مادلين إسبر . . شاعرة وروائيـة تعيـش في فضـاء المتلقي
بقلم الأديب الأديب : عيسى فتوح
[align=justify]مادلين إسبر، أديبة وشاعرة وروائية، وفنانة تشكيلية مبدعة. ولدت في حمص في الخامس عشر من أيلول عام 1959 لأبوين مكافحين في الحياة، وتنقلت، بحكم عمل والدها في الشركة السورية للنفط، بين حمص وحلب.
لقد بدت عليها مخايل النجابة والفطنة والذكاء، وحب الأدب، ولاسيما الشعر- منذ نعومة أظفارها- فكانت تلقي الشعر والقصص التي يبتدعها خيالها الوثاب على مسامع الأسرة، بطريقة جذابة، حتى لقبت بـ« حكواتي البيت» و«شاعرة المدرسة».
استهوتها القراءة وهي في المرحلة الابتدائية، فقرأت آثار جبران ونعيمة، وفكتور هيجو، وتشيخوف، إضافة إلى أشعار والدها باللهجة العامية، وكانت - كما تقول - كالإسفنجة التي تمتص رحيق الأدب الراقي الجميل، وتذوب عند ضفاف الكلمات الرقيقة، والصور البديعة.
حين أنهت المرحلة الإعدادية قررت العمل والاعتماد على نفسها، رغم معارضة الأهل ، فجمعت بين التدريس والدراسة معاً، حتى نالت الشهادة الثانوية، وانتسبت إلى كلية الحقوق في جامعة حلب. ثم أضافت إلى عملها في التدريس، العمل بعد الظهر في مكتب للمحاماة، وممارسة الأنشطة الأدبية والاجتماعية، والتدريس في دورات محو الأمية للنساء الأميات في بلدة (عفرين)، ما دفع مديرية التربية في حلب لتكريمها ومكافأتها على الجهود الطيبة التي بذلتها.
في عام 1985 تزوجت من الدكتور إلياس إبراهيم الاختصاصي بجراحة القلب، وسافرت معه إلى ليبيا، حيث أمضت خمس سنوات بعيدة عن الوطن، الذي ازداد اشتياقها إليه وتعلقها به. عادت بعد هذه الغربة القسرية إلى دمشق، واستقرت فيها مع أسرتها، لتنصرف إلى كتابة الشعر والقصص والخواطر، والمشاركة في الأمسيات، والندوات والمهرجانات الأدبية في المراكز الثقافية السورية، إضافة إلى اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية.
شِعرها
أصدرت الأديبة مادلين إسبر ديوانها الأول ( لاتسرع في الرحيل ) عن دار «المسبار» بدمشق عام 2007، كتب مقدمته الشاعر طلعت سقيرق، الذي قال:« إن مادلين إسبر غمست أصابعها العشرة في مياه الشعر المقدسة، لتقدم لنا قصيدة مشغولة بعناية وتركيز، مأخوذة في فصولها وفضائها ووقعها وأنفاسها من موهبة عالية، مطرزة في امتداد صورها بكل ما هو جميل وفنان.... إنها شاعرة تضع المفردة النابعة من ضوء الأحاسيس والمشاعر في مكانها المناسب تماماً.... كأنها تفرد ذاك البريق من حب الآخرين، والذي تكنزه كنوز ساحر في عينيها، تفرده على الورق، مبعدة كل الحواجز، والحدود والسدود، لتكون مع المتلقي وفي فضائه...».
شعر مادلين نابع من وجدانها الحي، ومشاعرها الفياضة، وأحاسيسها المرهفة.. من حزنها العميق ، وفرحها الغامر ، وصبرها العنيد.... فلنسمعها تخاطب فلذات كبدها بهذه العبارات الجميلة، والألفاظ الشفافة قائلة لهم:
مترعة بالحزن، ياأولادي
كورقة الخريف
مترعة بالصمت
بالشوك كالصبار
مترعة بالدمع بالأمطار
كأنني الأحلام في حدائق الصغار
مترعة بالدفء كالصباح
سفينة أنا
قد مزقت شراعها الرياح
وتبوح بما يختلج في أعماقها، ويضج في عروقها، وينبض في شرايينها من تمرد، وثورة وغليان فتصرخ قائلة:
بروحي ثورة صارخة
عندما تهيج عاصفة آلامي
تبعدني عن جسدي
تبعدني عن خوفي
أرجوك ...أرجوك
علمني الإيمان
بالطبيعة ..بالإنسان
فراشة أنا
علمني أن أطير إليك
لأطلب منك الغفران....
قصائدها الناعمة، وألفاظها الأنيقة والرشيقة، وصورها الشفافة كالبللور، تطير بقارئها إلى السماء، تحمله مع أمواج الأثير، فيحسّ بالنشوة... تذكرني قصائدها الغنائية بقصائد فؤاد سليمان، وإدفيك شيبوب، وصلاح لبكي ، ويوسف غصوب، والأخوين رحباني :
ذا فؤادي
يأخذني لعالمٍ من الصور
وعندما تغيب...
يهجر السنونو
مساقط المطر
إذ ... ذاك ياحبيب
أصافح العمر الذي
يذوب في العروق
مثلما تذوب حبة التراب
في المطر...
وتجنح قليلاً إلى الرمزية الشفافة في الحوارية، التي عقدتها بين السحابة والقمر، ويطير بها الخيال عبر الآفاق البعيدة، حين تقول السحابة مناجية حبيبها القمر:
أنت حبيبي
رسمتُ عينيك...
على زبد البحر
على حكايات العشق
على سنابل القمح
وذؤابات الجبال
وهسهسات الجن والرمال
على أهداب الشجر...
قبلني حبيبي ...قبلني
ودع الريح تأخذنا
حيث أشاء ،أو تشاء...
روايتها « الأنشودة الأخيرة»
صدرت هذه الرواية الواقعية عن دار « المسبار» بدمشق عام 2008. تأخذنا فيها إلى فلسطين، وأشجارها ومغاورها وأوديتها وجبالها، ووهادها وقراها وبيوتها وأهلها، الذين تغنوا باسم بطلها المغوار أحمد طافش، رمز الشجاعة والنضال والتضحية والإقدام، وخوض غمار المعارك والحروب... تدخلنا معها إلى سجون الاحتلال الإسرائيلي، لنرى بأعيننا، ونلمس بأيدينا ما يلاقيه المساجين فيها من ظلم وقهر وألم ومكاره، ومواجع وإذلال ووحشية بغيضة.... ومن صبر وشجاعة وبطولة وأمل بالمقابل . والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاعت مادلين الوصول إلى كل هذه المعلومات والوثائق والحقائق الدامغة، وهي لم تذهب إلى فلسطين، ولم تخض المعارك فيها؟ تجيبنا هي عن هذا السؤال بقولها:
« لقد التقيت في دمشق السيد خليل نجل الفدائي أحمد طافش، فحدثني عن البطولات والمعارك التي خاضها والده في (صفد)، وعما عاناه في سجنه، الذي تعددت وجوهه وحالاته في فلسطين...» .
وتقول في الحديث الذي أجريته معها : «كنت خائفة- وأنا الشاعرة - من دخول عالم الرواية، لكن الصديق الشاعر طلعت سقيرق شجعني- بعد أن قرأ فصلاً من الرواية- على المضي فيها وإتمامها، وكذلك فعل الدكتور حسن حميد الذي قرأها قبل الطباعة، وكتب مقدمتها، وأثنى عليها ثناء طيباً. وقد احتفلت بتوقيعها في المركز الثقافي الروسي بدمشق، وتحدث عنها يومئذ كل من الأدباء : عيسى فتوح، وباسم عبدو، والدكتور عادل فريجات، وغادة فطّوم.... وصاية أخرى، لم أضع لها عنواناً بعد، آمل ألاّ تقل أهمية عن سابقتها، وتكون نقطة تحول في عملي الروائي ...». [/align]
* صحيفة البعث ..