![]() |
زهرة حب لنهار جديد - طلعت سقيرق
زهرة حب لنهار جديد ... بقلم: طلعت سقيرق توقفقليلاً... مسح شعره بيد مرتعشة.. تابع خطواته... الرمل الناعم يلتصق بقدميه ثمينزلق تاركاً بقية لا تريد أن تغادر.. شعر في لحظة ما أنه يسقط عن كتفيه تعب سنينطويلة.. عندها تمنى أن يعيش ماتبقى له من عمر إلى جانب هذا الأزرق الساحر... كانيعرف أن البحر رائع بكل ما فيه... . اقتربمن الكرسي.. نفض عنه بعض الرمال بحركة آلية ساهمة.... جلس بهدوء... غرز قدميه فيالرمل الرطب... . أغمض عينيه... جاءه صوت الموج مثل موسيقى تثير الأحلام وتحركمراكب الحنين والشوق... بين تناوب المد والجزر، بحركات بطيئة هادئة، كانت قصيدةالوجود الساحر تحفر ظلالها في كل كرية من كرياته... أذناه تسكنان النغم، تأخذانه،تذهبان معه... أحس أنهما معلقتان على طرف موجة تفرد جناحيها وتطير كعصفور في الفضاءالرحب الواسع.. انبعثت في داخله صرخة مأخوذ " يا ألله كم أنت رائع أيها الكون "...ثم قال بصوت دافئ: - ليتها أتت معي... الوجود أجمل من أن نشوهه بأشيائنا الصغيرة... !! كانصوت الموج يسكنه تماماً.. العالم من حوله استرخى.. قفز وجهها الجميل إلى مخيلته،وأخذ يرسم صور الأيام الماضية... انبعث صوت الداخل: " الحياة تستحق أن نعيشها... كلشي فيها جميل " نام على ذراع موجة وأخذ يحلم بأشياء جميلة . *** هناكفي الغرفة التي أحبتها دائماً، تجلس على الكرسي، تمد قدميها على البلاط النظيف...تقع عيناها على جهاز الهاتف.. تتمنى أن ينبعث الرنين.. تتخيل حديثه العذب.. تندفعفي أذنيها موسيقى الحروف وهي تخرج من فمه.. تقول بهمس : - ليته بقي هنا... لماذا ذهب ؟؟؟ كانتتتمنى أن يتصل من هناك.. أن يقول أي شيء... اقترب وجهه من مساحة نبضها... شعرت بأنآلاف الأوتار تعزف لحنها المحبب.. في فسحة الحلم تحولت إلى عصفور أخذ يحلق فيالفضاء الرحب.. ارتسمت على شفتيها ابتسامة لا حدود لها. وحلّقت في فرح... *** - اصطدتها من البحر ياعم.. الحقيقة أبي اصطادها لي... نظرفي عيني الطفل البريئتين وقال : - لكنها صغيرة يا بني... ماذا ستفعل بها ؟ أجابالطفل : - سآخذها إلى البيت عندما نعود.. ربما سيصطاد أبي واحدة أخرى... - لاتحرمها من البحر يابني.. أعدها .. قبلأن يكمل ابتعد الولد فرحاً بسمكته.. ارتسمت الضحكة على شفتيه، ثم رفرفت في الفضاءالقريب.. عندما كان صغيراً، ربما بعمر هذا الولد، كان يصطاد الأسماك بشبكة معدنيةصغيرة.. يحدق في حركاتها قليلاً... ثم يعيدها إلى البحر.. يتذكر كيف كان والده يضحكويهز رأسه باستغراب ربما !! أمه كانت تقول:" هذا الولد مليء بالحنان... لا يحب أنيعذب أي مخلوق". ذهبتعيناه في البعيد.. قفزت الصورة إلى ذهنه صافية لامعة.. كانت زوجته هدى إلى جانبه...معاً أخذا يستمتعان بجمال البحر وسحره.. ذات مرة، أمسكا شبكة معدنية صغيرة، أنزلاهابهدوء، رفعاها، خمس سمكات أخذت ترف.. أعادها بحركة آلية إلى البحر.. ضحكت هدى...قالت: - لماذا اصطدتها مادمت ستعيدها إلى البحر؟؟ قال: - سبحان الله ما أجملها.. لكن من الصعب أن نحرمها من بحرها... أخذيحكي لها عن طفولته.. عن عشقه للبحر.. عن حبه للحرية... قال: أتدرين ياهدى لاشيء مثل البحر يعبّر عن الحرية.. البحر هو الحرية.."عندما عادا في القطار.. أخذت تحدثه عن طفولتها.. قالت : أتدريلم أعرف البحر من قبل.. عندما ذهبت معك أول مرة كنت في غاية الخوف.. أتذكر؟؟ أرسلضحكة صافية.. رنت ضحكته مثل شلال.. التفت بعض الركاب، نظروا إليه، وانتقلت إليهمصورة الابتسامة... عادالطفل فرحاً بعد أن اصطاد أبوه سمكة أخرى... السمكتان تدوران في الإناء الضيق.. نظرإليهما وشعر بالحزن.. ابتعد الطفل.. بقيت دوائر الحزن معلقة في عينيه.. أخذ ينقلخطواته على الشاطئ الفسيح.. اقترب من الماء المالح.. ألقى جسده وأخذ يسبح.. استلقىعلى ظهره... . أغمض عينيه.. ترك جسده لحركة المد والجزر... كان البحر أمَّاً لاتعرف إلا الحنان... أخذت المسافات تتراقص بهدوء وجمال.. زوجتههدى إنسانة رائعة.. تذكرها بعمق... قال: - لماذا أصرت أن تبقى وحيدة في البيت ؟؟ ما أنيغضب الإنسان حتى تتطور الأمور.. هز رأسه بأسف... شعر أنه يسرق أشياء كثيرة منحياتها بابتعاده عنها.. فتح عينيه.. وقف على قدميه.. وأخذ يمشي بهدوء نحوالشاطئ... *** - الله يعيده لك بالسلامة .. أخذتتحكي عن حب الجيران له..... هزت هدى رأسها موافقة... كانت تعرف مدى حب الناس لزوجهاعبد العزيز..." ولماذا لا يحبه الجميع "؟؟ رجل بكل معنى الكلمة... مسكون بالحب...يساعد الجميع.. ابتسامته لا تعرف الانطفاء.. تركتها أم ربيع لشرودها وذهبت... فيالعام الأول من زواجهما، وبعد مرور عدة أشهر كانت الصدمة، قالت الطبيبة يومها: - التحليلات تثبت أنك غير قادرة على الحمل ياسيدة هدى.... لاتدري كيف استطاعت أن تبتلع الصدمة... عندما وصلت إلى البيت، وقفتأمامه حائرة ضائعة، تائهة.. بارتعاش قالت: - اسمع يا عبد العزيز... بإمكانك أن تتزوج من أخرى... لن أحرمك من الأولاد.. أعرف كمتحب الأطفال... بعدهاأخذت تحكي عن أشياء كثيرة... من خلال دموعها تفجر حزن العالم كله... وضعيده بحنان على كتفها وقال: - اسمعي يا هدى... كل شيء بيد الله.. أنت عندي أهم من الأولاد.. لا تقلقي... رجتهأن يتزوج... كانت تتمزق.. ترجوه وتنزف ألماً وانكساراً... أرادت أن يكون سعيداً فيحياته.. لكنه بإصرار أبى، كان حبه لها أكبر من كل شيء..... ضمها إلى صدره...... مسحدموعها بقلبه وضلوعه.. ومضت السنوات.. السنوات الطويلة.. دون أن يشعرها في يوم منالأيام بأنه حزين.. أحياناً كثيرة كانت تشعر أنها ظلمته.. لكن ماذا كان عليها أنتفعل؟؟ هو لا يريد سواها... وهي في داخلها سعيدة بقراره هذا.. مرة قالت له : - لماذا لانتبنى ولداً يا عبد العزيز ؟؟ قال: - لايا هدى ..تعودت على الحياة هكذا.. اطمئني... وقتها، ورغم سعادتها، شعرت بغصة في القلب... لكنها آثرت الصمت... . فيبعض الأحيان كان يثور.. لابد من حدوث بعض المنغصات... كلمات.. عتاب... يتطور الأمرويكبر.. ثم تعود المياه إلى مجاريها صافية هادئة.. لكنها المرة الأولى التي يتطورفيها الأمر إلى هذا الحد.. فجأة، وبعد ثورة من ثوراته، قرر أن يذهب إلى البحر...قال" بإمكانك أن تأتي" لكنه كان يريد أن يذهب وحيداً.. قرأت كل شيء في عينيهالثائرتين.. ما تعودت أن تبقى هكذا وحيدة.. كانت تشعر أنه الهواء الذي تتنفسه..فكيف مضى هكذا... وتركها..... ملأت الدموع عينيها، وأخذت تبكي بحرقة . *** *** *** صعدأول درجة.. تركتْ الكرسي.. الثانية.. خطتْ خطوتين... الثالثة.. الرابعة.. الخامسة..السادسة.. كان باب البيت أمامها.. أخرج المفتاح من جيب بنطاله... وضعت يدها علىمقبض الباب... وضع المفتاح.. أداره... أدارته.. انفتح الباب.. وارتسمت على الوجهينابتسامتان بحجم العالم... عندها كانت الزهور التي في المزهرية، وتلك التي فيالشرفة، ترسل عطرها وتحاول بكل ما لديها من فرح، أن تضحك لنهار جديد... ..... |
الساعة الآن 21 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية