رد: تقرير حال القدس خلال الفترة من كانون ثانٍ/ يناير حتى حزيران/ يونيو 2012
[align=justify]تابع: تقرير حال القدس خلال الفترة من كانون ثانٍ/ يناير حتى حزيران/ يونيو 2012
نتنياهو في ذكرى احتلال شرق القدس: "إسرائيل" بلا القدس كالجسد بلا القلب
احتفلت دولة الاحتلال الإسرائيلي في 20 أيار/مايو بالذكرى الخامسة والأربعين لضم شطر القدس الشرقي للشطر الغربي وإعلانها عاصمة لـ"إسرائيل". وكما هي الحال في كل سنة، تم إحياء الذكرى، مع ما تحمله من تكريس لاحتلال القدس، على المستويين الشعبي والرسمي، احتفالات ومسيرات وأغانٍ ورقصات وصلوات ومحاضرات تركّز على أهمية القدس بالنسبة لـ"إسرائيل" وتمسكها بها كاملة عاصمة للشعب اليهودي.
فعلى المستوى الشعبي، شارك حوالى 30,000 مستوطن إسرائيلي في ما يعرف بمسيرة الأعلام التي انطلقت من منزل بنيامين نتنياهو في غرب القدس باتجاه البلدة القديمة مرددين هتافات عنصرية ضد العرب والمسلمين ومطالبين بهدم المسجد الأقصى وبناء المعبد المزعوم. وقد عززت قوات الشرطة من وجودها في البلدة القديمة لتأمين السلامة للمشاركين في المسيرة وفرضت على أصحاب المحال إقفال محالهم التجارية وذلك "لمنع الاحتكاك الزائد في هذا اليوم"، وفق البيانات التي وزعتها شرطة الاحتلال. وشاركت في الاحتفالات شركة "سيتي باس"، المشغلة للقطار الخفيف، فاستقدمت موسيقيين عزفوا أغاني للقدس وألحانًا كلاسيكية فيما وزع مفتشو القطار الحلوى على المارة في محطات القطار المختلفة.
وعلى المستوى السياسي، أقرت الحكومة الإسرائيلية خلال جلسة احتفالية عقدتها في ما يعرف "بتلة الذخيرة" بشرق القدس، سلسلة من الخطوات والميزانيات الهادفة لتعزيز الوجود الإسرائيلي في المدينة. وقد وافقت الحكومة على اقتراح إقامة أحياء استيطانية لمصلحة رجال الأمن، إضافة إلى إعفاء المستثمرين من المشاركة في عطاءات تتعلق بالأراضي بهدف تشجيع إقامة اليهود فيها. كذلك أقرت الحكومة ميزانية بقيمة 350 مليون شيكل (91 مليون دولار) تصرف على مدى السنوات الست المقبلة لتوسيع المرافق الســياحية العامة وتطوير البــنية التحــتية وتوسيــع وحماية المناطــق المفتوحة داخل المدينة ومواصلة أعمال ترميم المقبرة اليهودية في جبل الزيتون.
وقد اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في خطاب ألقاه في الاحتفال المركزي الذي أقيم على تلة الذخيرة، أن تنازل "إسرائيل" عن سيادتها على جزء من المدينة لن يجلب السلام بل سيؤدي إلى حرب دينية. وإذ شبّه القدس بالقلب من "إسرائيل"، فقد تعهد بعدم تقسيم هذا القلب مجددًا حيث إن الأمة التي تتنازل عن قلبها يتوقع منها أعداؤها أن تتنازل عن أي شيء آخر. واعتبر نتنياهو أن إبقاء القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية من شأنه أن يفيد الديانات الرئيسة الثلاث التي تنظر إلى القدس كمدينة مقدسة مؤكدًا أن "إسرائيل" عملت منذ 45 عامًا على بناء المدينة وتطويرها وستستمر في ذلك.
وفي الجلسة الخاصة لبرلمان الاحتلال التي عقدت في 21/5، قال نتنياهو إن القدس ستبقى عاصمة "إسرائيل" إلى الأبد مشددًا على أن التنازل عن المعبد (المسجد الأقصى) لن يجلب السلام بل سيؤدي إلى التدهور واحتمال صعود الإسلام المتطرف في منطقتنا والعالم. الجلسة هذه افتتحها رئيس البرلمان، روفين ريفلين، حيث قال إن "اللامبالاة تجاه القدس إنما تعني فشل المشروع الصهيوني بينما غياب القدس من هويتنا الإسرائيلية وهوية أبنائنا سيشكل خللاً رئيسًا في هويتنا". تحدثت في الجلسة أيضًا رئيسة المعارضة في برلمان الاحتلال شيلي يحيموفيتش التي قالت إنه على عاتق الإسرائيليين مسؤولية تحويل القدس إلى منارة للعدالة والمساواة والسلام. كما أضافت إنه على "القدس، عاصمتنا، تقع المسؤولية في أن تكون مدينة لا تثير النزاعات بل تحلها بشجاعة وتسامح".
وفي ما بدا تغريدًا خارج السرب، حثّ رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، قادة "إسرائيل" على التنازل عن أجزاء واسعة من القدس للسلطة الفلسطينية إن كانوا يريدون السلام وذلك في مقابلة معه نشرتها معاريف في 20/5/2012. واعترف أولمرت أنه خلال فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية (2006 - 2009)، كما في فترة ترؤسه لبلدية الاحتلال في القدس (1993- 2003)، لم يكن يولي شرق القدس أي اهتمام. وهو حينما يقول إن القدس مدينة متطورة فهو لا يعني سوى غرب القدس والأحياء اليهودية. وخلص أولمرت إلى ما أسماه "استنتاجات محزنة" بالنسبة لمستقبل القدس كمدينة موحدة حيث إن الحكومات الإسرائيلية عاجزة، أو غير راغبة في استغلال موارد المدينة وثرواتها كيلا يبقى توحيدها مجرد شعار وإنما يتحول إلى حقيقة. ونظرًا إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1967، بما فيها حكومته، لم تقدم على أي خطوات من شأنها توحيد القدس فعليًا، فإنه وبظل هذه "المأساة" سيكون على "إسرائيل" أن تقدّم تنازلات سياسية حتمية. وذهب أولمرت أبعد من ذلك عندما اعتبر أن القدس لم تكن وقتًا موحدة وعلى "إسرائيل" التخلي عن هذا الشعار وضرورة مواجهة الواقع كما ذكّر أن أيًّا من جبل المكبر أو أبو ديس أو العيسوية أو سائر الأحياء العربية لم تكن وقتًا جزءًا من "إسرائيل التاريخية" ولم تسبب لـ"إسرائيل" سوى الأسى.
وقد أثارت تصريحات أولمرت موجة من الردود المستنكرة فقال ريفلين إن المشاكل التي تواجه القدس لن تحل بتقسيم المدينة مذكرًا بأن أولمرت لطالما استخدم شعار "بيرس سيقسم القدس". أما جدعون ساعر، وزير التعليم الإسرائيلي، فقال إن التنازل السياسي استنفذ عندما أنهى أولمرت ولايته كرئيس للحكومة وإن القدس لم تكن عاصمة أي شعب آخر غير الشعب اليهودي. وفي رد على اعتراف أولمرت بإحجامه عن الاستثمار في شرق القدس خلال توليه رئاسة البلدية، قال نير بركات، رئيس بلدية الاحتلال الحالي، "يؤسفني أن أسمع بأن أولمرت اعترف بأنه لن يستثمر في شرقي المدينة، وإهماله للمدينة بالفعل ملموس جيدًا. في عهدي تُستثمر بدعم من رئيس الوزراء والوزراء مئات الملايين لتقليص الفوارق في شرقي المدينة بشكل غير مسبوق. الأمر الصحيح عمله في القدس يتجلى في مواصلة الاستثمار والتوحيد بدلاً من الهرب ودس الرأس في الرمال مثلما جرى في الماضي".
إن الجنوح الإسرائيلي العام نحو إبقاء القدس "قلبًا" واحدًا موحَّدا موحِّدا لليهود في إطار عاصمة أبدية لهم لا يكسر من حدته موقف أولمرت الذي يشير إلى ضرورة القبول بالتقسيم كحاجة يفرضها الواقع كما أن المواقف المتشددة الرافضة لما قاله أولمرت تؤكد أن المراهنة على أي تغير مستقبلي في السياسة الإسرائيلية أمر بعيد المنال. فدولة الاحتلال لن تقبل التخلي عن المسجد الأقصى أو الأحياء العربية لأن ما تسعى إليه يتعدى المحافظة على الموارد إلى تثبيت السيادة والهوية. وبطبيعة الحال، فإن هوية القدس لا تحددها أهواء الاحتلال وإنما يحددها التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا. وبين جوهر القدس العربي الإسلامي ومحاولات تهويدها معركة لا يُتوَقَّع لها أن تنتهي إلا بزوال الطارئ و سيادة الأصل وعودة الحق إلى أصحابه.
أسبوع الأنوار: مزيد من محاولات التهويد وطمس هوية القدس العربية والإسلامية
أقيم في محيط الأقصى والبلدة القديمة مهرجان أسبوع الأنوار في الفترة الممتدة بين 6 و14 حزيران/يونيو وذلك بالتزامن مع الذكرى الخامسة والأربعين لحتلال شرقي القدس والمسجد الأقصى. المهرجان الذي أقيم للسنة الرابعة على التوالي تم بالتنسيق بين بلدية الاحتلال في القدس وسلطة تطوير القدس وسلطة الآثار ووزارة السياحة ورعته عدة جهات إسرائيلية من شركات خاصة ووسائل إعلام.
وقد تم توزيع خرائط ضخمة بالقرب من بوابات البلدة القديمة وأخرى باللغات العبرية والروسية والإنجليزية توضح مسار أسبوع الأنوار بألوان برتقالية وخضراء وزرقاء، وتسمية مواقع العرض والأبواب باللغتين الإنجليزية والعبرية. وتضمّن المهرجان فعاليات مختلفة من فرقة موسيقية وعروض لحيوانات بلاستيكية، وأشخاص يرتدون لباسًا مُضاءً ويقومون بعروض مصاحبة للموسيقى، وأضواء وألعاب وألوان تظهر على أسوار البلدة القديمة ومقاعد مضاءة. واستمرت العروض يوميًّا من الساعة الثامنة مساءً لتنتهي بتوافد مئات الإسرائيليين من المدن والمستوطنات كافة بالحافلات والسيارات الخاصة والقطارات لمشاهدة اختتام المهرجان حيث خصصت بلدية الاحتلال في القدس موقف الشيخ جراح (تلة الذخيرة) لوقوفهم كما أمنت المواصلات منها إلى البلدة القديمة.
وكان من أبرز المظاهر الاحتفالية قبة شبيهة بقبة الصخرة المشرفة نُصبت عند باب الخليل، مليئة بالإضاءة والألوان والزخارف وبداخلها موسيقى صاخبة فيما رقص بداخلها أعداد كبيرة من اليهود. وتُعرف هذه القبة بأنها "خزانة التوراة" وهي موجودة بشكل مصغر في الكنس اليهودية كافة ، وتعتبر "الخزانة" شعارًا ورمزًا توراتيًا وهي من ضمن المظاهر والرموز التي تسعى من خلالها سلطات الاحتلال إلى إضفاء صبغة يهودية على المدينة في إطار سعيها المتواصل لتهويدها.
وفي النشرة التي وُزعت للتعريف عن الاحتفال حلّت الأسماء العبرية محل الأسماء العربية لبعض الأماكن في القدس فاستُبدل "شارع هاجاي" بشارع الواد، كما ظهر "شارع مدينة داود" مكان الشارع الرئيس في سلوان، وسمي المسجد الأقصى بـ"جبل المعبد" وحارة الشرف بـ"الحي اليهودي". كذلك استعيض عن مغارة سليمان بـ"مغارة صدقياهو" فيما سُمي باب الخليل بـ"شارع دافيد" وباب الجديد بـ"تسنحنيم".
وفي بيان صادر في 31/5، قالت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث "إن الاحتلال يستعمل شعار الفن من أجل تغيير الطابع الإسلامي والعربي للبلدة القديمة بالقدس ومحيط المسجد الأقصى، بحيث إن الفعاليات الفنية المصاحبة لفن توزيع الأضواء ومشاركة المغنّين الإسرائيليين والأجانب، والتي تنظم على خلفيات المعالم الإسلامية والعربية التاريخية تتنافى بشكل كامل مع الحضارة الإسلامية والعربية العريقة في مدينة القدس، مما يجعل المهرجان تهويديًا بامتياز ويجب مقاطعته بشكل كامل". كذلك انتقدت الهيئة الإسلامية المسيحية المهرجان معتبرة أن "انعكاس الألوان والأغاني على جدران المساجد والكنائس وبوابات الأقصى استفزاز لمشاعر ملايين المسلمين والمؤمنين في العالم، وأن تعالي أصوات الأغاني والموسيقى انتهاك لحرمة الأقصى وقدسية القيامة".
ويعتبر أسبوع الأنوار من أخطر المظاهر التهويدية التي تسعى إلى تغطية الطابع العربي والإسلامي بآخر يهودي لا ينتمي إلى المدينة ولا تنتمي إليه. وما يزيد من خطورة هذا المهرجان أنه يتوسم الثقافة والفن سبيلاً للتهويد ويمكّن سلطات الاحتلال من تمرير سياساتها في صدى الصوت وانعكاس الضوء وفي التفاصيل التي قد تضيع في ظل الانشغال بصخب الموسيقى والألوان و"الأنوار". وإن المهرجان إذ يقع في إطار التهويد الثقافي فإن التصدي له ولما يماثله من مهرجانات واحتفالات واجب على مختلف الجهات المقدسية التي ينبغي أن تنشر الوعي حيال هذه الاحتفالات التي تظهر فنًّا وتبطن تهويدًا من أجل تجنب المشاركة بها والتساوق معها.
ب. تطور مشروع التهويد الديموغرافي
نتنياهو: سنستمر في تقوية الحركة الاستيطانية وتقوية الديمقراطية
كما سائر المشاريع التهويدية في القدس فإن مشاريع الاستيطان لم تهدأ وتيرتها في الفترة التي يغطيها التقرير في إطار السعي الإسرائيلي الدائم إلى فرض الحقائق على الأرض وتعزيز الوجود اليهودي في المدينة.
ففي آذار/مارس، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن مخطط لبناء سبعة أبراج بارتفاع 25 طبقة في مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس، تضم 750 وحدة استيطانية، على مساحة من الأرض تصل إلى 32 دونمًا. وبحسب تقرير أصدرته وحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فإن اللجنة المحلية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال كانت قد صادقت على تراخيص لبناء 55 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "جبل أبو غنيم" جنوب القدس، ضمن ما يعرف بـ"المخطط "ب" من تلك المستوطنة، والمتضمن بناء 4000 وحدة استيطانية تم بناء 3000 وحدة منها إلى الآن.
وفي نيسان/أبريل، أعلنت سلطات الاحتلال عن توسيع البؤرة الاستيطانية "نوف صهيون" الواقعة في جبل المكبر جنوب القدس المحتلة لإقامة 217 وحدة استيطانية ضمن مشروع توسعي جديد لاستكمال مشروع سابق بُدىء فيه ببناء 100 وحدة سكنية. كذلك صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتنظيم والبناء في القدس على مخطط لبناء 1100 وحدة سكنية وغرف فندقية في مستوطنة "جفعات حماتوس" الواقعة خلف الخط الأخضر بين بلدة بيت صفافا وشارع الخليل ومستوطنة "جيلو" جنوب مدينة القدس. وقد استنكرت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات المصادقة مؤكدةً أن السياسة الاستيطانية تهدف لخلق واقع جديد ومعالم يهودية في مدينة القدس لسلخها عن واقعها العربي الإسلامي، لتكون مدينة يهودية لليهود فقط وعاصمةً لهم. وقال أمين عام الهيئة، الدكتور حنا عيسى، "إن الإحتلال يسعى من خلال هذه المشاريع الفندقية والسياحية لضرب السياحة العربية الفلسطينية في مدينة القدس ومدينة بيت لحم القريبة، حيث ستصبح هذه المشاريع والفنادق قبلة للسياح والأجانب وبذلك ستدعم الاقتصاد الإسرائيلي". كما دانت فرنسا هذا المشروع داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه.
وصادقت سلطات الاحتلال على ثلاثة مخططات استيطانية جديدة لإضافة 2242 وحدة لتوسيع مستوطنة "جيلو" جنوب القدس المحتلة فيما كشفت أسبوعية "يروشاليم" في 11/5 عن أن مخططًا قُدّم لبلدية الاحتلال لإقامة 14 وحدة استيطانية في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وذلك على أنقاض مبنىً مكون من طبقتين تم شراؤه مؤخرًا. وأشارت الصحيفة إلى أن "المشتري" الإسرائيلي ينوي إقامة المساكن الاستيطانية الجديدة مكان البناء القائم، ووفقًا للمخطط سيكون ارتفاع المبنى الجديد خمس طبقات، أي بارتفاع مبنى الصليب الأحمر المجاور له. ووافقت حكومة الاحتلال في اجتماعها بمناسبة ذكرى "توحيد القدس" على اقتراح لإقامة أحياء استيطانية لصالح رجال الأمن، وإعفاء المستثمرين من ضرورة المشاركة في عطاءات تتعلق بالأراضي بهدف تشجيع إقامة سكان "أقوياء" في المدينة.
وكشفت صحيفة "هآرتس" في 29/5 أن بلدية الاحتلال في القدس، وبالتعاون مع وزارة السياحة الإسرائيلية، رصدت أربعة ملايين شيكل (نحو مليون دولار) لمشروع استيطاني جديد في حي سلوان الواقع جنوبي المسجد الأقصى في القدس المحتلة، تحت شعار تشجيع السياحة.
كما كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، في 23/6، أن بلدية الاحتلال في القدس المحتلة تساوم من أجل بناء حي يهودي في بلدة أبو ديس مقابل بناء آلاف الشقق للفلسطينيين. وقالت الصحيفة بأن نير بركات، رئيس بلدية الاحتلال، يحاول أن يعقد صفقة مع اليمين والمتدينين، حيث اقترح أن يمكنوه من المصادقة على البناء للعرب مقابل بناء الحي اليهودي "كدمات تسيون" في أبو ديس، مشيرة إلى أن "إجراءات الموافقة على هذا الحي اليهودي مجمدة منذ سنين طويلة بسبب ضغط أميركي". وبحسب الصحيفة، يعتقد اليمين أن بركات يحاول أن يشتريهم في مزاد علني في فترة تناضل فيها القدس للحفاظ على الأكثرية اليهودية، كما أن اليسار يرفض الصفقة باعتبار أن إقامة هذا الحي سيلحق أضرارًا شديدة باحتمالات تسوية في القدس في إطار "عملية السلام". وتبدو هذه الخطوة من قبل بركات محاولة لترجمة الحديث عن وحدة القدس واقعًا عمليًا، حتى فيما عنى السكان العرب.
وتعليقًا على الاستمرار في بناء المستوطنات والمصادقة عليها قالت رئيسة مراقبة البناء الاستيطاني في حركة "السلام الآن"، حجيت عفران، إن حكومة نتنياهو تفرض واقعًا جديدًا على الأرض قبل الانتخابات النيابية. فيما قالت الهيئة الإسلامية المسيحية إن الاستيطان في القدس يغلق المجال أمام أي حل سياسي معتبرة أن الاستيطان كالسلاسل الحديدية يكبل القدس المحتلة. وفي المواقف الدولية، أعادت فرنسا التأكيد أن الاستيطان في الضفة الغربية وشرقي القدس غير شرعي وفقا للقانون الدولي، مشددة على أن التواصل غير المتقطع للاستيطان في شرقي القدس هو مدان، ويجعل من الصعب أن تكون القدس عاصمة لدولتين وفق اتفاق السلام.
وقد يكون التطور الأبرز في هذه الفترة تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 22/3، إنشاء لجنة لتقصي الحقائق بشأن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، لا سيّما فيما يتعلق بالاستيطان، وأثرها على حياة الفلسطينيين. ولكن رد الفعل الإسرائيلي على هذا القرار لم يخرج عن سياقه المألوف حيث جرى التأكيد على أن "إسرائيل" لن تتعاون مع لجنة تقصي انتهاكات المستوطنات لحقوق الفلسطينيين، وأن أداء المجلس الأممي "مثير للسخرية". كما انتقد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تبنّي مشروع قرار تشكيل اللجنة واصفًا مجلس حقوق الإنسان الأممي بـ"النفاق". وقد أيد القرار 36 عضوًا من المجلس وامتنع 10 أعضاء عن التصويت لتتفرد الولايات المتحدة بمعارضته، وهو موقف معهود من الراعي الرئيس للسياسات الإسرائيلية.
بين مطرقة الترخيص وسندان الأرنونا: المقدسيون في مواجهة السياسات الإسرائيلية التهجيرية
أقر برلمان الاحتلال في 1/1/2012 الزيادة على ضريبة الأرنونا التي كانت قد تمت مناقشتها في تشرين ثانٍ/نوفمبر 2011. واستنادًا إلى هذا القرار، تطبق الزيادة على الضريبة بواقع 3% ابتداءً من مطلع عام 2012.
والأرنونا، أو ما يعرف بالمسقفات، ضريبة إسرائيلية كانت مفروضة على المساكن والمحال التجارية في غرب القدس حيث الأغلبية الإسرائيلية. وقد فرضتها دولة الاحتلال على سكان شرق القدس عقب احتلالها هذا القسم من المدينة عام 1967. وتفرض هذه الضريبة من قبل البلدية بمعدلات تختلف من منطقة إلى أخرى وبحسب الأحياء ونوع المبنى ومساحته. ويظهر الجدول التالي قيمة الضريبة بالمتر المربع حسب المنطقة وفئة المبنى:
الفئـة------ نوع البناء------ المعيار------ أ---- ب---- ج---- د
1 شقة مساحتها تتجاوز 120 م2----- 98.11---- 89.15---- 68.78---- 56.22
2 شقة مساحتها حتى 120 م2---- 81.28---- 65.20---- 48.53---- 35.04
3 شقة مع مساحة خارجية أو مشتركة 57.18---- 42.53---- 35.04---- 35.04
4 شقة في مبنى من الخشب أو الحديد 35.04---- 35.04---- 35.04---- 35.04
(القيمة بالشيكل / الشيكل = 0,27 دولار)
وهذه الضريبة، المفروضة من حيث المبدأ مقابل الخدمات التي تقوم بها البلدية، تجبى من المقدسيين دون أن تؤمن لهم إلا النزر اليسير من الخدمات. وعلى الرغم من ذلك، فقد صرح مسؤولون في البلدية لوسائل الإعلام بالقول إن رفع ضريبة الأرنونا يأتي نتيجة لزيادة الخدمات التي تقدمها السلطات الإسرائيلية للمقدسيين. وبحسب فخري أبو دياب، رئيس اللجنة الفلسطينية للدفاع عن حي سلوان في شرق القدس، فإن التبريرات الإسرائيلية غير صحيحة لأن تقديمات البلدية قليلة جدًا بالمقارنة مع الضرائب التي تجبى من المقدسيين. وقال مسؤول ملف القدس في ديوان الرئاسة الفلسطينية، أحمد الرويضي، إن ما يقدم للسكان الفلسطينيين من خدمات لا يتجاوز 12% فقط من محصلة ما يجبى من أموال تحت مسمى ضريبة الأرنونا.
وبحسب القانون الدولي، يجوز لدولة الاحتلال فرض الضرائب على المواطنين المحتلين ولكن لصرفها عليهم. ولكن الوضع ليس كذلك بالنسبة لشرق القدس حيث إن الضرائب التي تجبيها سلطات الاحتلال من المقدسيين لا تصرف عليهم بل إنها تصرف بمعظمها على اليهود والمستوطنين. وفي إشارة إلى التمييز في فرض الضريبة، قال أبو دياب إنه "بإمكان الإسرائيليين أن يسكنوا في أي مكان وفي أي منزل مستولى عليه، وليسوا مضطرين للسكن في منطقة محددة ضمن حدود البلدية مثل الفلسطينيين، بالإضافة إلى أنهم يحصلون على محفزات من الحكومة، كما أن الضرائب عليهم أقل ومربوطة بنوعية الخدمات، بينما الضرائب على الفلسطينيين أعلى وعليهم أن يدفعوها بغض النظر حصلوا على الخدمات أم لا". وبالنسبة للمقدسيين، فإن دفع الأرنونا مرتبط بالإقامة في القدس تحت طائلة سحب المواطنة ممن يثبت عدم اتخاذهم القدس مركزًا للحياة عملاً بالقانون الذي سن أواخر عام 1998.
وتعمل "إسرائيل" من خلال الأرنونا على التضييق على المقدسيين لتدفعهم إلى مغادرة المدينة أو إغلاق مصالحهم التجارية فيها. فعلى سبيل المثال، تلجأ سلطات الاحتلال إلى التسويف في جباية الضريبة مع غراماتها المتراكمة والتي تصل أحيانًا إلى مبالغ تعادل ثمن العقار ومن ثم تطالب بدفعها وتعمد إلى توقيع حجز على العقار لدفع صاحبه إلى بيعه أو أنها ترسل الضريبة مع فواتير المياه لتقطع مياه الشرب عن المقدسيين الذين يعجزون عن سداد الضريبة ودفع ثمن المياه في الوقت ذاته. كما أنها تفرض ضرائب على أصحاب المحال التجارية تفوق أحيانًا قيمة دخلهم منها خلال عام وذلك نتيجة لتراكم الغرامات، الأمر الذي يدفع أصحابها لإغلاقها. وبالنتيجة، فإن هذه المحال تصادر بمحتوياتها لحساب تسديد الضرائب ما يترتب عليه تسريب الأملاك الفلسطينية إلى دولة الاحتلال. كما أن البلدية تلاحق العاجزين عن الدفع أمام القضاء وتحرص على استصدار أحكام قضائية لمصادرة أثاث منازلهم أو الحجز على حساباتهم البنكية إن وجدت.
وعمدت سلطات الاحتلال، اعتبارًا من آذار/مارس 2012، إلى الاستعانة بطائرات الاستطلاع وخريجي سلاح الاستخبارات وبرامج شعبة الاستخبارات (أمان) للكشف عن الأبنية الجديدة في شرق القدس وتحديد ملكية العقارات. وقد تمّ رصد 5,000 وحدة سكنية جديدة لا تدفع عنها رسوم الأرنونا فيما أكّد مصدر في البلدية أنه سيصار إلى تحديد أصحاب هذه الوحدات بهدف ربط السكان والعقارات لتوفير الخدمات البلدية. إلا أن الجهود الحثيثة للبلدية لمطابقة العقارات ومالكيها من جهة وتقشفها في الخدمات التي تقدمها للمقدسيين من جهة أخرى لا يتركان مجالاً للشك في أن البلدية تسعى لأحد أمرين: هدم المنازل التي بنيت بدون ترخيص أو فرض الأرنونا على من لا يدفعونها تمهيدًا لملاحقتهم. وبين مطرقة التضييق في منح تراخيص البناء وسندان الأرنونا يبقى المقدسيون مهددين بسحب الهوية والطرد من المدينة.
وقد يساعد المقدسيين في مواجهة الأعباء التي تترتب عليهم من هذه الضريبة، ولا سيما الغرامات التي تتراكم عليهم جرّاء التخلف عن دفعها، توكيل جهات مختصة التأكد من تسديد المقدسيين للأرنونا في وقتها تفاديًا للغرامات الضخمة التي تترتب نتيجة التخلف عن الدفع. وفي الوقت ذاته، ينبغي توكيل جهات قانونية العمل على الجانب القانوني من المسألة لناحية أن دولة الاحتلال تخالف القانون الدولي على هذا الصعيد تحديدًا كونها تجبي الضرائب من المحتلين دون أن تؤدي الخدمات الواجبة لهم عليها – وذلك إلى أن يتم إنهاء الاحتلال.
يتبع [/align]
|