أوهام حول الحياة والإنسان / د. مأمون فريز جرار
أوهام حول الحياة والإنسان
الموت بوابة الخلود3
د. مأمون فريز جرار
يرتبط الحديث عن الموت بالحديث عن تصورنا للحياة وتصورنا عن الإنسان ووظيفته في الوجود وسر خلقه.
واسمحوا لي أن أستعير جملة كنت أسمعها من إحدى جدتيّ تلخص موقف كثير من الذين يتحدثون عن الموت من حيث يريدون أو لا يريدون. هذه الجملة هي: (خلقنا وعلقنا)،،
فهل نحن فعلا علقنا في كوننا مخلوقين وهل الحياة ورطة ؟،،
سؤال قد يبدو عجيبا ولكن إن نحن تدبرنا في حديث كثير من الوعاظ والدعاة عن الحياة والانسان وجدناها كذلك
وهي نظرة بدأت في وقت مبكر من عهد التابعين الذين انعزل بعضهم عن الحياة وعطل ما أودع الله تعالى فيه من القدرات
ولو أن المجتمع سار على منهج هذا النفر لتعطلت الحياة ولخفي سر الخلق
ومن شاء فليرجع إلى كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي ولينظر شواهد كثيرة لما أقول.
إن منهج : لدوا للموت وابنوا للخراب
ومنهج : نح على نفسك إن كنت تنوح
ومنهج الترهيب المعطل للحياة
هذا المنهج هو الذي نجده في بعض المواعظ والدروس (التمثيلية) نعم أقول:(التمثيلية) التي يتحول فيها الواعظ إلى ممثل تراجيدي في طريقة عرضه لفكرة الحياة والموت وفي تركيزه على جانب من الحياة ، ويغدو مثل هذا الوعظ كابوسا لا يستطيع سامعه أن ينام دون أن تصيبه الكوابيس.
في هذا الأسلوب من الوعظ إغفال أمر مهم هو أن الله تعالى قد جعل الإنسان مجلى أسمائه الحسنى في أبهى صورها وأجلاها
وأن هذا الإنسان بالنفخة الربانية المكرمة له صار كائنا فاعلا في الوجود لا منفعلا متأثرا فحسب
وأنه قد سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض لخدمته ولتوفير متطلبات الحياة له في هذه الأرض
لتتجلى على يديه وبما يكون منه آيات الله تعالى
وليدرك من هذه الآيات ما ينكشف له في عصره وفي النظر في توالي العصور ومنجزات الإنسان يدرك الإنسان عظمة الخالق وحكمته ورحمته.
أقول : إن هذا المنهج الذي قد كان من قبل نتيجة فهم جزئي للدين والحياة وخلق الإنسان
وكان ردة فعل أحيانا على انجراف المجتمع نحو الدنيوية التي تتغلب فيها الغفلة على القلوب والرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها مما يؤدي إلى الميل نحو الجهة الأخرى في ما عرف بظاهرة الزهد التي يتخلى الإنسان فيها عن الدنيا ومظاهرها
وامتدت هذه الظاهرة عبر التاريخ فتجلت أحيانا في التصوف السلبي الذي تحول فيه الذكر إلى مهنة تقام لها الزوايا ويأوي إليها من يتجردون للذكر
والأوقاف مرصودة لهم
والأرزاق دارة عليهم وهم يحسبون أنهم على المنهج الرشيد بانقطاعهم للذكر
وينسون أن المطلوب من المسلم أن يذكر الله تعالى على كل حال في السوق والحقل والمصنع والمستشفى والمدرسة.
والمطلوب من المسلم ألا يتعلق قلبه بالدنيا ولو ملك منها الملايين فذلك يكون في يده لا في قلبه
وقد تمثل هذا التكامل والنظرة الشاملة إلى الحياة والإنسان في شخص الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والسلام
وفي جيل الصحابة الذين فتحت الدنيا عليهم بعد الفتوح
فكانوا نماذج خيرة في التعامل مع الدنيا وزينتها.
إن من المهم لضبط النظرة للموت وتصوره تصورا صحيحا أن يكون واضحا في ذهن الإنسان جواب عن سؤال : لماذا خلقني الله تعالى
وما الذي يتجلى من خلالي وفيّ من الأسماء الحسنى
وكيف أسهم في عمارة الأرض التي تتجلى فيها آيات الله تعالى وأكون وأنا أعمر الأرض من العابدين.
الإنسان مخلوق مكرم
والحياة والخلق نعمة يشكر الله تعالى عليها
وليس الإنسان في ورطة
وليس الموت عقوبة بل هو جسر وبوابة ينتقل من خلاله إلى عالم الخلود ولكن تكون كذلك حين يدرك الإنسان المعنى الشامل للعبودية ويسعى إلى تحقيقها.
الله تعالى لم يقل لنا إن الدنيا هي دار القرار بل
قال: ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين )
ولم يقل إن كل بني آدم سواء بل ميز بين المؤمنين والكافرين ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )
وقال سبحانه : (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون).
في ضوء الفهم للحياة والإنسان يكون التصور للموت وما بعده.
|