منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   قصص ذات مغزى (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=233)
-   -   الدمية (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=33512)

سيد يوسف مرسي 27 / 01 / 2020 53 : 10 PM

الدمية
 
الدمية
يشتاق المرء إلى امرأة تحتويه ، تضمه ... تسعده ....، يشتهيها حتى وإن كان لا يفارقها أو تفارقه ، حتى وإن جلست في حضن أضلاعه أو سارت في أوردته وشرايين قلبه ، تستوطن الفراش بظلها ولا تغيب ويرحل عقلها وتسبح روحها في واد هو لا يعرفه وتترك للرجل الجسد..... ، لكن تلك المرأة لم تجعل للحياة طعم ، خالية النكهة ، والمرء في ذاته مشطور ، شطر ينازعه ، وشطراً بداخله أبلد لا يبوح ، يتحجر بفعل العوامل الانكشارية امرأة حجرية بكماء من صميم البهيم العجم ، دمية لا تتحرك إلا إذا أدرتها وحركتها أصابع يدك ، انطلقت بنات فكره تلصص وتلتمس طريقاً للنجاة أو حتى فرصة قد تكون مؤتية تلقي إليه بثمرة تقتل غول جوعه وتملئ دنه الفارغ وتجفف بحر السراب من أمام عينيه وتخرجه من صحرائه وتقتل في نفسه الظمأ ،
يقلب حسان نظره في جموع الركب وينظر حوله وهو يسير على غير هدى ويطلق نوا ضره وهو يتفحص دميته ويقارن ...! وقد حار فيها ، وأحس بعمقه يلتهب ف ..... هب واقفاً وقد حضر طيفها الذي لا يتركه أينما ذهب وراح يحرك دميته يميناً ..... يساراً ، يجلسها على الأرض .... يصفق في وجهها ولا يرى إلا العينان شاخصتان في وجهها تحدق فيه وتعود كما هي لتلقى على الأرض ،دمية .......! كأنه يحاول أن يبعث فيها الحياة والدفء ، أن يجعل الدماء تدب في أوصالها ، أن يحرك عقلها في رأسها ، فليس هكذا تكون النساء ، لقد أعطوه ماكينة تعمل بالمازوت أو القطران فات زمانها وأنقرض صنفها عتيقة تلك الآلة والتي لا تعمل إلا بمفتاح وأوامر ميكانيكية ، فلا جدوى من المحاولة ، ود لو عصر رأسه ووضعه بين فكين من التروس . أين يجد حاجته ؟ ،أين يجد قلبه الذي مات ؟ ،الأمر بات لا يطاق وهو عالق في مكانه يعصره الندم وتلعقه السنون كما يلعق الجسد العراء ، تلك تجربة لم تك حلمه ولم يردها ، كبلته الأعراف فصار قعيداً يبكي عمره الذي مضى ،و يصارع حلمه ولا يعرف ما بقى ...!، فما زال أبو الهول جالساً ، رابضاً في بيته لم يتزحزح لم تأكله السنون ولم يتغير ولم تؤثر فيه أي عوامل مناخية متقلبة ،الدنيا كلها تغيرت حتى وجه الأرض تغير وفتحيه لم تتغير ،إلى حد كبير تشبه أبو الهول ليس في صلابته وإنما في ضخامته وغموضه وصمته ،
*****

ركب ( حسان ) يقتفي أثر الركب وامتطى جواده سفره ورحل يبحث عن رفيق يكمل معه ما تبقى من حياته ، إنها المرة الأولى التي عمد فيها على اتخاذ قرار يفلت به من حبل المشنقة ، وقد تحطمت سعادته على وجه تلك الصخرة الجلداء ، تمنى لو أنها ماتت أو فارقته للأبد . خرت قواه وأضناه البحث وقد حط الرحال فأين يذهب ؟ سنِةٌ من نوم تأخذه على غرة وقد أسند رأسه لا يدري أين المقام . ويرتفع الصراخ ويعلو ويكثر البكاء ويشتد النحيب وتأتي (رقية ) بنت أخته لتزف إليه الخبر المؤلم ، ماتت يا خالي .....! ماتت يا خالي ...؟ من يا رقية .؟ (مراتك ) يا خالي أم هدية يا خالي كاد يتوقف قلبه عن النبض وهو يخفي في سريرته الفرح ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،يا خالي .. زوجتك . زوجتي ؟ آه يا زوجتي ،،، وقد انبسطت سريرته وهو يكاد يطير لولا أن ربط الله على جأشه فكتم ما يحويه في داخله ، فإذا بالدار قد اكتظ بالمعزين والأقارب والجيران رجالاً ونساء وهو يسرع لتحمل إلى مثواها الأخير ليتنفس بعدها ويطلق زفيره المكظوم من جوفه ، ويدخل ليخاطب أطفاله بوجه حزين مكتئب كأنه الحزين على فراقها والأطفال ينظرون إليه ويلتفون حوله باكين ثم يخرج ليتنفس بعض السعادة المكظومة وامتد السرادق بعد الدفن ثلاثة أيام قضاها حسان وهو في كامل سعادته وقد لفحته الشمس فعرق جبينه وفاق من حلمه على نداء...! حسان
حسان ... سبحان من له الدوام
بقلم / / سيد يوسف مرسي
الجهني

عزة عامر 24 / 10 / 2022 40 : 08 PM

رد: الدمية
 
أ لهذه الدرجة يمكن أن يعش المرء مع من لا يحب ، إو يطيق ، للأسف الكثير من البيوت تحمل ذلك النمط ، من تلك القصة ، تحدثت عن الواقع بواقعية جريئة وصادقة أيضا !
يبدو أنها الحياة بسننها ، وربما كل حسان يتوهم أنه وحده من يشعر بذلك ! فما أكثر الحساسين..
شكرا لك أ/ سيد يوسف على الموضوع الواقعي ...


الساعة الآن 54 : 01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية