[align=justify]ميساء يا صديقتي..
على شرفة الياسمين يحلو لي الوقوف في مثل هذا اليوم وانتظار تفتح أزراره في هذا الصباح النيساني الخاص ولم أملّ الانتظار رغم الثلوج التي هطلت غزيرة في سماء مونتريال دون توقف لتتراكم لاحقاً .. ربما .. في زويا نفسي وفوق هضاب مدينة قلبي...
لم أنسَ استثنائية هذا اليوم .. هو استثنائي عند أمي (رحمها الله وجعلها من أهل الفردوس الأعلى) ، كان يحلو لها أن تخبرني أنه يومها الخاص والاستثنائي جداً لأنه في مثل هذا اليوم أصبحت أماً للمرة الأولى، وأمي انتقلت من جارة قلبي إلى داخل روحي ونفسي وأنصهرت وتشكلت تاجاً ماسياً برلنتياً متوهجاً على عرش مدينة نفسي ...
لم أنس أن أضحك كثيراً حين تذكرت كيف قامت الدنيا ولم تقعد منذ عشرة أيام في الأول من نيسان حين نشرت صحيفة الشرق الأوسط علماً لبنانياً ومهرته بعبارة: " كذبة نيسان " - ( حسب عادات أجدادنا الكنعان والتي انتقلت عنهم للعالم ) تذكرت ظريفة مربيتي الحبيبة ( رحمها الله) حين كانت تقول أني كذبة كبيرة لأن واحد نيسان يوم الكذب وترفع لي أصبعيها لتؤكد أني أنا كذبة مزدوجة ، فالحادي عشر من نيسان هو الواحد مكرر 1+1 نيسان .. وتنتشر رائحة كعكة ميلاد الطفولة في أرجاء مدينة نفسي.. فأضحك وأبكِ وأقطف أزهار الياسمين المتفتحة عن شجرة ذاكرتي وأغزلها طوقاً لجيدي..
كاذبة أنا ربما كنت وقد عشت طفولتي وأنا أخطط متيقنة كيف سأحرر فلسطين وأرفع علم العروبة حين أكبر .. صغاراً نكون فتكون كبيرة توقعاتنا لأنفسنا ولقدراتنا على تحقيق الأحلام والأمنيات وكلما كبرنا نراها تصغر ويبهت نور الشمس في أعيننا...
هل ثرثرت كثيراً في حرمة معابد الصمت؟...
لا نكون أسرى الماض لو عشناه، فالماضي هذا جزء من أنفاسنا ولطالما دونا فوق صفحاته سطور حياتنا .. هو أحبّة وأهل وأيام عشناها...
في الماضي بدأت أكتب لك هذه السطور وكل الحروف التي تتصدر هذا المتصفح أمام ناظرينا باتت من الماضي ، لو انفصل الماضي عن الحاضر لبتنا أغصاناً مبتورة عن جذورها كالصهاينة اللذين بتروا أنفسهم عن أوطانهم وماضيهم وجائوا ليسرقوا ماضينا وحاضرنا...
اطمئني يا صديقتي..
لا أحد يستطيع أن يسرق منا ذكرياتنا، وضحكاتنا ما زالت تسبح في الفضاء...
ما زلنا غاليتي نضحك عندما تدنو الدموع من مآقينا ونحلم رغم غمام اليأس في سماواتنا والرياح العاتية التي تعبث بأحرفنا...
نبكي ونحترق ونتطهر من شوائبنا فتصفو أنفسنا ونعيد ترتيب أحرفنا وفي أصيص الزهر كل ربيع نزرع أبجدية أحلامنا لزمن أفضل ربما يأت أو نعيش بين طيات أحرفه المزهرة زمناً رغدا...
لن أحدثك عن أشواك الطريق ولا عن صقيع المدن الغريبة...
حدثيني أنت.. حدثيني عن حكايات الأمل.. اقرئي لي طالع الفرح...
سنحتسي قهوتنا معاً على شرفة الانتظار ... ربما أدركنا الصباح أو أدركناه وعاد الربيع يسور بياسمينه وورده الجوري ساحات المسجد الأقصى ونما الزعتر والطيون وشقائق النعمان على كرملنا وفوق هضاب حيفانا ويافانا وقدسنا. [/align]