منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=15561)

فاطمة يوسف عبد الرحيم 28 / 05 / 2010 50 : 01 PM

"محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
محرقة كاتب

دوامة التفكير تحلق بي في عوالم بعيدة عن حاضري ،رنين الهاتف يعيدني إلى واقعي ،حملته متثاقلا: ألو...: معك المدير المسؤول عن مستودعات دار النشر نبلغك قرار الدار، نرجو سحب جميع نسخ رواياتك بأسرع وقت ممكن ، لأنه لا يوجد متسع لها في المستودعات ويمكنك توزيعها بمعرفتك، شكرا لإصغائكم.
لم يعطني فرصة للاستفسار، ماذا أفعل!! إنها مشكلة عشر روايات دفعت ثمن طباعتها من ضروريات حياتي ولم أبع منها إلا القليل القليل، أين أضعها كيف أتصرف بها بالكاد المكتب يتسع لما فيه من كتب، بينما أنا شارد الذهن، طرق ابني البكر الباب ودخل :السلام عليكم ،أبي أريد منك طلبا .
: اطلب ما تشاء، لكن لا تتطلب مالا.
:لا أريد مالا بل أريد غرفة مكتبك هذه، لتكون بيت الزوجية لأني أريد أن أتزوج .
: ماذا تقول يا ولد !!!
: لستُ ولدا يا أبي،عمري خمس وعشرون سنة، أنا رجل يا أبي، الزمن مرّ عليك وأنت بين شخوصك الوهمية ومؤلفاتك وأوراقك وكتبك، ولم تدرك أن ابنك صار رجلا ،رفعت يدي وصفعته على وجهه :اخرس يا ولد، أتريدني أن أتخلى عن صومعتي الأدبية والفكرية من أجل أن تتزوج، أنت ولد جاهل... ، انصرف من أمامي، أقبلت أمّه وراءه تسانده :متى سنرتاح من كتبك والله لو كان لي ضرتان أهون عليّ من كتبك وأوراقك قد نجد متعة في الصراع عليك، لكنك موجود وغير موجود.
: اغربي عن وجهي الآن أنت وأولادك، أتريدين كنّة لمقارعتها!
وكأن الصفعة التي هويت بها على وجهه وأغرقت الدمع في عينيه أعادت إليّ لحظات عمري الذي مرّ، كأن زلزالا أعاد إليّ كينونتي التي تاهت مني، ماذا فعلت ؟ ثلاثون عاما وأنا ألهث وراء الشهرة والأدب، حلمي أن أكون كاتبا معروفا مثل طه حسين، نجيب محفوظ أو أو...، لكني مازلت في مكاني، اقتطعت من قوت أولادي حتى أطبع رواياتي على نفقتي، ولفتني أوهام الكبر فلم ألبِ نداء أهلي أو جيراني بجحة أني أنا الكاتب المبدع وهم الجهلة الذين لا يفقهون شيئا، وتقوقعت في صومعتي أحاور أصدقائي الأدباء أجادلهم في أفكارهم أؤيدهم أو أخالفهم أحايينا، أنشغل شهورا وأنا ابحث عن اسم لروايتي،أكثر من مرّة أعيد صياغة روايتي لأن فلانا من الأدباء نجحت روايته لأن السارد كان في صيغة "الأنا" وليس ال"هو"، ليتني بنيت رجالا، أبنائي الذين كبروا أمامي ولم أشعر بوجودهم،ولا همّ لي إلا شخوص رواياتي.
انتسبت إلى اتحاد الأدباء، أتعرّف على المشهور منهم أصافحه ويقيني أنه يخاف أن استلب نذرا من شهرته، أجامل هذا وأحاور ذاك وندخل في نقاشات عقيمة في رحى الأدب ولا ينالني منهم سوى غبار الطحن، يجتمعون ويبدأ الغمز واللمز وثرثرات في الزوايا وفوق الطاولات لا معنى لها.
فلان عبقت شهرته الآفاق في كتابه عن معاناة شعب وهو يعيش في قصره،ولم يزرهذا البلد ولو مرة واحدة في حياته، لا أدري كيف يكون هذا؟ وهذه تتلون في معانيها والكلّ يعدّ أقوالها وصايا لقمان، وذاك إذا عطس يعدون رذاذ عطاسه من جوامع الكلم، وتلك تخدش حياء المجتمع حين تكتب سفيه الكلام وتستعرض غرامياتها مع رجال الساسة بحجة الدفاع عن قضايا الوطن ويعتبرون الإبداع ما كتبت، وهذا يكتب عن الغرائبية وبالكاد تفهم ما يريد أن يقول. وذاك يقتنص من فقرات التاريخ من هنا وهناك ليؤلف تاريخا جديدا، ولا يكلف نفسه صياغة جملة واحدة ويزج بكتابه إلى المغمورين من الكتاب ويعدهم بطباعة مؤلفاتهم على نفقة المديرية العامة لأن وساطته فعّالة فيها.
الشعراء كتيباتهم تضاهي في العدد" ألبومات" المطربين ولكن الغناء مكتسح الآذان والكتيبات في أغلفتها لا تقرأ، قد يكون هناك شاعر تصطف معه الكلمات بلا رابط ولا معنى ولاصورة فنية أوإيقاع شعريّ يدخلك في عالم من الطلاسم أو التفاهات، وهناك شاعر يستلب منك اللّب يوجعك بنداءاته ويوقظ فيك بقايا وجد بصدق مشاعره، ويأخذك إلى عوالم سرمدية براقة من التفاعل الإنساني.
حاولت تقديم رواياتي لتطبع على نفقة المديرية العامّة فترفض، أقول لهم: ما سبب الرفض ،يردّون عليّ: نأسف لاتصلح للنشر، وأسأل لم ؟ لأ ن الجملة الفعلية في الصفحة الستين يجب أن تكون جملة إسمية، ولآنك ذكرت كلمة مؤامرة هنا، أقول لهم :أزيلوا كل المؤامرات، نحن نعيش عالما ورديا :لا يمكن القرار صدر، أهي مافيا الأدب؟ رأيهم أن كتاباتي تقليدية تعاني داء الواقعية، وهل الكتابة وجدت إلا لتطفىء سلوكا سلبيا وتعزز آخر ايجابيا ، وتبني قيمة أخلاقية وتتابع إصلاح أمراض المجتمع وتغوص عمق الواقعية، وهل الكتابة المبدعة أن أقرأ عملا أدوخ فيه لأيام ثم لا أفهم الفلسفة التي يريد أن يقولها؟ وأكون أنا الغبي وهو العظيم، رأيي أن الأدب مثل تقليعات الموضة كلّ يقرأ ما يناسب رؤاه وهواه ؟ يقال أننا أمّة لا تقرأ وإن قرأت لا تقرأ ثري الفكر بل أكثر الكتب قراءة كتب الأحاجي وتفسير الأحلام والطبخ والأبراج ، ماذا لو وسعوا كتاب الله تفسيرا وبيانا؟
صحوت صحوة أهل الكهف، في الصباح نزلت إلى الحديقة وناديت أولادي وقلت لهم : أحضروا أكبر برميل إلى الحديقة وتناوبوا في حمل الكتب تباعا وبدأت المحرقة ورأيت ألق الفرح في عيونهم من خلال بريق اللّهب وكأن أباهم عاد لتوه من غربته الفكريّة إلى عالمهم، سألتني زوجتي لم حرقتها قلت :أحرقها في حياتي ويسامحونني، لأتهم سوف يحرقونها بعد مماتي، وقد لا يترحمون عليّ، فأولادي مثل كلّّ هذا الجيل لا يرغبون بالقراءة، أخذت النيران تلتهم مؤلفاتي ومؤلفات غيري من الذين أحبهم مثل جبرا وغسان وماركيز وكافكا وو...وكثير ممن أبهرتني إبداعاتهم.
قد يأتي يوم يكون التواصل الفكري بين قاريء وكاتب حقيقة وليس وهما ، ولا نكون كلّ يغني على ليلاه ، ،ولم أدرِ أحرقت واقعا مؤلما أم حرقت أحلاما لم أنلها؟ وأخذتني الأفكار للمقارنة بين محرقة" ابن رشد " ومحرقتي حين حُرقت كتبُه لأن فكره مرفوضا، وكيف وصلنا لدرجة من القهر أن نحرق مداد فكرنا بأيدينا إما بالاحتراق الحقيقي أو بالإهمال لكل فكر وثقافة والاهتمام بالتوافه، والاحتراق الرهيب حين نتخلى عن ثقافتنا وندخل عالم العولمة ونتجاهل أعظم ثقافة عربية إسلامية بحجة التمدن والتحضر والرقي.
عند انتهاء المحرقة قلت لولدي : خذ لي موعدا مع أهل من تحب لأخطبها لك، وغرفة مكتبي لك ولعروسك، ضع فيها ما ترغب من الأثاث وأبدأ حياة جديدة وبارك الله في بيت ينشأ منه بيتا جديدا ، وغمرت الفرحة زوجي إذ حرّقتُ شرَّ أعدائها، و لم أر فيها إلا مربية للأولاد وقائمة على شؤون المنزل وقلت لأصغرهم:الحاسوب لك أنزل ما تشاء عليه من ألعاب، رن الهاتف ثانية: متى ستأتي لأخذ رواياتك يا أيها الروائي: بعها لأول بائع ترمس أو تصدق بها عليه أواحرقها، نحن أمّة كتابها بالآلاف وقراؤها بالمئات،وحملت قلمي ليكون آخر المحترقين لكن ولدي الأصغر قال: لا يا أبي ،نحن أمّة "اقرأ" سيأتي يوم على أمتنا تعيد فيه مجدها الذهبي حين نجد من يكتب فكرا قيما ليُقرأ ويُفهم ولنعيد بناء حضارة عربية إسلامية متوائمة مع متطلبات العصر.

عبد الحافظ بخيت متولى 28 / 05 / 2010 56 : 03 PM

رد: "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
القاصة الجميلة فاطمة
هناك مثل انجليزى يقول " شكسبير لا يساوى رغيف عيش" وهذا ليس معناه الحط من قيمة شكسبير الادبية بل معناه اذا توقف عند الامر عند الطعام او القراءة فالطعام اولى , ولقد ذكرتنى قصتك هذه بالمثل الانجليزى هذا من خلال رؤيتى لبطلك المأزوم ازمة وجودية هذا البطل الذى رغب فى ان يحقق شهرة على حساب حياته وحياة الاخرين المتعلقين به ورغم اصراره اتسعت رؤيته ليكون رغيف العيش اولى من الادب والفكر وليس معنى هذا ان الفكر او الادب او الثقافة نوع من الترف لان الفكر والثقافة والادب هم المدخل الحقيقى للتطوير والتقدم لكن معناه ان يقيم الانسان توازنا بين حياته وما يحقق من تقدم فكرى وثقافى هذه هى الازمة التراجيدية التى حاصرت بطل القصة
كما ان مهارة القاصة لا تكمن فى انها استعرضت الحياة الادبية العربية كعين الكاميرا وترصد مثالبها وترفع عن عيوننا نحن غشاوة منعتان من الرؤية الحقيقية لها الواقع المملوء بالهرطقات والمغالطات الفكرية والادبية الى حد " النصب" احيانا فى العملية الادبية مهارى القاصة لا تكمن هنا فقط بل مهارتها ايضا تفوقت فى التكنيك الفنى لبناء القصة الذى تناص مع الشعر والقرآن ففى قولها :"ماذا لو وسعوا كتاب الله تفسيرا وبيانا تناص مع قول حافظ براهيم فى اللغة العربية
وسعت كتاب الله تفسيرا وعلما *** وما ضقت عن أى به وعظات
وتناصت مع القرآن فى قصة اهل الهكف وقوله تعالى " اقرا باسم ربك الذى خلق"
وهذا التناص صنع ما يسمى بالتوالد النصى الذى يدعم المعنى الكلى للقصة ويدفع الخطاب السردى الى التوهج وكانت نهاية القصة بمثابة الصحوة والافاقة للتخلص من اوضاع قاتلة تحتاج الى توافيق وتباديل كى نسترد الحياة الحقة التى تصنع ادبا وفكرا وفق منهج يدفع بنا الى المثاقفة والفكر الى يبلور هويتنا الحقيقية ويجعلنا نتنفس برئتنا العربية ادبا عربيا خالصا لا نتنفس برئات غيرنا هواء فاسدا لابد ان يصيبنا بالسرطان
تحية جليلة اليك ايتها القاصة الرائعة الجميلة وفى انتظار المزيد

فاطمة يوسف عبد الرحيم 29 / 05 / 2010 58 : 09 PM

رد: "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
الأخ الكريم الأديب عبد الحافظ
تحية وبعد
يسرني جدا اهتمامك بما أكتب ورؤيتك الموضوعية للنص ، وقصة "البطل المأزوم " استقيتها من الواقع الذي يعاني منه الكثير من المثقفين والذي يعتقدون أن الأزمة هي أزمة كاتب وناشر وقاريء وأن هناك أدباء يحققون الشهرة ليس لأن ما يكتبون هو الأفضل بل هي قضية مقدرة على التسويق والإعلان
ومرة أخرى أشكر اهتمامك ونقدك المبني على منهج علمي واضح
شكرا لك أختكم
فاطمة

نعيم الأسيوطي 21 / 08 / 2010 44 : 01 AM

رد: "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
شكرا على تواجدكم

مودتي وتقدير

أحمد الجنديل 28 / 08 / 2010 51 : 05 PM

رد: "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
الاديبة فاطمة يوسف عبد الرحيم
تحية طيبة
جميل قلمك سيدتي
المضمون تم التقاطه بعناية فهو يشكل ظاهرة في مجتمعنا .
مبروك للبطل زواج ابنه بعد أن أحرق رأسه في أ كبر برميل .
لك فائق احترامي وتقديري .

فاطمة يوسف عبد الرحيم 09 / 09 / 2010 32 : 01 PM

رد: "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
الأديب نعيم الأسيوطي
كم يسرني متابعتك لما أكتب ،فأنا أعتز برأيك وأشكر لك هذا الاهتمام
فاطمة يوسف

فاطمة يوسف عبد الرحيم 09 / 09 / 2010 35 : 01 PM

رد: "محرقة كاتب" قصة قصيرة /تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
الأستاذ أحمد الجنديل
أشكر لك هذه المتابعة قد يكون بطلي أحرق فكره لكنه عن قناعة أنه كسب أسرة
فاطمة يوسف


الساعة الآن 18 : 01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية