الحرب باتت وشيكة
اثناء زيارة ولي عهد النمسا لصربيا قبل مئة عام أقدم طالب صربي على قتل ولي العهد النمساوي ونتج عن ذلك حرب عالمية أولى وثانية وملايين القتلى وتغير الخارطة الأوربية وسقوط السلالات الحاكمة وسقوط امبراطوريات ونشوء دول عظمى جديدة !!
حرب هزت التاريخ وأحداث جسام قلبت الطاولة الدولية رأسا على عقب بدأت بسبب شاب يافع من صربيا (معظم النار من مستصغر الشرر). طبعا الظروف كانت مهيئة لقيام الحرب ولكن قصة الاغتيال التي ذكرت كانت الشرارة التي أوقدت النيران التي أكلت الأخضر واليابس. ولو لم يولد ذلك الطالب الصربي لوجدت الحرب سببا آخر كي تنشب.
الثورات العربية وما سينتج عنها تذكرني بقصة الحربين العالميتين ولكن بشكل مختلف. محمد البوعزيزي شاب مجهول في مدينة تونسية لايعرفها الكثيرون اسمها مدينة سيدي بوزيد. أقدم هذا الشاب على عملية قتل ولكنه لم يقتل ولي عهد لأحد الدول ولكنه قتل نفسه بإضرامه النار في جسده احتجاجا على سوء الأوضاع في تونس وكل من يقرأ هذا الموضوع الآن يعلم جيدا ما الذي أحدثته قصة البوعزيزي من نتائج غير متوقعة بتاتا من أغلب المراقبين. فلم يتوقع أحدا سقوط أربعة أنظمة عربية تواليا بسرعة رهيبة وتأرجح أنظمة عربية أخرى سيأتيها دورها على طريقة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض). ولو لم يولد البوعزيزي لوجد الاحتقان الشعبي سببا آخر كي ينفجر.
ولكني هنا لا أصنف الثورات العربية كنتائج للسابق ولكن كأسباب للقادم, أسباب لأحداث ضخمة باتت تلوح في الأفق. بمعنى أن الثورات العربية ستتسبب في دخول العالم لمرحلة مفصلية مهمة جدا. (الحرب العالمية الأولى كانت سببا للثورة البلشفية في روسيا ويبدو بأن الثورة العربية ستصبح سببا في نشوب حرب عالمية ثالثة)
الوضع في سوريا تحديدا بات لا يطاق ومنحنى التاريخ بدا وكأنه يتباطأ هناك والأزمة خرجت عن السيطرة كليا ولم يعد الحل موجودا بسبب تصارع القوى العظمى على مصالحها من خلال الملف السوري. روسيا تستميت لحماية آخر أنفاسها في الشرق الأوسط (القاعدة الروسية في ميناء طرطوس) ولمنع أمريكا من بسط هيمنتها على الشرق الأوسط أيضا. وإيران تحاول جاهدة إنقاذ خطة الهلال الشيعي الذي يبدأ منها وينتهي بالبحر الأبيض المتوسط ولمنع الهيمنة الأمريكية كذلك. وحزب الله في لبنان يعمل على إنقاذ مايمكن إنقاذه من الأجندات الإيرانية. وفي المقابل أمريكا وأتباعها الأوربيون يتمنون زوال النظام السوري الحليف لروسيا أحد دول القطب الاقتصادي (البريكس: روسيا,الصين,الهند,البرازيل,جنوب افريقيا) المنافس للغرب الجريح اقتصاديا. كما أن أمريكا تود بناء علاقات وتحالفات مستقبلية مع الأنظمة العربية المتوقعة التي ستستلم السلطة بعد انهيار الأنظمة الحالية ولا يمكن لها تكوين علاقة مميزة مع الحكومة السورية المستقبلية مالم تدعم الثورة لأن ثوار اليوم هم حكومة المستقبل. وذلك ما تبين لها من التجربة المصرية بأن البقاء للشعب مهما كان الحليف قويا (حسني مبارك كان أهم حلفاء أمريكا بالمنطقة) وهي أيضا تتلقى ضغوطات من حلفائها العرب (وأبرزهم دول الخليج) الذين يرغبون بإلحاح بتحرير الشعب السوري والتخلص من النظام السوري الذي سيهدد أمنهم لو فشلت الثورة .و تركيا تدعم الثورة كي تصبح كالأخت الكبرى للعرب السنة بعدما ضعف أملها في الانضمام للاتحاد الأوربي وبدا لها وكأنها تعاني من أزمة هوية. وبين هذه الصراعات التنافسية تتأرجح اسرائيل بين خيارين وهما: دعم النظام السوري لضمان أمنها "وهنا تعارض بين رؤيتها وبين أمها أمريكا, ودعم غير مباشر لعدوتها إيران". أو المشاركة في إسقاطه تمهيدا لضرب المفاعلات النويية في إيران "وهنا تتخوف اسرائيل من حكومة إسلامية سورية جديدة تربك أمنها كما حدث من مصر عندما انتخبت رئيسا من جماعة الإخوان المسلمين (ضربتين بالراس توجع) خصوصا أن اسرائيل تتذكر جيدا بأن سوريا ومصر كانتا أشد العرب عليها في الحرب العربية الاسرائيلية في القرن الماضي". إلا أن اسرائيل لم تمِل لأي من الخيارين السابقين واكتفت بمشاهدة المسرح حاليا واللعب على جزئيات محدودة حسب تطورات الموقف.
ويبدو بأن بوادر الحرب قد بدأت. تركيا حشدت قواتها على الحدود السورية وبريطانيا أنزلت قواتا جوية في جزيرة قبرص المواجهة للساحل السوري وأمريكا صرحت بأنها ستشارك في ضرب سورية إذا قرر حلف النيتو ذلك. وروسيا زرعت ردارات مراقبة متطورة في الأراضي السورية وأرسلت خبراء عسكريين ليدربوا الضباط السوريين عليها. وبوتين زار اسرائيل والتقى نتنياهو ولا أعلم ماطبخوه هناك (يبدو بأن من أسباب الزيارة طمأنة الجانب الاسرائيلي من عدم استخدام الرادرات ضدها خصوصا وأن مداها يصل عمق اسرائيل ,والذب عن إيران في حال حدوث حرب محتملة). وهناك أنباء بأن إيران هددت بضرب المصالح الأمريكية في المنطقة وبعض دول المنطقة تعيش حالة تأهب قصوى حاليا.
وإذا حدث فعلا أن اشتبكت هذه الدول لإنقاذ مصالحها العليا من خلال البوابة السورية فإن ذلك سيحفز الشعوب والجماعات الساخطة على المطالبة بما يريدون (كأن يثور الشيعة في البلاد السنية والعكس) وسيشعل احترابا طائفيا في المنطقة يبلغ ذروته بالعراق. والأهم من ذلك أن تصادم الدول المعنية عسكريا سيقود لحرب شعواء تنزلق فيها مجبرة دول كانت تبدو بعيدة عن الصراع للوهلة الأولى; إما لدعم أصدقائها الذين سيطلبون العون (كأن تدعم باكستان السعودية في حال تصادمها مع إيران), أو لانتهاز فرص تطفو بحينها (كأن تحاول الإمارات استعادة جزرها المحتله مقابل صفقة ما). وربما يتطور الموقف ليصبح مواجهة صريحة بين تحالفين كبيرين; البريكس وإيران من جهة, والولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط وأوروبا في الجهة المقابلة. وذلك يعني نشوب حرب عالمية ثالثة (ستكون وحشية نظرا لتطور الأسلحة ) قد تستغلها اسرائيل لتوسيع رقعتها.
ومضات:
- هناك احتمالات ووأمثلة كثيرة أخرى ولكن المجال لايكفي لذكرها.
-الدور الأبرز سيكون للمؤامرات السرية.
- على الرغم من تطور الإنسان وزيادة وعيه إلا أنه لم ولن يتمكن من التخلص من الحروب لأنها سنن كونية ولكنه جعلها أكثر تعقيدا ووحشية.
- أحيانا يكون الخير في دخول الحرب وليس في تجنبها.
-كل ماذكرته مجرد قراءة شخصية قد يجانبها الصواب.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|