[align=center][table1="width:95%;background-color:white;border:4px inset green;"][cell="filter:;"]
[align=center]
غاليتي العزيزة نصيرة[/align][align=center]
بديع منك هذا العناق من مشاعرك لمشاعر حزني وفقدي
ما هو الحزن يا صديقتي وما هو الفقد؟؟
ما هية الموت، هذه اليد الخفية التي تمتد على حين غرة وتنزع منا أحبتنا ومن يمثلون جزءً لا يتجزأ من كينونتنا في هذه الحياة؟؟
حين أقلب في صفحات الماضي من الأقرب إلى الأبعد زمنياً وأحصي خسائري أشعر كم بلغ حجم الفقد وإلى أي حد تتخلخل جذوري شيئاً فشيئاً في هذا العالم ويزداد فيه حجم غربتي
كانوا جميعهم هنا يتنفسون ويغنون - يضحكون ويبكون - يفرحون ويحزنون ويفجرون في حياتي ينابيع من المحبة الصادقة - محبة الأهل والأقارب - محبة غير مشروطة بأي مسببات لأنها فطرية موثقة بالدم وميراث الجينات
نحن يا عزيتي أمراء متميزون بوجود أحبتنا ومن دونهم رقم من أرقام وقطرة ماء في محيط بحر البشر الهائل
يقال أن العمة تحديداً تُحَبُّ أكثر من كل الأقارب لأنها الأكثر حناناً وقرباً ودفئاً وأنها الأم الثانية وهذا صحيح بلا أدنى شك
عمة أمي وعمتي أكثر من احتلتا في حياتي معاني كثيرة وجميلة بعد أمي مباشرة ومع جدتي التي كنت للأسف أهرب من الجلوس معها أحياناً من شدة وطول أحزانها
عمة أمي السيدة حمدية الرافعي رحمها الله ، رئيسة أهم جمعية نسائية ومديرة تخرجت على يديها آلاف الطالبات وسيدة المجتمع الشديدة التميز والتي كان يعمل لها الجميع ألف حساب كان لها نقطة ضعف اسمها هدى، فكنت لها أحب حتى من أمي ومن كل أبناء وبنات اخوتها إلى حد أن أمي كانت تخاف عليّ من هذا النفخ التي تنفخني به في زمان كانت تتشكل فيه شخصيتي من خلال اصرارها أن لا أحد مثلي في الجمال والذكاء والفهم والذوق وخفة الظل والمواهب، لأنها ولشدة تعلقها بي كانت تراني كذلك وكل من لا يراني مثلما تراني برأيها يغار مني، وطبعاً هذه المبالغة في المحبة سيئة وكانت مبالغتها في محبتي فعلا ترعب أمي خوفاً أن تمنحني هذه المحبة المبالغ فيها النرجسية ثم بعد هذا حين أخرج للحياة العملية أصدم والحمد لله أنها لم تؤثر عليّ من خلال حكمة أمي ومتابعتها.
أما عمتي أنا وشقيقة أبي الوحيدة السيدة حورية الخطيب والتي انتقلت بعد زواجها من طرابلس إلى دمشق قبل أن يتزوج أبي وأولد بسنوات طويلة حيث لم يولد لها في طرابلس سوى طلعت فلم تكن أمام عينيّ كل يوم كغيرها من الأهل ( شتات العائلات الفلسطينية ) لكنها ولكونها خطيبية جداً ولشدة تعلقها بأهلها واخوتها خصوصاً بعد موت أبي وصدمتها، كانت أحياناً تأتي أسبوعياً من دمشق رغم طول المسافة فقط لترانا وتجلس معنا وكانت تقضي معظم عطلة الصيف معنا في طرابلس وكان منزل جدتي يشكل بوجودها وأولادها هذه الواحة الجميلة المثمرة...
وعمتي منذ طفولتي كنت أشعر أنها أنا أو بعض أنا أو أنا بعضها، وكانت طيبة جداً ورقيقة جدا ودافئة وحنونة وخفيفة الظل وكنت لا أذكر نفسي في طفولتي بوجودها إلا جالسة فوق حجرها حتى أن رائحتها المسكية منذ الطفولة مستقرة في ذاكرتي وكانت تعكس حزن جدتي بمقدمها إلى فرح فتعم البهجة أرجاء البيت الحزين وتعلو الضحكات وكأن شكل البيت وأثاثه وحتى ألوان جدرانه تتغير وتتبدل بمقدمها...
جدتي عاشت سنوات طويلة بعد موت أبي رغم الكم الهائل من الأحزان الذي كان يلفها وتعبر عنه بكثير من الدموع المتفجرة إلى نحيب مسموع يومياً على مدى السنوات وذلك الجيد الأبيض المحتقن بحمرة غريبة تعبر للرائي عن شدة لوعتها وحرقتها
أما عمتي فلم تحتمل فراق طلعت، وكان هذا فوق احتمال طبعها الرقيق وكانت بتركيبتها المختلفة عن جدتي تحاول أن تكتم ألمها وتكبت دمعها رأفة بمن حولها فما كان لسطوة الألم إلا أن يقتلها...
ورحلت بكل حبها وحنانها لتعانقه عناق الأم، هناك خلف برزخ قد يكون له مفردات وطقوس مختلفة لكنها بلا أدنى شك في حال أفضل وطلعت بحال أفضل ونور بحال أفضل ويحيى الذي كاد يذهب نظرها حزنا عليه منذ خمس سنوات، بحال أفضل وقد عانقته في قبر واحد
غريب هذا العالم وغريب أمر الحياة والموت
كيف يمكن أن تعود الضحكة الصافية لأيامنا، أتسائل أحيانا
أكره الدموع وأعشق الابتسامة لكني هذه الأيام أبحث عنها ولا أجد إليها سبيلا
حورية رحلت وتخلخلت الجذور وفقدت صدراً لا يمكن لي أن أجد له عوضاً
وأنت يا صديقتي بكل الحب أعانقك وأعانق رسائلك الدافئة التي منحتني
صديقتك هدى
[/align][/cell][/table1][/align]
[align=center][table1="width:95%;background-color:white;border:4px inset green;"][cell="filter:;"][align=center]
[/align][/cell][/table1][/align]]