![]() |
رفيقة العمر الأخيرة ...
"ستتعبين ياحبيبتي ستتعبين" كتم العبارة في صدره وشفتاه تغادران جبينها الناعم.
بقي يتأملها وهي مستسلمة لرحلة منام جديدة؛ كل شيء فيها كان يظل حيا حين تنام عدا بريق عينيها الذي يأفل مع إغلاقهما. عيناها فيهما غموض يغريه بالإستكشاف والمغامرة وتناديانه للتطلع إليهما باستمرار. كان يتخيلها صاحية في أحلامها كالجنيات تمشي ليلا وهالات من الضوء من حولها. تذكر أن أمامه عملا عليه أن يتمه وأن التزامات كثيرة تطارده وأن وقته رفيق ليس من فئة سانشو بانزا يسعفه وأوهامه بطاعة ودون تردد. قام وهو ينزع عن يده خصلة شعرها التي شدته إليها كخيط رفيع يشاء أن يربطهما معا. وقف في غرفة مكتبه ينظر إلى أوراقه المبعثرة كالعادة حتى دون ترقيم، لم يكن عسيرا عليه التعرف على ترتيبها؛ كلماتها مفاتيح تذكره بأفكاره وبالإيحاءات التي جاءت بها إلى عالمه فتضع كل ورقة في مكانها الصحيح. آخر سطر كتبه كان في الفصل الرابع هناك حيث تنتظر البطلة الشقراء مكالمة من سفارة أجنبية؛ توقف أمام المشهد يتخيله ويحاول إتمامه لولا أن استغرابه من نفسه أعاقه عن المواصلة. كان يواجه ذاته بسؤال غريب: ما الذي جعله يختارها شقراء في هذه الرواية؟ الحقيقة أن الشقراوات لم تلهمنه يوما وأنه لم يجد أية فتنة في مارلين مونر ولا في شبيهاتها المتباهيات بالشعور الذهبية. لماذا جعل البطلة شقراء؟ ألتنسجم مع الأحداث أم مع البيئة أم ماذا؟؟ انتشلته أجندته المفتوحة بتلقائية من تساؤلاته وهي تغص بالمواعيد ليومين متتالين. تذكر الصحفية اللحوحة التي عليه أن يقابلها ونظراتها وردود أفعالها التي تفضح إعجابها به ووجه سكرتيرته الذي لاتتحكم في تعابيره حين يمدحها ولو بكلمات قليلة وابنة زميله التي تتحجج بزيارة والدها، وتؤلف كل مرة أكذوبة جديدة للدخول إلى مكتبه ومحادثته.. تنهد وكأن ما تذكره ثقل يريد أن يخرجه مع زفراته. صادفت تنهيدته وجهها يقترب منه مبللا بالدموع؛ لم يعرف ما الذي أيقظها وما الذي يبكيها. قالت: "أخاف من الليل حين تبتعد." وضحك من اعترافها الطفولي المجنون ثم جرب أن يشرح لها ضرورة إكماله للفصل الرابع قال:الشقراء المسكينة لازالت تنتظر المكالمة، لكنها إقتربت منه تبكي على صدره فما كان منه إلا مرافقتها لتحط في السرير بأمان. أيقظته رائحة قهوتها بنكهة الكاكاو والفانيلا، اكتشف أنه لم يقم بعد أن نامت مجددا، بل لا يدري من نام قبل الآخر، تذكر الفصل الرابع والبطلة الشقراء فابتسم متمتما: من أجل رفيقة العمر الأخيرة ستموت الشقراء، لتمت الشقراء! قالها وصوتها يتسلل إلى أذنه آتيا من مكان القهوة متعاليا، موازيا لشدو آماليا رودرغيز. Nassira |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
لا اتمالك اعجابي بملكة السرد الجمي لديك اختي نصيرة..
قصة رائعة.. اسعدتني قراءتها.. دمت مبدعة دوما.. هلا |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
أرتشف الآن القهوة ( موكا ) بنكهة الكاكاو والفانيلا واستمتع بقراءة قصتك وقدأعجبني طريقة سرد القصة أستاذة نصيرة كعادتك تكتبين فتبدعين أتمنى لك دوام دوام التألق في دنيا الإبداع دمت بخير |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
العزيزة الأستاذة هلا أسعدني مرورك و شهادتك أعتز بها حقا.
دمت و سلمت ومتمنياتي لك بالتوفيق |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
العزيزة الأستاذة ناهد منار هذه المنتديات يسرني أن تتركي بصمتك هنا و أن يرافق نصي رشفات قهوتك الدافئة.
دمت بكل الخير |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
الأديبة نصيرة
العلاقة الأبدية بين الجنسين صعبى ومعقّدة لكنها ذات الوقت جميلة. الشقراء تذوب تبتعد عندما تأتي رائحة القهوة من يد النصف الآخر صباحاً. ويبقى العزاء لخيال الكاتب والمبدع. نصّ يتراوح ما بين الصفاء والأنانية جذبني. قراءتك ممتعة. محبتي |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
أشكر مرورك أستاذ خيري وصعوبة العلاقة الأبدية بين الجنسين حقيقة لا مفر منها فنفسية الشخص الواحد كثيرة التعقيد فما بالك بشخصين من جنسين مختلفان يجتمعان لسنين طويلة.
يسعدني استمتاعك بنصي . لك مني أجمل تحية ودمت بخير |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
أعتبر موت الشقراء عربون المحبة و قربانا للحب الأبدي لتلك التي :" صادفت تنهيدته وجهها يقترب منه مبللا بالدموع؛ لم يعرف ما الذي أيقظها وما الذي يبكيها." وهذا في رأيي بداية لتأنيب الضمير الممزق بين حبه الذي لا يريد فقده ويتشبث بخيط رفيع به وبين بطلته الشقراء التي تنتظر مكالمة .."
"قام وهو ينزع عن يده خصلة شعرها التي شدته إليها كخيط رفيع يشاء أن يربطهما معا." هي هكذا .. سنون العشرة ، تؤلف بين قلبين حتى يصير الفراق مستحيلا . أختي نصيرة .. تعمدت أن أتأخر في التعليق حتى أعطي لنفسي فسحة للتأمل .. فسحة تسمح لنا بها نصوصك لنستمتع ، وربما لنتفلسف قليلا . دمت مبدعة |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
غاليتي نصيرة
لا أخفيك أني ظننتك تتكلمين عن طفلته .. ابنته .. كان هذا الشعور ينتابني حتى آخر لحظة وحتى آخر سطر بالرغم من أن العنوان رفيقة العمر ولكن ليس بالضرورة ان يكون رفيق العمر هو الزوج وبالرغم من أنني وصلت إلى ما ترمين إليه بشكل واضح لكنني ما زلت أرى في هذا السرد الجميل ما يخص طفلته .. ابنته وليست رفيقة عمره .. زوجته .. ولكن مع قراءة أخرى يجوز هذا بالنهاية السرد رائع ونصيرة كل يوم تتألق وقلمها ينضج ويكبر أكثر رائعة .. بل أكثر ..:7_2_211: |
رد: رفيقة العمر الأخيرة ...
أستاذ رشيد أعلم أنك تحب تأمل النصوص مليا قبل التعليق و هذا أمر إيجابي ومحمود طبعا.
بخصوص الشقراء مع أنها بطلة روايته أي شخصية خيالية إلا أنها قد ترمز لأشياء أخرى فأنت قرأت التضحية بها تقر ب أكثر من رفيقة العمر وهذاصحيح ... وضعت مجموعة من الرموز في النص لتجعله مفتوحا على تكهنات عدة. تقول:سنون العشرة ، تؤلف بين قلبين حتى يصير الفراق مستحيلا وسأقول إن العشرة تخلق تاريخا مشتركا يصعب إسقاطه بسهولة. تحياتي وعميق تقديري. |
الساعة الآن 45 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية