منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   ملف القصة / رشيد الميموني (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=280)
-   -   رسالة من بردى (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30885)

رشيد الميموني 24 / 11 / 2016 34 : 08 PM

رسالة من بردى
 
الجزء الثاني من قصة "بردى"
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=26156


[align=justify]رسالة من بردى

وأخيرا وبعد مدة حسبتها دهرا وصلني خطاب من بردى . خطاب لا أدري لم كنت متيقنا من وصوله يوما ما رغم أني لم آخذ وعدا منها ولا من أبيها بالكتابة إلي . لكني كنت اشعر في قرارة نفسي أن شيئا ما سيصلني منهما . إذ كيف يمكن أن ينتهي ذاك اللقاء الجميل في دكان الشوارمة "نور الشام" الكائن بشارع 10 ماي دون أن يعقبه ما يحيي ذكراه ؟
حقا ، لقد دب اليأس إلى قلبي في بعض الفترات وتوقفت عن المرور شبه الدائم أمام "نور الشام" ، لكني لزمت مشاهدة القنوات الفضائية وهي تقدم أخبارا عن الشام وأحداث الشام وغيرها حيث أريد للدماء أن تسيل ، مع اختلاف هائل في تناول مجريات الأمور . وكنت أحبس أنفاسي كلما أعلن عن فوج جديد من الضحايا الذين سقطوا دون ذنب سوى أنهم من الشام .
اختلاف التحاليل الإخبارية لم يغير قناعاتي ورؤيتي للأمور هناك . فأنا منذ الوهلة الأولى وربما بفضل حدسي الذي أزهو بصوابه في أغلب الأحيان ، لم أعترف بربيع ولا بخريف عربي . وكانت تصل مناقشاتي مع زملائي إلى درجة الحدة وهو يستنكرون موقفي من "مذابح النظام" ووقوفي ضد "الثورة الشعبية" وجيشها الحر.
كنت أتخيل بردى تارة تبكي مع بكاء الثكالى وتصيح مع صياح الأيتام والجرحى ، وتارة أخرى باسمة الثغر وهي تنتظر بكل ثقة غدا أكثر إشراقا . لكني لم أنج من كوابيس كان يتخللها منظر الصبية الوديعة مضرجة بالدماء في مكان ما من الغوطة أو حارة الضبع ، وكأني أعيش المسلسل التلفزيوني يقظة ومناما .
"سيدي .. لم أكن لأكتب لك هذا الخطاب لولا إلحاح أبي رحمه الله . ليس لأنك لا تستحق ذلك ، ولكن لأن الظروف التي عشتها وأعيشها جعلتني أعزف عن كل شيء ..
توقفت برهة عن القراءة وقد أصلبني الذهول ، ووجدت نفسي أتمتم "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. إنا لله وإنا إليه راجعون."
"لقد رحل أبي وهو يتمنى أن يسقط شهيدا من أجل الشام التي أحبها والتي دنسها المتشدقون بالثورة وبالربيع المسخ الذي أضل الكثيرين من أبناء جلدتي فانساقوا كالأغنام يقاتلون من أجل وهم يخدم فقط مصلحة العدو الأكبر."
أعطيت لنفسي بعض الوقت لتأمل كل ما كتبته بردى .. كل حرف يقطر ألما وكل كلمة تبدو مثخنة بالجراح . حتى أني سهوت عن موعد الحصة الدراسية ولم أنتبه إلى أن الوقت قد أزف إلا عند مرور ثلة من التلميذات بزيهن المدرسي الأنيق . فنهضت مسرعا وأنا أدس الخطاب في جيب قميصي الصيفي مشيرا إلى صاحب المحل بالتحية .
في الطريق كنت أحس أني أحمل حلما جميلا يلامس جانب صدري الأيسر .. كان يثلجه رغم حرارة ذلك اليوم المفرطة . وكانت لهفتي لا توصف لمتابعة قراءة الخطاب بعد أن أنتهي من الحصة التي بدت لي طويلة أكثر من المعتاد . فلم أصدق أنني صرت حرا طليقا حتى هرعت إلى البيت ويدي تتحسس باستمرار تلك الورقة التي بعثت في نفسي حماسا قل نظره وتلاشى بوصولها كل خمول وشعور بالملل .
حتى الطريق بدا لي لا منتهي .. لكني أخيرا وصلت وأغلقت الباب بإحكام وكأني أخشى أن يقتحم علي

أحد خلوتي فيفسد علي متعة القراءة . ولم ألق بال لضجيج الحشد الصغير المتوجه إلى ساحة النافورة ليردد كالببغاء ما تردد في أكثر من عاصمة عربية حالمة بربيع لن يأتي حتما كما تحب .. هل صار لكل بلد شهره وربيعه ، وصار يؤرخ لكل حركة احتجاجية بيوم وشهر وبصيحات كأنها سجلت لتتناقلها أفواه الجماهير الواعية وغير الواعية :"الشعب يريد ....." ؟
"رحل أبي وفي نفسه كبرياء الشام وعزة الريف ونقاء الياسمين الدمشقي الذي لا يستطيع أحد تدنيس نصاعته ، وبقيت أعيش فراغا قاتلا ووحدة قاسية . ولا أكتمك أني في لحظة يأس عزفت عن كل شيء وتمنيت الموت . لكن روح أبي المتمكنة من وجداني ووعيي بأن الشامية القحة لا تستسلم لليأس كانا لي السلوان ومنحاني الثقة . كان يقول لي :- إياك أن تفرحي لشيء أو تحزني له دون أن يكون ذلك من أجل الشام .
كان بودي أن أسهب في وصف الضلال الذي أصاب من حلم بثورة وربيع وهميين ، والتيه الذي طبع نفوس الكثيرين من بلدان أخرى ممن تجندوا ليحاربوا باسم الجهاد من أجل وهم وسراب .. نعم .. جاءوا ليجدوا الموت بانتظارهم وليلطخوا أيديهم بدماء إخوة لهم في الدين والعروبة ، لكني أدرك أن ذلك سيكون إطنابا لا جدوى منه لأني – مثل أبي رحمه الله – أعرف وعيك بما يجري دون أن تحكي لنا رأيك . فوالدي كان يتمتع بفراسة حادة ولم يتوقف عن الحديث عنك منذ طوال مدة سفرنا وبعد وصولنا إلى الشام ."
توقفت من جديد عن القراءة وكأني أسترد أنفاسي المتلاحقة وهي تعدو لاهثة وراء كل كلمة كتبتها بردى . كل حرف يقطر عذوبة وكل حرف يعبق شذا وكأني بعينيها أمامي تنطقان وبشفتيها تمليان علي الخطاب .
كنت أعيد قراءة كل فقرة من فقرات الرسالة كما لو أني أستعذب الحروف والكلمات أو كأنني لا أريد أن أصل إلى نهاية الخطاب سريعا . لكن لهفتي لمعرفة المزيد من الأخبار جعلني ألتهم السطور التهاما .
"لقد انتهى ربيع أولئك الحاقدين والجاهلين كما بدأ . ذابلا كأحلامهم التي تحولت إلى كوابيس وصار عليهم الآن أن ينعوا ربيع حياتهم التي وهبوها حطبا لنار بدأت تلتهم الأخضر منهم واليابس . وسأكون في قمة السعادة - إن مد الله في عمري - أن أخبرك أن غدا مشرقا للشام قد بزغ وأن ليل من دنسوها قد بدأ ولن ينتهي."
تحياتي لنبل شخصك ورقي فكرك ...
بردى نور الدين حافظ "
لم يعد شغلي الشاغل في الأيام التي تلت وصول الخطاب سوى الجلوس لساعات طوال أمام قنوات الأخبار الفضائية لأتتبع بكل شغف ولهفة ما جد من جديد عن أحوال الشام ، أو على الأنترنيت مقربا خريطة الشام على موقع ڭوڭل حتى تبدو لي شوارع المدن وسياراتها ، وأجد نفسي أهمس :

- سلام عليك بردى ..حماك الله من كل سوء . [/align]

محمد الصالح الجزائري 25 / 11 / 2016 25 : 01 AM

رد: رسالة من بردى
 
[align=justify]جميل جداّ هذا الجزء..قصّ رائع جدا..سأعود مرّة أخرى بعد قراءتي للجزء الأول وهذا لتشكيل صورة موّحدة في الذهن..[/align]

رشيد الميموني 25 / 11 / 2016 35 : 01 PM

رد: رسالة من بردى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 220251)
[align=justify]جميل جداّ هذا الجزء..قصّ رائع جدا..سأعود مرّة أخرى بعد قراءتي للجزء الأول وهذا لتشكيل صورة موّحدة في الذهن..[/align]

أخي الغالي وجاري الأعز ..
يسعدني تجاوبك هذا واحتفاؤك بنصوصي وأرجو أن أبقى دائما عند حسن ظنك .
محبتي

Arouba Shankan 02 / 02 / 2017 24 : 06 PM

رد: رسالة من بردى
 
سلامٌ أرق من طبع النسيم، على بردى وعلى الشام ومحبي الشام
رائعة ومُعبرة تلك الكلمات التي ضجت وفاءً
تحيتي

رشيد الميموني 02 / 02 / 2017 01 : 07 PM

رد: رسالة من بردى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 223282)
سلامٌ أرق من طبع النسيم، على بردى وعلى الشام ومحبي الشام
رائعة ومُعبرة تلك الكلمات التي ضجت وفاءً
تحيتي

يسعدني أن تلامس كلماتي شغاف القلب لدى أهل الشام ..
ويسعدني أكثر أن تكون قصتي عنوان حب للشام وأهله جميعا .
شكرا لك عروبة على تجاوبك ..
لك كل المودة اللائقة بك

زياد أحمد سقيرق 02 / 02 / 2017 18 : 09 PM

رد: رسالة من بردى
 
مساء الخير : كما تعلم صديقي وأستاذي الغالي كم أعجبت بالقسم الأول من القصة ، فقد أبهرني أن يخرج هذا النوع من القصص من أقصى المغرب العربي ، وسبب اعجابي بالقسم الأول كانت الحبكة القوية والمتماسكة للقصة ، وثانياً صدق الكاتب في التعاطف الإنساني والقومي مع ابنة حلب والتي صادف اسمها بردى ، والذي جعل القارئ يتعاطف مع بردى وكل أبناء سوريا الذين نزحوا وتهجروا في كل بقاع الأرض ، وصدق الكاتب كان في عدم تسيس الموقف الخاص ببردى وأبوها ، وأما الآن في هذا القسم / الرسالة أصابتني خيبة أمل كبرى ، فأنا هنا أمام خطاب سياسي مباشر ضرب بعرض الحائط كل الحبكة الجميلة لقصة بردى ، كي يوصل رسالة ما " عن ربيع عفن ومؤامرة فشلت " ولكن السؤال كيف عادت بردى لبلدها ألم تكن نازحة وقد وصلت أقصى المغرب العربي ( هل عاد النازحون ولم أعلم ! ) أم هي أمنيات وأحلام فتاة أخرى ليست بردى ... الله أعلم

بوران شما 02 / 02 / 2017 55 : 10 PM

رد: رسالة من بردى
 
الأخ العزيز الأستاذ رشيد الميموني

من سوء حظي أنني لم انتبه للقسم الأول من القصة ، لذا سارعت
لقراءة القسم الأول ومن ثم قرأت القسم الثاني ،
رائعة من الروائع قصتك أ. رشبد ، رائعة بأحداثها وتفاصيلها والأهم
اسم بطلتها " بردى "
نعم بردى للشام ولن تكون غير ذلك ، وربنا يفرجها على الشام وأهل
الشام وأن يعودوا إلى شامهم وقد عادت كما كانت ،
شكرا لك على هذه القصة ، وفيها كل معاني الإخلاص والوفاء .
تحياتي وتقديري .

فاطمة البشر 02 / 02 / 2017 33 : 11 PM

رد: رسالة من بردى
 

لقد قرأت قصة "بردى" منذ فترة، ولم أستطع التعقيب،
وها أنا أقرأ الجزء الثاني منها ، ولم أستطع التعقيب أيضاً ...

يعجبني أسلوبك في القصّ، الذي أشعر وكأني جزءٌ من القصة ..
دام حرفك المبدع
ودي ووردي

رشيد الميموني 02 / 02 / 2017 40 : 11 PM

رد: رسالة من بردى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد أحمد سقيرق (المشاركة 223290)
مساء الخير : كما تعلم صديقي وأستاذي الغالي كم أعجبت بالقسم الأول من القصة ، فقد أبهرني أن يخرج هذا النوع من القصص من أقصى المغرب العربي ، وسبب اعجابي بالقسم الأول كانت الحبكة القوية والمتماسكة للقصة ، وثانياً صدق الكاتب في التعاطف الإنساني والقومي مع ابنة حلب والتي صادف اسمها بردى ، والذي جعل القارئ يتعاطف مع بردى وكل أبناء سوريا الذين نزحوا وتهجروا في كل بقاع الأرض ، وصدق الكاتب كان في عدم تسيس الموقف الخاص ببردى وأبوها ، وأما الآن في هذا القسم / الرسالة أصابتني خيبة أمل كبرى ، فأنا هنا أمام خطاب سياسي مباشر ضرب بعرض الحائط كل الحبكة الجميلة لقصة بردى ، كي يوصل رسالة ما " عن ربيع عفن ومؤامرة فشلت " ولكن السؤال كيف عادت بردى لبلدها ألم تكن نازحة وقد وصلت أقصى المغرب العربي ( هل عاد النازحون ولم أعلم ! ) أم هي أمنيات وأحلام فتاة أخرى ليست بردى ... الله أعلم

[align=justify]العزيز الغالي زياد حياك الله ..
أسعدني مرورك هذا وما حمل تعليقك إغراء بنقاش وتبادل الآراء .
مما لا شك فيه أننا جميعا نشترك في حب لا محدود للشام ونتألم لما أصاب سورية العزيزة علينا جميعا .
وهناك حقيقة أود أن أوضحها وهيي أني أبعد ما أكون من الخوض في السياسة كيفما كانت سواء داخلية أوخارجية إلا ما يتعلق بانتمائي العربي والاسلامي واهتمامي بقضية الأمة .
في ما يخص قصتي أردت لأأن أعبر عن رأيي المتواضع حسب الزازية التي أنظر إليها بعد أحداث "الربيع العربي"
وإذا كنت لا أشك في تلقائية خروج الشعوب الى الشةارع منادية بالعدل والكرامة والعيش الرغيد فإني أتحفظ على تداعياتها لأن هناك من ركب فوق الثورات ليغير من مجراها ويقطف ثمارها .. وإذا كاانت بعض الدول قد انحصر الصراع فيها بين النظام والشعب فإن سورية ، نظرا لموقعها ومواقفها العروبي جعل منها بؤرة للمؤامرات بحيث تدخل القريب والبعيد من أجل غايات وأهداف محددة بل وأطماع مكشوفة .
وقد أشرت الى هذا في معرض ردي عن سؤال ورد في مجلس التعارف .
أشكرك أخي على إتاحتك الفرصة لي كي أبدي رأيي ولو باقتضاب وفي نيتي محاورتك طويلا لأستمع إليك وأتابع تصوراتي .
كل المحبة اللائقة بك .
[/align]

رشيد الميموني 02 / 02 / 2017 48 : 11 PM

رد: رسالة من بردى
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوران شما (المشاركة 223295)
الأخ العزيز الأستاذ رشيد الميموني

من سوء حظي أنني لم انتبه للقسم الأول من القصة ، لذا سارعت
لقراءة القسم الأول ومن ثم قرأت القسم الثاني ،
رائعة من الروائع قصتك أ. رشبد ، رائعة بأحداثها وتفاصيلها والأهم
اسم بطلتها " بردى "
نعم بردى للشام ولن تكون غير ذلك ، وربنا يفرجها على الشام وأهل
الشام وأن يعودوا إلى شامهم وقد عادت كما كانت ،
شكرا لك على هذه القصة ، وفيها كل معاني الإخلاص والوفاء .
تحياتي وتقديري .

ما أجمل أن أحظى وقصتي بهذا الثناء ..
وما أعذب يكون هذا الثناء منك أختي بوران لأنك تحملين عبق الشام وأنت تتواجدين فيها .
شكرا من كل قلبي على حضورك البهي .
محبتي بلا حدود


الساعة الآن 16 : 01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية