديد يمتد من ظله واشياً بقدوم شخص من المنعطف خلفه . بدا الظل الجديد كأنما يخرج من موضع ضلوعه ،والتفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهي تهم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده (ص 19) ) .
5 عباس ورضوان وجليل: رمز إلى بعض الملائكة،ولا ولد لهم .
6 قدري وهمام: قابيل وهابيل .
7 جبل : موسى عليه السلام . يعيش في بيت الأفندي ، وكانت الهانم امرأة الأفندي قد رأته عارياً يستحم في حفرة مملوءة بمياه الأمطار ، فمضت تتسلى بمشاهدته فمال قلبها الذي حرمه العقم من نعمة الأمومة إليه ،فأرسلت من حمله إليها وهو يبكي خائفاً . (ص 131).
8 الناظر أو الأفندي: فرعون ،يتعالى على آل حمدان ويستخف بهم ،ويربي جبلاً في بيته ( ص 122-131).
9 امرأة الأفندي هدى هانم: آسية امرأة فرعون .
10 البلقيطي : نبي الله شعيب عليه السلام .
11 شفيقة وسيدة ابنتا البلقيطي: ابنتا شعيب عليه السلام .
12 قدرة فتوة آل حمدان: القبطي الذي وكزه موسى عليه السلام.
13 دعبس أحد آل حمدان: الإسرائيلي الذي استغاث بموسى عليه السلام .
14 ضلمة :مؤمن آل فرعون الذي قال لموسى عليه السلام: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ) -القصص: 20 -
15 شافعي :يوسف النجار .(لكن الكاتب جعل عبدة متزوجة من شافعي وأنجبت منه رفاعة .وهذا يخالف ما جاء في القرآن الكريم والكتاب المقدس ) .
16 عبدة امرأة الشافعي وأم رفاعة: السيدة مريم .
17 رفاعة : المسيح عيسى عليه السلام.
18 ياسمينة، الساقطة التي تزوجها رفاعة : السامرية التي التقى بها المسيح عليه السلام.
19 زنفل أحد فتوات الحارة: هيرودوس الأول ،أمر بقتل جميع الصبيان الذين ولدوا في بيت لحم وفي تخومها،(من ابن سنتين فما دون).
20 قاسم : رسول الله صلى الله عليه وسلم .
21 زكريا عم قاسم: أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
22 حسن : علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
23 صادق: أبو بكر الصديق رضي الله عنه. خلَّف قاسم على النظارة فسار سيرته (ص 447 ).
24 قمر: السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
25 سكينة خادمة قمر: نفيسة بنت منية خادمة السيدة خديجة.
26 بدرية :السيدة عائشة رضي الله عنها.
27قنديل خادم الجبلاوي: جبريل عليه السلام .
28 عرفة: العلم ، (جعله الكاتب مجهول الأب ص451)إشارة إلى أن العلم ليس له أب ولا جنس معين .
وقال جورج طرابيشي: إن محفوظ أراد أن يُعِيد كتابة تاريخ الإنسانية منذ أن كان الإنسان الأوَّل، وما الإنسان الأوَّل إلا آدم الذي إليه جميعًا ننتمي في نظر التفسير الديني للتاريخ، ولكن هل من الممكن أن نتحدث عن آدم دون أن نتحدث عن الله وعن الأرض وعن ملائكة السماء وعن إبليس وعن الحلم المستحيل في استعادة الفردوس؟ وكيف يمكن أن يكون الله والملائكة وإبليس وآدم شخصيات في رواية؟ أي: كيف يمكن الحديث عنهم دون انتهاكٍ للقدسيات؟ لقد وجد نجيب محفوظ الحل في تلك الحارة الواقعية(الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية ص 8 ).
فالحارة هي الأرض التي يعيش عليها الإنسان، والجبلاوي هو الله ، والحديقة هي الجنة التي طُرِد منها آدم وحواء بإغواءإبليس .
وفي نهاية الرواية يأتي عرفة الذي يرمز إلى العلم، ولا يؤمن بالجبلاوي، ولا يعترف بجبل ولا رفاعة ولا قاسم، ويكون الخلاص على يديه، ويستطيع أن يفعل ما لم يفعله أحدٌ، ويموت الجبلاوي بسببه بعد هذه السنين الطويلة التي عاشَها مختفيًا عن الناس،(كان يراقب تصرُّفاتهم، ويعيش في أذهانهم وخواطرهم).
فيصف نسيان الناس للقِيَم ،ومحاولة البعض القضاء على الدين في نفوس الناس، وإنكار العلم للدين في فترةٍ وعودته إليه بعد ذلك، بدليل دعوته على لسان عرفة إلى إعادة الجبلاوي إلى الحياة، وإذا استطاع ذلك فلن يعرف الناس الموت.
** ** **
و(أولاد حارتنا) كتبها محفوظ بعد مرور خمس سنوات على ثورة 23 يوليو 1952 م بمصر ،وفيها نقد مبطن إلى انحراف الثورة عن مسارها الذي وُجدت من أجله، فبقيت القيم النبيلة التي سعت إليها ،قيماً (ورقية) وشعارات لا رصيد لها.