الموضوع: اليوم الغارب
عرض مشاركة واحدة
قديم 11 / 03 / 2012, 36 : 02 AM   رقم المشاركة : [6]
فهيم رياض
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





فهيم رياض is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

اليوم الغارب

عادت رشيدة وتوطدت العلاقة بينها وبين ابا سالم ، وانتشر خبر هذه العلاقة و ذاع مثلما انتشر سابقا خبر حادثة الحافلة ما اكسبهما إعجاب وتقدير الطلاب والطالبات وإداريي الحي و الجامعة وعمالهما وقد أزيلت عنهما تقديرا لحبهما البريء من قبل هؤلاء كل الشكوك والشبهات .
لم يعد الثنائي يقوى على الافتراق إلا ، وعلى مضض ، عند النوم والمحاضرات والأعمال الموجهة لاختلاف تخصصيهما ، فبإمكان رشيدة أن تتغذى بمطعم الذكور وبإمكان ، في مقابل ذلك ، أبا سالم أن يتعشى بمطعم الإناث ، وأمام هذه الحالة العاطفية الاستثنائية التي لم يعرف لها الطلاب مثيلا وبالنظر إلى إختلاف لون البشرة ، أُطلق على هذا الثنائي اسم " اليوم " : نهار مضاء بنور الشمس مجسد في رشيدة ملازم لليل مشرب بسقط نور القمر ممثّل في ابا سالم . تفتقت قدرات اليوم ومواهبه ورغباته ولم يعد نشاطه يقتصر على الدراسة وحسب وإنما تعداه إلى مساعدة الطلاب الجدد من الجنسين بالتوجيه وتقديم النصح والتوعية إضافة إلى تنظيم الرحلات السياحية و الإستجمامية والنشاطات الثقافية والرياضية والتوسط بين الطلاب والإدارات في فض النزاعات وبين حتى الطلاب أنفسهم في إنهاء الخصومات وعقد المصالحات .
اتفق ليل اليوم مع نهاره على عقد القران بعد التخرج بسنة ليتسنى لكل واحد منهما العمل لمواجهة متطلبات العرس ، أما الإقامة الدائمة وكذلك العمل فسيكونان بتيميمون المدينة السياحية الجميلة التي نالت إعجاب رشيدة .
انطلقت مراسم الزفاف في 06يونيو 1980 بشروين وبالجزائر العاصمة – المحطة الجديدة للسيد خالد -، على أن تنتقل العروس من هناك على متن الطائرة إلى أدرار مرورا ببشار لتنقل في موكب السيارات الذي سيكون في إنتظارها بالمطار إلى شروين صبيحة اليوم الموالي ( 07/06/1980 ) .
عمت الفرحة أرجاء شروين: أكل وشرب وأهازيج شعبية أهمها "أهل الليل "
كما نال اباسالم إعجاب اقرانه الذين قدّروا أنه أفلح في الإختيار وانه بالتالي سيعيش سعيدا ، أما الأسعد فكانت الشابة مزوارة ( مزوارة اسم أمازيغي معرّب وأصله تمزوارت أي الأولى ) ، كما كانت لؤلؤة العرس المضيئة دون زيت ولا فتيل برقصها وزغاريدها التي تطلقها من حين إلى آخر و بحركاتها وضحكاتها التي لم تفارقها وبلباسها التقليدي الذي واتاها .
أقلعت الطائرة على الساعة الثامنة ليلا بإتجاه مطار بشار لتصل إليه على الساعة التاسعة وخمس واربعين دقيقة .
تناول اباسلم العشاء مع اخلص صحبه في الساحة الواقعة خلف البيت المخصص للعريسين وهو في غاية النشوى والحبور ، وبعد جلسة خفيفة توجه إلى فناء البيت ليخلو بنفسه قليلا تحت ضوء القمر . تمدد على فراش وتغطى بلحافة خفيفة ، ثم مد يده ليشغل المذياع ليستمع إلى نشرة الأخبار الرئيسية الأخيرة فالساعة الآن تشير إلى الحادية عشرة ودقائق .
بدا في الإستماع وقبل تناول الأخبار الدولية قال المذيع : أيها السيدات والسادة ، جاءنا للتو خبر من وكالة الأنباء الجزائرية يفيد بسقوط طائرة من نوع فوكر بعد إرتطامها بإحدى قمم جبال بشار .
الطائرة كانت متوجهة من مطار هواري بومدين إلى مدينة أدرار مرورا بمدينة بشار وقد هرعت مصالح الإنقاذ المختلفة إلى مكان الحادث . سنوافيكم بالمزيد من المعلومات حال توفرها . حرك ابا سالم ذراعيه بقوة فأنقلب المذياع الذي بقيت نشرة الأخبار تبث من خلاله .
بعد قليل سكتت شروين بعد أن رجت رجات عديدة وتوقفت عن كل شيء كتوقف محرك الثلاجة الكبيرة ، وخيم الوجوم عليها وبدأ النحيب يتصاعد شيئا فشيئا وبلغ ذروته بعد عودة مزوارة في موكب الحزن الذي كان قبل قليل موكب عرس وبهجة . بحثت عن أخيها لتواسيه ولتقتسم معه الحزن والأسى كما أقتسم معها الأفراح والمسرات ، لكن أصحابه أقنعوها بخطورة إيقاظه و وجوب تركه يستمر في نومه .
على الساعة الواحدة صباحا أذيع أنه قد تم العُثور على حطام الطائرة ولم ينج من ركابها إلا فتاة بلباس الزفاف وهي في حالة الخطر الشديد ،وقد تم نقلها إلى مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة .
سمعت مزوارة الخبر وراحت تجري نحو أخيها لتخبره بأن رشيدة لا تزال على قيد الحياة . دخلت ونادت : أباسالم ، اباسالم فلم يرد ، حركته ، فإذا بأخيها جثة باردة هامدة لا حياة فيها . لطمت وجهها بالتراب وصرخت وتلوت كالحمامة التي فقدت فرخيها .
على الساعة الثامنة صباحا من اليوم الموالي ، تلقت الوكالة البريدية مكالمة هاتفية تطلب إخبار أسرة "الحاج الطاهر" بوفاة رشيدة داخل المستشفى .
وهكذا غرب نهار اليوم بعد ليله ، ثنائي نشأ من تهمة ومر بقصة حب نادرة ، نالت إعجاب واحترام المتسامح والمتعصب والعنيف ، والرجل والمرأة وانتهى بأفول مبكر لم يمهله لتذوق ثمرة هذا الحب التي لطالما رعاها بعاطفته المتدفقة وسقاها بشهد أخلاقه فلما نضجت غرب عنها غروبا أبديا .

فهيم رياض غير متصل   رد مع اقتباس