| 
				
				صديق لم يزل ! - كلمات
			 
 صديق لم يزل ! **************
 استعير من ذاك الصديق القديم المتجدد دائما ما يمتحني من فاكهة الكلام ودواء الروح
 حتى كأنه أنا وكأن ما قاله ويقوله هو تماما ما أشتهى قوله وأشتهى سماعه .
 دخل في سماح الروح واستقر فيها وتركنى الاحق ظله واتهيأ لاستقباله كلما وضعت
 الورقة أمامي وشرعت الكتابة وقال لي مرة :
 - حتى الآن تضئ مفاتنها دمائي انتظارا على مرفأ من بحار الطفولة . شاغبته أغاني
 عجولة يرددها البحارة كل مساء . تضئ و تخبو وتزهر دمائي نخيلا توزع بين الخرائط !
 حين أعلنت دهشتي من كلامه انصرف عني بانزعاج وأخذ مطرقته ليمارس مهنته
 " الحدادة " ! وكلما خاطبته واصل الطرق : دق . . دق . . دق ! !
 وقال مرة : لاتوقف الطرق والحديد ساخن !
 قالها منذ سنين ومازالت ترن في أذني حاملة سخونة الحديد وصدى الطرق المتواصل .
 لا أظنه نسيني بعد هذه السنين التي فرقتنا والتي اعتدنا قبلها على عدم الافتراق .
 وها نحن بعد كل تلك السنين نترك أجسادنا حيث شاءت لها الظروف أن تكون وتطلق
 روحينا معا . أقصد أبعث روحي له تتجول في فضاء الوهج المنبعث من حديدة الساخن
 أبدا .
 مرة انحنيت على حديدة حمراء كان يطرقها طرقات سريعة فينهمر من حوافها شرار
 بتشكيلات غريبة . . وحين سألته ماذا ستصنع بها أجاب بكل بساطة :
 - استمتع فقط بتشكيلات الشرار حولها !
 قلت بدهشة بالغة :
 - ولكن أمن المعقول أن تمضي نهارك في مجرد الاستمتاع بشرر ينبعث من حديد
 ساخن وتترك تحصيل لقمة عيشك ؟
 أجاب بلا مبالاة :
 - اتغذى من هذا الشرر. . وأطعم العالم أيضا. . يا لك من طفل مشاكس وساذج !
 بالأمس فقط أحسست بصدق ودقة كلامه حين اكتشفت وأنا استحم تساقط شرارات
 متوهجة من جسدي المتعب . . وتذكرته بعد تلك السنين ثم نسيته فاذا به يطل من قدح
 القهوة السوداء في يدي ويضيئ فجأة بسؤال غريب :
 - هل انني في الحدود طفل شاخ قبل الأوان ؟
 أجبت كمن يخاطب شخصا أمامه :
 - رأينا جموعا تغادرها الطفولة ، وتبحث عنها الحوائط ! !
 و انتبهت لنفسي متعجبا من هذا الذي حدث لي فقلت كمن يستسلم لأمر ينتابه عادة :
 - لا شك انه الحّداد . . جاء يؤكد ما قاله منذ سنين . . أطعم العالم من هذا الشرار
 المتطاير وأستمتع بمنظره المدهش !
 كم مرة توقعت أن يتوارى فأنساه وينساني ، وكم مرة قلت انه نساني فعلا لاكتشف
 انه يلازمني كظلي ويتابع انفاسي مطلقا عليها شراراته الزاهية .
 أمس فقط تاكدت أنه صديق صادق ولم يزل . . وأنه لم ينسني . . بل ربما يتذكرني
 أكثر مما أذكره ! !
 --------------------------
 " أجراس " 26 / 12 / 1994 - احمد الشملان
 __________________________________________________  ________
 الخليج - الشارقة- الامارات العربية المتحدة
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
 |