الغالية : هدى نور الدين الخطيب
الأديب : عبد الحافظ بخيت متولي
وأنا بصدد تحبير مداخلة لي في هذا الموضوغ الشيق , وجدت هذه الورقة التي أعدها "أحمد التوفيق " وزير الشؤون الإسلامية المغربي , وفيها من الطرح الموضوعي , والعرض المفصل ما يكشف الكثير عن وجه التصوف بالمغرب , ويميط اللثام عن تلك الحقيقة التي تسبقنا على الرغم من أننا نود إرجاءها إلى حين ,
ولأن الأمر ليس هينا بالشكل الذي قد نتصوره , ولأننا في نور الأدب نستحضر ثقل وجسامة الأمانة الأدبية والأخلاقية فيما نكتبه , لذلك سأنبري بإذن الله تعالى للكشف عن أغوار مناهج الصوفية ببلاد المغرب , راجيا من أخي الكريم " عبد الحافظ بخيت متولي " أن يتفضل بالشروع في مناقشة الظهور التاريخي للصوفية , اعتمادا على المناهج التحليلية المناسبة , وتسليط الضوء على المذهب الصوفي ببلاد المشرق الإسلامي . ولاشك أن ملامسة هكذا موضوع من المغرب الأقصى إلى الشرق وبلاد جزيرة العرب , سيقربنا أكثر من سبر أغواره وكشف أسراره . والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .
مع خالص آيات المحبة والتقدير .
مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
رد: التصوف الإسلامي وحلقات الذكر
الأستاذة الأديبة الباحثة الأخت الحبيبة هدى الخطيب
مازلت أتابع بشغف واهتمام هذه الدراسات الهامة والمفيدة عن
"التصوف الإسلامي وحلقات الذكر " .
جزاكِ الله كل خير على هذا الجهد الكبير , وجعل الله ذلك في ميزان حسناتك.
بانتظار المزيد من هذه البحوث والدراسات ,
تفضلوا جميعا بقبول فائق تقديري واحترامي .
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )
رد: التصوف الإسلامي وحلقات الذكر
الصوفية
التصوف حركة دينية انتشرت في العالم الاسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو الى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة معروفة باسم الصوفية. ولا شك ان ما يدعو اليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا, انما هي أمور من الاسلام الذي يحث على التمسك بها والعمل من اجلها, ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا اليه الاسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته, فالمتصوفة يتوخون تربية النفس والسمو بها بغية الوصول الى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية. وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركة لأن ظاهرها لا يدل على باطنها, ومن هنا تأتي اهمية طرحنا لهذا الموضوع الذي نجزم انه يستحق اكثر من ذلك لتشعبه وصعوبة الاحاطة باطرافه. فما هي الصوفية ولماذا سميت بهذا الاسم؟ وكيف نشأت؟ ما هي عقيدتهم؟ وما موقف اهل السنة والجماعة منهم؟
ـ يخلط الكثيرون بين الزهد والتصوف ومن هنا كان تأثر الكثيرين بالتصوف, فالزهد ليس معناه هجر المال والاولاد, وتعذيب النفس والبدن بالسهر الطويل والجوع الشديد والاعتزال في البيوت المظلمة والصمت الطويل, وعدم التزوج, لان اتخاذ مثل ذلك نمطا للحياة يعد سلوكا سلبيا يؤدي الى فساد التصور, واختلال التفكير الذي يترتب عليه الانطواء والبعد عن العمل الذي لا يستغني عنه اي عضو فعال في مجتمع ما, كما يؤدي بالأمة الى الضعف والتخلي عن الدور الحضاري الذي ينتظر منها.
من أين اشتق اسم الصوفية؟
لم يتفق الكتاب من المتصوفة وغيرهم في تحديد الأصل الذي يمكن ارجاع اشتقاق لفظ التصوف اليه, ولعل من ابرز ما ذكر عن مسمى التصوف ما يلي:
[ الصُفة: حيث سموا بذلك نسبة الى اهل الصفة وكان لقبا اعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لم تكن لهم بيوت يؤون اليها فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء فناء ملحق بالمسجد من اجلهم, وهذا يوضح ادعاء المتصوفة بربط التصوف بعصر النبي صلى الله عليه وسلم وانه أقر النواة الصوفية الأولى, مع العلم ان اهل الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس لأجل الزهد الصوفي.
[ الصفاء: ومعناها ان الصوفية صافية من الشرور وشهوات الدنيا, وهذا الاشتقاق غير صحيح لغويا فالنسبة الى الصفاء: صفوي او صفاوي او صفائي وليس صوفيا.
[ الصف الأول: بعض الصوفية ينسبون انفسهم الى الصف الاول من المؤمنين في الصلاة, وهذا التعبير بعيد عن سلامة الاشتقاق اللغوي بالنسبة الى الصف: صفي لا صوفي.
[ بني صوفة: بعضهم ينسبون الصوفية الى بني صوفة وهي قبيلة بدوية كانت تخدم الكعبة في الجاهلية.
[ الصوف: وفي هذا يذهب غالب المتصوفة المتقدمين والمتأخرين الى ان الصوفي منسوب الى لبس الصوف, وحرص معظم الصوفية الى رد اسمهم الى هذا الاصل يفسر تشوفهم الى المبالغة في التقشف والرهبنة وتعذيب النفس والبدن باعتبار ذلك كله لونا من الوان التقرب الى الله. كما يرون ان لبس الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين.
نشأة الصوفية:
لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف في الاسلام ويقال بأن التصوف اول ما ظهر كان في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس, والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة, يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: "ان اول من عرف بالصوفي هو ابوهاشم الكوفي سنة 150هـ" وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث وواصلت الصوفية انتشارها في بلاد فارس ثم العراق ومصر والمغرب, وظهرت من خلالها الطرق الصوفية.
العقيدة الصوفية:
تختلف العقيدة الصوفية عن عقيدة الكتاب والسنة في امور عديدة من اهمها: مصدر المعرفة الدينية, ففي الاسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن وسنة لكن في التصوف تثبت العقيدة بالالهام والوحي المزعوم للأولياء والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين, وبعروج الروح الى السماوات, وبالفناء في الله, وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم, وبالكشف, وبربط القلب بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث يستمد العلوم منه. واما القرآن والسنة فإن للصوفية فيهما تفسيرا باطنيا حيث يسمونه احيانا تفسير الاشارة ومعاني الحروف فيزعمون ان لكل حرف في القرآن معنى لا يطلع عليه إلا الصوفي المتبحر, المكشوف عن قلبه.
عقيدة الصوفية في الله تعالى:
يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى منها "الحلول" الذي يعني ان يكون الصوفي الها وربا يعلم الغيب كله كما يعلمه الله سبحانه وتعالى حيث ان الهدف الصوفي هو الوصول الى مقام النبوة أولا ثم الترقي حتى يصل الفرد منهم في زعمهم الى مقام الألوهية والربوبية. البسطامي من اعلام القرن الثالث في التصوف ومن أئمة الصوفية يقول: "رفعني مرة فأقامني بين يديه, وقال لي: يا أبايزيد ان خلقي يحبون ان يروك, فقلت: زيني بوحدانيتك, وألبسني انانيتك, وارفعني الى احديتك..." تعالى الله عما يقول علوا كبيرا , وتأكيد الصوفية على القول بالحلول التي جعلتهم يتشبهون بصفات الله جعلهم يصلون في النهاية الى القول "بوحدة الوجود" التي تعني في العقيدة الصوفية انه ليس هناك موجود إلا الله سبحانه وتعالى فليس غيره في الكون, وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية. ويؤمن الصوفية بهذه العقيدة حتى يومنا هذا.
عقيدة الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم:
يعتقد الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم عقائد شتى فمنهم من يزعم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل الى مرتبتهم وحالهم, وانه كان جاهلا بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي: "خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله" ومنهم من يعظم الرسول صلى الله عليه وسلم الى درجة الوصول الى الألوهية حيث يعتقد البعض من الصوفية ان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون وهو الله المستوي على العرش وان السماوات والارض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره وانه اول موجود وهو المستوي على عرش الله وهذه عقيدة ابن عربي ومن جاء بعده.
عقيدة الصوفية في الاولياء:
يرى الصوفية ان الولي هو: "من يتولى الله سبحانه امره فلا يكله الى نفسه لحظة, ومن يتولى عبادة الله وطاعته, فعبارته تجري على التوالي من غير ان يتخللها عصيان" وحقيقة الولي عند الصوفية انه يسلب من جميع الصفات البشرية ويتحلى بالاخلاق الالهية ظاهرا وباطنا , ويصل الى المساواة مع الله سبحانه وتعالى حيث يعتقد الصوفية في الأولياء بأن لهم القدرة على انزال المطر وشفاء الأمراض واحياء الموتى وحفظ العالم من الدمار. ولا شك ان هناك آثارا خطيرة تترتب على هذه العقيدة من اهمها الوقوع في شرك الربوبية والعياذ بالله.
عقيدة الصوفية في الجنة والنار:
الصوفية يعتقدون ان طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفا , فالله يعبد لذاته حيث يزعم المتصوفة ان العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله وان يشهد فيها فعل الله لا فعل العبد, وان من شاهد فعله في الطاعة فقد جحد. والصوفية يعتقدون ان طلب الجنة منقصة عظيمة وانه لا يجوز للولي ان يسعى اليها ولا ان يطلبها ومن طلبها فهو ناقص, وانما الطلب عندهم والرغبة في الفناء (المزعوم) في الله, والاطلاع على الغيب والتعريف في الكون.. هذه جنة الصوفي المزعومة. واما النار فإن الصوفية يعتقدون ايضا ان الفرار منها لا يليق بالصوفي الكامل لان الخوف منها طبع العبيد وليس الاحرار.
وقد يظن المسلم في عصرنا الحاضر ان هذه العقيدة في الجنة والنار عقيدة سامية وهي ان يعبد الانسان الله لا طمعا في الجنة ولا خوفا من النار, ولكنها عقيدة غير صحيحة ومخالفة لعقيدة الكتاب والسنة.
الشريعة الصوفية في العبادات:
يعتقد الصوفية ان الصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات العوام وأما هم فيسمون انفسهم الخاصة ولذلك فعباداتهم مخصوصة وان تشابهت ظاهرا . واذا كانت العبادات في الاسلام لتزكية النفس وتطهير المجتمع فإن العبادات في التصوف هدفها ربط القلب بالله تعالى للتلقي عنه مباشرة حسب زعمهم والفناء فيه واستمداد الغيب من الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلق باخلاق الله حتى يقول الصوفي للشيء كن فيكون ويطلع على اسرار الخلق, ولا يهم في التصوف ان تخالف الشريعة الصوفية ظاهر الشريعة الاسلامية, فالحشيش والخمر واختلاط النساء بالرجال في الموالد وحلقات الذكر كل ذلك لا يهم لأن للولي شريعته تلقاها من الله مباشرة.
شريعة الصوفية في الحلال والحرام:
اهل وحدة الوجود في الصوفية لا شيء يحرم عندهم ولذلك كان منهم الزناة واللوطية ومنهم من اعتقد ان الله قد اسقط عنه التكاليف واحل له كل ما حرم على غيره.
شريعة الصوفية في الحكم والسياسة والحروب:
المنهج الصوفي يرى عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين لأن الله في زعمهم اقام العباد فيما أراد.
منهج الصوفية في التربية:
لعل اخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها وذلك بادخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله ثم بالتلبيس على الشخص ثم الدخول الى علوم التصوف شيئا فشيئا ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج.
الخضر عليه السلام في الفكر الصوفي:
قصة الخضر عليه السلام التي وردت في القرآن في سورة الكهف, حرف المتصوفة معانيها واهدافها ومراميها وجعلوها عمودا من اعمدة العقيدة (الصوفية) وجعلوا هذه القصة دليلا على ان هناك ظاهرا شرعيا, وحقيقة صوفية تخالف الظاهر وجعلوا انكار علماء الشريعة على علماء الحقيقة امرا مستغربا, وجعل الصوفية الخضر عليه السلام مصدرا للوحي والالهام والعقائد والتشريع, ونسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي ابتدعوها الى الخضر وليس منهم صغير او كبير ممن دخل في طريقهم الا وادعى لقيا الخضر والأخذ عنه.
اذكار الصوفية:
الاذكار الشرعية حظيت بالبيان والتوضيح فلم يترك الرسول مجالا من مجالات الذكر الا وبين الصيغة التي يتعين على المسلم ذكرها, ولكن الصوفية خرقوا كل الضوابط والثوابت الشرعية فشرعوا من عندهم اذكارا وصلوات لم ترد في الشريعة الاسلامية وخير مثال على ذلك افضل ذكر ورد عن النبي "لا اله الا الله" فالصوفية يذكرون اسم الله مفردا بقولهم "الله الله الله" او مضمرا بقولهم "هو, هو, هو" وبعضهم فسر ذلك بقوله اخشى ان تقبض روحي وأنا اقول "لا إله...." ومن الصلوات التي ابتدعها المتصوفة صلاة الفاتح التي تقول: "اللهم صلي على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق, والخاتم لم سبق, وناصر الحق بالحق...." الى آخره من ابتداع الصوفية, وهناك ورد اطلق عليه المتصوفة جوهرة الكمال وهي من أورادهم اللازمة التي لها حكم الفرض العيني ونصه "اللهم صلي وسلم على عين الرحمة الربانية, والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني, ونور الأكوان المتكونة...." الى آخر الخزعبلات التي ليس امام اي مسلم الا أن يحوقل ويسترجع ويتعوذ من المكر "فاللهم لا تمكر بنا".
عبادة الله بالغناء بدعة يهودية:
في المجتمع الصوفي يتفشى ما يسمى بالسماع والتغني بالاشعار مع دق الطبول وهذا يقصد به الصوفية عبادة الله تعالى, ويتضح تأثر الصوفية به الا ان كثيرا من الذين بحثوا في هذا الجانب يؤكدون على ان الصوفية يتأثرون بالسماع من خلال الالحان والاشعار والطبول أكثر من تأثرهم بالقرآن يقول الشعراني: "وكان اذا سمع القرآن لا تقطر له دمعة, واذا سمع شعرا قامت قيامته"..
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية "ولو كان هذا ـ يقصد سماع الاشعارـ وضرب الدفوف كعبادة ـ مما يؤمر به ويستحب وتصلح به القلوب للمعبود لكان ذلك مما دلت الأدلة الشرعية عليه" ويضيف "انما عبادة المسلمين الركوع والسجود اما العبادة بالرقص وسماع الاغاني بدعة يهودية تسربت الى المنتسبين الى الاسلام".
مظاهر تقديس الاموات في الفكر الصوفي:
ان من ألوان تقديس الأموات والغلو فيهم ان يعتقد ـ وهذا ما يفعله المتصوفة ـ ان الميت وليا كان ام نبيا لابد ان يرجع الى الدنيا, وانه متى ما اراد ان يعود الى بيته عاد وكلم اهله وذويه, وتفقد اتباعه ومريديه, وربما اعطاهم اورادا الى غير ذلك مما يعبر عن عقيدة موغلة في الجهل بعيدة عن عقيدة الاسلام الصافية.
ومظاهر عقيدة الرجعة عند الصوفية تتمثل في اعتقادهم بامكان مقابلة الرسول بعد موته يقظة وانه صلى الله عليه وسلم يحضر بعض اجتماعات الصوفية وانه مازال يعطي بعض المعارف والتشريعات لمن يشاء من العباد.
ويوغل المتصوفة كثيرا في تقديس الاموات وهذا يتضح من خلال تقديس المشاهد والبناء على القبور وتجصيصها واتخاذها مساجد, وقد تساهل المسلمون في ذلك كثيرا حتى نجد انها عمت كثيرا من بلاد المسلمين دون وعي بنتائج ذلك والتي من اهمها: ان تقديس المشاهد والبناء على القبور صار شائعا وكأنه معلم من معالم الدين الاسلامي, وان تقديسها ذريعة الى الشرك, حيث ادى البناء على القبور وتعليتها وتزيينها الى اتخاذها معابد وشرعت لها مناسك كمناسك الحج, كذلك فان تقديس المشاهد اساءة للاسلام عند من لاعلم به بتعاليمه, فنجد ان وسائل الاعلام الحاقدة على الاسلام تنقل وتقدم هذا التقديس على انه صورة الاسلام!! وبالتالي ما الفرق بين عبدة الأوثان والصليبيين وهؤلاء؟ كما يضاف الى نتائج اتخاذ القبور وتقديس المشاهد هو انتشار البطالة في العالم الاسلامي بسبب العكوف على القبور واتخاذها مصدرا اقتصاديا.
الكرامات عند الصوفية:
ان اول انحراف صوفي يلقاه الباحث عندما يقرأ اي كتاب من كتب التراث الصوفي هو اعتمادهم الكلي على الخوارق, واهتمامهم في مناهجهم على المبالغة في نشر خوارق الشيوخ, وتركيزهم على اختلاق قصص خيالية, واساطير كثيرة بالية ليرفعوا بها ما للشيوخ والأولياء من مكانة ومنزلة في نفوس الاتباع, ويحملوهم على الاذعان لهم وتقديسهم وتعظيمهم لدرجة العبادة فكان من نتائج هذا الاهتمام ان حملوا شيوخهم على طرق كل باب بحثا عن الخوارق لعلمهم ان الصوفي كل ما كان اكثر خوارق واشد اتصافا بالمدهشات كان اعظم عند الناس في باب الولاية والقرب.
ومن الصور الحسية لاهتمام الصوفية بموضوع الكرامات: يقول السراج الطوسي في كتابه اللمع لاثبات الآيات والكرامات: "من زهد في الدنيا اربعين يوما صادقا من قلبه مخلصا في ذلك, ظهرت له الكرامات" ويذكر القشيري في رسالته على خوارق شيوخ الصوفية عندما سرد غرائب احوالهم وقدراتهم على التعرف, والصوفية يبادرون الى نسبة كل غريب صادر من شخص معروف او مجهول بانه كرامة ولي, ويعترفون انهم يعتمدون على الجن في كثير من خوارقهم حيث نقل عن الجنيد ان الجن كانت تؤنسه وتعينه في اسفاره وغيرها.
وانصار الفكر الصوفي لا يتصورون ولاية دون خوارق فقد ركبوا كل صعب وذلول وطرقوا كل باب مسدود, وذهبوا كل مذهب في سبيل نسج القصص واختلاق الروايات, وجمع الاساطير, ظنا منهم بان ذلك جالب للاحترام وموجب للتقديس عند الخاص والعام.
وسوف نستعرض بعضا من كرامات اولياء التصوف المعروفة في كتبهم, وذلك حتى يعلم القارئ الى اي مدى وصل الخيال والدجل بهؤلاء, وكيف ان الحرص على الجاه, وكسب تقديس الآخرين يمكن ان يقضي على الحياء والمروءة وكل القيم.
يتحدث الشعراني عن أحد الاولياء اذا شاوره انسان في شيء, قال: امهلني حتى اسأل جبريل, ثم يقول له بعد ساعة: افعل او لا تفعل حسب ما يقول له جبريل بزعمه!.. وعن ولي آخر يدعي ان الله لا يحدث شيئا في العالم الا بعد ان يعلمه بذلك على سبيل الاستئذان!.. وهناك ولي آخر من المجاذيب تبعه جماعة من الصبيان يضحكون عليه فقال: ياعزرائيل ان لم تقبض ارواحهم لأعزلنك من ديوان الملائكة, فأصبحوا موتى أجمعين!.. ومن قصصهم المستغربة التي لا تروج الا على الجهلة والمهووسين أن وليا من أوليائهم كان يختم القرآن 360 ألف ختمة في اليوم والليلة! وهذا الكلام لولا أن العقول قد خدرت فكريا وان النفوس قد مسخت وان القلوب قد طبع عليها بخاتم الجهل وقلة الحياء ما كان ليصدق فيدون في كتب الكرامات, فان اليوم والليلة زمن يمتد 24 ساعة اي 1440 دقيقة فاذن 360 الف ختمة ÷ 1440 دقيقة = 250 ختمة في كل دقيقة!! فأين العقول؟!
ومن أعجب كراماتهم المدونة ما يتعلق بحياتهم الخاصة فنجدهم مثلا يتحدثون عن ولي مكث اربعين سنة لم يأكل ولم يشرب, وآخر ينام سبع عشرة سنة! وآخر يقول لعصاه التي يتوكأ عليها: كوني انسانا, فتكون انسانا فيرسلها تقضي له الحوائج ثم تعود كما كانت! وأن أحد أوليائهم امر الشمس بالوقوف فوقفت, حتى قطع المرحلة الباقية من سفره, ثم امرها بالغروب, فغربت واظلم الليل في الحال!
وبالتأكيد اننا لم نقصد حشد ما ذكره هؤلاء في هذا المجال ولكن اردنا الاستشهاد بتلك الأمثلة للتدليل على المخازي التي ابتليت بها امة الاسلام وغزاها اعداؤها في عقر دارها بهذا الفكر الذي سرعان ما حول تلك العقلية الاسلامية الايجابية المبدعة الى عقلية خرافية خامدة مقهورة, فصار المسلمون يعيشون في احلك الظلم, الا من هداه الله للتمسك بالسنة وقليل ماهم.
ان من المعروف عند المسلمين ان الكرامة لا تكون معصية لله ولا مخالفة للشريعة ولكن اصحاب الفكر الصوفي فلا تنحصر كراماتهم في مجال الطاعات ولا تتقيد بالصالحات, فلا مانع عندهم ان تكون الكرامة خارقة لقواعد الشريعة الاسلامية هاتكة لحرمتها وهناك نماذج لذلك من اهمها: كرامة السرقة والتزوير يقول الدباغ: "ان الولي صاحب التصرف يمد يده الى جيب من شاء فيأخذ منه ما شاء من الدراهم, وذو الجيب لا يشعر" وكرامة الرقص مع الأجنبيات وكرامة مباشرة الاجنبيات والاطلاع على العورات, وكرامة التعري امام الناس ويذكر الشعراني في ترجمة شيخ اسمه ابراهيم العريان لأنه كان يطلع المنبر ويخطب عريانا! وكرامة اعلان الكفر على المنابر!
ولولا انه يوجد في الأمة الاسلامية الى اليوم جماهير تدافع عن الفكر الصوفي وتدعو اليه بحماس لما عرضنا مثل هذه السخافات, ولعل الذي يقف على هذا يدرك قيمة هذا الفكر الذي حقه ان يدفن ولا ينشر!
ان التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحراف عن منهج الله, انه خليط من الفلسفات والافكار البائدة, ولعل تغليب جانب العبادة عندهم ادى في كثير من الاوقات الى عدم الاهتمام بالعلم كما وصفهم به كبار النقاد كابن الجوزي, وهذا البعد عن العلم مع الحرص على العبادة ادى بهم الى ابتداع شعائر وطقوس هي عمدة من جاء بعدهم من اهل التصوف, وقد ادرك اعداء الاسلام ذلك فحاولوا أن يشوهوا الاسلام ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد, ويجعلوا المسلمين يركنون الى السلبية حتى لا تقوم لهم قائمة.
________________________________________
معنى الطريقة الصوفية:
على الرغم من صعوبة تحديد المراد بالطريقة والوصول لمفهوم موحد لجميع الطرق الصوفية الا اننا سنعرض بعضا من المعاني التي وردت حول الطريقة الصوفية فمنها ان الطريقة الصوفية تعني النسبة او الانتساب الى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول الى رتبة الشيخ المربي ويدعي لنفسه رتبة صوفية من مراتب الأولياء. كما انها تعنى: ان يختار جماعة من المريدين شيخا لهم يسلك بهم رياضة خاصة بهم على دعوى وزعم تصفية القلب لغاية الوصول الى معرفة الله.
كما وصفها الشيخ الجزائري بقوله انها تعني اتصال المريد بالشيخ وارتباطه به حيا أو ميتا وذلك بواسطة ورد من الأذكار يقوم به المريد بإذن من الشيخ أول النهار وآخره, ويلتزم به بموجب عقد بينه وبين الشيخ, وهذا العقد يعرف بالعهد, وصورته ان يتعهد الشيخ بان يخلص المريد من كل شدة ويخرجه من كل محنة متى ناداه مستعينا به, كما يشفع له يوم القيامة في دخول الجنة. ويتعهد المريد بان يلتزم بالورد وآدابه فلا يتركه مدى الحياة كما يلتزم بلزوم الطريقة وعدم استبدالها بغيرها من سائر الطرق.
والتصريح بضمان الجنة للمريد امر مشهور عندهم وهو اكبر من مجرد الشفاعة يوم القيامة . احد مشايخ الصوفية وهو الشيخ التيجاني يقول: وليس لأحد من الرجال ان يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي.
وهناك تنافس محموم بين الطرق الصوفية لجذب المريدين ولذلك فان كل طريقة تحاول ان يكون لها ذكر خاص تنفرد به عن سائر الطرق, وان يكون لهذا الذكر ميزة خاصة ولكل طريقة مشاعر خاصة من حيث لون العلم والخرقة وطريقة الذكر ونظام الخلوة, والطرق يتوارثها الابناء من الآباء وذلك ان الطريقة التي تستطيع جلب عدد كبير من المريدين والتابعين تصبح بعد مدة اقطاعية دينية تفد الوفود الى رئيسها او شيخها من كل ناحية, وتأتيه الصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان واقيمت الموائد, ولذلك فإن أصحاب الطرق الصوفية اليوم يقاتلون عنها بالسيوف.
والطرق الصوفية وان اختلفت وتباينت فانها تتفق فيما يلي:
* الاحتفال بدخول المريد في الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة, وقد يتطلب بعض الطرق من المريد ان يمضي وقتا شاقا في الاستعداد للدخول.
* التقيد بزي خاص, فلابد أن يكون هناك نوع خاص من الزي يمثل رمز أصحاب الطريقة الذي يلبسونه فيميزهم عن غيرهم.
* اجتياز المريد مرحلة شاقة من الخلوة والصلاة والصيام وغير ذلك من الرياضات.
* الاكثار من الذكر مع الاستعانة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة التي تساعد على الوجد والجذب.
* الاعتقاد في القوى السرية الخارقة للعادة التي يكتسبها المريدون بالمجاهدات وهي القوى التي تمكنهم من أكل الجمر, والتأثير على الثعابين, والإخبار بالمغيبات.
* احترام شيخ الطريقة الى درجة التقديس.
نشأة الطرق الصوفية :
وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني 430هـ أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة, ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي, فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني 561هـ .
كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي 540هـ , وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية 638هـ , واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية إذ انتشرت الفوضى واختلط الأمر على الصوفية لاختلاط افكار المدارس الصوفية وبدأت مرحلة الدراويش.
نماذج من الطرق الصوفية:
[ الطريقة القادرية وتسمى الجيلانية: أسسها عبدالقادر الجيلاني المتوفى سنة 561هـ , يزعم اتباعه انه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهما, كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب, وإحياء الموتى وتصرفه في الكون حيا أو ميتا , بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال التي منها: من استغاث بي في كربة كشفت عنه, ومن نادني في شدة فرجت عنه ومن توسل بي في حاجة قضيت له.
[ الطريقة الرفاعية: تنسب إلى ابي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ويطق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق, وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في اثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الألوسي "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة مبتدعة الرفاعية, فلا تجد بدعة الا ومنهم مصدرها وعنهم موردها فذكرهم عبارة عن رقص وغناء وعبادة مشايخهم".
[ البدوية: وتنسب الى احمد البدوي 634هـ ولد بفاس, حج ورحل الى العراق, واستقر في طنطا حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, حيث يقام له كغيره من اولياء الصوفية احتفال بمولده سنويا يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل ما يؤدي الى الشرك المخرج من الملة, واتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر, ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية واولاد نوح والشعبية وشارتهم العمامة الحمراء.
[ الطريقة الدسوقية: تنسب الى ابراهيم الدسوقي 676هـ المدفون بمدينة دسوق في مصر, يدعي المتصوفة انه احد الاقطاب الاربعة الذين يرجع اليهم تدبير الامور في هذا الكون.
[ الطريقة الأكبرية: نسبة الى الشيخ محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر 638هـ, وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر, ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء, والشكر على الرخاء, والرضا بالقضاء.
[ الطريقة الشاذلية: وهي طريقة صوفية تنسب الى ابي الحسن الشاذلي يؤمن اصحابها بجملة الافكار والمعتقدات الصوفية وان كانت تختلف في اسلوب سلوك المريد او السالك وطرق تربيته, اضافة الى اشتهارهم بالذكر المفرد "الله" او مضمرا "هـ", ويفضلون اكتساب العلوم عن طريق الذوق وهو تلقي الارواح للاسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات, كذلك معرفة الله تعالى معرفة يقينية ولا يحصل ذلك الا عن طريق الذوق او الكشف. كما ان من معتقداتهم السماع وهو سماع الاناشيد والاشعار التي قد تصل الى درجة الكفر والشرك كرفع الرسول الى مرتبة ليست موجودة في الكتاب والسنة.
[ الطريقة البكداشية: كان الاتراك العثمانيون ينتمون الى هذه الطريقة, وهي لا تزال منتشرة في البانيا, كما انها اقرب الى التصوف الشيعي, وكان لهذه الطريقة اثر بارز في نشر الاسلام بين الاتراك والمغول.
[ الطريقة المولوية: انشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي 672هـ والمدفون بقونية, اصحابها يتميزون بادخال الرقص والايقاعات في حلقات الذكر, وقد انتشروا في تركيا وغرب آسيا, ولم يبق لهم في الايام الحاضرة الا بعض التكايا في تركيا وحلب وفي بعض اقطار المشرق.
[ الطريقة النقشبندية: تنسب الى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند 791هـ وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند.
[ الطريقة الملامتية: مؤسسها ابوصالح حمدون بن عمار المعروف بالقصار 271هـ اباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها, وقد اظهر الغلاة منهم في تركيا حديثا بمظهر الاباحية والاستهتار وفعل كل امر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
[ الطريقة التيجانية: طريقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية ويزيدون عليها الاعتقاد بامكانية مقابلة النبي مقابلة مادية واللقاء به لقاء حسيا في هذه الدنيا, وان الرسول قد خصهم بصلاة "الفاتح" التي تحتل لديهم مكانة عظيمة ـ وكنا قد عرضنا لهذه الصلاة أعلى الصفحة ـ هذه الطريقة اسسها ابو العباس احمد التيجاني 1230هـ , الذي ولد بالجزائر ويدعي انه التقى النبي لقاء حسيا ماديا وانه تعلم منه صلاة الفاتح وانها تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة. ويلاحظ على اصحاب هذه الطريقة شدة تهويلهم للامور الصغيرة وتصغيرهم للامور العظيمة على حسب هواهم ما أدى الى ان يفشو التكاسل بينهم لما شاع بينهم من الأجر العظيم على اقل عمل يقومون به, ويرون ان لهم خصوصيات ترفعهم عن مقام الناس الآخرين من أهمها: ان تخفف عنهم سكرات الموت وان الله يظلهم في ظل عرشه وان لهم برزخا يستظلون به وحدهم. واهل هذه الطريقة كباقي الطرق الصوفية يجيزون التوسل بذات النبي , وقد بدأت هذه الطريقة في مدينة فاس وصار لها أتباع في السنغال ونيجيريا وشمال افريقيا ومصر والسودان.
[ الطريقة الختمية: وهي طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الاخرى في كثير من المعتقدات مثل الغلو في شخص رسول الله وادعاء لقياه واخذ تعاليمهم واورادهم واذكارهم التي تميزوا بها, عنه مباشرة, هذا الى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي واخذهم من ادب الشيعة وجدالهم. وقد اسس هذه الطريقة محمد عثمان الميرغني ويلقب بالختم اشارة الى انه خاتم الاولياء, ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية, كما تسمى الطريقة الميرغنية ربطا لها بطريقة جد المؤسس عبدالله الميرغني المحجوب.. وقد بدأت هذه الطريقة من مكة والطائف, وارست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية, كما عبرت الى السودان ومصر, وتتركز قوة الطريقة من حيث الاتباع والنفوذ الآن في السودان.. وعلى هذا فان الطريقة الختمية طائفة صوفية تتمسك بمعتقدات الصوفية وأفكارهم وفلسفاتهم حيث تبنوا فكرة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي وقالوا بفكرة النور المحمدي, واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية, واسبغوا على الرسول من الاوصاف ما لا ينبغي ان يكون الا لله تعالى, ويدعي مؤسس الطريقة بانه خاتم الأولياء وان مكانته تأتي بعد الرسول , والطريقة الختمية تهتم باقامة الاحتفالات الخاصة باحياء ذكر مولد النبي واقامة ليالي الذكر أو الحولية.
[ الطريقة البريلوية: وهي فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي بالهند ايام الاستعمار البريطاني وقد اشتهرت بمحبة وتقديس الانبياء والأولياء بعامة, والنبي بخاصة. مؤسس هذه الطريقة هو احمد رضا خان 340هـ ولقد سمى نفسه عبدالمصطفى!, ويعتقد أبناء هذه الطائفة بان الرسول لديه القدرة التي يتحكم بها في الكون, ولقد غالوا في نظرتهم إلى النبي حتى اوصلوه الى قريب من مرتبة الألوهية, يقول احمد رضا خان "اي يا محمد لا استطيع ان اقول لك الله, ولا استطيع ان افرق بينكما, فامرك الى الله هو اعلم بحقيقتك" كما ان هذه الطائفة لديها عقيدة الشهود حيث ان النبي في نظرهم حاضر وناظر لافعال العباد في كل زمان ومكان, كما انهم يشيدون القبور ويعمرونها ويتبركون بها, ويؤمنون بالاسقاط وهي صدقة تدفع عن الميت بمقدار ما ترك من صلاة او صيام او سائر العبادات وهي مقدار صدقة الفطر. وأعظم اعيادهم هو ذكرى المولد النبوي. وهم يكفرون المسلمين لأدنى سبب مثل الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق وشيخ الاسلام ابن تيمية والامام محمد بن عبدالوهاب.
أهم الشخصيات الصوفية :
سنحاول عرض أبرز الشخصيات الصوفية وأكثرها تأثيرا عبر العصور ـ وخصوصا الذين دعوا الى عقيدة الحلول والاتحاد فمن ابرزهم:
* البسطامي (261هـ): هو ابو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي كان جده مجوسيا فاسلم, وهو اول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد بذات الله, يقول د. عبدالرحمن بدوي ـ صوفي معاصر ـ صاحب كتاب تاريخ التصوف الاسلامي: "لقد نصب الله الخلائق بين يدي ابي يزيد وها هي ذا تتحرق الى رؤياه في هذا المقام... لكن لكي يمكنهم ان يروه كان عليه ان يطلب الى الله ان يزين أبا يزيد بوحدانيته ويلبسه انانيته..." وعلى هذا فإن عقيدة البسطامي واضحة فهو اول من سعى في نشر عقيدة الاتحاد بين المسلمين.
* الحلاج (309هـ): هو الحسين بن منصور الحلاج, صوفي فيلسوف, تبرأ منه سائر الصوفية والعلماء لسوء سيرته ومروقه, وهو يدعي الحلول ومعناه حلول الإله فيه أي الله سبحانه وتعالى وتقدس عما يقول, واستمر الحلاج في نشر فكره الحلولي حتى استفحل امره فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة وبعد ان تيقن السلطان (المقتدر) امره امر بقتله.
* الغزالي (450 ـ 505هـ): ابو حامد محمد بن احمد الطوسي الملقب بحجة الاسلام, ولد بطوس من اقليم خرسان, نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب مثل علم الكلام والفلسفة, والباطنية, والتصوف, وأورثه ذلك حيرة وشكا , ألف عددا من الكتب أهمها تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال, واهمها على الاطلاق احياء علوم الدين, ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة.. ومن جليل اعماله هدمه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية. وفي آخر حياته اقبل على حديث الرسول , وفي هذه المرحلة ألف كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" الذي ذم فيه علم الكلام وطريقته وانتصر لمذهب السلف, ويقال انه رجع عن القول بالكشف وادراك خصائص النبوة,.
* ابن الفارض (566 ـ 632): هو ابو حفص عمر بن علي الحموي الاصل المصري المولد, لقب بشرف الدين, وهو من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود, يقول الشيخ الوكيل "ابن الفارض يزعم انه منذ القدم كان الله, ثم تلبس بصورة النفس.. الخ" ونص شيخ الاسلام ابن تيمية على ان ابن الفارض من اهل الالحاد القائلين بالحلول الاتحاد ووحدة الوجود..
* ابن عربي (560 ـ 638هـ): وهو ابو بكر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي الطائي الاندلسي, الملقب بالشيخ الاكبر عند الصوفية, رئيس مدرسة وحدة الوجود, يعتبر نفسه خاتم الأولياء, استقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها قبر يزار, طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على ان الانسان وحده من بين المخلوقات يمكن ان تتجلى فيه جميع الصفات الالهية اذ تيسر له الاستغراق في وحدانية الله, وهذا يوضح خطورة آرائه ولذلك فقد اتفق علماء الاسلام شرقا وغربا على ذم ابن عربي وآرائه والبعض منهم يحرم النظر في كتبه.
* ابن سبعين (614 ـ 669هـ): هو قطب الدين ابو محمد عبدالحق بن ابراهيم بن محمد بن سبعين الاشبيلي المرسي, احد الفلاسفة المتصوفة القائلين بوحدة الوجود التي يرى انها تعني ان وجود الحق هو الثابت بدءا , وانه مادة كل شيء, والخلق منبثق منه فائض عنه, ولذا يقول ابن تيمية: ان ابن سبعين وان قال بان الوجود واحد فهو يقول بالاتحاد والحلول من هذا الوجه, لان معنى كلامه ان الحق محل للخلق. ويرى ابن سبعين ان الله هو الوجود كله ولا شيء معه الا علمه, والكائنات هي عين علمه. يقول ابن تيمية "هذا من ابطل الباطل واعظم الكفر والضلال".
* العفيف التلسماني (610 ـ 690هـ): هو سليمان بن علي الكومي التلمساني, يلقب بعفيف الدين, يقول عنه الذهبي انه احد زنادقة الصوفية, ويقول ابن كثير "وقد نسب هذا الرجل الى عظائم في الاقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض وشهرته تغني عن الاطناب في ترجمته", ومن اقوال التلمساني الشنيعة التي توضح كفره الحوار الذي دار بينه وبين احد شيوخه قال: القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك, ومن اتبع القرآن لم يصل الى التوحيد" وكذلك فان من فكر التلمساني الفاسد ما حكاه شيخ الاسلام من ان الشيرازي قال لشيخه التلمساني ـ وقد مر بكلب اجرب ميت ـ فقال: هذا ايضا من ذات الله؟! فقال: وهل ثم خارج عنه!؟ قال ابن تيمية: هذا من اعظم الكفر. وعلى هذا فان الرجل يعد من رواد وحدة الوجود الكبار, ومن المصنفين المكثرين في تقرير هذه العقيدة الفاسدة ونشرها.
* النابلسي (1050 ـ 1143هـ): هو عبدالغني بن اسماعيل الدمشقي النابلسي الحنفي النقشبندي القادري, آمن بالطريقة النقشبندية الذين يؤمنون بعقيدة الفناء ووحدة الوجود.
أقوال بعض الأئمة والعلماء في الصوفية :
* الامام الشافعي: ادرك بدايات التصوف وكان اكثر العلماء والائمة انكارا عليهم, وقد كان مما قاله في هذا الصدد "لو أن رجلا تصوف اول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق".
* الامام احمد بن حنبل: كان للصوفية بالمرصاد فقد قال فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه وهو الوساوس والخطرات قال احمد: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون وحذر من مجالسة الحارث وقال لصاحب له: لا أرى لك ان تجالسه.
* الامام ابن الجوزي: كتب كتابا سماه "تلبيس ابليس" خص الصوفية بمعظم فصوله وبيَّن تلبيس الشيطان عليهم ما جعلهم يتخبطون في الظلمات.
* شيخ الإسلام بان تيمية: كان من أعظم الناس بيانا لحقيقة التصوف, وتتبعا لاقوال الزنادقة والملحدين وخاصة ابن عربي والتلمساني وابن سبعين, فتعقب اقوالهم وفضح باطنهم وحذر الامة من شرورهم وقد ذكرنا في هذا الجزء مقاطع مما قاله ابن تيمية.
بعض كبار الصوفية الذين هداهم الله للطريق القويم:
* الدكتور تقي الدين الهلالي: شيخ التوحيد في بلاد المغرب والذي كان صوفيا (تيجانيا) فأكرمه الله بدعوة التوحيد, يقول عن سبب خروجه من الطريقة التيجانية: "لقد كنت في غمرة عظيمة وضلال مبين وكنت أرى خروجي من الطريقة التيجانية كالخروج من الاسلام ولم يكن يخطر لي ببال ان اتزحزح عنها قيد شعرة, وجرت مناظرة حول ادعاء الشيخ التيجاني في انه رأي النبي يقظة, وقد ثبت بطلان ذلك "يمكن الرجوع للمناظرة بكاملها في كتاب (الفكر الصوفي ص 474) وكذلك يذكر انه اجتمع بالشيخ عبدالعزيز بن ادريس واوضح له بطلان الطريقة التيجانية".
* الشيخ عبدالرحمن الوكيل: وكيل جماعة انصار السنة بمصر, صاحب كتاب "هذه هي الصوفية" يقول "كانت لي بالتصوف صلة, وهي صلة العبرة بالمأساة, حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية وتستقبل النفس كل صروف الاقدار بالفرحة الطروب".
ويضيف "ألا فاسمعوها غير هيابة ولا وجلة, واصغوا الى هتاف الحق يهدر بالحق ان التصوف ادنأ وألام كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسوله, انه قناع كل عدو صوفي للدين الحق, فتش فيه تجد برهمية وبوذية, وزرادشتية, ويهودية ونصرانية ووثنية جاهلية..."
وبعد
ان ما نشاهده اليوم من الصوفية التي عمدت الى تدوين معتقداتها ومناهجها ومن ثم محاولة نشر تلك المعتقدات بشتى الوسائل وخصوصا في عصرنا الحاضر عصر المعلومات والاتصالات فما نشاهده من تكريس لتلك العقيدة والشريعة من خلال طقوسها التي تطالعنا بها الفضائيات وتعج بها الصحف والمجلات على انها من اصول العقيدة والتشريع الاسلامي ما قد يؤدي بالأمة الاسلامية الى التخلف والتقهقر وكيف لها ان تتقدم مع هذه الانحرافات العقدية.. والله من وراء القصد.
للاستزادة حول الصوفية:
(1) الموسوعة الميسرة في الاديان والمذاهب المعاصرة: الندوة العالمية للشباب الاسلامي.
(2) تقديس الاشخاص في الفكر الصوفي ـ محمد لوح ـ رسالة ماجستير منشورة ـ الجامعة الاسلامية.
(3) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ـ عبدالرحمن عبدالخالق.
(4) تاريخ التصوف الاسلامي ـ عبدالرحمن بدوي.
لعبت مؤسسة الزوايا دورا هاما في تاريخ المغرب منذ بداية ظهور (الرباطات) في الفترة الوسيطية من تاريخه. وعلي الرغم من هذه الأهمية التاريخية التي حظيت بها الزوايا المغربية، غير أنها لم يتم وضعها في سياق تاريخي يمكن من فهم التطورات التي أصبح يعيشها التصوف في مغرب القرن الواحد والعشرين.
ان التحولات التي يعرفها الحقل الديني المغربي اليوم، تطرح مجموعة من التساؤلات الجادة حول طبيعة تمثل السلطة له، وأسباب التحولات العميقة التي أصبح يعرفها هذا الحقل حيث فسح المجال واسعاً أمام الفكر الصوفي بتعيين الوزير المسؤول عن القطاع الديني من أهل التصوف.
هذا الأخير قام بمجموعة من التدابير المهمة؛ وسواء كانت هذه التدابير بمبادرة منه أو كان فيها منفذا لسياسة السلطة العليا في البلاد، إلا أن هذه التدابير تنم عن توجه جديد في التفكير والتدبير الديني بمغرب العهد الجديد.
يمكن قراءة مظاهر هذا التوجه الجديد في تدبير الحقل الديني في المغرب علي مستوي الأشكال الثلاثة للممارسة الدينية في المغرب، العالمة والحركية والصوفية:
ففي مستوي المظهر العالم لهذه الممارسة، نجد محاولة إعادة هيكلة مؤسسة العلماء، وتوجها نحو إعادة الاعتبار لها باتخاذ مجموعة من التدابير الخاصة بتحديد الجهات المختصة بالفتوي، وتدابير أخري خاصة بتنظيم المساجد والاهتمام بتدبير شؤون العاملين عليها.
وفي مستوي المظهر الحركي، فأهم ما يميز العهد الجديد ، هو دخول الحركات الإسلامية إلي الساحة السياسية، ومحاولة إعادة ترتيب الأوراق معها، بتدعيم التيارات المؤمنة بخيار المشاركة وتحييد التيارات المتشددة (سياسيا)، وإقصاء التيارات الراديكالية الإقصائية.
أما في مستوي مظهرها الصوفي، فان هذه التدابير تبرز محاولات في تصويف المجتمع وإخراج الفكر الصوفي من قوقعته إلي التواصل المباشر مع المجتمع ومحاولة إدخاله في سيرورة تأطير المجتمع طالما أنه قام بذلك لمدة طويلة وبالتالي فهو الأكثر خبرة في هذا المضمار ويتوفر علي آليات وقنوات تلائم المجتمع وتركيبته وتنسجم مع هويته.
فإذا كانت التدابير الخاصة بالمظهر العالم أو بالمظهر الحركي للإسلام بالمغرب هي تدابير مهمة علي اعتبار أنها تقوم بإحداث قفزات نوعية في مستوي التصالح والتواصل مع فئات واسعة من المجتمع، إلا أن أهم التدابير التي قد يكون لها أثر في هذا المستوي هي التدابير الخاصة بالمظهر الصوفي السلوكي للممارسة الدينية للمجتمع المغربي.
فالتصوف في المغرب مثل أحد أهم مقومات تاريخ المغرب المجتمعي الدينية والروحية والثقافية والاجتماعية وحتي الاقتصادية والسياسية. إذ يمكن اعتباره أحد أهم عناصر التراث المغربي الإسلامي التي كان لها تأثير عميق في مجري الحياة اليومية للمغاربة عبر تاريخهم منذ العصر الوسيط.
وإذا كانت بدايات التصوف في المغرب بسيطة، تمثلت في ممارسات زهدية قام بها بعض النساك والمتعبدين كما تخبر بذلك مختلف التراجم وكتب الأخبار فان التصوف في المغرب قد انتشر في المجتمع المغربي الحضري والقروي، شاملا بذلك أوساط المثقفين العامة والخاصة.
هذا الانتشار خول للزاوية إمكانيات هائلة، حيث أصبحت مؤسسة اجتماعية وسياسية قوية وفاعلة، وقد استطاع بعض المتصوفة أن يفرضوا وجودهم في المجتمع بشكل دفع الدولة المغربية، علي اختلاف السلط السياسية التي مرت بها (موحدية، مرينية، وطاسية...)، إلي التعامل معهم باستعمال استراتيجية مواجهة أو تحالف أو احتواء. غير أن الدولة لم تتمكن من تجاوز مؤسسة الزوايا علي مر تاريخ هذه الأخيرة، وذلك لأنها كانت مؤسسة تلقائية تعبر عن مجموعة من المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والروحية للمجتمع.
ان هذه القوة التي بلغتها مؤسسة الزوايا في المغرب، ومكانتها الاجتماعية والسياسية في الماضي، وتفعيل الفكر الصوفي في القرن الواحد والعشرين من طرف الدولة المغربية في مواجهة تحديات العولمة وقضايا التحديث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي...، هذه كلها قضايا تستوقف الباحث، وتستفزه ليحاول فهم هذه الظاهرة وفهم أسباب التحولات التي تمر بها اليوم. ويمكن القول ان الرجوع إلي تاريخ هذه المؤسسة ومنه استجلاء خصائصها سيكون مهما لفهم أسباب لجوء السلطة السياسية اليوم إليها لتفعيل دواليبها من أجل الوصول إلي تحقيق استراتيجيات رسمت منذ أواخر تسعينات القرن الماضي.
تاريخ التصوف والزوايا في المغرب
لقد ميز بعض الباحثين في التاريخ المغربي بين ثلاث مراحل أساسية مر بها التصوف في المغرب؛ فهناك من يقسمها إلي: المخاض، التصدر والانطلاق ثم مرحلة التنظيم والهيكلة، كما أن هناك من يقسمها بتسميات أخري دالة علي نفس المراحل وهي: مرحلة الزهد، مرحلة ظهور التصوف، مرحلة ظهور الطوائف الصوفية.
وحيث ان التحليل التاريخي يختلف شيئا ما عن التحليل السياسي فانه سيتم اعتماد التقسيم التاريخي الذي قدمه المؤرخون المغاربة لكن مع إبراز الأدوار السياسية والتأثير الاجتماعي السياسي في تاريخ التصوف المغربي. وهكذا سيتم تقسيم المراحل الثلاثة إلي: مرحلة المخاض وتأسيس الدولة، مرحلة ظهور التصوف ودخول اللعبة السياسية، ثم مرحلة التنظيم ودعم الشرفاوية.
مرحلة المخاض وتأسيس الدولة
لقد امتدت هذه المرحلة منذ أواخر عهد الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا واستمرت خلال مرحلة الحكم المرابطية، وهي المرحلة التي تميزت بغلبة الجانب الجهادي الزهدي عبر انتشار الرباطات الجهادية.
وقد كانت نتيجة ذلك المباشرة علي الذهنية السائدة، هو ظهور نوع من التمازج بين الفقه والأفكار الجنينية التي بدأت بالظهور في المغرب حول التصوف والناتجة عن حياة الرباط المعتمدة علي الزهد والانعزالية ومفاهيم الجهاد والتضحية من أجل نشر الدين.
لقد كان نشر الإسلام ومدافعة الكفار وتوحيد الدولة في هذه الفترة، هي الهواجس الغالبة علي الذهنية السياسية للمجتمع، فكان الانزواء في الرباط التعليمي لتعليم الدين ونشره وجهاد الكفار ، هو السبب الرئيسي الذي أدي إلي ظهور توجه لدي فقهاء المرحلة، وهم زهاد الرباطات وشيوخها، تمثل في ضرورة انشاء دولة قامت علي أكتاف تلاميذ الرباط، وهي دولة المرابطين التي دشنت ميلاد فكرة الدولة الموحدة في المغرب والتي ساهمت في الخروج من أزمة التشتت والضعف التي كان يعيشها الغرب الإسلامي بشكل عام.
وقد عرفت هذه المرحلة ظهور أفكار أبي حامد الغزالي خاصة فيما يتعلق بطبيعة أفكاره التي كان لها طابع خاص فيما يتعلق بطبيعة تمثل العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة المعرفية وقد كان لهذه الأفكار صدي واسع وتأثير كبير علي الحياة السياسية وطبيعة الممارسة الدينية للمجتمع. وكانت هذه المرحلة هي مرحلة البدايات في ما يمكن تسميته بتصوف أهل المغرب.
مرحلة ظهور التصوف ودخول اللعبةالسياسية
ان مجموعة من المؤشرات كعدد تراجم الصلحاء الذين عاشوا خاصة في فترة الموحدين التي فاقت في كتاب التشوف المئة والخمسين ترجمة تمكن من اعتبار هذه المرحلة مرحلة انفجار فعلي بالنسبة لظاهرة الولاية (بالمغرب) ، كرد فعل ساد المجتمع المغربي علي ارتباط الفقهاء وأهل العلم بالسلطة المرابطية التي بدأت تعيش أزمة وجود ومشروعية في الفترة السابقة علي سقوطها.
وقد جاءت هذه المرحلة مواكبة لقيام الدولة الموحدية، وعرفت بروز أهم مؤسسي التصوف بالمغرب. وقد تكاثرت خلال هذه المرحلة الربط التعبدية في مختلف مناطق المغرب، وخلال هذه المرحلة يلاحظ المؤرخون ظهور نوع من التنظيم التلقائي المعتمد علي التضامن والتكافل مما يسمح بالقول بأنها مرحلة ظهور التصوف بالمفهوم الاصطلاحي، وبداية الإرهاصات المتعلقة بالتأسيس لمرتكزات التصوف في المغرب.
وقد بدأت خلال هذه الفترة مرحلة من الاضطهاد للمتصوفة المغاربة والأندلسيين من طرف السلطة الموحدية، بسبب تخوفها من منافسة رمزية مؤسس الفكرة الموحدية أي المهدي، والذي يمكن اعتباره نموذجا للمزج الذي عرفه المتصوفة بين التصوف والعلم. وقد يمكن القول بأن نهاية هذه المرحلة يتمثل في المنافسة التي أصبح يقوم بها المتصوفة تجاه السلطة بسبب تنامي قوتهم الرمزية وتزايد قوتهم الاجتماعية بشكل هدد السلطة السياسية الموحدية والمرينية بعدها.
فقد أصبح التصوف خلال العصر الموحدي قوة جذب اجتماعية مؤثرة، وحصل أقطابه وشيوخه علي مصداقية روحية وأخلاقية وحضور اجتماعي فعال . وقد كان انخراط ممثليه من شيوخ وصلحاء في الحركية المجتمعية مثار قلق بالنسبة للسلطة السياسية، وذلك راجع لطبيعة تحركه في صلب المجتمع التي تميزت بعدم التسيس وبقوة الارتباطات الاجتماعية داخل وخارج المنظومة الجديدة، وكان هذان العاملان سببا في قدرة المتصوفة علي الاستقلال عن السلطة السياسية، وفي نفس الوقت القدرة علي مواجهتها انطلاقا من قدرتها علي تحريك المجتمع.
لقد كانت الزوايا باعتبارها مؤسسات دينية واجتماعية حاضرة بشكل قوي ومتميز في المجتمع المغربي خاصة في العهد المريني، وقد كانت قادرة علي استقطاب المغاربة وتعبئتهم خاصة في الظروف الصعبة، واستطاعت ملء الفراغ الذي كان يتركه عادة ضعف الدولة المركزية بالمغرب وهو الدور الذي استمرت الزاوية في الاضطلاع به لفترة طويلة بعد ذلك. وقد أدي هذا الوضع في العهد المريني إلي انتهاج السلطة المرينية لاستراتيجية الأشراف مقابل الصلحاء وهي الاستراتيجية التي ستنقلب عليها عند تحالف هذين القطبين الأساسيين في الحياة الدينية المغربية.
مرحلة التنظيم ودعم الشرفاوية
بدأت هذه المرحلة مع تصاعد نجم الشرفاء بتحالف القوة الروحية للشرفانية مع القوة الاجتماعية للزاوية. وقد شكلت هذه المرحلة فترة المرور من طور التنظيم الطوعي التلقائي إلي التنظيم الإرادي المحكم للأتباع ، حيث أنه في هذه المرحلة يمكن الحديث عن التنظيم الهيكلي للزاوية والطريقة بالشكل الذي سمح للزاوية باستثمار قوتها الروحية والاجتماعية في تحريك الساحة السياسية ويبرز ذلك جليا عند الرجوع إلي التقلبات السياسية التي عرفها المغرب في العصر الحديث مع السعديين والعلويين.
ومن أهم ما تجدر الإشارة إليه في ما يتعلق بهذه التنظيمات المستحدثة أنها اعتمدت علي المرجعية القبلية منذ البدايات مما أدي إلي نوع من التسرب التدريجي لمنطق الولاية داخل الحركة القبلية التقليدية، وما يمكن ملاحظته هو أن هذه التنظيمات الجديدة، قد أعادت إلي الواجهة فاعلية النمط القبلي، لكن بمنطق جديد مثلته مركزية الولي الشيخ (أو الصالح المحلي) تحت حماية مظلة الشريف (المتحكم في سلطة المخزن).
وهذا يخول لمن يراقب التطورات الخاصة بالزاوية أن يستنتج أن حركية العلاقة مع الدولة نفسها سوف تتغير سواء بالنسبة للولاية أو القبيلة . ومن هنا تكمن أهمية هذه المرحلة في تاريخ المغرب والتي عرفت نوعا من التأرجح بين المنافسة والتحالف بين هاتين القوتين (أي الدولة والزاوية) بسبب تعدد استراتيجيات كل واحدة منهما تجاه الأخري، حسب قوة الطرف الآخر وحسب الظروف التي تمر منها البلاد.
لقد عرف القرن العشرون دخول الاستعمار إلي بلاد المغرب، وتغلغل الأفكار السلفية الوهابية المناهضة لفكر التصوف والمعادية للطرقية، وانتشار الفكر الحركي كتعبير عن تطور الفكر التنظيمي في المجتمعات الإسلامية عامة والمجتمع المغربي بشكل خاص، وكمحاولة للمزج بين التفكير العملي الواقعي المعاصر وبين التشبث بالمبادئ الأصيلة للمجتمع المغربي الإسلامي وهو ما كان نتيجة للمفارقة الصارخة التي كانت تعيشها الذهنية المغربية الإسلامية (ولا تزال) بين المعطيات الناجمة عن الاحتكاك بالغرب وبين التشبث بأمجاد الماضي مع نبذ خرافاته و ضلالاته البدعية .
في حين أن القرن الواحد والعشرين في المغرب عرف تطورا مهما في ما يتعلق بتدبير السياسة الدينية بالمغرب وهو تنصيب أحد المتصوفة (من مريدي الزاوية البوتشيشية المغربية) علي رأس إحدي وزارات السيادة في المغرب وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتدبير الشأن الديني في المغرب وتنفيذ السياسة الدينية المرسومة من طرف النظام المغربي في بداية الألفية الثالثة.
هذا القرار لم يكن اعتباطيا فالنظام السياسي المغربي الحالي تميز، عبر تاريخه، بتحركات مدروسة بشكل يضمن توازنا سياسيا بين فاعلي الساحة السياسية والدينية، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة خلفه هل هو عودة إلي التحالف من جديد مع الزاوية الشريك السابق؟ أم هو استباق للأحداث؟ أم هو صناعة لحقل ديني سياسي جديد مختلف عن ما عرفه المغرب في القرن السابق؟ هذه التساؤلات تدفعنا إلي البحث في خصائص وأدوار الزوايا المغربية بشكل عام والزاوية البوتشيشية بشكل خاص.
خصائص التصوف المغربي
ان تاريخ التصوف المغربي يبرز بأن متصوفة المغرب كانوا يتميزون بمنهج خاص في التربية والسلوك، يقوم علي أساس الزهد والورع والاجتهاد في العبادة علي منهج السلف، بعيدا عن لغة الأحوال والمقامات كما أنهم لم ينقطعوا عن ممارستهم للحياة الاجتماعية العادية، وكانوا يسلكون طريق التذوق والارتقاء في مقامات أهل الطريقة وعدم المبالاة بظهور الكرامات أو حصول الشهرة ويسعون إلي التستر علي كراماتهم وأحوالهم، معتمدين في طريقهم التربوي علي التفرغ الكلي للمجاهدة ولقاء الأولياء والسياحة في الأرض لكن دون انعزال عن المجتمع.
من خلال هذه الأسس التي يقوم عليها التصوف المغربي يمكن استجلاء مجموعة من الخصائص أولها شمولية هذا التصوف، والثاني ابتعاده عن التجريد الفقهي والكلامي والفلسفي، والثالث عدم اشتغاله بالسياسة، وارتباطه بالجماعة والمجتمع.
الشمولية في التصوف المغربي
منذ انطلاق التصوف في المغرب تحددت طريقه في اتجاه سني اعتمد علي تعاليم المدرسة الجنيدية في صيغتها الغزالية. وقد تدعم هذا التوجه في الفترات اللاحقة وعبر تطور الفكر الصوفي المحلي في سلوكه لاتجاه سني أخلاقي كان هو أهم معالم التصوف في المغرب الأقصي، ويمكن تفسير أهم خصائص هذا الاتجاه في كونه اتجاها زهديا عمليا بعيداً كل البعد عن المؤثرات الفلسفية، بحيث لا يهتم أصحابه كثيرا بالقضايا النظرية بل ينشغلون أساسا بأنواع المجاهدات وآداب السلوك.
وعلي هذا فقد جمع التصوف المغربي بين مجموعة من العناصر متميزا بجمعها عن التصوف المشرقي، وتمثلت هذه العناصر في ما يتعلق بالفاعلية داخل المجتمع في العلم والجهاد وفي ما يتعلق بالحياة اليومية للصوفي في التجرد والكسب.
العلم: لقد كان متصوفة المغرب الأقصي يهتمون بشكل كبير بالفقه والعلوم الشرعية، ويمكن استجلاء هذا المعطي من خلال ما توفره لنا التراجم الخاصة بأقطاب التصوف والتي تحدد أنهم كانوا من كبار العلماء. وهذا الارتباط بالعلم ولد لدي متصوفة المغرب ربطا قويا بين العلم الشرعي والتصوف المغربي أبعده عن التأثيرات الإشراقية التي اعترت التصوف في مناطق أخري من العالم الإسلامي.
ومما تجدر الإشارة إليه فان متصوفة المغرب قد اهتموا إلي جانب الممارسة الصوفية بنشر الإسلام وتعليم مبادئه خاصة في المناطق النائية التي يتعذر علي الفقهاء الوصول إليها، ويرجع سبب قدرتهم تلك إلي سياحتهم في الأرض وبلوغهم إلي تلك المناطق البعيدة التي تتميز بالانعزال عن الدنيا ، لكنهم في نفس الوقت حافظوا علي ارتباطهم بالمجتمع من خلال محاولة نشر الدين وتعليم مبادئه لسكان البوادي والمناطق البعيدة عن المراكز العلمية.
وقد اعتمد المتصوفة في هذا الصدد مجموعة من الوسائل اتسمت بطابع جماعي في العمل، كاعتمادهم علي انشاء الرباطات والعمل علي تعميرها بالتلاميذ والمريدين، والذكر الجماعي، وإحياء المناسبات الإسلامية، وعقد المواسم في أماكن ذات القداسة الخاصة وتشجيع الحج، وهذه كلها ممارسات ترنو إلي خلق نوع من التخليق الجماعي وإلي توحيد الهواجس الفكرية والروحية للمجتمع.
الجهاد: من أوجه العمل التي ميزت المتصوفة في المغرب هي المشاركة في الجهاد في الأندلس في فترة الجهاد الهجومي في العصر الوسيط، وأيضا محاولة الدفاع عن رقعة الدولة في فترة الجهاد الدفاعي ضد الأطماع الأوروبية في المغرب الأقصي.
وهذه المشاركة نابعة من طبيعة موقع المغرب الذي يعتبر ثغرا من ثغور المسلمين، أي منطقة حدودية تشرف علي دار الحرب، وهذا ما جعله في احتكاك دائم مع الكافر و المعاهد الذي شكل خطرا علي أرض الإسلام. والملاحظ من كل هذا، أن الزوايا هي مرحلة متقدمة، في هذا المجال، للربط الجهادية التي أنشأها الفاتحون والمجاهدون المحليون في المغرب علي مناطق التماس مع العدو ، بهدف دفعه أو بهدف آخر وهو نشر الإسلام.
وهكذا كان التصوف بالمغرب مرتبطا بشكل كبير بمفاهيم الجهاد ومناهضة الظلم، مما خوله الدخول في الحياة الاجتماعية علي أساس هذه المعاني، التي كانت تعطيهم صفة مقدسة لدي العامة، سمحت بجعلهم مرجعا للاحتماء في حال غياب أو ضعف الدولة المركزية.
التجرد والكسب: في مستوي المنهج الذي اعتمده صوفية المغرب في الحياة اليومية، ففي الوقت الذي ركزت فيه بعض التوجهات علي الزهد في الحياة والاعتماد علي الغير في كسب العيش تميز التوجه الغالب في متصوفة المغرب بكونهم انصرفوا للعمل والتكسب والاعتماد علي النفس في العيش. ولكن في نفس الوقت اعتمدت المدرسة المغربية في التصوف علي نهج التجرد بمعناه القائم علي الزهد في المادة والتخلي الطوعي عنها، وهدفهم في ذلك هو تحقيق التفرغ النفسي المطلوب من أجل سلوك الطريق.
وهذه الميزة جعلت مكانتهم تزداد في المجتمع من حيث كونهم زاهدين في الدنيا ومستغنين عن غيرهم في الانفاق علي أنفسهم، وهو الشيء الذي كان يخلق لهم نوعا من الاستقلالية التي حرم منها العديد من الفاعلين السياسيين في المجتمع كالقبائل التي كانت مرتبطة بالعطايا التي تأتيهم من المخزن ومن الزاوية في بعض الأحيان في أوقات الجدب والجفاف. وعلي هذا الأساس كانت العطايا المقدمة من الأطراف المختلفة للزوايا باسم الشيخ تعتبر محاولة في استجلاب البركة والخير والدعاء من الشيخ لتلافي الجفاف والقحط والضائقة.
blue">خصائص السلوك الفكري
والسياسي للتصوف المغربي
اعتمد التصوف المغربي علي سلوك فكري وسياسي منسجم مع تصورات التجرد والزهد اللذين طبعا معالمه ونهجه السلوكي، ويمكن القول أن التصوف المغربي عرف بعدا عن التجريد في المستوي الفكري وتجردا في المستوي السياسي، وهذا السلوك راجع لكونه بقي بعيداً كل البعد عن المؤثرات الفلسفية، ومكتفيا بمكانته الاجتماعية عن الطموحات السياسية.
وعلي هذا فقد تميز التصوف المغربي بخاصيتين أساسيتين هما البعد عن التجريد الفقهي والكلامي والفلسفي، علي الصعيد الفكري، والابتعاد عن الانشغال بالسياسة والارتباط بالمجتمع علي الصعيد السلوكي الاجتماعي.
البعد عن التجريد الفقهي والكلامي والفلسفي: ان الجمع بين العلم والعمل في التصوف المغربي كانت له نتيجة مهمة تمثلت في نفوره من النزعة الفروعية للفقه علي الرغم من كون عدد مهم من الصوفية كانوا من الفقهاء الأعلام. كما تميز المتصوفة المغاربة بالإعراض عن الجدل والتنظير الكلامي والمناقشات العقدية.
وقد كانت من بين أهداف الزاوية الحفاظ علي سنية الطريقة الصوفية بإبعادها عن الفلسفة وعلم الكلام، واقتصارها علي العلم المؤدي إلي العمل في إطار التوجه السني المعتمد علي تعاليم المدرسة الجنيدية في صيغتها الغزالية.
عدم الاشتغال بالسياسة والارتباط بالمجتمع: لم يبرز متصوفة المغرب طموحات جدية ومباشرة في الفعل السياسي من طرف كبار الصوفية المغاربة، وتتبع المحاولات التي تمت في فترات متفرقة من التاريخ الحديث للمغرب يبرز أنها ارتبطت أساسا بمحاولة الخروج من أزمة السلطة بمحاولة ملء الفراغ السياسي أو رد الظلم أو المساهمة في تنظيم المجتمع.
ويبدو أن سبب هذه السلوكات من طرف المتصوفة المغاربة راجع إلي اشتغالهم أساسا بالتجربة الروحية الأخلاقية الارتقائية، التي كانت ترتكز بالنسبة للمغرب علي الارتباط بمفهوم الجهاد، وهو المفهوم الذي يحيل علي مفاهيم أخري قد تؤدي إلي هذه النتائج، تمثلت هذه المفاهيم في جهاد النفس، وجهاد العدو، وجهاد الظلم، وهي كلها تقع علي مرتبة واحدة، بحيث تكون الظروف المحيطة هي التي تحدد الأولوية فيها.
هذا الارتباط بهموم المجتمع ناتج لدي صوفية المغرب من طبيعة نهجهم في الممارسات الدينية، فاعتمادهم علي التصوف الجماعي عبر الذكر الجماعي والتركيز علي الزيارات وإحياء المناسبات الدينية المختلفة خلق لديهم نوعا من الارتباط بالمجتمع، بحيث لم يسمح التصوف في المغرب بظهور مجموعات مستقلة ومنعزلة عن المجتمع، وهذا ما أدي إلي جعل كل الشيوخ قبلة لجميع أنواع المريدين دون تمييز. وهذا ركز قوة إضافية لدي متصوفة المغرب الأقصي تمثلت في كونهم ارتبطوا أساسا بالممارسات والقيم أكثر من ارتباطهم بالشيوخ، وبمعني آخر ساهم هذا السلوك في منع إشكالية التعصب للشيوخ والصراع بين الزوايا علي هذا الأساس.
خصائص الزاوية البوتشيشية
إذا كانت طبيعة التصوف المغربي علي هذه الشاكلة فان السؤال الذي يطرح الآن هو السبب في اختيار الزاوية البوتشيشية بالضبط دون غيرها من الزوايا المغربية لتحمل عبء المساهمة في تدبير الشأن الديني في المغرب.
لقد اعتبر أحد الباحثين الجزائريين الزاوية البوتشيشية من أحدث الطرق، وذلك بسبب اعتمادها منذ بداية القرن العشرين علي أساليب دعائية عصرية في التواصل، حيث اعتمدت هذه الزاوية أساليب النشر في الصحافة للخوض في الأمور الدينية والاجتماعية. ويبدو أن ذلك راجع إلي محاولتها في تلك الفترة استمالة فئة المتعلمين وذلك لمواجهة الاطماع الاستعمارية التي بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر. وقد عرف عن هذه الزاوية محاربة البدع والعمل علي إرشاد الناس للدين ونشر العلم.
لكن هذا النهج لم يستمر في هذه الزاوية بسبب الاستعمار وتوجه جل التنظيمات الاجتماعية إلي التركيز علي المقاومة ورفض الاحتلال، كما أنه وقع نفور شديد من طرف المجتمع من الزوايا بسبب قضية تعاون بعض شيوخ الزوايا مع الاستعمار؛ غير أنه بتولي الشيخ الحالي زالت كل العراقيل الموروثة عن عهد الحماية وهذا ما ساعده علي توسيع نفوذ الطريقة باعتماد الأساليب التي كان ينهجها مؤسس الطريقة الأول (الشيخ سيدي أحمد بن عليوة).
فقد ركز شيخ الزاوية سيدي حمزة بالخصوص علي توجيه دعوته إلي الشباب المتعلم قصد الانتساب إلي الطريقة البوتشيشية، ويبدو أن الشيخ بهذا النهج استهدف ضمان الاستمرارية والانتشار، في الوقت الذي بقيت فيه بقية الزوايا مقتصرة في استقطابها علي المريدين الأميين.
ان استراتيجية الزاوية المرتكزة علي التواصل مع نخبة المجتمع سمح لها بانتشار كبير في مستوي الفئة المتعلمة والمثقفة في المجتمع وهو انتشار لفت أنظار العديد من المراقبين الذين سجلوا وجود تحرك للفكر الصوفي ليس فقط في مستوي المغرب وانما في مستوي العالم، وهذا ما يبدو أنه أثار انتباه السلطة السياسية التي رأت في هذا الحليف القديم مشروع حليف جديد قد يحل مجموعة من الإشكاليات التي لا تزال عالقة علي مخـــتلف الأصعدة في المجتمع المغربي.
خاتمة
ان ترسخ الفكر والممارسة الصوفية وقدمها في المغرب، وتواصلها عبر قرون مع السلطة السياسية، وارتباطها بالمنظومة الشرفانية وتبجيلها لهذه المنظومة هي كلها عناصر تؤكد علي أن توجه السلطة السياسية إلي الطرق الصوفية كحليف استراتيجي في هذه المرحلة هو قرار ذو أهمية خاصة.
ويمكن القول أن هذا التوجه كان مدروسا بشكل محكم لأن أهداف الدولة في السنوات المقبلة تتلاءم بشكل كبير مع الخصائص التي تتميز بها الزاوية في المغرب. فالنظام السياسي يضع نصب عينيه تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية للخروج من الأزمة التي يعيشها المغرب بشكل عام.
والزاوية في هذا تحقق له أهدافه فأمن البلاد مضمون بانتشار الفكر الصوفي الأخلاقي السني، لأنه ينبذ التطرف والعنف ويتميز بخاصية السلم والتسامح . وبتركيز الزاوية علي أخلاق التكافل والتضامن قد تؤدي إلي تمكين النظام من تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية. أما الاستقرار فالتصوف علي طريقة حب آل البيت وطاعتهم، والتركيز علي أخلاق قبول الآخر لدي الزاوية هو الحل الأمثل لضمان استقرار قد يساهم في توحيد المجتمع ووحدة السلطة.
ويمكن رؤية معالم هذا التوجه في رسالة وجهها الملك محمد السادس إلي المشاركين في اللقاء الاول من لقاءات سيدي شيكر العالمية للمنتسبين إلي التصوف الذي افتتحت أشغاله بمراكش يوم الجمعة 10/9/2004 يقول في بعض فقراته: لقد استوعب أبناء هذا البلد الطيب، منذ اعتناقهم للإسلام أن جوهر الدين هو تزكيــــة النفـــس وتطهيرها من الأنانية والحقد والتعصب، وتحلـــيها بمكارم الاخلاق، والتسامي عن الشهوات المذلة للقلب والروح والعقل، بضبط النفس ومراقبة سلوكها اليومي، ابتغاء للاكتمال الروحي المصطلح عليه بـ(التصوف).
والمتأمل في تاريخ صوفية المغرب ، يجد في سلوكهم وتعابيرهم، سواء لدي الصفوة أو علي مستوي عامة الناس، ما يجده عند غيرهم من صوفية البلاد الأخري، من رسوخ كبير في الأذواق والرقائق وفهم القرآن.. وإذا كانت مناحي تأثيرهم التربوي والاجتماعي تند عن الاحصاء فان ثلاثة أمور جليلة جديرة بالاشارة في هذا المقام، أولها مساندة الامامة الشرعية في القيام بأعبائها، مع الحفاظ علي الوحدة المذهبية المالكية والعقيدة الأشعرية والانفتاح ، وثانيها تحرير النفوس من حب الرئاسة المغرضة، وترويضها علي الشكر لله ، ونبذ أنواع الأنانية والطغيان وثالثها تخريج ثلة من الرواد الذين لم تتناقض في أذهانهم النوازع الكونية مع التحلي بالروح الوطنية الخالصة.
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )
رد: التصوف الإسلامي وحلقات الذكر
مازال النقاش حول موضوع الصوفية يحتاج مداخلات كثيرة حتى تنجلى حقيقته بشكل علمى وأنى لأشكر الصديق الجميل حسن الحاجبى والرائعة نور الهدى على المداخلات القية وهذه هى المداخلة الثانية التى انقلها هنا لأهميتها فى إثراء هذا الموضوع وإنى لأرجو تفعيلا لهذا الموضوع بشكل اكثر وأكبر
المسيحية والصوفية الإسلامية
لطفي حداد*
الصوفية:
استخدم هذا المصطلح للمرة الأولى في التاريخ الإسلامي في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة وقد لقب بالمتصوف كل من جابر بن حيان، وأبي هاشم البغدادي.
يقول ابن تيمية في الصوفيين: "الصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاصٍ لربّه".
أتت كلمة الصوفية من عدة احتمالات: الأول: صفاء النفس، وصفاء القلب، والثاني: من فكرة الصف الأول بين يدي الله حيث يرتفعون بقلوبهم إليه، والثالث: من "الصُّفَّة" وهي فناء ملحق بمسجد الرسول في المدينة المنورة، حيث سمح الرسول لفقراء الصحابة أن يسكنوا فيه ويعيشوا مما يقدمه لهم المسلمون من صدقات، وكانوا يشغلون وقتهم بالصلاة والدعوة للجهاد وقال عنهم الرسول: "فرسان النهار رهبان الليل". والاحتمال الرابع هو اشتقاق الاسم من الصوف الذي رغّب الصوفيون أتباعهم بارتدائه صيفاً وشتاءً وهم يرون أن الغنم رمز تفاؤل في التراث الشعبي مستمد من قصة إبراهيم وفدائه بذبح عظيم هو كبش من الغنم، ومن أن الكثير من الأنبياء قد رعى الغنم.
والرأي الأخير هو ارتداء الصوف عند هؤلاء المتعبدين صيفاً وشتاءً من أجل الزهد والتقشف والموت عن الملذات الجسدية.
* * *
ازدهرت حركة التصوف في بلاد الفارس خاصة ربما لقربها من الهند وتأثرها بنزعة الزهد عند فقراء الهندوس، وكذلك في جنديسابور لقربها من المسيحية والأفلاطونية الجديدة التي وضعها فلاسفة اليونان بعد فرارهم من أثينا إلى فارس عام 529. لكن هذا التأثير بقي بسيطاً وسطحياً، وكما يبيّن لويس ماسينيون فإن الإسلام نضج روحياً من تلقاء نفسه وأعطى هذه النزعة التقشفية في سبيل البحث عن الذات الإلهية.
* * *
الحلولية:
يقصد بها حلول الله في أشخاص معينين فيصبح الشخص ذا حقيقة لاهوتية لا تدرك بالحواس ولا تعرف بالرأي ولا بالقياس ويصبح الجسد حجاباً لهذا اللاهوت الذي حلّ فيه.
وهناك الاتحاد الذي يعني أن الخالق والمخلوق يصبحان واحداً فلا اتحاد بين طبيعتين بل وحدة شاملة، أي وحدة الوجود، ومن نماذج الحلولية القول المنسوب إلى الحلاج:
أنت من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا
أما بالنسبة محيي الدين بن عربي فالخالق عنده قد حل في كل مخلوق وظهر من خلاله ويرى أن الناس كلهم يعبدون الإله الواحد المتجلي في صورهم وصور جميع المعبودات، يقول:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبانِ
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراةٍ ومصحف قرآنِ
أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
الأدب الصوفي:
وهو نوعان أدب القول أي الشعر والنثر، وأدب السلوك أي أدب التربية والأخلاق والخصال الخيرة والمعاملة والصحبة. يشتمل أدب القول على أدب الحب الإلهي والفناء في الذات الإلهية، وأدب الدعاء والمناجاة والاستغاثة، وأدب الوعظ والإرشاد والنصح.
* * *
في المفهوم الإسلامي هناك توتر وصعوبة بين ميل الصوفي للاعتقاد أنه أدرك معرفة فوق المعرفة العادية لله، وبين إيمان بقية المسلمين بأن القرآن والحديث قد حدّدا وحدهما كيف تعاش الحياة ويُعبد الله. وبالنسبة للصوفي فالشريعة مرحلة على الطريق نحو المعرفة وإن مجرد الطاعة لم تعد كافية وإنما الإخلاص في النية.. وحين تتم الرؤيا الروحية في لحظة أبدية ويشعر الإنسان الزمني بحقيقة الله الخارجة عن الزمن، يحدث تحول جذري في قلب المتصوف يدفعه للعودة إلى المجتمع بقلب جديد وعينين جديدتين وانسجام كلي مع الشريعة والنبوة.
* * *
بلغ التصوف الإسلامي ذروته على أيدي رجال سبقوا الحلاج مثل ذي النون، والمحاسبي، والجنيد، وفي الفترة الواقعة بين عامي 750 و900م ارتقى التدين التقشفي إلى الحب الإلهي المتوهج والتوق إلى الذات الإلهية وبلغ التدين الإسلامي قمة لم يستطع أن يتجاوزها ويتفوق عليها كما لم يستطع أن يحافظ عليها لاحقاً.
ورغم تأثر الصوفية باللاهوت المسيحي بشكل جزئي إلا أن الزهد والتبتل (الانقطاع إلى الصلاة) والحياة الفقيرة (أي ما يميز الحياة الرهبانية المسيحية) بقيت بعيدة عن الإسلام وغريبة عنه.
وتاريخياً نحن نعلم أنه قد أطلق على مالك بن دينار اسم "راهب العرب" وعلى أبي بكر ابن عبد الرحمن اسم "راهب قريش".
لكن بشكل عام كان مصطلح الراهب يطلق على الزاهد المسيحي، سواء بمعنى محبب أو بمعنى مستهجن، كظاهرة غريبة عن الإسلام.
* * *
إن المسيح مثال أعلى للمتصوفين كما نرى في كتاباتهم الكثيرة وقد حقق أعلى درجات الزهد في الحياة الدنيا، ويلتقي بذلك المسيحيون والمسلمون في مفهوم التعبد الصوفي الذي هو بشكل أو بآخر اتباع طريق المسيح.
وهناك العشرات بل المئات من المقولات والقصص والأخبار رواها المسلمون عن المسيح بطريقتهم مظهرين فضائله وأخلاقه، وقد جمع الكثير منها كتاب "الإنجيل برواية المسلمين" تأليف طريف الخالدي (عن دار النهار 2003) ويرى المسلمون المسيح صارماً في زهده مثله في ذلك مثل يحيى بن زكريا، إلا أنه يختلف عنه من حيث أن يحيى كان جهماً نادر البشاشة، متشدداً في جديته، في حين كان المسيح فرحاً أليفاً رقيق الجانب.
وهناك تصورات كثيرة تختلف عن حقيقة المسيح كما ترويها الأناجيل كما أن هناك قصصاً غرائبية وخوارق عجيبة لا تتماشى مع الجو العام للأناجيل. ويبدو أن الروايات التي كان يسردها أشخاص مثل كعب الأحبار (وهو من أفضل العارفين بالتوراة والإنجيل في الجيل الأول بعد النبي محمد) كانت تستند إلى حد بعيد على خياله الشخصي وأسلوبه القصصي فغايته لم تكن ذكر حقائق تاريخية، بل أدب تعبدي أسطوري الطابع إسلامي المضمون مع صلات ضعيفة ببعض الروايات المسيحية غير المسلم بها.
* * *
يعرّف (أبو سعيد) الصوفي الكبير الذي ولد عام 967م التصوف الإسلامي بقوله:
"التصوف ترك النافل. ولا شيء بنافل أكثر من "أناك". إنك ما اشتغلت بذاتك إلا وبعدت عن الله. وحيثما توجد أناك فإن كل شيء جحيم. وحيثما لا توجد أناك، فكل شيء نعيم". وبشكل مشابه يرى "العطار" ، الشاعر الفارسي في القرن الثاني عشر في قصيدة رائعة اسمها "منطق الطير"، أن التخلي عن الأنا هو سر الحياة الأبدية وأن حب الأنا هو أعظم عائق في وجه الحب.
ففي هذه الرحلة المجازية التي تعبر عن سفر الروح إلى الله، تحترق الطيور جسداً وروحاً و تصبح في آخر طيرانها رماداً، وعندما تعطي كل شيء يعاد إليها كل شيء. وتتأمل الطيور وجه الله في انعكاس عيونها الناظرة إلى بحيرة في جوف الجبل، ولا يكون في ذلك سواها كلها لأنها تؤلف معاً كلاً واحداً بعد أن تخلت عن تعلقها بذاتها.
ومن المتصوفين الكبار الشيرازي وهو فارسي من القرن الحادي عشر.. يقول في كتابه (ياسمين الأحبة): في حب المحب والمحبوب القوة نفسها التي تجذب الإنسان إلى الحقيقة الإلهية، الحقيقة العليا. وإن حب الجمال يتيح تأمل الوجود السرمد بعين الله ذاته. وليس هناك سوى حب واحد. ونحن نتعلم في كتاب الحب البشري كيف نقرأ قاعدة حب الله".
* * *
يرتكز الصوفي في محاولة وصوله إلى الله على تطهير نفسه بالصلاة، والتجرد الكامل من الشهوات، والطاعة، والتأمل حتى يصل إلى اتحاده الصوفي بالله. ويعتقد الصوفي أنه بعد وصوله إلى تلك المرتبة، أي بعد فناء نفسه تماماً في ذات الله، يصبح فوق القوانين والشريعة وحتى الدين وشعائره وفرائضه.
وفي الوقت نفسه يبقى المتصوفون يعيشون في الدنيا كسائر الناس الحياة اليومية العادية، يقول أبو سعيد:
"إن الولي الحقيقي يسير بين الناس، ويأكل وينام معهم، ويشتري ويبيع في الأسواق، ويتزوج، ويشترك مع الناس في مجالسهم، ولا ينسى الله لحظة واحدة".
* * *
بدأت مجالس الذكر منذ القرن العاشر، وظهرت أفكار الزهد واعتزال العالم وتعذيب النفس وكذلك ظهرت الشطحات الصوفية وغرائب الصوفيين.
وقد وجدت أقلية متصوفة تدعو إلى البساطة والحياة المتقشفة كبساطة أبي بكر وعمر بن الخطاب، وتندد بترف الخلفاء والوزراء.
و من المتصوفين المعروفين أذكر:
* رابعة العدوية (717 – 801): كانت في شبابها جارية اشتريت بالمال ثم أعتقها سيدها وأبت أن تتزوج، وعاشت عيشة الزهد وفعل الخير ومن صلواتها الرائعة:
"إلهي! كل ما قدرته لي من خير في هذه الدنيا أعطيه لأعدائك، وكل ما قدرته لي في الجنة أمنحه لأصدقائك، لأني لا أسعى إلا إليك وحدك".
* أبو سعيد بن أبي الخير (967 – 1049م): وكان يعلم أن رحمة الله، لا أعمال الإنسان الصالحة، هي التي تدخله الجنة. ويقول إن الله يفتح للإنسان باباً بعد باب وأولها باب التوبة، ثم يأتي باب اليقين ثم باب الحب ثم باب التوحيد، حيث تتساقط الرغبات كلياً ويدرك الصوفي أن الله كل شيء وأن كل شيء منه وإليه.
* أبو سعيد الخرّاز: يقول: مثل النفس مثل ماء واقف طاهر صاف، فإن حرّكته ظهر ما تحته من الحمأة، وكذلك النفس تظهر عند المحن والفاقة والمخافة، ومن لم يعرف ما في نفسه، كيف يعرف ربّه؟!
* * *
* إخوان الصفاء: هم جماعة سرية باطنية دينية فلسفية وهم أقرب إلى الفلسفة منهم إلى الدين، ونزعتهم الفلسفية خليط من الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية، وقد أوّلوا القرآن تأويلاً رمزياً لكي يتمشى مع تصورهم الروحي للأديان عامة. وهم يرون أن الأديان جميعاً يجب أن تتفق مع الفلسفة والحكمة، وقد صنفوا حوالي خمسين رسالة في مفاهيم الحكمة آخذين من كل مذهب فلسفي بطرف.
ومحور الفلسفة لديهم هو فكرة الأصل السماوي للنفوس وعودتها إلى الله ويرون أن العالم صدر عن الله كما يصدر الكلام عن المتكلم والضوء عن الشمس، وليست النفوس الفردية سوى أجزاء من النفس الكلية تعود إليها مطهرة بعد الموت كما ترجع النفس الكلية إلى الله ثانية ليوم المعاد.
ابن عربي: يُعتبر نبي الصوفية الوجودية.
نقل التصوف من الشطح إلى العلم وسمّاه العلم اللدنّي أو العلم الإلهي، وبهذا يشترك مع ابن رشد في المنطلق الأفلاطوني في مفهوم كلية الوجود، لكن ابن رشد اعتمد "العقل" في حين اعتمد ابن عربي "القلب".
يعتقد ابن عربي أن كل إنسان يستطيع أن يكون مؤمناً وأن كل مؤمن يستطيع أن يكون "سميَّ الله"، مشجعاً بذلك كل مخلوق للارتقاء إلى مستوى الخالق ومعيداً روح الدين إلى بساطتها الأولى.
يقول ابن عربي: لا يغتّر الإنسان بكونه روح العالم فيقول "أنا أشرف منه"، أخوك العالم والإنسان توأمان.
* * *
درس المستشرق الإسباني بلاثيوس ابن عربي وكتب عنه كتاباً ضخماً بعنوان "ابن عربي، حياته ومذهبه" يقول فيه: إذا كان تصوّفه يعيبه أحياناً الغموض فإن زهده في المقابل، من حيث الشكل أو الأسلوب، شعبي وصريح ومفهوم لعامة الناس. وهذا التباين يفسر أيضاً تناقضاً ظاهرياً في موقف ابن عربي: فمن ناحية رأينا أن مذهبه يقوم على أساس الشك الجذري التام، عندما ينكر على العقل المنطقي كل قدرة على البحث عن الحقيقة الفلسفية والدينية، ملتزماً بالإشراق الصوفي كطريق وحيد إلى ذلك، ومن ناحية أخرى فإن مذهبه الروحي مصنوع من أكثر نظريات التصوف الإسكندري الأفلوطيني تجريداً، و يقول بلاثيوس:
"ومع أن ابن عربي جامع مذاهب مختلفة في ما بعد الطبيعة، لكنه ذو نزعة واحدة في مذهبه الروحي، سواء في الزهد أو في التصوف، يعود إلى الإسلام، وإن كان ثمة أصل مسيحي بعيد جداً.
وابن عربي، كما أي مسلم، يعتبر أن الأديان السماوية الثلاثة تؤلف في جوهرها ديناً واحداً يتكيف ويتطور عَرضاً مع الظروف الوقتية الطارئة للعصور، في الأوامر السرمدية للعناية الإلهية. والإسلام، وهو ختام مراحل هذا التطور الطويل، يلخص ويستوعب كل القواعد المنزلة تنزيلاً صحيحاً في المسيحية واليهودية... ومن هنا يستنتج أن النصارى يعتقدون في عقيدة التثليث في الأقانيم ويستبعدون التثليث في الآلهة. ولهذا ينبغي ألا يوصموا بالشرك، لأنهم ينتظرون الخلاص من الرحمة الإلهية الواحدة. والسبب الميتافيزيقي لهذا الرأي الذي قال به مستمد من فكرة المدرسة الفلسفية الفيثاغورية التي تعتبر أن العدد ثلاثة هو أصل الأعداد الفردية، لأن العدد "واحد" ليس وحده بذاته عدداً، ولا يُفسّر الكثرة في العالم، فمن الواحد لا يصدر إلا الواحد، وإن أبسط الأعداد في داخل الكثرة هو الثلاثة.
أما عن العقيدة الثانية في المسيحية وهي التجسيد، فإن ابن عربي لتأثر مذهبه بالاتحاد الأقنومي في العقيدة المسيحية، في إطار الصوفية، يردم الهوة الواسعة التي كانت مفتوحة في البداية بين الإسلام والمسيحية، الهوة التي راحت تتضاءل ببطء عند الصوفية، حتى بلغت أوج تضاؤلها في موقف ابن عربي.
وموقف العطف والتقارب مع العقيدة المسيحية هو في نظري نتيجة التأثير الشديد والواسع الذي أحدثته الرهبانية المسيحية في التصوف الإسلامي. وهذا ما جعل ابن عربي يعترف مصرّحاً بأن مرشديه في الطريق الروحي هم الهداة الثلاثة: موسى وعيسى ومحمد. وإذا كان محمد هو خاتم النبوة، فإن عيسى هو ختم الولاية على الإطلاق، ونموذج في الكمال، لأن روحه خلقها الله مباشرة مثل روح آدم، وكانت وليّة منذ مولده، وكاملة بالفطرة بفضل الروح القدس، وليس كما شأن سائر الأولياء.
الحياة الرهبانية
نشأت في مصر في النصف الثاني من القرن الثالث إثر الاضطهاد ضد المسيحية أيام دافيوس، فاندفع الكثير من المسيحيين إلى الصحراء ليعيشوا حياة التقشف والنسك، و يعتبر انطونيوس الكبير (251-356) الذي انسحب من الحياة الدنيوية حوالي عام 270 م، وانصرف إلى التنسك في منطقة بني سويف شرقي النيل، يعتبر أب الرهبان. و قد تجمع حوله عدد من الأتباع و أمضوا حياتهم الروحية على نمطه. بعدها أنشأ باخوميوس الكبير (290-346م) عدداً من الأديرة في مصر العليا، و بدأ بوضع القوانين الرهبانية، وقد تبع نمط حياته حوالي 22000 راهباً كانوا يعيشون الصلاة و الفقر والطاعة والعمل (كنسخ المخطوطات والأعمال الزراعية). ومن الرهبان السوريين المعروفين نذكر أفرام السرياني (القرن الرابع) ومار مارون المتوفى في عام 410 م (تنسك قرب حلب في جبل سمعان) ، وسمعان العامودي (الذي أمضى حياته على عمود حجري متنسكاً).
وانتقلت الحياة الرهبانية إلى خارج مصر وسوريا وفلسطين فوصلت اليونان وتأسس دير جبل آثوس في القرن التاسع ليصبح أهم مركز رهباني في أوربا الشرقية. وفي الغرب تأسس عدد من الأديرة على يد مرتينوس و أمبرسيوس في القرن الرابع. وأدخل القديس باتريك الحياة الرهبانية اإلى إرلندا في القرن الخامس، وأسس بندكتس الرهبنة البندكتية في القرن السادس ثم تجددت الحياة الرهبانية في القرن الثالث عشر على أيدي الفرنسسكان والدومنيكان، و أثناء الإصلاح البروتستنتي في القرن السادس عشر نشأت الرهبنة اليسوعية. يرى الكثيرون أن جوهر المسيحية وروحانيتها تتمثلان في مبادئ الرهبنة المسيحية وهي الفقر (التقشف)، و العفة (الاختيار الوحيد و النهائي)، والطاعة (لله وحده دون الميول البشرية) ، وقد عاشت الصوفية الإسلامية أشياء مشابهة إلى حد بعيد كما ذكرت سابقاً.. فهل تكون الرهبنة المسيحية والصوفية الإسلامية هما الجوهر الروحي دون الطقوس الدينية ودون غبار الزمن!!.
-------- * لطفي حداد كاتب سوري مقيم في الولايات المتحدة
لعل واحدة من الأثافي التي قد تصيب أهل الكتابة مهما يكن نوعها , هي أن يدب إليهم الوهن , فيستكينون بعد حماس , ويتخاملون بعد حيوية .
وإن كنت بهذا القول لا أعني غير نفسي , فذلك صوت يصرخ من داخلي لوما وعتابا , حتى لا أقول تقريعا وتوبيخا .
هل يحق لنا أن نفتح مساحة للحوار في شأن موضوع التصوف ثم نهجرها عند الخطوات الأولى ؟؟؟.
تعالوا إذن نكمل ما بدأناه. وعلى الله قصد السبيل .
تعلمنا ونحن جلوس على حصير " المسيد" أن نصغي للكبار حين يتحدثون , وهاقد تحدث كبار مدينة مكناس المغربية بلسان العارفين , وتفانوا في تناول موضوع التصوف الإسلامي ودونوا مداخلاتهم في كتاب تزل إلى السوق تحت عنوان " التصوف السني في تاريخ المغرب / نسق نموذجي للوسطية والإعتدال " قدم له وأشرف عليه الدكتور : إبراهيم القادري بودشيش " .
يتضمن الكتاب خمسة مباحث رئيسية جاءت كالتالي :
** ثقافة الوسطية في التصوف السني المغربي .
** التصوف السني / مقدماتفي الفهم والتأصيل .
** التصوف بالمغرب المريني و جدل المشروعية .
** الأدوار الدينية والعسكرية والإجتماعية للأولياء بالمغرب .
** تجليات المقاربة الوسطية في منهج التكافل الإجتماعي لمتصوفة مغرب العصر الوسيط .
لاشك أن الغوص في تحليل هذه المباحث واعتبارها مداخل لمطارحة الأفكار حول مسألة التصوف الإسلامي غربا و شرقا , سيكون أمرا ممتعا خاصة لذوي الإهتمام .
لذلك ستكون لنا عودة بإذن الله تعالى إذا ما صادف هذا الأمر هوى في قلوبكم , وحظي بمشاركتكم وتتبعكم .
وإلى ذلك الحين , لكم خالص المحبة وأجل آيات التقدير والإحترام .
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
الذكر في اصطلاح الصوفية هو تردد إسم المذكور على القلب واللسان، وقيل امتلاء القلب من المذكور، وقيل طمأنينة بمعاينة الله، وقيل طلوع الأنوار برؤية القهار وبلوغ الأماني بسرّ وجداني.
والذِكر هو الأساس في هذه الطريقة، فلا يصل أحد إلى الله إلا بدوام ذكره وهو مأمور به لما ورد من قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا ً كثيرا ً
وفي الحديث النبوي الشريف: "قال الله تعالى يا ابن آدم إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني."
وقيل الذكر أفضل من الفكر لأن الله يوصف به ولا يوصف بالفكر. ومن خصائص الذكر أن الله جعل في مقابلة ذِكر العبد ذكرهُ للعبد (فاذكروني أذكركم)
وهو غير مقترن بوقت محدد لأن المؤمن مأمور به في كل وقت باللسان أو بالقلب ( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ).
وأفضل الذكر لا إله إلا الله لحديث بذلك، والخفي منه أفضل من غير الخفي كما نص عليه العلماء (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ). هناك ثلاثة أنواع من الذكر هي: ذكر لساني مع غفلة القلب، وذكر مع حضور القلب، وذكر بجميع الجوارح.
فذكر المريد (لا إله إلا الله) متردد بين النفي والإثبات، ومقتضاه نفي ما سوى الله. وذكر العارف (الله) ومقتضاه استيلاء أحكام الصفات الإلهية على العوالم الملكوتية. وذكر الموحّد (هو) ومقتضاه اضمحلال العين بنور العيان. وذكر المحب (الإستهلاك) ومقتضاه ذهابه عن الإسم والرسم والصفة. والعاشق لا ذكر له لذهابه بهِ عنهُ.
وقالوا الذاكر بالإخلاص والصدق جليس لمَلك بالحق لما ورد في الحديث القدسي (أنا جليس من ذكرني) وأصل الذكر الصفاء وفرعه الوفاء وشرطه الحضور وبساطهُ العمل الصالح، وخاصيته فتح من الله بحسب الإسم المذكور بهِ.
ولا بد أن يكون الذكر بقوة شديدة بحيث يدخل أثر الذكر في باطن الذاكر فيسري في العروق والشرايين ويحرق ظلمة الوجود وكثافته بنار الذكر. ولذلك نرى من يقومون بحلقة الذكر يهتفون هتافاً شديداً متواصلاً متوافقاً بذكر الله مدة طويلة زمن الحلقة.
وفي الحديث الشريف (لكل شيء مقال ومقال القلوب ذكر الله). وللذكر شروط وآداب إن فعلها الذاكر حاز مناهُ ولهُ نار تحرق كثافة الوجود ونور تطمئن به القلوب. ثم إن مداومة الذكر تؤدي إلى المكاشفة بتجلي الأنوار إلى أن يدرك النور الحقيقي.
وقال ابن العربي إن من تحصل له المشاهدة لا ينبغي له الذكر كما أن من حضر لدى ملك لا يليق به تكرار اسمه بل ربما يُعد ذلك جنوناً، فالذكر إذ ذاك ذنب عظيم وإثم كبير وعلى هذا حمّل قوله: بذكر الله تزداد الذنوبُ وتنطمسُ البصائرُ والقلوبُ وترك الذكرِ أفضلُ كل شيءٍ فشمسُ الذاتِ ليس لها غروبُ
وقيل الذكر قسمان: ذكر بالتقليد وهو ما يدخل في مسامع المستمعين من طريق أفواه العامة، مثل ترديد الوالدين وغيرهم من المعلمين، وهو نافع في دفع الأعداء وليس له قوة الحماية للذاكر وتبليغه إلى مقام الولاية والقرب من الله تعالى.
وذكر بالتلقين وهو ما يأخذه المريد بالتعليم من شيخ عارف صاحب تصرّف، أخذه من آخر مسلسلاً إلى الرسول الأعظم. وهذا هو الذكر الذي يتصرف في باطن المريد المستعد إذا غُرس في قلبه بالتلقين ورُبيّ بالأعمال الصالحة وسُقي بماء الإرادة والصدق والإخلاص.
ويشترط في التلقين أن يصوم المريد ثلاثة أيام بإذن الشيخ ويكون فيها دائم الوضوء والذكر، قليل الطعام والمنام ومخالطة الناس، ثم يغتسل بإذن الشيخ وينوي نية غسل الخروج من الغفلة إلى الحضور في المراقبة مع الله تعالى، ويقول في غسلهِ: "اللهم إني طهّرت البدن الذي تصل إليه يدي بتوفيقك فطهّر أنتَ قلبي الذي حكمهُ بيد قدرتك وأنت مقلـّبه بماء معرفتك."
فإذا فرغ من الغسل جاء إلى الشيخ وجلس بين يديه فيوصيه الشيخ بما يقتضي حاله، ويجثو على ركبتيه ويسكت ويحضر قلبه مع قلب الشيخ ويراقب سّره حتى يقول الشيخ مرة لا إله إلا الله، ماداً صوته وهو يأخذ بقلبه متفهماً معانيها بحيث ينفي بقوله (لا) ويثبت بقوله (إلا الله) الحضرة الإلهية، أي لا مطلوب ولا مقصود ولا محبوب ولا معبود إلا الله تعالى.
ثم يقول المريد رافعاً صوته، ماداً نفـَسَهُ، مُحضراً قلبه عند النفي والإثبات. ثم يقول الشيخ مرة ثانية، ثم يقول المريد كذلك، ثم يقول الشيخ ثالثة والمريد كذلك. ثم يرفع الشيخ يديه ويدعو له فيقول " اللهم خذ منهُ وتقبّل منهُ وافتح عليه باب كل خير فتحته على أنبيائك وأوليائك."