![]() |
((( ... الهاجس الإبداعي ... )))
يوم الجمعة : 13 رمضان 1427 الموافق لـ 06/10/2006 الهَـــــاجس الإبداعي سُؤالٌ لطالما يطرحُ نفسهُ فارضًا ذاتهُ بقوةٍ وإلحاحٍ لا ينقطع ُ باحثًا عنِ الحقيقة الشّعورية في ذواتنا المُبدعة , إذ تعتبرُ هذه الحقيةالشعورية قاسما مشتركًا بين كل المُبدعين وجوهرا أصيلاً لكل ذاتٍ مُبدعةٍ وإنما الاختلافُ في العملية الإبداعية التي تسكبُ هذه الحقيقة في قوالبَ شعورية مختلفةٍ ( نص شعريّ , نص روائيٌ , نص قصصّي , نص مسرحيّ , خاطرة , لوحة تشكيلية ,) وهلم جرا من أنواع التشكيل المختلفةِ , سؤال يعيشهُ كلُ مُبدعٍ في سيرورة العملية الإبداعية الفطرية سؤالٌ يشكلُ جوهرنا المُبدعَ ويحركهُ , فيا ترى مـــَا الهاجسُ الإبداعيّ ؟ ومـَـا مكوناته ؟ وما الآلياتُ التي تحكمهُ ؟ وما العوامل المؤثرة فيه ؟ إنّه تلك الطاقة المحركة الداخليةُ للذّات الإبداعية الفطرية المبثوثةِ في ذواتنا أصلا وخلقةً وأيضًا هو مجموعة المنبهاتِ التي نكتسبهَا بالتجريبِ والممارسة أي تلكَ الطاقة الخارجية المُحركة للطاقة الداخلية التي تزودهَا وتشحنهَا شحنًا شعُوريّا حتى تتواصل حركية العملية الإبداعية بغض النظرِ عن القوالب الشعورية التي تفرزها العملية الإبداعية إذ يمكنُ حصرُ مكوناتِ الهاجس الإبداعي في ثنائيةِ (الفِطْرِيّ الداخليّ , والمكتسب الخارجيّ ) فالمكونات الداخلية فطرية مرتبطة بإفرازات العملية النفسية المتأرجحة بين المكونات الشّخصية البسيطة والمركبة للمبدعِ إذ تعكسُ هذه الأخيرةُ شخصية المبدع وسلوكه الإبداعي تجاه حدث إبداعيّ معين مختصرة في المحركات الداخيلةِ التي تجعلهُ يتفاعلُ مع الحدث الإبداعيّ إذ تنبعُ عملياتُ التفاعل الداخليّ تلكَ من عمق الذات المبدعة دافعةً إياهَا للخلقِ والإبداع والإبتكار بغضِ النظرِ عن مهارةِ المُبدعِ في إخراجِ العمل الإبداعيّ إذ يمكن تسميةُ المحركات الدافعة بالدافعية الإبداعية التي تحققُ ذات المُبدعِ من خلال العمل الإبداعي المقدم . والمكونات المكتسبةُ خارجيةٌ تبتدئُ بالإنفعالِ تجاه حدثٍ معينٍ يمكنُ حصره في مجموعةٍ من المنبهات الخارجيةِ الدافعةِ والمحركةِ وتيرة َ المكوناتِ الفطريةِ الداخليةِ المغذيةِ بدفعها الخارجي المنبهِ المشحونِ بالقوةِ الخارجية الدّافعةِ المُعزّزةِ المُنشطةِ تلكَ القُدراتِ الدّاخلية العملاقةِ النائمة ِ في ذواتنا وتنتهي بتحقيق الرغبةِ الجامحةِ لهذا الهاجس المُحركِ لقٌدرةِ الخلقِ والإبداعِ في ذواتنا فإذا استيقظت هذه الطاقة العملاقة في ذواتنَا تحررَ الهاجسُ الإبداعيّ الداخليّ وتقمص كلّ تلك المُنبهاتِ الخارجية التي تعتبرُ الوجهَ الآخر للعمليةِ الإبداعيةِ وإذ ذاك تلتحمُ ثنائيةُ المكوناتِ الفطرية الداخليّة , والمكونات الحاثة الخارجية المكتسبةِ مما يساعدُ في بروز الظاهرة الإبداعية على مستوى الذّاتِ المُبدعة وإذ ذاك يكون الهاجسُ الإبداعيّ خلاقًا مُبتكرًا بما يحملهُ مفهومُ الخلقِ والإبتكارِ من معنىً وأيضًا الآليات التي تحكمُ الهاجسَ الإبداعيّ داخلية وخارجية أيضا إذ تتمثلُ الأولى في الميولِ والاتجاهاتِ الشّخصية ِ والقدرات الفردية ومدى درجة الإشباعِ التي يبحثُ عنها المُبدعُ من خلال هذا الهاجسِ , والــــــــــثانية ( خارجية) تتمثل في أُطرِ العاداتِ والتقاليدِ والأعرافِ والموجهاتِ والقيّم الثقافية التي تربطُ الفردَ المُبدعَ بالمجتمعِ , وأيضًا العواملُ المؤثرةُ في الهاجسِ الإبداعيّ داخلية وخارجيةٌ فالأولى تتمثلُ في جميعِ الإفرازاتِ النفسية البسيطةِ أو المعقدةِ حسبَ التشكيلةِ الفطريـة للمُبدعِ إذ يبرزُ من خلالها نسقُ الشخصيّةِ المتصلةِ دائمًا بالقيم ِ والمُوجهاتِ والمُحدِّاداتِ وهي الأطر الخارجية المؤثرة بدورهَا في الهاجسِ الإبداعي إذ العملية الابداعية التي يحركها هذا الاخير تخضعُ لسيرورةٍ نفسيةٍ إجتماعيّةٍ يعيشها المُبدعُ بينه وبين ذاتهِ تؤثّرُ في هذا الأخير ومن ثمّة في العملية الإبداعيةِ وما تفرزه من قوالبَ شعورية مختلفة ....... بقلم عادل سلطاني / بئر العاتر __________________ |
رد: ((( ... الهاجس الإبداعي ... )))
جميل أن يأتي هذا الموضوع من مبدع يدرك العملية ويعيشها ويمارسها ... نص يحتاج إلى أكثر من قراءة واعية..لأن الهاجس الإبداعي باختصار ليس عملا ميكانيكيا آليا كما قد يتصور البعض!!! أصبتَ أيها العاتري المبدع...مودتي...
|
رد: ((( ... الهاجس الإبداعي ... )))
أخى الحبيب عادل
دعنى أتفق معك فى أن الهاجس الإبداعى هو الباحث على تحديد ماهية النص وإطاره أيضا لأنه من المؤكد أن العمل الأدبي يبقى ظاهرة عضوية متكاملة وعضويتها بالضرورة تقتضى أن يكون التأثير الجمالي مرتبطا بها كوحدة كلية لا تقبل التفتيت حتى لا تفقد جوهرها وتماسكها , وتعلقا بها ككيان قائم وموجود, وليس كمشروع مفترض, وإذا كنا نقبل التفرقة بين اللغة باعتبارها مجموعة من الأعراف والقواعد التي يتم التصرف اللغوي في إطارها والكلام باعتباره الطريقة التي تتجسد من خلالها تلك الأعراف والقواعد في موقف بعينه ولوظيفة بعينها ,فإننا في المقابل ينبغي أن نقبل التفرقة بين وحدات اللغة الأدبية وهى لا تزال مادة صماء , وبين هذه الوحدات بعد أن تتخلق نسقا حيا في العلاقات والتراكيب والأنظمة, فهي في الوضع الأول في حالة غياب جمالي مطلق على حين في الوضع الثاني هي رهينة حضور جمالي محتمل, كما أن عطاءها الأدبي في المرحلة الأولى لا وجود له أو هو ليس موجودا إلا بالقوة والتحايل بينما هذا العطاء في المرحلة الثانية موجود بالفعل. فإذا انتقلنا من الأدب في عمومه إلى الظاهرة الشعرية بشكل خاص نستطيع أن نكتشف نوعا من التوازي الجميل بين علاقة اللغة بالكلام وعلاقة الشعر بالقصيدة , فالشعر باعتباره صورة ذهنية مجردة لا يتجاوز ما نعرفه من تقاليد فنية في الإيقاع والصياغة , والقصيدة في إطارها القولى تحتذي منظومة هذه التقاليد وتتصدى لها بالحذف أو التعديل وربما كان الشكليون الروس ومن استلهم مذهبهم يضعون أعينهم على هذه الحقيقة وذلك حين نادوا بان لغة القصيدة هي محاولة لإحياء الكلمة وإنعاشها والقصيدة حين تتمثل في هذا النسق الكلى الحي من العلاقات والأنظمة اللغوية تطرح افتراضا معينا للرؤية باعتبارها عملا إبداعيا لا يمكن تصوره إلا على نحو تركيبي خالص , لأنها تصدر من المبدع إنما تصدر كاملة البنية ومستقلة التكوين وهى بالنسبة له رسالة مركبة تتواكب عناصرها الصوتية والتركيبية والإيقاعية في سياق إبداعي لا يخضع لمنطق التعاقب فلا يتعامل المبدع مع كل عنصر من عناصر القصيدة منفردا. فهو لا يؤلف بين أصوات الكلمة ثم يتوقف ريثما يراجع دلالتها ثم يتوقف ثانية ليتخير صيغها الصرفية والنحوية وموقفها التركيبي في الجملة ثم يوائم بينها وبين قوانين الإيقاع الشعري وغير ذلك بل إنه من خلال الممارسة الإبداعية يعالج كل هذه المستويات دفعة واحدة وبطريقة مركبة بحيث يبدو العمل الشعري في النهاية وكأنه وليد زمن إبداعي واحد. غير أن الزمن الإبداعي لا ينطبق بالضرورة على زمن التلقي فإذا كان الشاعر يتعامل مع القصيدة على هذا النحو المركب فإن المتلقي يتعامل معها بوجهيها الزمني والتحليلي , فهو حين يتعامل معها يبدأ من الشكل الخارجي والذي يعنى مجموعة من الوسائل التي يمكن بواستطها إبداع النسيج اللغوي والإيقاعي والجمالي للقصيدة وتناسب أجزاء العمل وتوازن السياق وتنظيم المادة الكلامية على هذا النحو يفضى بدوره إلى تنظيم البنية الداخلية للعمل الشعري من حيث بنية الدلالة المركزية في النص ومن حيث بنية الصورة الفنية الصادرة عن طاقة التخيل بدأ من العلامات المجازية الصغرى كالتشبيه والاستعارة ومرورا بالصورة الكبرى كالرمز والأسطورة وغيرها وانتهاء بالمحور الفكري للنص الشعري , وهذه البنية الداخلية تقوم بوظيفة النظام التحتى الذي تنتشر منه دلالات النص الشعري ومن هنا تصبح القصيدة الشعرية محصلة لوشائج من العلاقات الداخلية والخارجية تتبادل التأثير فيما بينها وتعمل على إبراز الرسالة الشعرية على نحو معين. وهناك العديد من الدراسات الحديثة التي تتناول البنية الشعرية في ضوء ما تطرحه هذه البنية من دلالات إعلامية وتصويرية ويفترض هذا النوع من الدراسات أن العمل الشعري مركب إبداعي يبدأ من نواة دلالية ذات طبيعة إعلامية مباشرة ومن خلالها تتحدد هوية الموضوع ونوع المعلومة التي تقدمها إلى المتلقي, ولكن هذه الدلالة المباشرة تظل بعيدة عن إحداث الأثر الفني المنشود ما لم تكتمل بدلالة أخرى ذات طابع وجداني وتصويري محض وحين تنمو الدلالة الأولى وتتعقد مكوناتها وتنداح في الدلالة الأخيرة نكون بذلك قد حصلنا على ما يمكن أن نسميه المركب الإبداعي والمركب الإبداعي بشكل عام يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة هي * المثير الفني *الطاقة التعبيرية *الطاقة التخيلية أولا : المثير الفني المثير الفني هو ذلك الإطار الأيدولوجى الذي يريد المبدع أن يضمنه نصه , وهذا المثير يرتبط بالضرورة بمستوى ثقافة الشاعر وميوله الفكرية وإنجازاته الثقافية التي تحدد اطر أعماله الإبداعية ورؤيته لهذا الواقع من حيث العمق أو السطحية , وهذا المثير يختلف من شاعر إلى آخر ربما نحو رؤية واقعية أو تخيلية واحدة فالكثير من الشعراء كتب عن الحرب – مثلا – لكن درجة المثير عند كل منهم كانت مختلفة وفق الرؤية وعمق النظرة ومركزية الثقافة التي يعيشها ووفق توجهاته الفكرية والإنسانية ولا شك أن تقليد المثير أو تقليد التقليد يجعل الشاعر يركن إلى مستوى نمطي في التعبير يتميز بالضيق وقد يصل إلى السطحية فالبوصيرى كتب في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم- وفق مثير معين طازج ومعظم من كتبوا في مدح الرسول بعده اعتمد على نفس المثير وقلدوه فكانت نصوصهم سطحية وباهتة ولكن التجديد والتنويع في المثير يرتبط بقلق التجربة الإبداعية وتقمص الحالة – على تعبير الناقد الجميل عبد الله جمعة- وكذلك عبقرية الشاعر في تنويع زوايا الرؤيا في هذا العالم المتشابك من حوله وإعادة صياغة هذا العالم وتفكيك أجزاءه وإعادة تشكيله في إطار فني ينبع من زاوية الإبداع عن الشاعر , هذه الزاوية التي لا تنقل الواقع الفج المباشر كما هو ولا تنقل فكرا محددا وتجعل منه مطلقا إبداعيا وذلك لأننا إذا قصرنا الإبداع على مجرد التصوير المباشر لحقبة تاريخية بعينها أو وضع اجتماعي بعينه ولم نصعده من خلال منظور شمولي ومتجدد مات الإبداع ولم يبق منه شئ. ثانيا : الطاقة التعبيرية من المعروف أن اللغة الشعرية هي الوعاء البراق الذي يصب فيه الشاعر رؤاه الكونية لهذا العالم , وهى لغة تتمرد على دلالتها المعجمية وتنحرف مجازيا بما يجعلها لغة تفجيرية قلقة لا تثبت على صياغة واحدة أو حقل تركيبي بذاته , وكذلك فاللغة الشعرية هي الطاقة التعبيرية التي يوظفها الشاعر لتحمل رسالته الإبداعية الكلية إلى مطلق الفضاء من حوله , وهذه اللغة تتميز بالتوتر الدائم بين الثابت والمتغير من وسائل الصياغة بين الموروث من أعراف اللغة الشعرية ومناهجها في الأداء أو الجديد المكتسب مما تفرضه طبائع تغير الثقافات وحاجات المجمتع اللغوية الجديدة والإطار المحدد للثقافة العامة والخاصة التي تحدد ماهية الطرح الشعري وشكول خطابه المختلفة في حين تأتى بصماته التعبيرية الخاصة به وكأنها صدع في جدار اللغة أو كان مفرداتها خلقت للتو وكأنها لم تكن موجودة من قبل. وإذا كانت الدلالة الشعرية لا تأتى معزولة عن المعطيات الأسلوبي والبني الشعرية على مستوى الوحدات الصغرى أو الكبرى فان المبدع الحقيقي هو الذي لا يركن إلى نمط أدائي ثابت في أعماله مهما بلغ هذا النمط من التفرد والخصوصية وقد يطمئن الشاعر إلى وسائل مقنعة في عمل إبداعي معين ثم يكتشف أن هذه الوسائل نفسها غير مقنعة في عمل إبداعي آخر ومن ثم يظل المبدع في حالة جدلية مستمرة مع أدواته يضيف إليها ويمحو منها ويغير فيها بحيث تصبح طاقاته التعبيرية متجددة دائما ولا يقع في غواية الإشكال الجاهزة أو القوالب التي يصب فيها صبا أو الشكل الأحادي بل يجب عليه دائما مراجعة وسائلة التعبيرية مع مستهل كل تجربة إبداعية جديدة وعلينا أن نعى تماما أن الشكل وحده هو عبارة عن مقاطع صوتية فارغة لا تحمل أي مضمون ولكن قدرة الشاعر وموهبته هي التي تملأ هذا الشكل بالمضمون الجيد , والطاقة التصويرية هي التي تحيل هذا الشكل إلى تيمات شعرية حية ونابضة وتمنح التجربة الشعرية صفة الخلود والبقاء والانتقال من زمن إبداعها إلى أزمان أخرى وبنفس حيويتها ثالثا: الطاقة التخيلية تعتمد بنية الصورة الشعرية على مبدأي الانتخاب والتكثيف وعنى بذلك دقة انتقاء العناصر المكونة للصورة دون تزايد أو استرسال وقدرة الشاعر على المزج بين هذه العناصر وتوظيفها لإحداث الدلالة التصويرية في أعمق مستوياتها ومقتضى ذلك أن نجاح الصورة لا يقاس بمدى انبساطها أو تراكم أجزائها بل بقدرتها على تركيز الدلالة وتكثيفها فهي كاللوحة في الفن التشكيلي تتضافر فيها كل العناصر الفنية لتخرجها وحدة جمالية مقنعه تجذب النفوس دون تشوه أو خلل كل محبتى لك أخى الجميل |
رد: ((( ... الهاجس الإبداعي ... )))
[gdwl]
جميل أن يأتي هذا الموضوع من مبدع يدرك العملية ويعيشها ويمارسها ... نص يحتاج إلى أكثر من قراءة واعية..لأن الهاجس الإبداعي باختصار ليس عملا ميكانيكيا آليا كما قد يتصور البعض!!! أصبتَ أيها العاتري المبدع...مودتي... [/gdwl] السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أجل أيها الجراوي الصنو أصبت كبد الحقيقة "فالهاجس الإبداعي باختصار ليس عملا ميكانيكيا آليا كما قد يتصور البعض"... ولكنه آلية معقدة جدا يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي والنفسي بالاجتماعي بالسياقي البيئي الخارجي حيث تتداخل جملة من المثيرات الداخلية الدافعة " الدافعية تجاه العمل المبدع" والمثيرات الخارجية " سياقات بيئية مختلفة" (( إجتماعية ، إقتصادية ، سياسية ، ثقافية ، معرفية ، ....إلخ .. )) تتشابك جميعا في تداخل يصعب فصله لتنتج في آخر المطاف شكلا معرفيا ما مبدعا يعكس ملكة وموهبة المبدع . تحياتي أخي الحبيب |
رد: ((( ... الهاجس الإبداعي ... )))
[gdwl] [/gdwl][gdwl][/gdwl][gdwl][/gdwl][gdwl]
أخى الحبيب عادل دعنى أتفق معك فى أن الهاجس الإبداعى هو الباعث على تحديد ماهية النص وإطاره أيضا لأنه من المؤكد أن العمل الأدبي يبقى ظاهرة عضوية متكاملة وعضويتها بالضرورة تقتضى أن يكون التأثير الجمالي مرتبطا بها كوحدة كلية لا تقبل التفتيت حتى لا تفقد جوهرها وتماسكها , ومتعلقا بها ككيان قائم وموجود, وليس كمشروع مفترض, وإذا كنا نقبل التفرقة بين اللغة باعتبارها مجموعة من الأعراف والقواعد التي يتم التصرف اللغوي في إطارها والكلام باعتباره الطريقة التي تتجسد من خلالها تلك الأعراف والقواعد في موقف بعينه ولوظيفة بعينها ,فإننا في المقابل ينبغي أن نقبل التفرقة بين وحدات اللغة الأدبية وهى لا تزال مادة صماء , وبين هذه الوحدات بعد أن تتخلق نسقا حيا في العلاقات والتراكيب والأنظمة, فهي في الوضع الأول في حالة غياب جمالي مطلق على حين في الوضع الثاني هي رهينة حضور جمالي محتمل, كما أن عطاءها الأدبي في المرحلة الأولى لا وجود له أو هو ليس موجودا إلا بالقوة والتحايل بينما هذا العطاء في المرحلة الثانية موجود بالفعل. فإذا انتقلنا من الأدب في عمومه إلى الظاهرة الشعرية بشكل خاص نستطيع أن نكتشف نوعا من التوازي الجميل بين علاقة اللغة بالكلام وعلاقة الشعر بالقصيدة , فالشعر باعتباره صورة ذهنية مجردة لا يتجاوز ما نعرفه من تقاليد فنية في الإيقاع والصياغة , والقصيدة في إطارها القولى تحتذي منظومة هذه التقاليد وتتصدى لها بالحذف أو التعديل وربما كان الشكليون الروس ومن استلهم مذهبهم يضعون أعينهم على هذه الحقيقة وذلك حين نادوا بان لغة القصيدة هي محاولة لإحياء الكلمة وإنعاشها والقصيدة حين تتمثل في هذا النسق الكلى الحي من العلاقات والأنظمة اللغوية تطرح افتراضا معينا للرؤية باعتبارها عملا إبداعيا لا يمكن تصوره إلا على نحو تركيبي خالص , لأنها تصدر من المبدع إنما تصدر كاملة البنية ومستقلة التكوين وهى بالنسبة له رسالة مركبة تتواكب عناصرها الصوتية والتركيبية والإيقاعية في سياق إبداعي لا يخضع لمنطق التعاقب فلا يتعامل المبدع مع كل عنصر من عناصر القصيدة منفردا. فهو لا يؤلف بين أصوات الكلمة ثم يتوقف ريثما يراجع دلالتها ثم يتوقف ثانية ليتخير صيغها الصرفية والنحوية وموقفها التركيبي في الجملة ثم يوائم بينها وبين قوانين الإيقاع الشعري وغير ذلك بل إنه من خلال الممارسة الإبداعية يعالج كل هذه المستويات دفعة واحدة وبطريقة مركبة بحيث يبدو العمل الشعري في النهاية وكأنه وليد زمن إبداعي واحد. غير أن الزمن الإبداعي لا ينطبق بالضرورة على زمن التلقي فإذا كان الشاعر يتعامل مع القصيدة على هذا النحو المركب فإن المتلقي يتعامل معها بوجهيها الزمني والتحليلي , فهو حين يتعامل معها يبدأ من الشكل الخارجي والذي يعنى مجموعة من الوسائل التي يمكن بواستطها إبداع النسيج اللغوي والإيقاعي والجمالي للقصيدة وتناسب أجزاء العمل وتوازن السياق وتنظيم المادة الكلامية على هذا النحو يفضى بدوره إلى تنظيم البنية الداخلية للعمل الشعري من حيث بنية الدلالة المركزية في النص ومن حيث بنية الصورة الفنية الصادرة عن طاقة التخيل بدأ من العلامات المجازية الصغرى كالتشبيه والاستعارة ومرورا بالصورة الكبرى كالرمز والأسطورة وغيرها وانتهاء بالمحور الفكري للنص الشعري , وهذه البنية الداخلية تقوم بوظيفة النظام التحتى الذي تنتشر منه دلالات النص الشعري ومن هنا تصبح القصيدة الشعرية محصلة لوشائج من العلاقات الداخلية والخارجية تتبادل التأثير فيما بينها وتعمل على إبراز الرسالة الشعرية على نحو معين. وهناك العديد من الدراسات الحديثة التي تتناول البنية الشعرية في ضوء ما تطرحه هذه البنية من دلالات إعلامية وتصويرية ويفترض هذا النوع من الدراسات أن العمل الشعري مركب إبداعي يبدأ من نواة دلالية ذات طبيعة إعلامية مباشرة ومن خلالها تتحدد هوية الموضوع ونوع المعلومة التي تقدمها إلى المتلقي, ولكن هذه الدلالة المباشرة تظل بعيدة عن إحداث الأثر الفني المنشود ما لم تكتمل بدلالة أخرى ذات طابع وجداني وتصويري محض وحين تنمو الدلالة الأولى وتتعقد مكوناتها وتنداح في الدلالة الأخيرة نكون بذلك قد حصلنا على ما يمكن أن نسميه المركب الإبداعي والمركب الإبداعي بشكل عام يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة هي * المثير الفني *الطاقة التعبيرية *الطاقة التخيلية أولا : المثير الفني المثير الفني هو ذلك الإطار الأيدولوجى الذي يريد المبدع أن يضمنه نصه , وهذا المثير يرتبط بالضرورة بمستوى ثقافة الشاعر وميوله الفكرية وإنجازاته الثقافية التي تحدد اطر أعماله الإبداعية ورؤيته لهذا الواقع من حيث العمق أو السطحية , وهذا المثير يختلف من شاعر إلى آخر ربما نحو رؤية واقعية أو تخيلية واحدة فالكثير من الشعراء كتب عن الحرب – مثلا – لكن درجة المثير عند كل منهم كانت مختلفة وفق الرؤية وعمق النظرة ومركزية الثقافة التي يعيشها ووفق توجهاته الفكرية والإنسانية ولا شك أن تقليد المثير أو تقليد التقليد يجعل الشاعر يركن إلى مستوى نمطي في التعبير يتميز بالضيق وقد يصل إلى السطحية فالبوصيرى كتب في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم- وفق مثير معين طازج ومعظم من كتبوا في مدح الرسول بعده اعتمد على نفس المثير وقلدوه فكانت نصوصهم سطحية وباهتة ولكن التجديد والتنويع في المثير يرتبط بقلق التجربة الإبداعية وتقمص الحالة – على تعبير الناقد الجميل عبد الله جمعة- وكذلك عبقرية الشاعر في تنويع زوايا الرؤيا في هذا العالم المتشابك من حوله وإعادة صياغة هذا العالم وتفكيك أجزاءه وإعادة تشكيله في إطار فني ينبع من زاوية الإبداع عن الشاعر , هذه الزاوية التي لا تنقل الواقع الفج المباشر كما هو ولا تنقل فكرا محددا وتجعل منه مطلقا إبداعيا وذلك لأننا إذا قصرنا الإبداع على مجرد التصوير المباشر لحقبة تاريخية بعينها أو وضع اجتماعي بعينه ولم نصعده من خلال منظور شمولي ومتجدد مات الإبداع ولم يبق منه شئ. ثانيا : الطاقة التعبيرية من المعروف أن اللغة الشعرية هي الوعاء البراق الذي يصب فيه الشاعر رؤاه الكونية لهذا العالم , وهى لغة تتمرد على دلالتها المعجمية وتنحرف مجازيا بما يجعلها لغة تفجيرية قلقة لا تثبت على صياغة واحدة أو حقل تركيبي بذاته , وكذلك فاللغة الشعرية هي الطاقة التعبيرية التي يوظفها الشاعر لتحمل رسالته الإبداعية الكلية إلى مطلق الفضاء من حوله , وهذه اللغة تتميز بالتوتر الدائم بين الثابت والمتغير من وسائل الصياغة بين الموروث من أعراف اللغة الشعرية ومناهجها في الأداء أو الجديد المكتسب مما تفرضه طبائع تغير الثقافات وحاجات المجمتع اللغوية الجديدة والإطار المحدد للثقافة العامة والخاصة التي تحدد ماهية الطرح الشعري وشكول خطابه المختلفة في حين تأتى بصماته التعبيرية الخاصة به وكأنها صدع في جدار اللغة أو كان مفرداتها خلقت للتو وكأنها لم تكن موجودة من قبل. وإذا كانت الدلالة الشعرية لا تأتى معزولة عن المعطيات الأسلوبي والبني الشعرية على مستوى الوحدات الصغرى أو الكبرى فان المبدع الحقيقي هو الذي لا يركن إلى نمط أدائي ثابت في أعماله مهما بلغ هذا النمط من التفرد والخصوصية وقد يطمئن الشاعر إلى وسائل مقنعة في عمل إبداعي معين ثم يكتشف أن هذه الوسائل نفسها غير مقنعة في عمل إبداعي آخر ومن ثم يظل المبدع في حالة جدلية مستمرة مع أدواته يضيف إليها ويمحو منها ويغير فيها بحيث تصبح طاقاته التعبيرية متجددة دائما ولا يقع في غواية الإشكال الجاهزة أو القوالب التي يصب فيها صبا أو الشكل الأحادي بل يجب عليه دائما مراجعة وسائلة التعبيرية مع مستهل كل تجربة إبداعية جديدة وعلينا أن نعى تماما أن الشكل وحده هو عبارة عن مقاطع صوتية فارغة لا تحمل أي مضمون ولكن قدرة الشاعر وموهبته هي التي تملأ هذا الشكل بالمضمون الجيد , والطاقة التصويرية هي التي تحيل هذا الشكل إلى تيمات شعرية حية ونابضة وتمنح التجربة الشعرية صفة الخلود والبقاء والانتقال من زمن إبداعها إلى أزمان أخرى وبنفس حيويتها ثالثا: الطاقة التخيلية تعتمد بنية الصورة الشعرية على مبدأي الانتخاب والتكثيف وعنى بذلك دقة انتقاء العناصر المكونة للصورة دون تزايد أو استرسال وقدرة الشاعر على المزج بين هذه العناصر وتوظيفها لإحداث الدلالة التصويرية في أعمق مستوياتها ومقتضى ذلك أن نجاح الصورة لا يقاس بمدى انبساطها أو تراكم أجزائها بل بقدرتها على تركيز الدلالة وتكثيفها فهي كاللوحة في الفن التشكيلي تتضافر فيها كل العناصر الفنية لتخرجها وحدة جمالية مقنعه تجذب النفوس دون تشوه أو خلل كل محبتى لك أخى الجميل [/gdwl] السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تغطية شاملة تجلي اللبس على مفهوم الهاجس الإبداعي ولكن برؤية بخيتية تجمع بين عدة نظريات يتداخل فيها المنظور الديسوسيري من ناحية المفهوم الاجتماعي للغة من خلال النص " كمركب إبداعي " بالمنظور البارتي من ناحية الصورة وأيضا بالمنظور الشكلاني الروسي وأيضا بالمنظور السيميائي الدلالي لتلتقي كل هذه المنظورات بالتيار البنيوي وبالتيار الفرويدي وبالمدرسة التراثية وبدراساتها التداولية المبثوثة لدى نقادنا الموسوعيين على شاكلة الجاحظ وابن قتيبة وأبي هلال العسكري وحازم القرطاجني وغيرهم كثر ممن أثروا منظومتنا التداولية أو ما يسميه الدارسون في عصرنا دراسات التلقي حيث تلتقي هذه التيارات إذا صح التعبير حينا و تختلف أحيانا أخرى والاختلاف يحيل القارئ الدارس والباحث الأكاديمي إلى تراكم معرفي يحيل بدوره إلى تناص معرفي بين مختلف النظريات لتكون منفتحة على بعضها بعضا بدل انكفائها مما يثري منظومة البحث على مستويات ذاتية وموضوعية ومعرفية . تحياتي أيها الناقد |
الساعة الآن 40 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية