لقد آمنا جميعاً بالوطن العربي من المحيط إلى الخليج كجسد واحد , ولكل مدينة عربية مكانتها في العقل والوجدان , أما القدس فهي قلب الوطن العربي وهي المدينة المقدسة لكل العرب بمختلف دياناتهم .
وقد دأب منظّرو الحركة الصهيونية منذ منتصف القرن الماضي على التأكيد لليهود في مختلف أنحاء العالم بأن هدف الصهيونية هو احتلال القدس وجعلها عاصمة أبدية (لإسرائيل ).
ويقوم الإسرائيليون و منذ احتلالهم القدس عام 1967 , بوضع الخطط الجهنمية لجعل هذه المدينة العربية المقدسة يهودية , وللأسف , العرب والمسلمون يتفرجون ويتابعون هذه الخطط , منذ ذلك الوقت وحتى اليوم , دون اتخاذ أية إجراءات رادعة للوقوف بوجه هذه العصابات الصهيونية .
ففي 11/6/1967 أي بعد احتلال القدس كلها بأيام عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً لبحث ضم القدس إلى (إسرائيل). وقد تقدمت للكنيست بتاريخ 27/6/1967 بمشروع قرار لضم القدس إلى (إسرائيل) , فوافقت الكنيست في اليوم نفسه على قرار الضمّ وجرى إلحاق القدس العربية (بإسرائيل) سياسياً وإدارياً بموجب الأمر رقم 2064 .
وهكذا توالت إجراءات الضم والتهويد منذ احتلال (إسرائيل) للقدس عام 1967 إلى يومنا هذا , بكل همجية وشراسة .
فقد أطلقت سلطات الاحتلال الصهيوني مشروعاً لمدة ثلاثين شهراً للتغيير الكامل للمعالم الإسلامية والمسيحية في القدس وطمس آثارها العربية . وقامت بتصعيد مخططاتها لتهويد مدينة القدس المحتلة وتهجير المواطنين الفلسطينيين منها .
والمخطط الصهيوني هذا يهدف إلى طمس هوية المدينة وتزوير تاريخها ومحو هويتها العربية والإسلامية وإلباسها الرداء اليهودي.
وفي السابع عشر من كانون الثاني عام 2011 صادقت اللجنة المحلية للتنظيم والبناء الإسرائيلية على بناء 197 وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة , وذلك بأن تكون على الشكل التالي:90 وحدة استيطانية في حي تلبيوت الشرقي جنوبي مدينة القدس و 32 وحدة استيطانية في مستوطنة بسغات زئيف شمال مدينة القدس و 75 وحدة استيطانية في مستوطنة رمات شلومو , وهذه المستوطنات الثلاث قامت على أراضِ فلسطينية تمّ مصادرتها من عدد من التجمعات الفلسطينية شرق القدس .
وبالتزامن مع هذه الخطوات ببناء المستوطنات قام نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بالإعلان عن استكمال بناء جدار العزل العنصري حول مدينة القدس والذي يضم التجمعات الإسرائيلية الكبرى .
أما اليوم فقد شمل مخطط التهويد هذا كل أحياء القدس : طريق باب الواد, وسوق خان الزيت, وسوق العطارين, وطريق حارة النصارى, طريق الآلام, باب الغوانمة وغيرها الكثير .
ومن أبرز هذه الأعمال أيضاً إغلاق باب العمود وإقامة حدائق توراتية في قلب الأحياء العربية وذلك لتهويد المدينة وتهجير سكانها . وقد استولت هذه العصابات على الغالبية الساحقة من البيوت والعقارات والأراضي من خلال عمليات التزييف , وكذلك استولت عل بيوت داخل المدينة القديمة وفي محيط الحرم القدسي الشريف, واستولت على حي سلوان وحي الشيخ جراح , وتقوم بتقديم وثائق مزورة لطرد عائلات فلسطينية من بيوتها لتسيطر عليها عصابات المستوطنين الإرهابية وقد دعم هذه العصابات محاكم الاحتلال التي صادقت على كافة الوثائق المزورة لغرض السيطرة عل البيوت والأراضي الفلسطينية .
وهذه الهجمة الصهيونية التي زادت اليوم همجية وخطورة على مدينة القدس والمسجد الأقصى وباقي المقدسات تسارعت وتيرتها, فقامت باقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرمته , وتقوم بسحب هويات المقدسيين ومصادرة أراضيهم وترحيلهم خارج المدينة وزيادة الاستيطان الصهيوني فيها. ومن هذه المخططات الصهيونية أيضاً استمرار الحفريات وفتح الأنفاق أسفل المسجد الأقصى مما نتج عنه انهيارات وتشققات , والأخطر هو محاولاتهم لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى .
ويجب الإشارة إلى موضوعين يسببان قلق الجهات الإسلامية في القدس : الأول موضوع الحفريات التي تقوم بها (إسرائيل ) منذ عدة سنوات بجوار الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى , والثاني عملية بناء جسر معدني بدلاً من الجسر الخشبي الحالي المؤدي إلى باب المغاربة , وما يتطلبه ذلك من وضع أساسات عميقة قد تؤثر على أساسات المسجد الأقصى علاوة على إزالة تل المغاربة وكشف مسجد البراق الذي يمكن التسلل منه إلى أسفل المسجد الأقصى .
وللأسف عندما تصدر القرارات الدولية المُلزمة بتجميد الاستيطان وتخالفه (إسرائيل ) عبر تماديها بزيادة الاستيطان في القدس الشرقية , فهذا دليل على أنها متمسكة بتهويد القدس وجعلها العاصمة الأبدية لها .
ورغم ذلك , ومع كل محاولات وخطط ومشاريع التهويد التي تقوم فيها السلطات الإسرائيلية , لكن القدس لا تزال عربية الوجه والانتماء صامدة في وجه الغطرسة الإسرائيلية وتقف شامخة متحدية كل هذه المحاولات والخطط لتزييف هويتها العربية الإسلامية . والإنسان العربي الفلسطيني هو من يمنح الأرض هويتها وانتماءها وليست القرارات السياسية والمخططات العمرانية والهيكلية .
ولكن يبقى لنا أن نتساءل : ما هو المستقبل , وكيف لنا أن نواجه هذه الغطرسة وهذا التعنت الإسرائيلي بمحاولات تهويد القدس , وما هي المواقف الفلسطينية والعربية التي يجب أن تتخذ للوقوف في وجه هذه المخططات .
أرجو الاهتمام بهذا الملف ومشاركة الجميع فيه بإبداء آرائهم ومقترحاتهم لنصل معاً إلى هدفنا المنشود وهو الحفاظ على عروبة القدس الحبيبة والحفاظ على مقدساتها .