قصيده يا بني الفقر سلاماً عاطراً
مصطفى لطفي المنفلوطي
[poem=font=",6,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/2.gif" border="solid,4,blue" type=0 line=1 align=center use=ex num="0,black""]
يا بني الفقر سلاماً عاطراً= من بني الدنيا عليكم وثناء
وسقى العارضُ من أكواخِكم= معهدَ الصدق ومَهد الأتقياء
كنتمُ خير بني الدنيا ومن= سعدوا فيها وماتُوا سُعداء
عشتم من فقرِكم في غبطةٍ= ومن القلةِ في عيشٍ رَخاء
لا خصامٌ لا مِراءٌ بينكم= لا خداعٌ لانفاقٌ لا رياء
خلقٌ بَرٌ وقلبٌ طاهرٌ= مثل كأس الخمرِ معنىً وصَفاء
ووفاءٌ تثبَتَ الحبُّ به= وثباتُ الحبِّ في الناسِ الوفاء
أصبحت قصتكم معتبراً= في البرايا وعزاءَ البؤساء
يجتلي الناظر فيها حكمةً= لم يُسطِرها يَراعُ الحُكَمَاء
حِكَمٌ لم تقرءوا في كتبها= غيرَ أن طالعتُمُ صُحفَ الفَضاء
وكتابُ الكونِ فيه صُحفٌ= يقرأ الحكمةَ فيها العُقلاء
إن عيش المَرء في وَحدَتهِ= خيرُ عَيش كافِلٍ خَيرَ هَنَاء
فالورى شرٌ وهمٌ دائمٌ= وشقاءٌ ليس يَحكِيه شَقَاء
وفقيرٌ لِغَنىً حاسدٌ= وغنىٌ يستذلَّ الفقراء
وقويٌّ لضعيفٍ ظالمٌ= وضعيفٌ مِن قوىٍّ في عناء
في فضاء الأرض منأى عنهمُ= ونجاءٌ منهمُ أي نَجاء
إن عيش المرءِ فيهم ذلةٌ= وحياةُ الذلِ والموتُ سواء
ليت فرجيني أطاعت بولسا= وأنالته مناهُ في البقاء
ورثت للأدمعِ اللاتي جَرَت= من عيونٍ ما دَرَت كيفض البُكاءِ
لم يكن من رأيها فُرقَتُه= ساعةً لكنه رأيُ القضاء
فارقتهُ لم تكن عالِمةً= أن يومَ المُلتقى يومُ اللقاء
ما لفرجيني وباريس أما= كانَ في القفرِ عن الدنيا غَناء
إن هذا المال كأسٌ مُزِجَت= قطرةُ الصهباءِ فيه بدِماء
لا ينالُ المرءُ مِنه جُرعَةً= لم يَكن في طيّها داءٌ عَيَاء
عَرَضوا المجدَ عليها بَاهِراً= يَدهَشُ الألبابَ حُسناً ورُواء
وأَرُوها زخرفَ الدنيا وما= راقَ فيها مِن نعيمٍ وَثَراء
فأبته وأبى الحبُّ لها نَقضَ= ما أبرَمَه عَهدُ الإِخاء
ودَعَاها الشَوق للقفر وما= ضمَّ مِن خَيرٍ إليهِ وهَناء
فَغَدت أهواؤُها طائرةً=بجناحِ الشوقِ يُزجِيها الرَّجاء
يأمُلُ الإِنسانُ ما يَأمُلُه=وقضاءُ اللَه في الكونِ وراء
ما لِهذا الجوّ أمسى قاتِماً= يُنذرُ الناسَ بويلٍ وبَلاء
ما لِهذا البحر أضحى مائجاً= كَبِنَاءٍ شامخٍ فوقَ بِنَاء
وكأَنَّ الفُلكَ في أمواجِه= رِيشةٌ تحملُها كفُّ الهواء
وَلِفرجِيني يدٌ مبسوطةٌ= بدعاءٍ حين لا يُجدي دُعاء
لَهَفِي والماءُ يَطفو فَوقَه= هيكلُ الحُسنِ وتِمثَالُ الضيّاء
زهرةٌ في الرّوضِ كانت غَضَّةً= تملأُ الدُّنيا جَمالا وبَهاء
من يَراها لا يَراها خُلِقَت= مثلَ خَلقِ الناس من طِينٍ وماء
ظَنَّتِ البحرَ سماءً فهوت= لتُبارى فيه أَملاكَ السّماء
هكذا الدنيا وهذا مُنتهى= كلِّ حيٍّ ما لحيٍّ من بَقاء[/poem]