عرض مشاركة واحدة
قديم 07 / 12 / 2010, 31 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
الزبير قريب
شاعر جزائري وأديب

 الصورة الرمزية الزبير قريب
 





الزبير قريب is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

سارة/قصة قصيرة/الزبير قريب/بئر العاتر، الجزائر

ســـــــارة

تعبت من قطف الأزهار فوجدت فجأة نفسها مستلقية على بساط من العشب ، وأخذت تراقب الغيوم التي يعبث بها آذار في سمائه، فيرسم بها تارة دمية تتكلم.. وأخرى تسريحة شعر.. ثم مشطا ..وملعقة صغيرة ..ومكعبات حلوى ..



كان يوما مدهشا لم تجد فيه"سارة " غير متعة التنقل بين الأزهار الجورية، والوردية، والصفراء، والبيضاء، وكل ما تحبه، حتى شقائق النعمان المنتشرة كنقط الحناء في كف الربيع العائد هذا العام ...

ولكن... غفت سارة وحلقت إلى سحابة كانت تحاكي شكل القارب، وركبت في مياه دجلة إلى مكان لم تُرده، ولكن التيار دفعها غصبا إلى مدينة ملآى بضجيج السيارات، ودخان المصانع، ولافتات الانتخابات، ولوحات تدعو الزبائن إلى تخفيض مغر بنسبة عشرين في المائة ، وكثير من الإسفلت والإسمنت وغبار الحياة اليومية هناك..

... وسيارة كانت متوقفة بجانب "مدرسة الأزهار للبنات"، تنتظر الساعة الواحدة، ربما كانت لأحد الوجهاء الذين لا يريدون لأولادهم أن يسيروا على الأرصفة المتعبة بعناء المدينة .. كانت سيارة بيضاء، تذكرها بلون السكر، وبالزهور التي قطفتها مع أمها، في عطلة الربيع الماضي، حيث زارت مزرعة جدها أين تغفو الآن، على بساط العشب وتسافر في ذلك القارب الذي وضعها في مدخل المدينة، وعاد أدراجه وتركها تنتظر الساعة الواحدة، موعد خروجها مع رفيقاتها في الفصل الثالث، بعد أن عرفن في درس التشكيل كيف يصنعن زورقا من ورق ويلونّه بألوان العلم الوطني ويرسمن في شراعه ثلاث نجمات ويكتبن عليه بقلم الرصاص "الله أكبر"...كانت سارة تصنع زورقها وترصعه بالأوراق الملونة .. وتطيل ،كأنها تنتظر معلمتها "فدوى " كي تقبلها ككل يوم، وتطلب منها أن تسرع في جمع أشيائها من على الطاولة، فهي كذلك دائما، تدخل الأولى إلى الفصل، وتخرج بعد أن تسمع صوت معلمتها تحثها على الإسراع ..

..لكنها رائعة في حب مقعدها وزميلتها "سندس" التي تجلس إلى جنبها ومنذ السنة الأولى ... كانت سندس تحفظ آية الكرسي ،وتقرؤها دائما كما علمتها جدتها، حتى إن سارة حفظتها منها مشافهة، وما زالت تقرؤها إلى اليوم ... والغريب في هذا الصباح، أن السيارة البيضاء التي لفتت انتباه سارة لم تكن كتلك التي تأتي في مثل هذا الوقت أو بعده بقليل وتنتظر "علياء "بنت" أبو حسين " ضابط الشرطة، التي تجلس في المقعد الأول قبالة لوح القسم مباشرة وتحمل فوق خديها الصغيرين نظارة وردية الإطار ، كانت سارة تحب علياء كذلك، ولا تفهم حديث بعض البنات من الصف السادس، عندما يخرجن إلى الفسحة، وينعتنها ببنت الوجيه صاحب الكرش الكبير أبو حسين ... لم يكن يميز علياء غير أبيها يأتيها أو يرسل إليها من يصحبها عند نهاية فترة الدراسة ويركب سيارة كبيرة لا تبدو كباقي السيارات ويدعوها دائما : (عليا ..عيوني هاي أبوك إيجا ) ثم يقبلها و يحملها إلى المنزل .. ليس في الأمر ما يجعلنا نكره عليا أو أبو حسين . !

- سارة ، لقد رن الجرس والساعة جاوزت الواحدة بقليل ألا تجمعي أدواتك ؟.. هيا اسرعي عزيزتي الصغيرة ، يا الله ما أحلى عيونك الله يخليك لأمك.

- حاضر سيدتي لكن ... لكن لماذا يكرهون عليا ؟

- عجيب ! لماذا السؤال ؟ ومن قال إنهم يكرهونها ؟ومن هم ؟ ومن أخبرك بذلك ؟ هيا .. أسرعي سأساعدك في جمعها لا بد أن "الماما" تنتظرك بشغف أمام باب المدرسة .. هيا .

خرجت سارة من الصف وعيناها لا تتحولان عن تلك السيارة كانت تبحث عن من يركبها وتتأكد ما إذا كان "أبو حسين" أم غيره ، وفي الجهة المقابلة سيارة تطلق صراخا قويا من فراملها وقبل أن ينزل منها أبو حسين ، التفتت سارة إلى صوت أمها، وغاب الجميع في دوي الانفجار و الغبار والدخان. واستفاقت سارة من غفوتها في الحقل وهي تصرخ :

- ماما .. ماما.. ماما.. سندس .. عليا ... لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا؟...

وتعالت صرخاتها، ورمت باقة الورد التي جمعتها منذ الصباح، وتبددت الغيوم في السماء وذابت مكعبات الحلوى، ولم يبق إلا صوت الجد المبحوح، الذي سارع ليهديء من روع حفيدته .. ورفع رأسه إلى السماء، بعدما ضمها إلى صدره وقال- كأنه يقرأ عنوانا في صحيفة يومية -:( ...وسارة أيضا .. تبا لهم)

حمل سارة على كتفيه، وحث الخطى إلى منزله القريب من الحقل، ولم يكن يخفي صوت بكائه الذي اختلط بأنات سارة وهي تردد :

- ماما .. ماما .. سندس .. عليا !

الزبير قريب، بئر العاتر، الجزائر 30/07/2007

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
الزبير قريب غير متصل   رد مع اقتباس