منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   أشواق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=3601)

طلعت سقيرق 16 / 04 / 2008 43 : 09 PM

أشواق
 
[frame="10 98"]
[align=justify]
الخطوات على الرصيف ذات وقع خاص… الشبابيك المضاءة تسبغ على السكون لونا مميزا.. تمنى أحمد المحمود أبو الشوق أن تنفلت المسافات فجأة ليكون هناك .. عندها، قال محدثا نفسه سيدخل إلى البيت بهدوء، وستكون مثل الوردة بانتظاره.. تقوم إليه .. تحضّر العشاء .. تجلس إلى جانبه وتحدثه عن الأولاد .. عن كل واحد يا أحمد المحمود أبو الشوق.. عن كل واحد.. ويرفع هو يده ويبرم شاربيه بالسبابة والإبهام.. يحدثها عن السوق.. عن حركة البيع.. ويحمد الله.. تسبقه إلى الغرفة حاملة صينية الشاي.. يتحرك خلفها بهدوء ووقار.. لا يحب أحدا في الدنيا كما يحبها.. كان يخبرها بذلك فتضحك .. وتعرف أنه يحب مدينة عكا أكثر منها، يعشق كل شارع، كل زاوية، كل رصيف.. وحين تقول له ذلك، يمد الضحكة ويرسلها لتملأ كل فضاء عكا..
هل كان عليك يا أحمد المحمود أبو الشوق أن تتركها ؟؟ يضرب جبينه بألم .. لم يتركوا فسحة من البقاء لأحد.. كان الموت ينتظر في كل زاوية.. "الموت أشرف يا أحمد المحمود أبو الشوق" يهز رأسه، لا أحد كان يعرف وقتها أن الغربة ستمتد إلى هذا الحد.. "يلعن الغربة وساعتها" .. لا يدري كيف قطع المسافات والدم يلاحقه.. تركها هناك.. كان يظن أنها ستتبعه .. لكنها فضلت عكا حبيبته الأولى عليه.. أصرت على تحدي الموت.. غريبة زوجته.. ترك السوق ومضى.. رأى بركة الدم تتسع .. كانت الحياة تناديه.. هل ذبحوها هي والأولاد؟؟.. كثيرا ما سأل.. حاول أن يعرف.. لكن دون جدوى.. كيف مضت السنوات.. كيف مرت لا يدري.. بقي هكذا بين الإقامة والانتظار.. يغمض عينيه، فيرحل مباشرة إلى هناك.. يعيش مع الزوجة والأولاد، ثم تصدمه بركة الدم.. يفتح عينيه، فتأخذه شوارع المخيم إليها، وتمتد صور الشهداء على الجدران.. يحاول أن يقتل الوقت بزرع خطواته على الأرصفة.. يراقب الأضواء.. ينظر إلى الصور ينتظر..
مرة واحدة حاول أن يذهب إلى هناك.. قال: أحمد المحمود أبو الشوق عليه أن يعود.. لم يخبر مخلوقا بذلك.. على قدميه سار.. لا يدري كم من الوقت مر.. وحين اقترب من الحدود البعيدة، اندلق مثل طفل وأخذ يبكي.. يمرغ وجهه بالتراب ويبكي.. يعمر بكفه حفنة وراء حفنة ويبكي.. وقتها شعر أن زوجته والأولاد ينتظرون هناك.. كأنه رجع إلى سنوات شبابه الأولى.. قام، استنشق الهواء بتلذذ، ومشى..لا يدري كيف انقضّت عليه الكلاب وطاله الرصاص.. كل ما يدريه إنه كان يركض.. وأنه صحا في المشفى بغد زمن، وعرف إن الحياة قد ماتت في يده اليسرى.. تماسك.. هزّ رأسه وبقي صامتا".. ترك المشفى ومضى.. ولم يحاول مرة أخرى.. بقي أحمد المحمود أبو الشوق يسير في المخيم.. يتأمل الصور والأضواء والأرصفة.. وينتظر..
الخطوات على الرصيف.. الشبابيك مضاءة.. يسعل فيشعر كأن الرئة تتمزق.. أخذوه إلى مستوصف الوكالة، فأعطاه الطبيب شرابا يوقف السعال.. وما توقف السعال ولا يحزنون.. أخذوه إلى طبيب آخر، والسعال يتحدى الجميع.. كان أحمد المحمود أبو الشوق يعرف أنها النهاية.. أقنعوه أن السعال لا يقتل.. ورفض أحمد المحمود أبو الشوق أن يصدق.. كان يعتقد اعتقادا راسخا أنها النهاية.. قال: "كنت أريد أن أراها للمرة الأخيرة" لم يعرفوا أكان يقصد عكا أم زوجته.. سألوه مستفسرين.. قال: "هي… أريد أن أراها" وأخذ يسعل.. تماسك ومضى.. نادوه.. كان يهز رأسه ويزرع الأرصفة.. يراقب الأضواء والصور وينتظر.. يتخيل أن المسافات تنفلت تحت قدميه، يدخل إلى بيته في عكا بهدوء.. يجلس فتجلس إلى جانبه.. يرفع يده ويبرم شاربيه.. يضحك.. فتضحك .. تمشي، فيمشي خلفها بهدوء ووقار..

[/align]
[/frame]


الساعة الآن 20 : 02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية