منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   مختارات من الأدب العربي و العالمي (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   سر الشقاء ( مسرحية ) (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=852)

أ. د. صبحي النيّال 10 / 01 / 2008 55 : 06 PM

سر الشقاء ( مسرحية )
 
نص مسرحي في فصل واحد:
------------------------
(( ســـــــــــــرُالشـــــــــــقاء ))
تأليف : صالح البدري
الشخصيات: - شيخ طاعن في السن . - أسرى من مختلف الأعمار . - العمالقة و الجنود والحاشية . - جوقة الفتيات . - الملكة المقنعة .
الفصل الأخير.. المشهد الأخير:
( خلال الظلام والستارة مرفوعة ، تهب ريح قوية هوجاء ، وتبقى خلفية للمشهد . حزمة ضوء (سبوت لايت) تسلط على شيخ طاعن في السن، بملابس بيضاء فضفاضة ، ولحية طويلة قد غزاها الشيب ، لكنه يبدو نشيطا وذا حيوية على الرغم من خارطة التجاعيد الظاهرة على محياه ، ممسكا بعصى من بقايا الشجر ، ويطل على الجمهور ، من فوق تلة مرتفعة ، تغطيها الجماجم البشرية .. ).
الشيخ : (صارخاً بقوة وبحرقة وبصوت متهدج) ياسادة ياكرام ، كان ياما كان .. في سالف العصر والأوان .. كان لنا وطن .. لكنهم سرقوه في وضح النهار ! سرقوا حضارتنا .. ونفطنا وماءنا وزرعنا وعقولنا ودم شهدائنا ! عزيز أنت ياوطن ، وجميل أنت يا وطن ..
حتى ظلمك أجمل!!
( ينهار الشيخ على الخشبة باكياً ، وتدريجياً ، تظهر من خلف التلة مجموعة من الأسرى بملابس وأزياء وطنية مختلفة ، أطفالهم يبكون ، ونساؤهم يندبن ويبكين ويلطمن الخدود ، وشبابهم منكسروا النظرات ، يصبغ وجوههم الحزن!
وشيوخهم يجرجون أقدامهم جراً ..وكلهم بحالة يرثى لها . يحتمون ببعضهم من الريح والعاصفة ، ومن سياط العمالقة الذين يظهرون من خلفهم وهم يرتدون ملابس معدنية من القصدير، وعلى رؤوسهم قبعات طويلة ، ويحمل كل منهم كتابا ضخماً أيضاً..).
العمالقة : ( يرددون معا وهم يقرأون في كتبهم الضخمة ) نحن الحكماء هنا .. لقد جئنا لكي نبقى .. فكل شئ لنا!
أحدهم : مافوق الأرض لنا!
آخر : ماتحت الأرض لنا!
آخر : القول لنا !
آخر : والفعل لنا!
آخر : ومن ليس معنا ..
الجميع: فهو ضدنا !!
أحدهم: للبيع كل عبائاتكم.. وعمائكم.. ونياشينكم !!
آخر: وكل ماتدعون من حضارتكم!!
آخر: وكل أقلامكم وألسنتكم وعقولكم!!
آخر: وكل أغانيكم وأفراحكم وأمانيكم !!
آخر: كل المآذن والكنائس والجحور!!
آخر: كل الشوارع والمدارس والقصور!!
الجميع: نحن نبتاع الكرامة والرجولة والعباءة!!
آخر: نحن من يرث الحضارة!!
آخر: وكل أراضيكم رهينة ..
الجميع: (يكررون) ومن ليس معنا .. فهو ضدنا !!
(- يطلق العمالقة ضحكات إنتصار داعرة ، وسط إحتجاج وأنين الأسرى ، وفجأة تتحول انارة المسرح الى الأزرق الغامق . تسمع أصوات إنفجارات وقصف مدافع وطائرات حربية . زخات رصاص كالمطر.. سحب دخان أسود، صراخ الأطفال والنساء
يمتزج مع أصوات تلك المؤثرات الصوتية التي سمعناها من خارج المسرح ...فترة .. ويسود الصمت المكان.. وتتلاشى أيضاً أصوات الريح والعاصفة . تتحول إنارة المسرح تدريجياً الى اللون الأصفر الفاقع فقط . - يتصاعد تدريجياً - فيد إن - صوت موسيقى جنائزية مع كورال حزين ..
- ثلاثة من العمالقة يقودون الشيخ الذي فقد حيويته ونشاطه بعد أن كبلوه بالقيود والسلاسل ، ويركعونه في مقدمة يسار المسرح .. ُيسمع صوت بوق طويل ، حيث تتغير الأنارة الى اللون الأزرق الفاتح ، يدخل الى خشبة المسرح مجموعة من الجنود بنفس زي العمالقة تقريباً.. يتوزعون في كل مكان من صالة المسرح والخشبة ، وهم يتقدمون موكب الملكة المقنعة والتي تحمل بيدها صولجاناً مذهباً وفي رأسه نجمة سداسية لامعة ، محمولة على هودج عربي التصميم ، وتحيطها مجموعة من فتيات ينقرن على الدفوف ويغنين :
الفتيات: طلعً الفجرُ علينا من ظلامِ النكباتْ حكماءُ الأرض غنوا نحن طلابُ الحياة ْْ
( - بأشارة من يد الملكة المقنعة ، يبدأون بالرقص الذي يوحي بشئ من الوحشية والهستيريا والأنتشاء .. ويتبادل الحاضرون من حاشية الملكة الأنخاب وسط ضحكات ماجنة . فترة . نسمع ضربة صنج قوية من خارج الخشبة .. حيث يهدأ الجميع ، ويحل الصمت التام إلا من صوت بكاء الأطفال الأسرى..
- الملكة ترفع صولجانها وينطلق صوت البوق من جديد . يدخل الأسرى الذين شاهدناهم من قبل يحيطهم الجنود العمالقة وهم يدفعون بهم الى الخشبة ويركعونهم على الجانب الأيمن من مقدمة خشبة المسرح ..).
الأسرى: (بألم يصرخون) ماْء.. ماء .. نحن عطاشى .. نريد الماء.. الشيخ: ( يقف ويصرخ ) أعطوهم الماء .. إنهم عطشى .. ألا تسمعونهم ؟
( أحد الجنود يتقدم ويُركع الشيخ بين يدي الملكة.. وعلى إثر إشارة منها بأستقدامه أمامها )
العملاق: (منحنياً) مليكتي ..مليكتنا جميعاً .. مليكة البشر والأكوان ..النبات والحيوان .. الجبال والوديان ..
أرفع لمقامك السامي أسمى آيات التبريكات بأسم أهل الأرض جميعا ، وأهل العوالم الأخرى ،
معلناً نيابة عن شعبك - الذي أختاره الله - تقديم فروض الطاعة والأحترام والولاء ،وعاشت الملكة . ( الجميع من الحاشية والجند يركعون . وينهض الشيخ بصعوبة ، متكئاًً على عصاه .. )
الشيخ: ( يرفع صوته ) أيتها الملكة .. ( يحاول أحد العمالقة أن يتقدم لأركاع الشيخ من جديد .. لكن الملكة تشير له بيدها بأن يتركه ..) الملكة: ( بنبرة رصينة وهادئة ) تكلم أيها الشيخ .. ولكن لاثرثر.. قل ماذا تريد ؟ فأنتم هنا اليوم رعاياي.. ولكم في مملكتي كل الأحترام وكل الحق في الكلام. ثم أننا لانظلم العبيد ولا الرعايا .. قل أيها الشيخ؟
الشيخ : إرفعوا عني القيود .. فكوا وثاقي ؟! ( الملكة تشير بنزع قيده ).
الشيخ : أولا أسقوا العطاشى من شعبي .. ( الملكة تشير الى الجنود بجلب الماء ..).
الملكة : وثانياً أيها الشيخ ؟
الشيخ: من الذي أعطاكم الحق بأسرنا وتحويلنا الى رعاياكم ؟ من الذي أعطاكم الحق في ...
الملكة : قلت .. لاتثرثر .. إستمر أيها الشيخ ولكن لاتثرثر ! فالثرثرة والكلام الكثير، من صفاتكم أيها الشيخ !
الحاشية : (تهتف ) عاشت الملكة .. عاشت ..عاشت . عاشت .
الشيخ : ( مستمراً) لماذا نحن أسرى ؟
الملكة: ( تضحك بشماتة ساخرة ) ومن قال لكم بأنكم أسرى ؟ أنتم الآن رعاياي أيها الشيخ !
الشيخ : وتاريخنا ؟ وحضارتنا ؟ و ...
الملكة:( مقاطعة وبدون إنفعال ) كان !! كان ايها الشيخ الفطن . ثم عن أي تاريخ وحضارة تتحدث ؟ أنتم الذين أضعتم تاريخكم وحضارتكم ! ثم إن التاريخ لايعيد نفسه ؛ وتاريخكم صار كذبة كبرى ! وحضارتكم إندثرت تحت كثبان الرمال ؛ وأنتم ستموتون وتنقرضون كالدينصورات أو كالهنود الحمر بدوننا!( تضحك .. و يدخل حاملوا أباريق .. حيث ينتظرون الأوامر ) ...
العمالقة : (يقرأون في الكتب المحمولة معهم) يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !
الملكة: (تضحك) قالها شاعر منكم ، ولم نقلها نحن ! ( تؤشر بيدها الى حاملي الأباريق بأن يتقدموا)
أحد الأسرى: (فجاة يقف ويصرخ) كنا خير أمة أخرجت للناس أيتها الملكة المقنعة! ( يسحبه رفيقه من يده ليجلسه) .
الشيخ: لا .. لا أيتها الملكة.. نحن أمة حيَة . ماضيها عريق وحضارتها تليدة ..
الملكة: ( تزجره بغضب ولأول مرة ) لكنها ماتت ! ماتت بائسة ومنسية على أرصفة التاريخ ؛ وأنتم الذين كنتم السبب في موتها وأنقراضها وبؤسها !
الشيخ: نحن نسيناها ؟! من قال ذلك ؟
الملكة: (مازالت على غضبها) إرتضيتم بأمة من سراب بديلا ، وكان الذهب لكم زميلا والمال خليلا ! أنتم أمة تدعو للرثاء والشفقة .
الشيخ: وهل تنسون دوركم في ما آلت اليه الأمور ؟ (الشيخ صارخا بقوة مشيرا لهم بأصبع الأتهام ) أنتم سر شقائنا ومحنتنا ! أنتم السبب !
الأسرى: (يرددون خلف الشيخ بحماس) أنتم السبب ! ( تنهال عليهم ضربات العمالقة بالسياط ) ..
الملكة: (تعود الى هدوئها) بل أنتم .. ومع هذا تستطيعون من الآن فصاعداً ، أن تمارسوا حياتكم وحريتكم هنا .. بيننا .. ومن جديد . في مملكتنا المترامية الأطراف . مملكة الحكمة و المجد الخالد و المقدس .
أحد الأسرى: (هاتفا) بل مملكة الشر ومحوره! ( يتلقى من أحد العمالقة ضربة من سوطه
العملاق: إخرس أيها التيس ! يا أخا القمامة !
الملكة: إسمع أيها الشيخ العجوز ؛ في مملكتنا ما لذ وطاب من الطعام والشراب و ...النساء ! إنها جنة
من جنان الخلد . فلم البكاء والنحيب والشكوى على زمنكم الذي ولى وفات وأنقضى ، وعلى وطن مضاع ؟
الشيخ: لا .. لاحياة لنا بدون وطننا ..(يرفع صوته) عزيز ياوطن ..
الأسرى: (يرددون من خلفه) عزيز ياوطن..
الملكة: (غاضبة) مملكتنا هي وطنكم .. ورقابكم بين أيدينا ! أنتم اليوم رعايانا ..
الشيخ: بل قولى أسرانا !؟
الملكة: (تضحك) أنتم أسرى منذ زمن طويل أيها العجوز الهرم ؛ أسرى شهواتكم ورغباتكم الدونية ؛ وطمعكم وعبادتكم للمال والنساء ! تعشقون الأرض لكن .. تعشقون المال أكثر !!
الشيخ: (متسائلا) من أسر الى أسر.. ومن حصار الى حصار؟؟ لا أيتها الملكة وألف لا ! كنا أسرى .. لكننا اليوم نكره الأسر والأستعباد ..نحب حريتنا ..ونبحث عن الوطن الذي صار حلمنا. ولكن ....
الملكة: إطمئنوا ..سنمنحكم الحرية التي تشتهون ! فلا حرية خارج مملكتنا !! وسنمنحكم الوطن البديل الذي فيه تعيشون .
ًصوت :( من بين الأسرى ) لكنه الوطن ..وطننا أيتها الملكة ؟
صوت آخر: إنه وطننا الذي نتباها به .. بمائه ونخله ونفطه وزيتونه .. بسهوله وجباله ووديانه !!
الملكة: (بعصبية) قلت وطنكم هنا .. في مملكتنا ! إنسوا الوطن ..إنسوه !
الشيخ: ننسى ؟ وكيف ننسى الوطن ؟ هل ينسى الناس أرضهم ووجودهم وذكرياتهم؟ لا ..
الملكة: (ضاحكة بشماته ) إنه أضغاث أحلام !! إنسوه ؟
الحاشية: إنه أضغاث أحلام .. إنسوه ؟
الشيخ: ( بصوت باكٍ ) عزيز ..عزيز ياوطن ..
الأسرى: عزيز .. عزيز ياوطن ! ( يحاول الأسرى الأنتفاض .. لكن الجنود والعمالقة يريدون إجبارهم على الركوع بالقوة .. )
الملكة:(بهستيريا تصفق بيديها وبأمر) إضربوهم بالسياط ؛ وكبلوا هذا الشيخ الخرف بالقيود ؛ وأسحبوا منهم أباريق الماء..إنهم غوغاء وإرهابيون ومكانهم سجوننا! ( تنفذ أوامر الملكة التى تحمل على هودجها الى خارج خشبة المسرح )
الفتيات: ( وهن ينقرن على الدفوف ويغنين ) طلع الفجر علينا من ظلام النكبات.....الخ
( الشيخ لوحده مكبلا بالقيود بعد أن غادر الجميع خشبة المسرح و متقدماً من الجمهور وحيث تتصاعد الموسيقى الجنائزية ويفيض المسرح باللون الأصفر من جديد )
الشيخ: (بلوعة وحرقة) ياسادة ياكرام..كان يا ماكان ، في سالف العصر والأوان .. كان لنا وطن..سرقوه في وضح النهار .. سرقوا حضارتنا ونفطنا وماءنا وزرعنا وعقولنا ودم شهدائنا ..(باكيا ) عزيز أنت ياوطن ..عزيز أنت ياوطن.. عزيز ..عزيز ..عزيز..( يبدأ صوته
بالتلاشي تدريجياً حتى ينهار وسط مقدمة الخشبة .. يهبط الظلام ويهبط صوت الموسيقى أيضاً ) .

******


الساعة الآن 25 : 05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية