رسالة إلى غزة، سيدة الوجع-كلمات مُضمخة بالدمع والشظايا-
غزة ،يا سيدة الوجع ، يا غادة الروح!
أكتب إليك .. عنك ، وقلمي يرتجف كجسد طفلة تنتفض بين براثن كابوس أبدي!
ليس بردا ما يُرجفه، بل رعشة الروح وهي تشهد ذبح الضوء، والخوف؟ أجل، هو خوف مقدس، خوف على نبض القلب الذي ما زال يخفق باسم" فلسطين " باسم "غزة".
هذه الكلمات التي أخطها الآن ، ليست مدادا أسود على ورق أبيض، بل هي شظايا زجاج حارق، تتساقط من جرح لا يندمل، تخترق القلب قبل أن تلامس بياض الورق المدنس بالوجع.
آآآآآآه … ياغادة الروح
أين ذهبت شمسك الذهبية، تلك التي كانت تُقبّل جبينك الذي لم ينحنِ إلا لله؟ أين رياحك الشقية، التي كانت تُداعب أشجارك المثمرة،وهي تحمل عبق الياسمين ورائحة البحر؟ بتنا لا نشم سوى رائحة الموت، رائحة خانقة، تزكم أنف الشرفاء الصامدين وتخنق أنفاسهم هناك تحت الرماد.
يا صغيرة العالم المدللة، يا "غزة" التي عشقها الكل ، يا قصة عشق مغتصبة بوحشية، كيف تحولت بغتة إلى حلبة صراع عبثي، إلى مسرحٍ لجريمةٍ لا تغتفر؟
كيف استحال صوت بَحْرِكِ الأزرق الهادئ إلى هديرٍ مرعب، إلى أنينٍ مكتوم يرتفع من تحت الأنقاض؟ أي منطقٍ أعمى هذا، أي شرّ مُتجسد، يُبيح سفك دمائك الزكية على مذبح الحقد الأعمى، على مذبح بُني من جماجم الأطفال؟
أنا هنا، يا غادة الروح القريبة ..البعيدة، أقف على حافة الاختناق ، أتأرجح بين الصدمة والغضب، أراقب صورتك الباهتة، المهزوزة، على شاشة الأخبار الكاذبة، وقلبي يتمزق ألف قطعة مع كل خبرٍ عاجل، مع كل اسم جديد ينضم إلى قافلة الشهداء، مع كل صرخة جريحٍ تُبتر أطرافه. أحاول عبثاً أن أتخيل حجم الألم الذي يعتصر قلبك الصغير، لكن خيالي المحدود يعجز عن استيعاب هول الفاجعة، عن استيعاب هذا الثقب الأسود الذي ابتلع طفولتك وأحلامك.
يا "غزة"، يا رمز العناد الجميل، يا أيقونة الصمود الأسطوري، لا تدعي ليل اليأس السرمدي يسرق بريق عينيكِ، تلك العينين اللتين تحملان في سوادهما حكايات ألف ليلة وليلة من الكبرياء. تذكري، يا حبيبتي، أن في ترابكِ المقدس دُفنت أسرار الحضارات، وأن في سمائكِ الزرقاء حلقت أحلام الأجيال المتعاقبة. تذكري أن الحق لا يموت، قد يتوارى خلف غيوم الظلم، لكنه حتمًا سيشرق من جديد. وأن الظلم، مهما طال ليله، سينكسر على صخرة صمودك الأسطوري، على إرادتكِ التي لا تُقهر.
يا "غزة"، يا وجعنا الأزلي، يا قصيدة لم تُكتب بعد، يا دمعة مالحة تحرق الوجنات ، اصبري! فربما، وكم هي بعيدة هذه "ربما" في هذا الزمن الرديء، يأتي يومٌ تُشرق فيه شمس العدل، وتُزهر فيه براعم الحرية على أرضكِ المروية بدماء الأبرياء ، أنت حاضرة معنا وفي دعائنا ، في همساتنا المكتومة، في صرخاتنا الصامتة…وها نحن نؤمن إيمانا قويا ، رغم كل هذا الخراب، بأنك أقوى من كل قنابلهم وأحقادهم، وأن روحكِ عصية على الانكسار.
يا غزة الروح، يا جرحًا أسود يوشم ذاكرة الإنسانية العرجاء!
أما من صدى لصرختك الممزقة في هذا العدم الكوني الصامت؟
أما من أذن تصغي لأنينك الخافت في هذا الليل السرمدي الكالح؟
"أنقذوا غزة"...
ألا يلسع هذه الاستغاثة ضمائركم المتخثرة قبل أن يتحول صمتنا إلى قبر جماعي يدفن فيه ما تبقى من إنسانيتنا الزائفة؟
أين دموعكم أيها المتفرجون، قبل أن تجف منابعها وتتحول أعينكم إلى حجارة صماء؟
"أنقذوا غزة"... أما تشهدون كرامة الإنسان تُذبح على مذبح عنفكم الأعمى؟
أما تحسون بضمير العالم يحتضر تحت وطأة قصفكم المتوحش؟
إلى متى هذا الصمت المخجل، هذا التواطؤ البارد؟
إلى متى ؟ إلى متى ؟…
التوقيع : بقلم جريح يشهد احتضار الضمائر ...