![]() |
المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
''الكتابة عمل تحريضي، يحرض الذات ضد الآخر، وهي في الوقت ذاته تحريض للآخر ضد الذات. ولشيء صحيح قال العرب (من ألف فقد استهدف).
إنها الكتابة الهدف والمنطلق: منها وإليها. وليست الذات ولا الآخر إلا نصالا تتكسر على نصال، والمنتصر الوحيد هو الكتابة، فهي كالباقي بعد أن يغيب الكاتب الفاعل، ويتغير القارئ المنفعل" عبد الله الغذامي من هذا المنطلق وأنا أتصفح كتاب الدكتور عبد الكامل أوزال رسالة التربية في القرآن الكريم " نحو نموذج تربوي قرآني " ، اطلعت بين ثناياه وبين دفتيه على عمل راق ٍ .. دفعني إلى متابعة القراءة دون توقف ... فاتضح لي التكامل والتناسق بين فصليه ووحدة موضوعه .. كتاب بمقدمة جد مقتضبة ومركزة .. سعى من خلالها الكاتب إلى تبيان معالم ومفاهيم التربية في القرآن والرسالة التربوية .. مقدمة تشكل خارطة رؤية ومنهجيةمؤلف في تناول إشكالات ومباحث متعدده بفكر ناضج ورؤية واعية مدركة وبأسلوب مُلم ّ بجوهر الأشياء لا بقشورها .. وبداية ألفت النظر إلى أن هذاالتقسيمَ المحكم للكتاب .. من مقدمة وفصلين وخاتمة وتوصيات ، تقسيم ينم عن استراتيجية متقنة تمكن القارئ أولا من رصد تلك المفاهيم النظرية للتربية وأسس ودعامات الرسالة التربوية ليصعد لاحقا مع المؤلف إلى كشف الأفق المنتظر من الكتاب ..كشف لمواصفات النموذج الأمثل وخصائصه .. بشكل يجعل القارئ يستبين علامات التبصر والدقة في الاختيار وبساطة في الانتقال والكشف . من هنا، لا أراني مجانبة للحقيقة حين أقول: كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم .. إضافة نوعية للبحوث الهادفة .. . كتاب قيم وهادف فيه إفادة جلّى .. كما إنه رسالة ُإصلاح وتوعية ، في لحظات انعطاف وضبابية .. في لحظات تيه ٍ وتخبط .. منطلقات في قراءتي: من منا له الجرأة الكافية للتصريح والاعتراف .. أنه فقد زمام التربية نتيجة اختلاط وجريان وفقدان بوصلة وسط صراع محموم بين الأصالة والحداثة. .. صراع ٌ أفرز نماذج مختلفة متشابهة متناقضة ، أفرز أزمة في التربية ، أزمة في الأخلاق ...أزمة في التفكير الحقيقي الناضج وضبابية في الرؤى ، هي ضبابية ستزول بمجرد البدء في قراءة الكتاب والتوقف عند الأفكار العميقة الواردة في المؤلف .. والتي هي تجريد لقضايا دقيقة ومفاهيم تم انتقاؤها بعناية ، وتحديد لإشكالات فكرية عميقة ، حاول المؤلف مقاربتهاوتوضيحها وتبيان أهميتها بالاستناد إلى المرجعين الأساس.. القرآن و المنهاج النبوي .. في أفق استجلاء النموذج الحق والمثال الأعلى المنشود.. ولقدتوقف حدد الدكتور عبد الكامل أوزال في الفصل الأول عند موضوع التربية في القرآن الكريم وربطها بالهداية والثبات على طريق الله القويم والصراط المستقيم .. تربية قرآنية أساسها التوحيد ومجالها العبادة الصرفة الخالصة ومكارم الأخلاق .. فحسن الخلق هو الدين كله " إن من خياركم أحسنَكم أخلاقا "كما جاء في صحيح البخاري والحديث عن مكارم الأخلاق يرتبط ارتباطا وثيقا بالنفس البشرية المؤمنة اللوامة التي اقسم بها الله سبحانه وتعالى " لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة " وبالعقل الذي شرف به الله عز وجل الإنسان وفضله على كثير مما خلق تفضيلا ..وبالقلب الذي به يستنير ويستهدي ، ليميز الخبيث والطيب والصالح من الطالح .. تربية قرآنية ورسالة لبناء النموذج الحق " لنموذج كوني عالمي كما أشار إليه المؤلف هذا النموذج المتوخى ..لإنسان قويم ، عقلا وقلبا ونفسا وجسدا .. هو نموذج عدته القرآن وروحه كتاب الله وجوهره تزكية النفس وتقويمها وتطهيرها من كل الخبائث والدنس.. أسس حددها المؤلف في فطرة الاعتقاد باللهوالإيمان به .. وبوحدة الدين والرسالة الخاتمة وفهم روح الدين الإسلامي عقيدة وعبادة ومعاملات حتى ينطبق ذلك في الآداب والأخلاق والسلوك .. بهذا المنظور الواضح .. وبهذه المنهجية العلمية الواثقة تمكن الكاتب من استحضار لمصطلح النفس والإشارة إليه في كل المباحث والفصول ( المجال النفسي - النفس البشرية - التزكية -/// مبدأ تطهير الأنفس من العقائد الباطلة - التعليم والتزكية - تزكية النفس وتقويمها ..) قال تعالى:"" ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " الشمس 7- هو حضور لمصطلح "جوهري محوري " بين ثنايا الكتاب و تأكيد من الكاتب على هذا النبض " القاعدي " الذي يشكل قاعدة السمو والخسران .. قاعدة التقوى والفوز وقاعدة الفجور والخبث .. قاعدة الكمال والتكامل . يقول ابن القيم "سبحان الله .. في النفس : كِبرُ إبليس ، وحسدُ قابيل ، وعُتُوّ عاد ، وطغيانُ ثمود ، وجرأة النمرود ، واستطالة فرعون ، وبغي قارون ، وقِحة هامان ، وهوى بلعام ، وحِيَلُ أصحاب السبت ، وتمرّد الوليد ، وجهلُ أبي جهل .. فالمؤلف يؤكد على الخواطر الطيبة للنفس بالتزكية والتربية الإيمانية التي تنمي عناصر الخير فترفع الإنسان إلى مرتبة فضلى ومقام محمودٍ "" إذ قال في الصفحة 140" إن خاصية تزكية النفس وتقويمِها من أساسيات التربية في القرآن الكريم . فهي تدل على يقظة القلب وصحوة الضمير الإيماني في نفس المؤمن، ... إن سمة التزكية تجعل المؤمن عموما والمربي القدوة خصوصا مداوما على تأديب نفسه وتزكيتها وتطهيرها بدءا بالتوبة والإنابة ، ومرورا بالمراقبة والمحاسبة ، وانتهاء بالمجاهدة " فكما للنفس خواطرها الطيبة لها خطراتُها السيئة التي تزداد كلما ازدادت الاستجابة لها والاسترسال معها .. وقد تخبو بالمشارطة و بالصبر مادام الصبر هو عدّة المجاهد كما أكد على ذلك المؤلف وأشار إليه ابن القيم 'الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة .. وإما أن تقطع لذة أكمل منها .. " وفي سياق تفحصنا وتتبعنا لهذه القاعدة ورسم ملامحها نجد توازنا واضحا بين المنطلقات والغايات .. منطلقٌ أساسه ' الرؤية التربوية ' الكونية على هدى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، عملياتها التكوين بالصقل والشحن والتجويد "ص98 رؤية تربوية ربانية شمولية واقعية ، عالمية إنسية تسعى إلى صقل للتفكير والتفكر في آلاء الله والنفس والكون ، وشحن للروح بالتقوى والعقيدة الصحيحة المثبتة في الكتاب والسنة وتجويد للأخلاق وارتقاء إلى مرتبة الإحسان والكمال . وغاية مبتغاها الاستمرار والتحقق ... تحقيق هذه الرؤية التربوية التي تستجيب لحاحات الإنسانية المتجددة مادامت تستهدف توجيه سلوك وأخلاقه الإنسان إلى الأفضل والأسمى وإرساء قوة الممانعة للحفاظ على الدين والنفس ، وبث قيم أخلاقية روحية.. " بهذه الرؤية الشاملة الثابتة حاول المؤلف رسم السمات المثلى للمربي" القدوة " في القرآن الكريم والتربية بالقدوة من أنجح وسائل التربية ،فأدرج النموذج الأفضل الذي اجتمع فيه من الخير والفضل ما تفرق في الناس والأنفس ، نموذج اجتمع فيه كريم الأخلاق على أفضل درجاتها من حسن تعامل وآداب رفيعة وحلم ورفق وحسن صبر وتزكية للنفس " هو النموذج القدوة في سيرة نبي ورسول اصطفاه الله وأدبه فأحسن تأديبه ، فقال في شأنه عز وجل " وإنك لعلى خلُقٍ عظيم "القلم 68 ومع استحضار هذا المنهج الرباني المتكامل .. وهذا النموذج القدوة " الكوني " يستحضر الكاتب إجابات ضمنيةً لأسئلة عديدة .. تغيب وتحضر مع كل أزمة تربية .. مع كل انحراف فكري وانزلاق سلوكي .. مع كل فشل في معالجة وعلاج .. مع كل اضطراب أخلاقي وفساد " كوني " .. مع أزمة جديدة أصبحت تشكل بؤرة " الأزمات " أزمة الإنسان!! إجابات بعدة منهجية موضوعية تستبعد التشكيك والحيرة وتؤكد على الإنغماس الإيماني الذي يحسب للكاتب لا عليه .. إذ حاول الدكتور على امتداد الفصل الثاني أن يحدد مواصفات ِوسمات وخصائص هذا النموذج الكوني فاعتنى عناية خاصة بالشخصية الإحسانية و بالمبادرة إلى الإحسان في الأعمال فذاك لب الإيمان وجوهره ، " فالإحسان هو الدرجة الرفيعة في معراج التربية الإيمانية " ص 143 وانطلاقا من أهمية الإحسان "والشخصية الإحسانية " يحاول المؤلف أن يقنعنا ضمنيا أنه لا يمكن تحقيقَ هذا النموذج الكوني من دون وصول إلى رقي أخلاقي ولا يمكنأن نحقق هذا الرقي الإيماني الأخلاقي إلا بإرساء قواعد َتربويةً سليمة مستمدة من الكتاب والسنة.. فالمؤلف يعالج في العمق رسالة التربية والنموذج التربوي ، وهي إشكالية كتب حولها الكثير، إشكالية كانت ولاتزال مجالا خصبا للبحث والدراسات المختلفة المتشعبة .. غير المحسومة بالأجوبة القطعية وبالحلول القاطعة الصائبة ،.. إي نعم .. ولكن المؤلف تمكن من وضع اليد على الأسس والمبادئ الكبرى المؤطرة للتربية فتمكن من تقديم النموذج التربوي الكامل المتناسق العالمي الكوني ، بالاستناد إلى مرجعيين متماسكين منسجمين لا خلاف حولهما. ويبدو لي وأنا أقرأ هذا الكتاب القيم .. أنني اللحظة في أمس الحاجة إلى طرح هذا السؤال .. الذي أتقاسمه معكم كما أتقاسم مع مؤلف الكتاب .. متى يمكن أن نحقق مثل هذا النموذج التربوي المتوازن خُلقا ونفسا وهل يمكن ذلك حقاً .؟؟ هو سؤال كثيرا ما طُرح بصيغ متقاربة وفي أزمنة مختلفة ... هو سؤال حالم يستبطن هاجسا دفينا مؤرقا بين إمكانية التحقق واستحالة التوقع ..!؟ |
رد: المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
[align=justify]سياحة راقية جدا جدا..بوركت أختي الغالية الدكتورة رجاء على هذا المبحث الهام..شكرا لك..[/align]
|
رد: المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
وشكرا لك أخي الغالي محمد على مرورك الرائع وحضورك الجميل الذي ينشرح له الصدر .. وترق له حواشي الدهر "
دمت وسلمت |
رد: المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
مشكورة د. رجاء على إفادتنا بمحتوى الكتاب بهذه الصيغة المتفحصة التي تفتح الشهية على اقتنائه بوركت وبورك قلمك المتلون محبتي الدائمة |
رد: المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
الأستاذة الغالية ليلى مرجان ..
باقة شكر لك .. على جمال حضورك ووارف عبورك وقراءتك دمت وسلمت |
رد: المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
بارك الله فيكم
موضوع شيق وجميل احترامي |
رد: المنطلق والغاية' في كتاب رسالة التربية في القرآن الكريم' للدكتور عبد الكامل أوزال
::
اقتباس:
وبارك الله فيك أستاذنا الفاضل دمت وسلمت |
الساعة الآن 23 : 03 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية