![]() |
أحلام الفارس القديم / صلاح عبد الصبور
أحلام الفارس القديم لو أننا كنّا كغُصنيْ شجره الشمسُ أرضعتْ عروقَنامعا والفجرُ روّانا ندىً معا ثم اصطبغنا خضرةً مزدهره حين استطلنافاعتنقنا أذرُعا وفي الربيع نكتسي ثيابَنا الملوّنه وفي الخريف، نخلعُالثيابَ، نعرى بدَنَا ونستحمُّ في الشتا، يدفئنا حُنوُّنا! لو أننا كنابشطّ البحر موجتينْ صُفِّيتا من الرمال والمحارْ تُوّجتا سبيكةً من النهاروالزبدْ أَسلمتا العِنانَ للتيّارْ يدفعُنا من مهدنا للحْدِنا معا فيمشيةٍ راقصةٍ مدندنه تشربُنا سحابةٌ رقيقه تذوب تحت ثغر شمسٍ حلوةرفيقه ثم نعودُ موجتين توأمينْ أسلمتا العنان للتيّارْ في دورة إلىالأبدْ من البحار للسماءْ من السماء للبحارْ ! لو أننا كنا بخَيْمتينجارتينْ من شرفةٍ واحدةٍ مطلعُنا في غيمةٍ واحدةٍ مضجعُنا نضيء للعشّاقوحدهم وللمسافرينْ نحو ديارِ العشقِ والمحبّه وللحزانى الساهرين الحافظينمَوثقَالأحبّه وحين يأفلُ الزمانُ يا حبيبتي يدركُنا الأفولْ وينطفيغرامُنا الطويل بانطفائنا يبعثنا الإلهُ في مسارب الجِنان دُرّتينْ بين حصىًكثيرْ وقد يرانا مَلَكٌ إذ يعبر السبيلْ فينحني، حين نشدّ عينَهُ إلىصفائنا يلقطنا، يمسحنا في ريشه، يعجبُه بريقُنا يرشقنا في المفرق الطهورْ ! لو أننا كنّا جناحيْ نورسٍ رقيقْ وناعمٍ، لا يبرحُ المضيقْ مُحلّقٍعلى ذؤابات السُّفنْ يبشّر الملاحَ بالوصولْ ويوقظ الحنينَ للأحبابوالوطنْ منقاره يقتاتُ بالنسيمْ ويرتوي من عَرَقِ الغيومْ وحينما يُجنّليلُ البحرِ يطوينا معاً.. معا ثم ينام فوق قِلْعِ مركبٍ قديمْ يؤانسالبحّارةَ الذين أُرهقوا بغربة الديارْ ويؤنسون خوفَهُ وحيرتهْ بالشدوِوالأشعارْ والنفخ في المزمارْ ! لو أننا لو أننا لو أننا، وآهِ منقسوةِ «لو» يا فتنتي، إذا افتتحنا بالـمُنى كلامَنا لكنّنا.. وآهِ منقسوتها «لكننا»! لأنها تقول في حروفها الملفوفةِ المشتبكه بأننا نُنكرُ ماخلّفتِ الأيامُ في نفوسنا نودُّ لو نخلعهُ نودُّ لو ننساه نودّ لو نُعيدهلرحمِ الحياه لكنني يا فتنتي مُجرِّبٌ قعيدْ على رصيف عالمٍ يموج بالتخليطِوالقِمامه كونٍ خلا من الوَسامه أكسبني التعتيمَ والجهامه حين سقطتُ فوقهفي مطلع الصِّبا قد كنتُ في ما فات من أيّامْ يا فتنتي محارباً صلباً،وفارساً هُمامْ من قبل أن تدوس في فؤاديَ الأقدامْ من قبل أن تجلدني الشموسُوالصقيعْ لكي تُذلَّ كبريائيَ الرفيعْ كنتُ أعيش في ربيع خالدٍ، أيَّربيعْ وكنتُ إنْ بكيتُ هزّني البكاءْ وكنتُ عندما أحسُّ بالرثاءْ للبؤساءالضعفاءْ أودُّ لو أطعمتُهم من قلبيَ الوجيعْ وكنتُ عندما أرى المحيَّرينالضائعينْ التائهينَ في الظلامْ أودُّ لو يُحرقني ضياعُهم، أودُّ لوأُضيءْ وكنتُ إنْ ضحكتُ صافياً، كأنني غديرْ يفترُّ عن ظلّ النجومِ وجههُالوضيءْ ماذا جرى للفارس الهمامْ؟ انخلع القلبُ، وولَّى هارباً بلازِمامْ وانكسرتْ قوادمُ الأحلامْ يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الدمعةِالبريئه! يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الضحكةِ البريئه! لكَ السلامْ لكَالسلامْ أُعطيكَ ما أعطتنيَ الدنيا من التجريب والمهاره لقاءَ يومٍ واحدٍ منالبكاره لا، ليس غيرَ «أنتِ» من يُعيدُني للفارسِ القديمْ دونَ ثمنْ دونحسابِ الربحِ والخساره صافيةً أراكِ يا حبيبتي كأنما كبرتِ خارجَالزمنْ وحينما التقينا يا حبيبتي أيقنتُ أننا مفترقانْ وأنني سوف أظلُّواقفاً بلا مكانْ لو لم يُعدني حبُّكِ الرقيقُ للطهاره فنعرفُ الحبَّ كغصنيْشجره كنجمتين جارتينْ كموجتين توأمينْ مثل جناحَيْ نورسٍ رقيقْ عندئذٍلا نفترقْ يضمُّنا معاً طريقْ يضمّنا معاً طريقْ . **** |
الساعة الآن 06 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية