رد: تفسير معاني الايات القرانية بأذن الله ..... تابعوني
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) *(58) من سورة النساء
..يخبر تعالى*أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها،
وفي حديث الحسن، عن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*"أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك".*[صححه الألباني عن يوسف بن ماهك المكي في صحيح أبي داود (3534)]*رواه الإمام أحمد وأهل السنن
وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان،*من حقوق الله، عز وجل، على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفارات والنذور والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك.
فأمر الله، عز وجل، بأدائها،*فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة،
كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*"لتؤدن الحقوق إلى أهلها، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء".
وقال محمد بن الحنفية:*هي مسجلة للبر والفاجر.
وقال أبو العالية:*الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه.
وقال الربيع بن أنس:*هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس*{*إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا*}*قال:*يدخل فيه وعظ السلطان النساء. يعني يوم العيد.
رد: تفسير معاني الايات القرانية بأذن الله ..... تابعوني
قوله تعالى :*ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير*
قوله تعالى :*يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا*فيه مسألتان :*
الأولى : قوله تعالى :*يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله*أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان . وقد تقدم بيانها والقول فيها في " النساء " وغيرها .*توبة نصوحا*اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ; فقيل : هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع ; وروي عن*عمر*وابن مسعودوأبي بن كعب*ومعاذ بن جبل*رضي الله عنهم . ورفعه*معاذ*إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال*قتادة*:*النصوح الصادقة الناصحة . وقيل الخالصة ; يقال : نصح أي أخلص له القول . وقال*الحسن*:*النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره . وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل*منها . وقيل : هي التي لا يحتاج معها إلى توبة . وقال*الكلبي*:*التوبة النصوح الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود .*وقالسعيد بن جبير*:*هي التوبة المقبولة ; ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط : خوف ألا تقبل ، ورجاء أن تقبل ، وإدمان الطاعات*.*وقالسعيد بن المسيب*:*توبة تنصحون بها أنفسكم . وقال*[*ص:*183 ]*القرظي*:*يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، وإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئالخلان .*وقال*سفيان الثوري*:*علامة التوبة النصوح*أربعة : القلة والعلة والذلة والغربة*.وقال*الفضيل بن عياض*:*هو أن يكون الذنب بين عينيه ، فلا يزال كأنه ينظر إليه*.*ونحوهعن*ابن السماك*:*أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك*.*وقال*أبو بكر الوراق*:*هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت ، وتضيق عليك نفسك ; كالثلاثة الذين خلفوا .*وقال*أبو بكر الواسطي:*هي توبة لا لفقد عوض ; لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة ; فتوبته*على حفظ نفسه لا لله*.*وقالأبو بكر الدقاق المصري*:*التوبة النصوح هي رد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات*.*وقال*رويم*:*هو أن تكون لله وجها بلا قفا ، كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه.*وقال*ذو النون*:*علامة التوبة النصوح ثلاث : قلة الكلام ، وقلة الطعام ، وقلة المنام*.*وقالشقيق*:*هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة ; لينجو من آفاتها بالسلامة .*وقال*سري السقطي*:*لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين ; لأن من صحت توبته أحب أن يكون الناس مثله*.*وقال*الجنيد*:*التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا ; لأن من صحت توبته صار محبا لله ، ومن أحب الله نسي ما دون الله*.*وقال*ذو الأذنين*:*هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح ، وقلب عن المعاصي جموح*.*وقال*فتح الموصلي*:*علامتها ثلاث : مخالفة الهوى ، وكثرة البكاء ، ومكابدة الجوع والظمأ*.*وقال*سهل بن عبد الله التستري*:*هي التوبة لأهل السنة والجماعة ; لأن*المبتدع لا توبة له*;*بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب*.وعن*حذيفة*:*بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه*.*وأصل التوبة النصوح من الخلوص ; يقال : هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع . وقيل : هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة . وفي أخذها منها وجهان : أحدهما : لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوببخياطته ويوثقه . والثاني : لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم ; كما يجمع الخياط الثوب*[*ص:*184 ]*ويلصق بعضه ببعض . وقراءة العامة نصوحا بفتح النون ، على نعت التوبة ، مثل امرأة صبور ، أي توبة بالغة*في النصح . وقرأ*الحسن*وخارجة*وأبو بكر*عن*عاصم*بالضم ; وتأويله على هذه القراءة : توبة نصح لأنفسكم . وقيل : يجوز أن يكون نصوحا ، جمع نصح ، وأن يكون مصدرا ، يقال : نصح نصاحة ونصوحا . وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر ، نحو الذهاب والذهوب . وقال*المبرد*:*أراد توبة ذات نصح ، يقال : نصحت نصحا ونصاحة ونصوحا .*
الثانية : في*الأشياء التي يتاب منها وكيف التوبة منها*.*قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين . فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها . وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة . وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به . وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به . فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص . وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له ، قال الله تعالى :*فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان*.*وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه . وقد نص*الله تعالى على سقوط الحد عنالمحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم*.*وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم ; حسب ما تقدم بيانه . وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم . وإن رفعوا إليه فقالوا : تبنا لم يتركوا ، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا . هذا مذهب*الشافعي*.فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينا كان أو غيره - إن كان قادرا عليه ، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه . وإن كان أضر*بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتي ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه . وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه - عرفه بعينه أو لم يعرفه - فذلك صحيح . وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق ، أو غمه أو لطمه ، أو صفعه بغير حق ، أو ضربه بسوط فآلمه ، ثم جاءه مستعفيا
رد: تفسير معاني الايات القرانية بأذن الله ..... تابعوني
قال الله تعالى : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (2)
وقوله:*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )*يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا صدّقوا الله ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم*( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )*يقول: عظم مقتًا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنـزلت هذه الآية، فقال بعضهم: أُنـزلت توبيخًا من الله لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الأعمال، فعرّفهم الله إياه، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحبّ الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لا شكّ فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به؛ فلما نـزل الجهاد، كره ذلك أُناس من المؤمنين، وشقّ عليهم أمره، فقال الله:*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )*قال: كان قوم يقولون: والله لو أنا نعلم ما أحب الأعمال إلى الله؟ لعملناه، فأنـزل الله على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا )*... إلى قوله: بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ فدلهم على أحبّ الأعمال إليه.
حدثنا ابن حُمَيْد، قال: عن أَبي صالح، قال: قالوا: لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله وأفضل، فنـزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فكرهوا، فنـزلت*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )*.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله*( لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )*... إلى قوله: مَرْصُوصٌ فيما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة، قالوا في مجلس: لو نعلم أيّ الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت، فأنـزل الله هذا فيهم، فقال عبد الله بن رواحة: لا أزال حبيسًا في سبيل الله حتى أموت، فقتل شهيدا.
وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول فعلت كذا وكذا، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذّبا.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال : ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:*( لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )*قال: بلغني أنها كانت في الجهاد، كان الرجل يقول: قاتلت وفعلت، ولم يكن فعل، فوعظهم الله في ذلك أشدّ الموعظة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:*( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )*يؤذنهم ويعلمهم كما تسمعون.
رد: تفسير معاني الايات القرانية بأذن الله ..... تابعوني
قال الله تعالى : “وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ”
النحل (9)
في لحظة واحدة ممكن أن تضع قدمك في طريق غير صحيح وينتهي بك الأمر وتكون خارج الطريق المستقيم.
ما في أحد يبيت ليلته مستأمن نفسه أن تزيغ إنما بت ليلتك وأنت متعلق بالله أن يحفظ عليك إيمانك
(وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر) ،
إذن أول قصد السبيل الآن الذي نعايشه ونطلبه ونسأل الله عز وجل أن يهدينا إليه هو وقت استهداءنا لله عز وجل أن يدفعنا إلى الصراط المستقيم وأن يوصلنا إليه سبحانه وتعالى ونحن في سلامة من شأن ديننا وأن يحفظنا من الجائر من الطرق ، وهو وحده الذي يدل خلقه الطريق ، وهو وحده الذي يحفظ خلقه من الطرق الجائرة ،
وحده لا شريك له.
فلا يميل قلبك أبدا لأي سبب آخر تظن أنه سبب لهدايتك ،
ولا يميل قلبك أبدا لأي سبب آخر تظن أنه سبب لحفظك من الانحراف ، لا تكلمني عن بيئتك ولا عن نفسيتك ولا عن ترددك على الدروس ولا عن أعمالك الخيرية التي قمت بها ، ولا على أي شيء ، ما في أحد يدلك على الصراط المستقيم ويحفظ عليه ويمنعك من أن تنزلق قدمك على الطرق
الجائرة إلا الله.
فإذا كنت تريد الهداية فعليك بتوحيد الله بطلبها ، أي من أنواع التوحيد التي يستحقها الله عز وجل
أن تطلبه وحده أن يهديك الصراط المستقيم .
رد: تفسير معاني الايات القرانية بأذن الله ..... تابعوني
قوله تعالى (*إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم*)*
اعلم أنه تعالى لما بين عظيم الوعيد في الذين يكتمون ما أنزل الله كان يجوز أن يتوهم أن الوعيد يلحقهم على كل حال ، فبين تعالى أنهم إذا تابوا تغير حكمهم ، ودخلوا في أهل الوعيد ، وقد ذكرنا أن*التوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح لا لغرض سواه*؛ لأن من ترك رد الوديعة ثم ندم عليه لأن الناس ذموه ، أو لأن الحاكم رد شهادته لم يكن تائبا ، وكذلك لو عزم على رد كل وديعة ، والقيام بكل واجب ، لكي تقبل شهادته ، أو يمدح بالثناء عليه لم يكن تائبا ، وهذا معنى الإخلاص في التوبة ، ثم بين تعالى أنه لا بد له بعد التوبة من إصلاح ما أفسده ، مثلا لو*أفسد على غيره دينه بإيراد شبهة عليه يلزمه إزالة تلك الشبهة ، ثم بين ثالثا أنه بعد ذلك يجب عليه فعل ضد الكتمان ، وهو البيان وهو المراد بقوله : (*وبينوا*)فدلت هذه الآية على أن*التوبة لا تحصل إلا بترك كل ما لا ينبغي وبفعل كل ما ينبغي*، قالت*المعتزلة*:*الآية تدل على أن التوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على البعض لا تصح ؛ لأن قوله : (*وأصلحوا*)*قال أصحابنا : تدل*الآية على أن قبول التوبة غير واجب عقلا ؛ لأنه تعالى ذكر ذلك في معرض المدح والثناء على نفسه ، ولو كان كذلك واجبا لما حسن هذا المدح ، ومعنى : (*أتوب عليهم*)*أقبل توبتهم ، وقبول التوبة يتضمن إزالة عقاب ما تاب منها
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيّها الناسُ كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم فطيَّبْته لكم - مما تُحرِّمونه عَلى أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل وما أشبه ذلك مما لم أحرِّمه عليكم = دون مَا حرَّمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجَّسته من مَيتة ودم ولحم خنـزير وما أهِلّ به لغيري. ودَعوا خُطوات الشيطان - الذي يوبقكم فيهلككم، ويوردكم مَوارد العطب، ويحرّم عليكم أموالكم - فلا تتبعوها ولا تعملوا بها, إنه = يعني بقوله:*" إنه "*إنّ الشيطان, و*" الهاء "*في قوله:*" إنه "*عائدة على الشيطان = لكم أيها الناس*" عدو مُبين "، يعني: أنه قد أبان لكم عَداوته، بإبائه عن السجود لأبيكم، وغُروره إياه حَتى أخرجه من الجنة، واستزله بالخطيئة, وأكل من الشجرة.
يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه، أيها الناس، مع إبانته لكم العداوة, ودعوا ما يأمركم به, والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرَّمته عليكم, دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم وحللتموه، طاعة منكم للشيطان واتباعًا لأمره.
سورة البقرة
وهذا خطاب من الله للذين آمنوا بأن يأكلوا من الطيبات، وقد سبق في الآية 168 خطاب مماثل في الموضوع نفسه؛ ولكن للناس جميعا وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا". وقلنا: إن الحق سبحانه وتعالى ساعة يخاطب الناس جميعا، فهو يلفتهم إلى قضية الإيمان، ولكن حين يخاطب المؤمنين فهو يعطيهم أحكام الإيمان، فالله لا يكلف بحكم إلا من آمن به، أما من لم يؤمن به، فلا يكلفه بأي حكم، لأن الإيمان التزام. ومادمت قد التزمت بأنه إله حكيم؛ فخذ منه أحكام دينك.*
وعدل الله اقتضى ألا يكلف إلا من يؤمن، وهذا على خلاف مألوف البشر، لأن تكليفات القادة من البشر للبشر تكون لمن يرضى بقيادتهم ومن لم يرض، وإذا كان للقائد من البشر قوة، فإنه يستخدمها لإرغام من يوجدون تحت ولايته على تنفيذ ما يقول. وخطاب الله للمؤمنين هنا جاء بقوله: "كلوا من طيبات ما رزقناكم"، ذلك أن المؤمن يتيقن تماما بأن الله هو الخالق وهو الذي يرزق. ويذيل الآية الكريمة بقوله: "واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"، فشكر العبد المؤمن للرب الخالق واجب، مادام العبد المؤمن يختص الله بالعبادة.*