منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   هيئة النقد الأدبي (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=480)
-   -   ((( قراءة نقدية في قصيدة آهة مقدسية ))) / بقلم الناقد توفيق الخطيب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=23742)

عادل سلطاني 01 / 09 / 2012 35 : 09 PM

((( قراءة نقدية في قصيدة آهة مقدسية ))) / بقلم الناقد توفيق الخطيب
 
آهةٌ مقدسيّة ..


أَبْكِيكِ يَا قُدْسُ حَتَّى قَلْبِيَ انْفَطَرَا
إِنِّي ظَنَنْتُ صَلاَحَ الدِّينِ مَا زَأَرَا

نَسِيتُ مَا خَبَّأَ التَّارِيخُ عَنْ رَجُلٍ
مَا كَانَ خَلْفَ جِدَارِ الذُّلِّ مُسْتَتِرَا


يَوْمَ اشْتَكَى الْقُدْسُ جُرْحَ الذُّلِّ أَسْعَفَهُ
وَلِلطَّهَارَةِ مِنْ أَعْدَائِهَا ثَأَرَا

لِمَنْ تُرَى أَذْرِفُ الدَّمْعَ الْهَتُونَ أَنَا
وَأَلْفُ دَمْعٍ هُنَا مَازَالَ مُنْهَمِرَا؟

أَبْكِي وَأَشْرَبُ آهَاتِي مُجَرَّحَةً
وَلاَ يُسَانِدُنِي مَنْ يَسْمَعُ الْخَبَرَا

مَذَلَّةُ الْعَصْرِ أَثْقَالٌ تُحَاصِرُنِي
آوِي إِلَى غُرْبَةِ الآلاَمِ مُعْتَصَرَا

إِذَا ابْتَهَلْتُ؛ صَدَى الأَوْجَاعِ يَخْذُلُنِي
فَأَنْحَنِي فَوْقَ تَلِّ الْحُزْنِ مُنْكَسِرَا

وَالْعَالَمُ الرَّحْبُ فِي اسْتِحْيَائِهِ صُوَرٌ
مِنَ التَّمَلُّقِ، تُخْفِي خَلْفَهَا صُوَرَا

تَأَوُّهِي الْمُرُّ فِي عَيْنَيْهِ يُزْعِجُهُ
لَكِنَّهُ قِصَّةٌ لَمْ تَتْرُكِ الأَثَرَا

وَيَسْمَعُ الْكُلُّ أَخْبَارِي، يُجَدِّدُهَا
بَثُّ الأَسَى؛ لَيْتَ قَلْبًا بِالأَسَى شَعَرَا

يَجْتَثُّنِي الظُّلْمُ مِنْ أَرْضِي وَيَطْرُدُنِي
يَا مَنْ رَأَى مُتْعَبًا فِي أَرْضِهِ أُسِرَا!

زَيْتُونَتِي لَمْ تَعُدْ شَرْقِيَّةً فَلَقَدْ
تَغَرَّبَتْ فِي ثَرَاهَا.. نُورُهَا انْحَسَرَا

يَعُودُنِي عُمَرُ الْفَارُوقُ فِي فَزَعِي
لَكِنَّ جُرْحِي عَلَى فَارُوقِنَا كَبُرَا

وَثِيقَةُ الأَمْنِ يَا فَارُوقُ مُرْهَقَةٌ
حُروفُهَا الْجَمْرُ، فِي أَكْبَادِنَا اسْتَعَرَا

وَلَمْ تَزَلْ قِصَّةُ الإسْرَاءِ وَاجِمَةً
تُعِيدُ مَا أَبْصَرَ الْمُخْتَارُ حِينَ سَرَى

مَاذَا تَبَقَّى مِنَ التَّارِيخِ يَا وَطَنِي
غَيْر الأَسَى بِسَوَادِ الذُّلِّ مُدَّثِرَا

وَنَبْضَة يُمْسِكُ الدُّنْيَا تَرَقُّبُهَا
سَيْفُ الشَّهَامَةِ فِي آفَاقِهَا انْكَسَرَا؟

كَأَنَّمَا الْقَلْبُ لَمَّا عَافَ عِلَّتَهُ
آوَى إِلَى جَبَلِ الأَشْجَانِ وَانْتَحَرَا

وَاسْتَعْذَبَ الْمَوْتَ حِينَ الْمَوْتُ أَنْقَذَهُ
وَأَلْفُ حَيٍّ عَلَى جُثْمَانِهِ قُبِرَا !

حُزْنِي تَشَرَّبَ أَعْوَامًا تُؤَرِّقُهُ
تُرَاهُ مِنْ لَوْنِ آهِي حَوْلَهَا كَبُرَا؟

تَمُرُّ أَيَّامُنَا وَالتّيهُ يَأْخُذُنَا
فَمَا اسْتَطَعْنَا بِهَا أَنْ نَحْضُنَ الْعُمُرَا

إِلَى مَتَى يَا عُيُونَ الْقُدْسِ دَمْعُكِ فِي
أَكُفِّنَا مَا رَوَى تَارِيخَكِ الْعَطِرَا؟

إِلَى مَتَى الْعَالَمُ الْمَخْدُوعُ يَنْظُرُنَا
مِنْ بُرْجِهِ وَيُعَادِي كُلَّ مَنْ نَظَرَا؟

تَعَالَ يَا مَنْ تَبَقَّى عِنْدَهُ أَمَلٌ
وَذُقْ هُنَا مِنْ مَآسِي حُزْنِنَا الْعُشُرَا

وَاحْكُمْ بِمَا أَخْبَرَتْكَ النَّفْسُ شَاكِيَةً
حَدِّثْ بِهِ الْكَوْنَ إِنَّ الْكَوْنَ مَا شَعَرَا

* * *

الشاعر إبراهيم بشوات ، الأحد 05 أوت 2012

الشاعر الكبير إبراهيم بشوات
لأن القدس ليست مجرد أبنية قديمة مصفوفة إلى جانب بعضها البعض ، ولأن المسجد الأقصى ليس مجرد حجارة صماء ، ولأنهما في وجدان كل مسلم يقرأ قوله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) سورة الإسراء 1
لذلك فلابد لأي قصيد يعالج قضية القدس أن يخوض في الجانب الإنساني الوجداني والرمزي الذي تمثله القدس .
وياله من عنوان (آهة مقدسية) لأن الآه تنبع من أعماق القلب ، كما أن هذا العنوان قد لخص هذا النص الوجداني ، كما جسد مشاعر وأحاسيس كل المسلمين في أنحاء البسيطة .
تستدعي صلاح الدين في بداية النص ، وهل يكتمل نص يتحدث عن القدس بغير ذكر محررها من الصليبين ؟ ولكنه استدعاء فائدة وحسرة على مافرطنا فيه بعد كل هذه التضحيات لتحريرها ، لذلك فإن البكاء والحزن الذي يعصف بالقلوب قد سيطر على مطلع النص :

أَبْكِيكِ يَا قُدْسُ حَتَّى قَلْبِيَ انْفَطَرَا
إِنِّي ظَنَنْتُ صَلاَحَ الدِّينِ مَا زَأَرَا

وليتنا حذونا حذوه فأسعفنا جرح الذل ولبينا نداء القدس الجريحة وثأرنا من أعدائها كما فعل :

يَوْمَ اشْتَكَى الْقُدْسُ جُرْحَ الذُّلِّ أَسْعَفَهُ
وَلِلطَّهَارَةِ مِنْ أَعْدَائِهَا ثَأَرَا

لكن ماذا يفعل المرء غير البكاء وشرب آهاته في هذا الزمن الرديء الذي ابتعدنا فيه عن إسلامنا وتركنا أهم فروض الإسلام وهو الجهاد فلم نعد نملك غير الحسرة والدموع :

أَبْكِي وَأَشْرَبُ آهَاتِي مُجَرَّحَةً
وَلاَ يُسَانِدُنِي مَنْ يَسْمَعُ الْخَبَرَا

لقد أصبح الملجأ الوحيد من مذلة العصر غربة الآلام كما يقول هذا البيت الذي ينكأ الجراح :

مَذَلَّةُ الْعَصْرِ أَثْقَالٌ تُحَاصِرُنِي
آوِي إِلَى غُرْبَةِ الآلاَمِ مُعْتَصَرَا

ثم يربط الشاعر الماضي بالحاضر ليصور مايحدث حولنا وليسقط النص على زمنه الحاضر في براعة واقتدار مع الحفاظ على العاطفة الجياشة التي ميزت النص :
وَالْعَالَمُ الرَّحْبُ فِي اسْتِحْيَائِهِ صُوَرٌ
مِنَ التَّمَلُّقِ، تُخْفِي خَلْفَهَا صُوَرَا

تَأَوُّهِي الْمُرُّ فِي عَيْنَيْهِ يُزْعِجُهُ
لَكِنَّهُ قِصَّةٌ لَمْ تَتْرُكِ الأَثَرَا

وَيَسْمَعُ الْكُلُّ أَخْبَارِي، يُجَدِّدُهَا
بَثُّ الأَسَى؛ لَيْتَ قَلْبًا بِالأَسَى شَعَرَا

يَجْتَثُّنِي الظُّلْمُ مِنْ أَرْضِي وَيَطْرُدُنِي
يَا مَنْ رَأَى مُتْعَبًا فِي أَرْضِهِ أُسِرَا!

ويستحضر رمزا آخر من التاريخ الإسلامي المجيد وهو عمر الفاروق ووثيقة الأمن التي وقعها مع أهل القدس وقد تحولت حروفها إلى جمر يستعر في أكبادنا :

وَثِيقَةُ الأَمْنِ يَا فَارُوقُ مُرْهَقَةٌ
حُروفُهَا الْجَمْرُ، فِي أَكْبَادِنَا اسْتَعَرَا

لنصل إلى ذروة الرموز باستحضار حادثة الإسراء التي أصبحت واجمة تعرض الصور التي رآها نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام حين إسرائه :

وَلَمْ تَزَلْ قِصَّةُ الإسْرَاءِ وَاجِمَةً
تُعِيدُ مَا أَبْصَرَ الْمُخْتَارُ حِينَ سَرَى

يليه تصوير للواقع المؤلم مقارنة بالماضي المجيد الذي لم يتبق منه سوى الأسى الذي تدثر بسواد الذل :

مَاذَا تَبَقَّى مِنَ التَّارِيخِ يَا وَطَنِي
غَيْر الأَسَى بِسَوَادِ الذُّلِّ مُدَّثِرَا

لتنتهي القصيدة بوصف ذلك الحزن الذي يعصف بقلب الشاعر على واقع الذل والهزيمة التي يعيشها المسلمون في هذا العصر ، يتبعها بتساؤلات تعتمل في قلب كل مسلم وعربي :

كَأَنَّمَا الْقَلْبُ لَمَّا عَافَ عِلَّتَهُ
آوَى إِلَى جَبَلِ الأَشْجَانِ وَانْتَحَرَا

وَاسْتَعْذَبَ الْمَوْتَ حِينَ الْمَوْتُ أَنْقَذَهُ
وَأَلْفُ حَيٍّ عَلَى جُثْمَانِهِ قُبِرَا !

حُزْنِي تَشَرَّبَ أَعْوَامًا تُؤَرِّقُهُ
تُرَاهُ مِنْ لَوْنِ آهِي حَوْلَهَا كَبُرَا؟

تَمُرُّ أَيَّامُنَا وَالتّيهُ يَأْخُذُنَا
فَمَا اسْتَطَعْنَا بِهَا أَنْ نَحْضُنَ الْعُمُرَا

إِلَى مَتَى يَا عُيُونَ الْقُدْسِ دَمْعُكِ فِي
أَكُفِّنَا مَا رَوَى تَارِيخَكِ الْعَطِرَا؟

إِلَى مَتَى الْعَالَمُ الْمَخْدُوعُ يَنْظُرُنَا
مِنْ بُرْجِهِ وَيُعَادِي كُلَّ مَنْ نَظَرَا؟

وليت هناك من يشعر بعظم هذه المأساة في هذا الكون الواسع الذي فقد الإحساس :

وَاحْكُمْ بِمَا أَخْبَرَتْكَ النَّفْسُ شَاكِيَةً
حَدِّثْ بِهِ الْكَوْنَ إِنَّ الْكَوْنَ مَا شَعَرَا

النص بالإضافة إلى العاطفة الصادقة التي شعرنا بها في كل بيت فيه احتوى على عمل فني رفيع فجاءت الصور فيه قوية معبرة مستعينا بالاستعارات الملائمة عند كل صورة مثل :(جرح الذل – غربة الآلام – صدى الأوجاع – تل الحزن – سيف الشهامة –عيون القدس )
ومن الناحية اللغوية فقد تنوعت أساليب الخطاب في النص من الخبرية إلى الاستفهامية إلى الأمر وكل ذلك بلغة سهلة قريبة من المتلقي .
* * *
بقلم الشاعر توفيق الخطيب بتاريخ 18/08/2012

ياسين عرعار 04 / 01 / 2014 06 : 02 PM

رد: ((( قراءة نقدية في قصيدة آهة مقدسية ))) / بقلم الناقد توفيق الخطيب
 

قصيدة رائعة ....!!!!

جزيل الشكر
لصاحب القصيدة
ابراهيم بشوات
وصاحب القراءة النقدية
توفيق الخطيب

-------------
تحياتي و تقديري

علي ابو حجر 02 / 02 / 2014 33 : 01 AM

رد: ((( قراءة نقدية في قصيدة آهة مقدسية ))) / بقلم الناقد توفيق الخطيب
 
تحفة فنية .

جزاك الله ألف خير .

حفظك المولى .

مسفرشيبان 01 / 06 / 2017 56 : 11 PM

رد: ((( قراءة نقدية في قصيدة آهة مقدسية ))) / بقلم الناقد توفيق الخطيب
 
قصيدة رائعة وكتابة نقدية رائعة


الساعة الآن 45 : 01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية