السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محق أيها الفاضل المبدع إلى أبعد حد فأحيانا يمر المبدع بصعق شعوري يجبره على الكتابة ولا يستطيع وقد أوتي "جوامع البحور " لأنها لا تستطيع أن تترجم المبدع لحظتها.....("فكل هذه البحور المتوارثة لا تقوى أن تحكيه وترويه وتسكبه فيلتزم المبدع الصمت فما أبلغ وما أروع وما أبدع " لغة الصمت ")....فالثورة لا بد أن تكون لكي لايأسن الشعر ....والثورة لازمة فهي صنو التغيير ومحركه ....فإلى متى نبقى أسارى للتقليدية والمحاكاة بحجة الإلتزام فكل شيء في الواقع الإبداعي قابل للكسر والجبر قابل للتعديل وبصراحة أكثر للنفي ..... و هكذا يتبنى الجديد من خلال نفي النفي حتى يظهر شكل جديد بدل القديم وهكذا تستمر عملية الهدم والبناء على مستوى الكينونة الإبداعية ليستمر الجسد الإبداعي نموا وتطورا
تقبل أخي عبدالله فراجي تحيات أخيك عادل سلطاني " وكن ثائرا في الإبداع ما وسعت في ذلك القوة والجهد "
أخي عادل سلطاني
فعلا ما قلته صحيح لأن الإبداع فعل تجديدي Un acte rénnovateur ، و بما أنه فعل متحرك ، فهو قائم على اساس سابق ، و يتوحد مع الحاضر ليرسم أفق المستقبل،فهو امتداد داخل ما هو موجود و ما هو قائم لكنه نفي له بالضرورة ،و إلا كان اجترارا و نسخا للسابق . و التجديد بهذا المعنى لا يكون إلا من خلال القديم .. و إلا ما سمي تجديدا ،و هذا هو نفي النفي كما قلت ..
و اسمح لي أن أضيف إلى هذا أن الأدب القديم ليس مقدسا ، و لا أن ينظر إليه كأنه قرآن منزل ..المقدس له حدوده و خطوطه التي تمنع أن يتغير ، أما الإبداع الأدبي من حيث هو خطاب بشري .. فردي .. متخيل ..و يحول العالم بطريقته الخاصة ..فهو قابل للتغيير باستمرار .. و إلا ما كان كذلك ..
و بالمناسبة فقواعد الخليل العروضية ليست حقيقة مطلقة و مقدسة ، و الجميع يعرف كيف اكتشف الخليل بن أحمد الفراهيدي إيقاعات البحور و أوزانها ..فسماعه لحركات و أصوات الحرفيين الذين كانوا يصنعون أدواتهم الجلدية و النحاسية ...باستعمال القرع و الضرب بالمطارق و غيرها ..و كان من شأن ذلك أن يعطي إيقاعا متميزا قد يتغير من دكان إلى دكان .. فأوحى ذلك للخليل و هو يقرأ الشعر بوجود إيقاع داخلي يقوم على مبدإ الحركة والسكون ، و تكرار كل واحدة منهما .. فنظمها و سماها بالأسباب و الأوتاد و الفاصلة ..و التفعيلات و البحور ..
و لكن أين نحن من هذه الإيقاعات القديمة و هذه الحرف التقليدية التي اندثرت في أغلبها مع عصر الصناعة الحديثة ، و موسيقى الروك و الهارد روك و الهيب هوب ..؟
أخي عادل .. في هذا السياق أعجبتني عبارة قالها الأديب العراقي خضير ميري و اعتبرها شعارا لإبداعاته، تعبر بشكل خاص عن نوع المهام المطروعة على الأدب المعاصر و هو يقتحم الأنترنيت و يتخلى و لو نسبيا عن أسلوب التواصل الورقي ، ناهيك عن أسلوب القدماء الشفهي الذي كان يعتمد على الذاكرة و أحيانا على التدوين الكتابي .. فقد قال خضير ميري " الكتابة المعاصرة في حاجة إلى خيانة المرجعيات" و الخيانة هنا بالطبع _ رغم المعنى الثوري لخضير ميري_ تعني التغيير و التجديد لا أقل و لا أكثر ..
أتمنى أخي عادل أن أكون قد أسهمت بهذا الكلام في فتح آفاق جديدة لمفهوم الإبداع المعاصر الذي نعيشه أنا و أنت و جميع زملائنا في هذا المنتدى و غبر الأنترنيت ..
و الدعوة مفتوحة لكل الأفكار و المواقف التي نحترمها جميعا في إطار إيماننا الراسخ بالإختلاف و الحوار كمباديء إنسانية شاملة..
تقبل خالص مودتي..