الحائط الزجاجي
التقت نظراتنا في لحظة كسرت قلبي المرهف، ولسان عين مجلجل صاح:
- حبيبتي أغيثيني
بين ذات ممددة على سرير طبي نصفها
ساكن فقد حركته؛ ونصفها الثاني زعزع
السرير ضجة، وذات أذهلها الصمت
الصاخب أجبتها خلف حائط زجاجي
فاصل بيننا:
- صبرا جميلا غاليتي، عما قريب تغادرين جناح الإنعاش إن شاء الله.
كانت تزلقني بعين جاحضة حادة النظر؛
تشتهي فهم حركتها النصف دائرية؛
والتي أُولت بمعنى واحد؛ رغبتها في
مغادرة السرير المتقد.
حضيت بعناية طبية مركزة، لكن حركتها
المكررة شكلت نارا حامية؛ أطفأ لهيبها
توسلها الدامع أمام خرس لسانها وعدم
فهم الآخر لها.
في آخر زيارتي لها صوبت أشد أسلحتها فتكا نحو غبش أعين الحاضرين؛ تمردت
بعد أن هدّتها الحركة وجف ريقها؛
فنزعت بيد نصفها المتحرك بكل ما أوتي
من قوة أنبوب الأدوية المتصل بمنخرها
وأفرغتها في فمها.
هرعت إلى باب الجناح أكسره بطرقات قوية لأنبه المسؤول عن فعل المريضة؛
حضر مشدوها لهول الواقعة المتزامن
مع الاستعداد لإخراجها من جناح الإنعاش بعد أن أجريت لها فحوص
متواصلة تؤكد تحسنا تدريجيا لحالتها
الصحية. فصلت الممرضة كل الأجهزة
المتصلة بذاتها، نقلتها بعد نصف ساعة
إلى غرفة جناح عادي.
بعد أن تمكنت من مباشرة زيارتها؛
لاحظت تكرار ذات الحركة وهي تخبط
يدها بجنبها المشلول، أخرجت الزوار من الغرفة إلا أمها الحاضرة الغائبة؛ الساهمة فيما إذا كانت ستفقد ابنتها الثانية كما فقدت بكرتها في المستشفى.
أزحت الغطاء عنها، قلبتها على جنبها وقد أفزعني هول ما كانت تعاني منه؛ تقرحات فصلت جلدها عن لحمها محدثة ثقوبا بارزة.
بماء الكولونيا ومنشفة طبية نظفت جسمها؛ طببت الالتهاب الذي أرهقها وجعا، ناولتها ماء الحساء بإبرة ضخمة عبر أنبوب التغدية كما أوضحت لي الممرضة.
ارتاحت سمية وهي تشكرني بلغةعينها التي لم يخني تشفيرها إلا في أشد حاجتها إلي، كان طلبها الوحيد هو تغير وضعيتها بالتمدد على جنبها وهوما عبرت عنه بحركة يدها الدائرية، سكن وجعها وهي تغط في نوم عميق واشتعل قلبي ألما لعدم فهم حركتها وراء الفاصل الزجاجي.