لغز الموت/ د. مأمون فريز جرار
الموت بوابة الخلود 5
لغز الموت
د. مأمون فريز جرار
مع أن الموت حقيقة لا يماري فيها مؤمن ولا كافر إلا أنه لكثير من الناس لغز محير يقفون أمامه عاجزين حائرين
ذلك أن مما يثيره الموت سؤال هو:
ما الذي يؤدي إلى موت الإنسان؟
هل المرض سبب للموت ؟
هل الكبر سبب للموت ؟
هل السفر سبب للموت ؟
وهكذا تتوالى الأسئلة وتتردد أصداؤها
ويظل الجواب حائرا في العيون وعلى الشفاه
ألم يقل زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي معبرا عن حيرته في الوقوف على سبب مقنع لحدوث الموت:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
تمته ومن تخطىء يعمر فيهرم
فليس للموت عنده قانون ولا سبب معلوم فجعله أمرا عشوائيا : خبط الناقة التي لا تبصر في الليل فما وقع تحت خفها داسته فمات وإلا نجا
والجواب الحاسم هو ما جاء في كتاب الله تعالى وعلى لسان نبيه محمد عليه وآله الصلاة والسلام
وهو القول الفصل الذي لا جواب بعده
حدثنا القرآن الكريم عن رحلتنا على هذه الأرض بدءا من خلق الله تعالى البشر من طين ثم نفخ الروح فيه ثم امتداد النسل عبر الأجيال من ماء مهين
ولكل مخلوق من بني آدم وقت تكوّن وتخلّق ومدة حياة ووقت رحيل وقت الرحيل هو ما سماه القرآن الكريم : الأجل وهو لحظة انطفاء نور الحياة في الجسد وانفصال الروح عنه وتعطل أجهزته مما يحوله إلى جثمان يجعل أحب الناس إليه يعيدون جسده إلى أمه الأرض التي منها خلق
وبنفخة الروح صار إنسانا متميزا عما سواه من الكائنات
ومجلى للأسماء الحسنى في أبهى صورها
وسيدا للأرض سخر الله تعالى له ما في السماوات والأرض لتتحقق له شروط الحياة ويتمكن من عمارة الأرض وعبادة الله
قال سبحانه : (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ہ هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (غافر 67 - )68
وقال سبحانه (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) (آل عمران )145
وقال : (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ) (المنافقون )11 وقال رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام :
"لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"
والأجل هو الوقت المحدد لوقوع الشيء أو استيفائه
فأجل الدين وقت سداده
وأجل الإنسان وقت وفاته وانفصال روحه عن جسده
إن الأجل المحدد هو الذي يفسر موت الإنسان أحيانا من غير سبب ظاهر مما يسميه الأطباء سكتة قلبية او يضعون له أسبابا
ولكن الجواب هو :الأجل
ومن لغز الموت ما نراه من وفيات قد يقف العقل أمامها حائرا وأضرب أمثلة واقعية شهدتها ولكل قارئ تجاربه وحوادث شهدها تضاف إلى ما أقول : موت شاب في يوم احتفاله بتخرجه في الجامعة نام ولم يصح .
وموت فتاة في عز الشباب بعد يومين من كتب كتابها ومن غير مرض ظاهر : استلقت في الظهيرة لترتاح قليلا فكانت نومتها الأخيرة .
وقل مثل ذلك في ميتات كثير من الناس في مختلف الأعمار يقف المرء متسائلا : لماذا ولا يجد جوابا
وأقول : في سورة الكهف بعض الجواب في قصة موسى مع العبد الصالح حين قتل الغلام
وفي إيماننا بحكمة الله من قبل ومن بعد وأنه ما من شيء في هذا الوجود وجد عبثا بل وراءه حكمة بالغة قد ندركها وقد تخفى علينا ومن حكم الله التي لا تخفى علينا أن يبتلي عباده بالخير والشر فتنة أي اختبارا لإيمانهم ليظهر من يجزع ويسخط فيبوء بالإثم وليظهر استسلام المؤمن لربه الذي أعطى ولربه الذي أخذ وليردد بيقين : إنا لله وإنا إليه راجعون
ومن الآيات التي تحدثت عن الموت والحياة والابتلاء وهي كثيرة قوله تعالى : (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ہ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) (الملك 1 - 2)
ولعل مما ينبغي التنبه إليه في الآية الثانية الحديث عن خلق الموت فالموت مخلوق وليس عالم فناء
وسنرى من بعد إن شاء الله حديث القرآن الكريم والحديث الشريف عن الموت وتفصيلاته لنجد أنفسنا أمام عالم غيبي لا أمام عدم وزوال .
|