الموت بوابة الخلود4
الأموات ليسوا سواء
د. مأمون فريز جرار
(كلمة إلى القراء الكرام :الحديث عن الموت مخيف لدى الكثيرين لا يحبونه ولايطيقونه وربما يعرضون عن قراءة ما يتعلق به وهذا ما أسعى إلى تغييره من خلال سلسلة : الموت بوابة الخلود ، إنه أمر لا بد منه فلماذا لا نعرف ما نحن مقبلون عليه ونهيىء أنفسنا له )
من المشكلات التي توجد تصورا سلبيا للموت لدى الناس أن بعض المتحدثين عنه لا يفرقون في الحديث بين ما يلقاه المؤمنون وما يكون لغير المؤمنين مما يجعل الصورة غائمة مضللة
فهل يستوي من آمن بالله وكتبه ورسله والملائكة واليوم الآخر ومن كان كافرا ؟
الجواب نجده في كتاب الله تعالى في أكثر من موضع فيها الحديث عن المؤمنين في الدنيا وعند الموت ويوم القيامة (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (أم حسب الذي اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون)
وحين حدثنا القرآن الكريم عن موت الذين كفروا قال : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) وأما المؤمنون فوصف حالهم بقوله : (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ) إذا
لا بد عند الحديث عن الموت أن يكون واضحا لدى المتحدث والسامع أن الأموات ليسوا سواء
حالهم حال المسافرين
فليس من يمشي على رجليه كمن يسافر في سيارة أو حافلة أو طائرة
فلكل مسافر بواحدة من هذه الوسائل أحوال مختلفة وليسوا جميعا سواء حين يصلون محطة الاستقبال فهناك من يستقبل استقبالا خاصا حافلا بحفاوة وتكريم في صالة كبار الزوار ويجد من يأخذ عنه متاعه وحقائب سفره ويستقبل في أحسن الفنادق وإذا كان مسؤولا قد ينزل في بعض القصور هذا حال مسافري الدنيا
وقل مثل ذلك في مسافري الآخرة الذين يعبرون قنطرة الموت إلى عالم البرزخ
فهم ليسوا سواء
ولكل منهم حال يناسب منزلته عند الله
ومنزلته عند الله مرتبطة بإيمانه وصالح عمله
ومن أوضح وأجمل من عبر عن الأحوال المختلفة للموتى التابعي أبو حازم الأعرج الذي دار حوار بينه وبين سليمان بن عبد الملك
ومن جملته حديث عن الموت وقد سأل سليمان أبا حازم سؤالا مهما يتردد على ألسنة بعض الناس هو : يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت؟
وكان الجواب الحكيم من أبي حازم الحكيم الذي يدرك الحقائق ويكشف الأسباب
فقال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب
وأقول :من الذي يكره الموت ؟
هل يكره الموت من يعلم أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ؟
هل يكره الموت من يعلم أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا ؟
هل يكره الموت من تزود بالعمل الصالح وهو يعلم أنه يقبل على رب كريم غفور رحيم ؟
الذي يكره الموت هو من رضي بالحياة الدنيا واطمأن بها والآخرة عنده ظن أو خيال أو وهم وليست حقيقة ثابتة
ولنقف على بقية ما له علاقة بالموت من كلام الحكيم أبي حازم ذلك الكلام الذي يكشف بنور العلم والإيمان ما يكون مع الإنسان عند موته وشتان بين حال المؤمن وحال الكافر قال سليمان : كيف القدوم على الله؟
وأقول: وهل كل القادمين على الله سواء ؟
قال أبو حازم : يا أمير المؤمنين ، أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه (أي العبد الهارب من سيده يرجع إليه قسرا )
كلام قليل لكنه بليغ كاشف عن حال الراحلين ليكون استقبال كل على مقدار حاله فشتان بين من يعود إلى أهله بعد غياب يستقبل بالحفاوة والترحاب
ومن يكون هاربا من سيده أو مجرما هاربا من سجنه هل يستويان ؟
ليس الناس عند الموت سواء كما أنهم لم يكونوا في الحياة سواء بل :
يموت المرء على ما عاش عليه
ويبعث على ما مات عليه.