منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـميـزان (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=334)
-   -   قراءة في نص "شاطئ طفولتي" للكاتبة عروبة شنكان (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=34036)

ليلى مرجان 24 / 09 / 2020 22 : 12 AM

قراءة في نص "شاطئ طفولتي" للكاتبة عروبة شنكان
 
"قراءة في نص "شاطئ طفولتي"

بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة إلى أنه ليس من السهل إنتاج نص قصصي محكم البنية والبناء؛ فالقصة القصيرة فن أدبي مواكب لكافة التحديات المجتمعية، وفي هذا المقام سأحاول تقديم نقد على مستوين كل على حدة؛ مستوى دلالي وآخر يتناول بنية النص، هدفه البناء لا الهدم؛ فكل قراءة نقدية ما هي إلا بوتقة لإظهار محاسن العمل الأدبي وما اعتوره من هنات، وهو آلية تسعى لتطوير وتقنين مضامينه.
فمن حيث الدلالة نطل على نافذة النص "شاطئ طفولتي"؛ فنجدها تشي بحكي عن مرحلة الطفولة البريئة؛ وهي أجمل العمر على مسرح أحد أجمل مكون طبيعي لكوكب الأرض؛ إذن نحن أمام جمالية مزدوجة؛ جمال الطفولة زينة العمر، وجمال الشاطئ بهجة النفوس، والمتوقع في السرد أنه سيترك في نفس القارئ آثارا سارة طيبة عن تلك الطفولة البريئة.
لنسبر أغوار النص لمعرفة هل صدقت النافذة رؤيتها أم أن القصة تفنذ حقيقة التوقع؟
"حضن براءتي ومختلف فصول نجاحاتي، شاطئ المتوسط الممتد في شراييني"؛ روعة في التعبير هذا المستهل به النص؛ جملة ذات حمولة دلالية ورنة قوية تهز القارئ هزا، وتجره على وثيرة فائقة السرعة ليلتهم النص في قراءة أولى عجلى فضولية للإطلاع على مضمونه؛ وهي جملة لم تخطئ التوقع؛ بل تكاد تكون الجملة الوحيدة داخل إطاره، والمعبرة عن عتبة النص؛ وكأنها تشكل وحدها قصة منفردة بذاتها داخل إطار التوقع لماذا؟
لأن الجملة مجرورة بحرف "على" تجر القارئ إلى نافذة أخرى مغايرة لسابقتها، تستفز توقعه لطفولة بريئة على شاطئ جميل، وتدخله سردابا مظلما غير واضح المعالم، يأوي أساطير عبور لآلاف الوجوه والعبرات؛ لكل وجه قصة ولكل دمعة زفرة؛ باتت حبيسة السرداب لم يفصح عنها السرد إلا في فعل أمواج الشاطئ المتلاطمة والمعبرة عن غضب ماض؛ لكنه ممتد في شرايين طفولة بريئة قبرت الرياح أسوار قلاع أحلامها؛ فكانت عرضة لغرق نجت منه، ومحاولات انتحار باءت بالفشل.
لكن السؤال المطروح هو؛ كيف يشكل شاطئ المتوسط نقطة هامة في حياة البطلة ويشهد مختلف فصول نجاحاتها وقد دمرت الرياح أسوار قلاع أحلامها المشيدة على رماله؟ هذا ما سنبحث عنه في النص بقراءة متأنية لفصول سرد اعتمدت فيه الكاتبة توظيف لغة إيحائية رمزية تعبيرية.

-"كبرت"؛ فعل يعبر عن انتقال من مرحلة عمرية متلهفة للعب غير عابئة بما حولها، إلى مرحلة تليها واعية بمجريات الأحداث التي تعايشها؛ وإذا تمعنا النص جيدا نجد أن البطلة ولدت كبيرة وترعرعت خارج الزمن؛ لا يليق بها فعل "كبرت" الذي يعبر عن قفزة كبيرة في مسيرة الحياة؛ لأن الحلقة الأساس في عمرها مغتصبة؛ تفتقد لعمودها الفقري الذي ترتكز عليه مرحلة ما بعد الطفولة؛ لذلك جاعت البطلة للطفولة بمعناها الحقيقي المتولد من طبيعة الإنسان الفسيولوجية، لا المفروض عليها بحكم الغدر؛ فالطفل داخل البطلة أبى أن يكبر؛ لأنه عاش لوحا بلا مجداف تتقاذفه أمواج الأحزان، فمن جهة ظل فريسة للآلام المتراكمة والحلقات المتوالية لمعنى الفقد في المنفى، ويصارع من جهة أخرى أمواج الغربة المحتمة قسرا؛ على واقعه كطفل، ويحلم ذات الوقت بوطن يبعث من الركام، فأي ركام هذا الذي خلق الأحزان؟
صاغت لنا الكاتبة الأحداث بلغة الدمع؛ ابتداء بالفاجعة التي اتحدت مع الآلام الغافية وراء السطور؛ والتي داهمت أسِرَّة الأسرة وأرقت وسائدها لتزيد الطين بلة، وتسرق ما تبقى في جعبتها من أحلام باصمة حزنا مضافا؛ إنه الحريق على مستويين بكل معانيه أتى على الحابل والنابل؛ رمزت القاصة على ظاهره بالثاوي خلف القص؛ وقد حرم الطفولة حقها في اللعب وأحرق عالمها مع آمالها وأحلامها، مخلفا فوضى ومأساة حقيقية مع احتراق الغابة الممتدة على الشاطئ، وقد عبرت عن الفاجعة بلغة بديعة الوصف (الأرصفة الملتهبة – فوضى تدمي القلوب- نكشت الريح شعرها، مزقت الأغصان المتكسرة ملابسها) فوضى قطعت على المصطافين راحتهم؛ فعادوا أدراجهم فارين من كارثة مفتعلة في محيط الاصطياف إلى غير رجعة إليه.
وتظل الطفولة لصيقة بالبطلة وهي ترحل إلى عالم قرر والدها الهجرة إليه (قبل أن أكبر بقليل نسيت أن ألقي بألعاب طفولتي)، إنها تتشبث بهذه المرحلة التي كسرتها الأهوال، فرغم ترك الأسرة لكل ما يثير الذكريات ويحرك الحنين إلى كل غال متخلى عنه قسرا -عبر باخرة السلام التي لم تختر البطلة اسمها عبثا؛ إنما ترمز به الهروب من فواجع أدمتها إلى حيث النجاة والأمان في أرض الغربة- فإن ذهنها ظل عالقا ببيت الأسرة على الشاطئ، ومراكب التنزه الذي تزين خاصرة ساحله بألوانها الزاهية، وعيناها الدامعتان أمام مشهد الحريق الذي انفجر في قلبها ففقدت الراحة إلى وقت غير معلوم و ظل الشوق والحنين إلى وطنها يؤرقها (غادرت سريري إلى أجل غير مسمى).
وفي الحديث عن تغيير الموانئ، والأرصفة ومنازل الاستئجار تحيد الكاتبة عن ذاتها؛ لتفرد مساحة من القص بذوات لصيقة بها؛ لكنها خارج إطار تفكيرها ومعتقدها الذي تتشبث به؛ أولا أختها التي تتمتع بحياتها، وترغب بالاستقلالية ممن يخالف توجهها في الحياة، وثانيا أخوها الذي عاد يروج لتيار حسنائه التي جلبها من دولة أخرى، كل ذلك أوقع الكاتبة في ضغط نفسي متتالي؛ رغبت في الهروب منه (اريد أن أتنفس بشيء من الحرية- أريد أن أهرب من جلدي لأعود إلى جلدتي، لقد تغير كل شيء) لم تتنازل عن مبدئها وأفكارها؛ وهي الساهرة على تثبيتها في معتقد إخوتها، لكن الظروف زحزحتهم عن منحاها وتطلعاتها لذلك سافرت عبر أحلامها إلى وطنها لأنها تفتقد دفئه.

انتهت القصة وبقي السؤال معلقا؛ كيف يشكل شاطئ المتوسط نقطة هامة في حياة البطلة ويشهد مختلف فصول نجاحاتها؟ لم تفصح الكاتبة عن الجواب؛ وأوقعت المتلقي في دائرة التخمين، لربما كان اختيارها لمهنة الصحافة من وحي الوقائع التي شهدتها في حياتها؛ فحققت فيها نجاحا كبيرا، كما أبرت الأزمات قلمها البديع لتتحف قراءها بما جادت به قريحتها؛ خاصة في فن الخاطرة.

ومن حيث الشكل؛ يعتبر النص تجربة إبداعية لها رونقها وتجليها الحر، وتعد محاولة لإنتاج نص قصصي، اعتمدت فيه الكاتبة على نقل الواقع المعاش بحَرفية دقيقة، وكأنها دأبت على تسجيل الوقائع، واستنساخ ما التقطته عدسة العين وما أدمى الفؤاد؛ باعتماد إيقاع سريع في عرض الأحداث؛ وهو الأمر الذي أوقع كاتبتنا في المحظور؛ لتلاشي المبادئ الأساس، وتجاوز القواعد واللبنات المؤسسة للعالم القصصي؛ والمفروض في النص أن يشكل لوحة سردية ذات بناء متكامل، إلا أنها حولت النص من بنية إلى عناصر متفككة تبدو عليها علامات التكلف؛ وكأنها نقلت من منبث الخاطرة فسائل لواعج النفس ومكنوناتها، وغرستها في فضاء القصة بسماد دون تربة، فكان الأجدر أن تتجاوز المنزلق، وتعمد على بناء هرم أحداث تفاعلي، وتصميم منهج يقوم على اختيار الأحداث وتنظيمها، ووضعها في نسيج فني يشكل فيه مستهل النص لبنة أولى في عملية الحكي، ثم تتوالى الأحداث تباعا لتتشابك وتتأزم؛ فينتج الصراع وتتدرج نحو الانفراج لتستخلص القصة نهاية تحمل بين طياتها رسالة ذات قيمة نبيلة أو عبرة دفينة، بينما تؤثث الشخصيات العمل القصصي من خلال تفاعلاتها وأدوارها المحركة للأحداث؛ في حين يكون الوصف مجرد آلية لتجسيد مظاهر التحول في الصفات والأحوال بدل أن يستحوذ على مجمل النص.
ولعل إشراقات هذه المحاولة القصصية كما سبق الذكر؛ هو توظيف الكاتبة للغة إيحائية رمزية تعبيرية تناغي النفس فتبعث فيها الارتياح؛ فالكاتبة تفننت في لغة المحكي وأغدقت عليها أسلوبها وبصمتها الفسيفسائية في بناء النص.

خولة السعيد 24 / 09 / 2020 47 : 12 AM

رد: قراءة في نص "شاطئ طفولتي" للكاتبة عروبة شنكان
 
قرأت قصة عروبة قبلا والآن اتشرف بقراءة هذه الدراسة المفيدة للنص.. دراسة نجحت في أن تغوص بالبحر المتوسط للقصة فترتاح نهاية بشاطئ عذب...
شكرا ليلى

خولة السعيد 24 / 09 / 2020 51 : 12 AM

رد: قراءة في نص "شاطئ طفولتي" للكاتبة عروبة شنكان
 
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=33720
شاطئ طفولتي للأديبة عروبة

ليلى مرجان 24 / 09 / 2020 55 : 12 AM

رد: قراءة في نص "شاطئ طفولتي" للكاتبة عروبة شنكان
 
شكرا خولة على قراءتك الواعية وعلى إدراج رابط النص القصصي
محبتي

Arouba Shankan 03 / 02 / 2022 35 : 04 AM

رد: قراءة في نص "شاطئ طفولتي" للكاتبة عروبة شنكان
 
بارعة أنت في وصف مكنونات تلك الطفلة الكاتبة التي أحرق الإرهاب أمانيها والعابها وغزا شواطئ الأمن في حياتها، كل الشكر لقراءتك المتأنية ليلى، دراسة مستفيضة تدفع قلمي إلى الأمام، دام نبضك في نور الأدب إبداعا وألقا، كل الشكر لخولة ونشر رابط القصة محبتي وتقديري.


الساعة الآن 13 : 06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية