ذكرى وفاة أم لا أذكر منها سوى الجنازة.. د.نوال بكيز
ذكرى وفاة أم لا أذكر منها سوى الجنازة...
أكتب إليك أمي من أيام فارغات دون ملامح.
اكتب اليك من عمر طويل بلا قسمات.
اكتب إليك رغم أني لا أذكر دفء حضنك و لا نبرة صوتك و لا ضحكتك و لا يدك تطبطب علي في الليالي العاصفات.
أكتب إليك رغم أنني لا أذكر حتى تلك التفاصيل الصغيرة التي تصنع الأمومة.
كل ما أذكره عنك سوى ذلك اليوم الثقيل.
حيث الصدمة تعلو الوجوه الحائرة.
حيث الجدة 👵 تستفيق لتغيب غير مصدقة.
كانت متلهفة لرؤية فريدتها تحمل وليدها مهللة.
لكنها الآن تستقبل وحيدتها الثلاثينية وجنينها محمولة على الأكتاف المترنحة.
ياله من وجع عميق، يزلزل الجبال الراسية،فكيف بالجدة الحانية.
كانت الجدة 👵 قد أعادت طلاء و فرش المنزل واكملت الاستعدادات بكل حب ❤️ وشغف النساءالشامخات.
حفل العقيقة بات وشيكا وستحضره كل العائلات. ليبصم ذاكرتها اياما متتاليات.
كانت الجدة تستفيق لتغيب غير مستوعبة.
عام بعد عام ولا يزال ذلك اليوم الطويل محفورا في الذاكرة.
يوم وقفت عاجزة و الناس من حولي يقرأون الفاتحة.
و الوجوه مشدوهة تقطر رافة على فتاة صغيرة بالكاد بلغت الرابعة.
أبعدوني عن نعشك أمي وليتهم لم يفعلوا.
لكنت لثمت الجبين و شممت الريح وجلست عند القدمين جاثية.
ابعدوني عن نعشك⚰️ أمي فلم أحسن الوداع.
لازلت أذكر ذلك اليوم الطويل كالدهر.
ونظرات الشفقة كالسهام تقتلني وانا الدمية تتناقلها الأيادي التائهات.
فهذه تعانقني ، و هذه تربت على كتفي وأخرى تحملني بعيدا عن نعش أمي والنساء المهزوزات.
كنت صغيرة على الفقد كبيرة على النسيان.
أي حزن 😥 هذا الذي لاعمر له؟
كم هومؤلم أمي أن لا أحمل لك ذكريات.
كم هو محزن ان أبحث عنك في الصور و الوجوه فلا أجد الا الغياب.
اي وجع هذا الذي لا يفارق؟
وكأن العمر اختصر الأمومة في جنازة بلا نعش و دمعة بلا عين.
و كأن الحياة اختصرت أمي في يوم واحد.
يوم يلاحقني يسكنني كغريب لا يود الرحيل.
كل الصور باهتة، كل الأصوات خافتة.
ففي ذكرى رحيلك أمي لا شيء يضيء سمائي سوى صورة الجنازة.
لكن وجعي لم يفقدني اليقين.
أدعو الله دائما أن يرحمك أمي ويربط على قلبي الصبر و السكينة ويجبر كسري يوماما. بأن يفتح لي بابا من نور يجمعني بك في جنة الفردوس حيث لا فقد يؤلمني و لا فراق يوجعني.
و دمت لي دائما أمي...
الدعاء الذي لا ينسى و الوطن الذي لا يفنى و الثوب الذي لا يبلى...
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|