![]() |
تشييع الأحلام
تشييعُ الأحلام
في آخر زيارةٍ لها، خرجت تجهشُ بِالبُكاء..لوّن أرصفة المدينةِ الحِداد، وسَادَ الصمتُ رُدهات المطار، في النِداء الأخير قرأت أعلى البوابة: توقف النبضُ عن وداع المُشيعين وقفتْ عَاجِزةً عن فكِ رموزِ ماقرأت.. لكنها تَذكَرت دامِعة.. تِلك الشوارع.. وتلك القلعة التي أودعتها أسرارها.. وتيك الأسواقُ التي أضحت بعيدة بعيدة.. كم منّت نفسها بالنفيس من معروضاتها! على غفلةٍ من قطارِ العمرِ..تتوقف المحطات عن اِستقبال المُسافرين..وتعجزُ المطارات عن حجزِ تذاكرِ السفر..وطنها صَار وسيلةً إعلانية اِستقطبت عدسات العالم..وطنها عالمٌ صغيرٌضم العالم الكبير بين أرصفته، ووديانهِ، وعلى ضَفاف شُطآنهِ..وطنها لؤلؤةٌ استوطنها غدر الزمان.. وهي، قصيدةٌ بعثرتها قوافي الإغتراب.. لحنُ نايٍّ أدماهُ الحُزن.. هي فتاةٌ عجزت عن الإحتفاظ بالمحار الغافي أعماق أرضها.. كان عليها أن لا تُغادر تلك الشجرة التي ألِفتها في فصول وأكثر.. في إحدى الغارات العنيفة راودها حُلم الفِرار، الفِرار من الإنتظار..الفِرار من عدّ دقائق السِلم، في ظل حربٍ طويلةِ الأمد..لم تكن تعلم كم كان حُلمها خطيراً للغاية، هل ستجد السِلم في ساحات المطارات!هل ستنتصر على قرارات آلة الحرب التي تتوسع بتوسع البشرية! كثيرةٌ هي الأسئلة التي راودتها..ومابين حُلم الأمس ويقين الواقع تتسمر قدميها بأرضِ المطار..هل تعود؟ لم يتبق في منزلها سوى بقايا صور..من الزمن البعيد..عندما كانت طفلة..تُداري نظراتها الخجولة مِن عيون مُحبيها..بقايا أشياءٍ من أيدي والدتها التي ضجت من إهمالها لها.. لم تكن والدتها نظيفة إلى الحد الذي يبعث في النفس الرغية في الجلوس في المنزل..رائحة الغبار، التي تختلطُ برائحة الطبيخ..الفوضى كانت عِنوان والدتها..تتبع أخبار الجيران.. ورصد خطوات المارة! لاشيء يُغري بالعودة..ستبقى مدينتها في قلبها..عودتها لن تُعيد الأمن والاستقرار..على الجميع أن يُغادر..مُشيعي أحلامهم في حقائب سفرٍ حتى أجلٍ غير مُسمى.. دخلت البوابة مُغالِبةً دموعها..اِقتربت من مًدرج الطائرة ..صعدت بِتثاقُلٍ أمام مدخل الطائرة إلتفتت وألقت التحية على وطنها..الذي رُبما لن تراهُ ثانية..دخلت بتأن واِتخذت مجلسها..ربطت حِزام الأمان..اِستعد الجميع.. للإقلاع..ورويداًرويداً بدأت الطائرة بالإبتعاد عن ساحة المطار..كانت العصافيرُ تُشارك المسافرين تشييع أحلامهم..حلقت والطائرة علت معها..وسدتها الغمام..ثم عادت أدراجها إلى سماء الوطن الرحبة. موطنها الذي لن تتنازل عنهُ.. تفقدت مافي جُعبتها وسط غمام السماء.. وجدت نبض حنينٍ لمن اِبتعدت عنهُ بدأ يتصاعد.. رُبما لن يشتاقُها هذا الذي بدأت تحن لهُ..فقد أوجعتهُ كما باقي المُسافرين..بكت بحرقة..كما سُحب السماء التي بدأت بالمطر قطرة قطرة..قبلت نافذة الطائرة.. التي اِغتسلت بماء المطرالذي سيكون خير وصيّ على أرض وطنها.. الذي فيروي أرضهُ، ويغسُلها مِن دنس المخربين.. واصلت الطائرة تحليقها في فضاءات ساكنة..وتدريجياُ بدأت هبوطها فوق مُدرجات الغُربة..في غمرة اِستعداد الجميع للنزول، فقد الطيار السيطرة على إيقاع الهبوط، اِختل التوازن، وَوَسطَ صُراخٍ وعويل حَجَبَ دُخانُ الطائرة الرؤية لِيتلاشى حُلمها فتُشيعه السُحب الماطرة، عادَ حيث بوابات الوداع في وطنها هُنا انتهت الحياة.. شيع اليأسُ أحلام أبناءِ هذا الوطن.. |
رد: تشييع الأحلام
أديبتنا الجليلة عروبة شنكان..
آلمتني قصتك المحزنة كثيرا..تذكرت بها أحوال المهجرين والفارين من ويلات الحروب... قرأتها وأنا أنتظر عودة الفتاة لوطنها في آخر القصة ..لكن أملي خاب فالموت كان يترصدها... أتمنى أن تنبلج غيوم الحروب وتعلو اشراقة السلم على كل الوطن العربي حتى يتسنى للجميع تقبيل تراب وطنه... كما أتمنى لك حياة أجمل وأبهى ...دمت مبدعتنا الكبيرة.. تحيتي وتقديري |
رد: تشييع الأحلام
لطيفة كل الشكر المرور الجميل على نصي
نورت متصفحي الذي ينتظرك على الدوام تحيتي |
رد: تشييع الأحلام
كعادتك مبدعة عروبة ، وكعادة الحزن لصيق أوراقك .
تحيتي .وتقديري |
رد: تشييع الأحلام
أ. عزة
مرور وتعليق مشكورين نورت متصفحي وأكثر تحيتي |
الساعة الآن 33 : 09 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية