رد: على بساط البلاغة
بعض الوجوه التي يتجلى فيها هذا التغير، وكأنها درر منثورة على بساط البلاغة:
• التقديم والتأخير: فكم من كلمةٍ قُدِّمت فأعلت شأن ما قُدِّمت له، وكم من كلمةٍ أُخِّرت فأضافت رونقا للمعنى، فكأنها جوهرة وضعت في عقدٍ فتألقت. ألا ترى كيف يختلف "محمدٌ جاء" عن "جاء محمدٌ" في وقعها ومرادها، ففي الأولى اهتمامٌ بالمجيء وفاعله، وفي الثانية اهتمامٌ بالمجيء ذاته.
• العدول عن الأسلوب المباشر إلى غيره: وهذا بابٌ واسعٌ كالبحر، فمرةً تستخدم الاستعارة لتلبس المعنى ثوباً من الخيال، ومرةً تستخدم الكناية لتلمح إلى الشيء دون التصريح به، ومرةً تستخدم المجاز المرسل لتنقل المعنى من حقيقته إلى ما يلازمه، كل ذلك ليزيد اللفظ بهاءً، والمعنى خفاءً وجمالاً. فبدل أن تقول "فلانٌ بخيل"، قل: "يده مغلولةٌ إلى عنقه"، أو "كفه لا تجود إلا بالصبر"، أليس في هذا من الحسن ما يأسر الألباب؟
• الإيجاز والإطناب: فليس كل زيادةٍ إطناباً مذموما، وليس كلّ اختصار إيجازا محمودا. فرب إيجازٍ يخل بالمعنى، ورب إطناب يزيد الفكرة وضوحا وبيانا. فلك أن تطنب لتقرير فكرةٍ، ولك أن توجز لتكثيف معنى، وذلك بحسب المقام والسامع، فلكل فنٍّ ميدانه، ولكل بلاغةٍ ميزانها.
|